تزايدت في الآونة الأخيرة نغمة العداء للنساء سواء بالتحرش الجنسي المادي بهن من الشوارع وأماكن العمل حتي أن منظمات نسائية تطالب بسن قانون واضح يغلظ العقوبة ضده أو التحرش المعنوي الإعلامي والإعلاني، فقد راجت في الآونة الأخيرة إعلانات تحذر الرجال من انتقاص رجولتهم لو أنهم أكلوا شيئا معينا أو لم يشربوا شيئا آخر، وفي هذا الإعلان علي نحو خاص جرت الإشارة إلي الأنوثة – نقيضة الرجولة – باعتبارها شيئا مخجلا لا يجوز الإفصاح عنه، ووضع المعلنون نقاطا مكان الكلمة.. وأصبح مفهوم الرجولة مرتبطا مباشرة بالفحولة. هذا فضلا عن سلسلة الإعلانات المخجلة التي أرجو أن تكون وزارة الصحة قد انتبهت لها عن المنشطات الجنسية التي تجعل الرجل قويا بمعني الفحولة أيضا، بصرف النظر عن قيمه وإنجازاته وأخلاقه. وتصور إعلانات أخري النساء ككائنات مخادعة أو خاضعة مغلوبة علي أمرها أو تتفنن في استغلال «أنوثتها» لتحقيق مكاسب باعتبار أن هذا هو نموذج المرأة التي ارتكبت الخطيئة الأولي طبقا لبعض الديانات والفلسفات، ولكن الطامة الكبري هي هذا السيل من المسلسلات التي انهالت علينا في «رمضان» وفيها نموذجان تفصيليان للنساء الخاضعات الذليلات في «الزوجة الرابعة»، أما النموذج الآخر فهو النساء الشريرات المتفننات في نسج المكائد في «كيد النسا» والواقع أنني لم ألتفت إلي هذين المسلسلين – وربما هناك غيرهما – إلا عندما كتب الزميل الشاعر «فاروق جويدة» مستنجدا بمنظمات المجتمع المدني والحركات النسائية المصرية حتي تتصدي لهذه الصور الفقيرة أحادية الجانب التي تنم عن احتقار النساء والتقليل من شأنهن والانتقاص من أدوارهن التي تتزايد سواء في الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية، وهو التزايد الذي لم ينعكس – لأسباب يطول شرحها – في التمثيل السياسي للمرأة. وإذا ما توقفنا عند مفهوم الرجولة التي تختزله هذه الإعلانات والمسلسلات من الفحولة سوف نجد أنه يعبر عن تيار في الثقافة يزداد وضوحا كلما تفسخ المجتمع وتراجعت قيمه الإيجابية وعلاقاته الصحية في ظل سيادة الرأسمالية الوحشية التي ولدت قيم الفهلوة والربح الخاطف والروح التجارية التي تخاصم الإنتاج والاجتهاد وتحتقر العمل وتراهن علي المضاربات وضربات الحظ، وعندما انهارت القاعدة الإنتاجية للبلاد نتيجة سياسات الليبرالية الجديدة مع صعود الإسلام السياسي كان لابد أن تكون القوي الضعيفة في المجتمع هي الضحية الأولي لهذه السياسات، وعلي رأس القوي الضعيفة توجد النساء والفلاحون الفقراء والمهمشون. وقد نجح التاريخ الطويل للتمييز ضد النساء الذي امتد لآلاف السنين وغرس جذورا قوية في كل الثقافات الإنسانية مرتبطا بالدور الإنجابي للمرأة وبخصائص جسدها في تجذير الصورة النمطية المرتبطة بالديانات والفلسفات القديمة والتي رأت أن المرأة كائن ضعيف فاسد بطبيعته وهولا لأنها صنو الخطيئة والدنس، أما الرجل فهو القوي الممثل للخير والشرف حامي القبيلة وحامي المرأة والأطفال. وفي حالة التدهور الثقافي – كتلك التي نعيشها في أيامنا هذه – يجري اختزال القوة المفترضة للرجال في الفحولة الجنسية وتتراجع أي اعتبارات أخري، ويجري تحقير المرأة باعتبارها موضوعا للجنس ومن يتابع الهجوم الشائن الذي يشنه واحد ممن يسمون أنفسهم رجال دين الآن علي الفنانة «إلهام شاهين» يجد تجسيدا شاملا لمثل هذه المفاهيم للرجولة والأنوثة حين تحمل قناعا دينياً حيث المرأة «موطوءة» علي حد تعبيراتهم المبتذلة. ويسير هذا التوجه الرجعي المعادي للنساء – والذي لا يخلو من الخوف من قدراتهن – يسير علي العكس تماما من اتجاه التاريخ حيث تتزايد أدوار النساء علي الصعيدين العالمي والمحلي ويكفي أن نشير إلي أن 30% من الأسر المصرية تعولها نساء كما يساهمن في إعالة ال 70% الأخري. ومن المفارقات الغريبة أن تنبعث هذه المفاهيم البالية في ظل نهوض حركة قوية للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق النساء وحرياتهن ويزداد إبداعهن في كل المجالات وبخاصة في مجال إنجاز ثورة 25 يناير التي شاركت فيها النساء علي نطاق واسع بصورة خلاقة لفتت نظر العالم كله إذ خرجن في المظاهرات وبتن في الميادين واستشهدن وكتبن اللافتات. ولكن صعود الإسلام السياسي الذي يري في المرأة عورة، متواكبا مع هيمنة سياسات الرأسمالية الطفيلية التي تري في المرأة سلعة كان لابد أن ينتج هذه الأفكار الاختزالية البائدة المعادية لإنسانية الإنسان فلا تري في الرجل إلا فحولته الجنسية ولا تري في المرأة إلا جسدها.