دور الضغوط الأمريكية والاسرائيلية في تغيير مسارات الثورات العربية بقلم | سمير كرم كلما صدر بيان من اللوبي الصهيوني في أمريكا – في اي مسألة من المسائل التي تتعلق بما يهم هذا اللوبي – وليست هناك مسألة في هذا العالم تبتعد عن اهتمامه، سواء كانت تمس الشرق الاوسط بصورة مباشرة او اي منطقة اخري من العالم – فان هذا البيان يكاد لا يخلو من تعبير “بلادنا”. وعلي الرغم من كثرة بيانات اللوبي الصهيوني التي تصدر بصورة شبه يومية عن هذه المنظمة او تلك من منظماته وتكرار عبارة “بلادنا” في كل من هذه البيانات، فان المرء لا ينجو في اي مرة من الوقوع في خطأ الاعتقاد بان المقصود بهذه العبارة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وليست اسرائيل. بيانات اللوبي الصهيوني الأمريكي لا تختلف من حيث التوجهات السياسية او الفكرية او الاستراتيجية او من حيث الاهداف عن بيانات المؤسسات الأمريكية البحثية والاعلامية – بما في ذلك ما هو تابع مباشرة للحكومة الأمريكية، وهي تقصد الشخصية الصهيونية الاسرائيلية في واقع الامر. إيباك لا نلبث ان نتبين ان بيان اللوبي الصهيوني انما يعني اسرائيل وهو يتحدث عن الولاياتالمتحدة. ينطبق هذا علي بيانات وابحاث وافتتاحيات “منظمة العلاقات العامة الاسرائيلية الأمريكية” (التي يشار اليها بكلمة ايباك للاختصار) كما ينطبق علي كل ما يصدره “معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني”. وهذان يعدان في الوقت الحاضر انشط منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا واكثرها نفوذا علي السياسة الخارجية الأمريكية بنوع خاص. بل يمكن القول بان معهد واشنطن يعامل علي قدم المساواة مع اكثر المعاهد الأمريكية اكاديمية علي اختلاف فروع تخصص هذه المعاهد. ان الصهاينة الأمريكيين الذين يدبّجون بيانات اللوبي الصهيوني لا ينقطعون ابدا عن الحديث عن أمريكا باعتبارها بلادهم حينما يكون حديثهم منصبا علي اسرائيل ومصالحها واهدافها. ولا يمكن للمرء ان يعرف علي وجه اليقين اذا كان كل أمريكي يقرأ اصدارات اللوبي الصهيوني يدرك هذه الحقيقة ام لا. انما لابد من القطع بان بعض من يقرأونها يدركون هذه الحقيقة سواء واءمت ميولهم السياسية والفكرية او تعارضت أوحتي تناقضت معها. ويمكن القول هنا بان نسبة عالية من الأمريكيين تقرأ هذه الاصدارات باعتبارها اصدارات أمريكية تتوجه نحو مصالح أمريكا واهدافها. وهكذا يقع الخلط الذي يقصد اليه الكتاب الصهاينة ويستندون اليه في تمويه القصد من استخدام عبارة “بلادنا” باعتبارها تعني الولاياتالمتحدة في حين ان المقصود هو اسرائيل تحديدا. الثورة العربية وينبغي ان لا نظن ان هذا الخلط الفادح انما يستخدم فقط بالنسبة لمناقشة قضية فلسطين. فانه يستخدم ايضا في المناقشة الصهيونية لقضايا مثل قضية الثورة المصرية والتطورات التي تحركها، وبالمثل في مناقشة احداث سوريا التي تمثل بالنسبة لاسرائيل تطورا بالغ الاهمية وتنتظر نتيجته بفارغ الصبر لتعرف اذا كانت ستجد الفرصة للتدخل لحسم هذه النتيجة لمصلحتها. وما ينطبق علي مصر وعلي سوريا ينطبق بالمثل علي ليبيا وتونس واليمن. وفي الوقت الراهن يتضح من تطوراته القصوي ان المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الامارات العربية المتحدة وكذلك مملكة البحرين تسير باتجاه المصالحة مع اسرائيل حتي انها تمارس الترضية احيانا والضغط احيانا أخري – بادوات المال بالدرجة الاولي وحتي الاخيرة لانها لا تملك ادوات غيره – لابقاء هذه البلدان العربية علي وئام مع اسرائيل سواء كان هذا الوئام يحكمه اتفاقيات ومعاهدات للسلام مع اسرائيل او ليس بعد. بل ان هذه الاصدارات الصهيونية تكشف عن ولاء لافكار وسياسات اسرائيل فيما يتعلق بايران وسياساتها واهدافها. حيث تكشف بوضوح ان اسرائيل انما تسعي من خلال اتساع نطاق علاقاتها العربية الي التأكيد علي ممارسة سياسات العداء لايران او علي الاقل النأي عن علاقات طبيعية معها. ومن الواضح في حالة سياسة مصر في عهدها الجديد – عهد الرئيس محمد مرسي والحكومة الاخوانية – انه في غياب اية اسباب تتعلق بنزاعات حدود او اقتصاد او ابعاد استراتيجية فان القاهرة في عهد الرئيس مرسي تعتبر ان الالتزامات التي قطعتها علي نفسها بالاستمرار في كل الاحوال في الالتزام بما وقعه الرئيس انور السادات في احلك ظروف ادت اليها حرب اكتوبر 1973 من اتفاقات سلام مع اسرائيل ارضاء للولايات المتحدة بالدرجة الاولي، هي التزامات لا تزال تحكم سلوك مصر وعلاقاتها مع اسرائيل بعد انقضاء اكثر من اربعين عقدا عليها. وليس خافيا علي احد – الا اذا كان يميل الي هذا الجانب من السياسة – ان بين مصر وايران من المصالح المشتركة والاهداف المشتركة ما يستوجب التشاور والتقارب من اجل علاقات اوثق. وينطبق الامر علي القضية النووية التي بسببها تواصل الولاياتالمتحدة واسرائيل تهديد ايران بحملة هجومية عسكرية تهدف الي تدمير ما شيدته ايران من منشآت للقوة النووية. وتدرك مصر انها يمكن ان تجد نفسها في موقف ايران علي وجه التحديد اذا املت عليها التطورات الاقليمية والعالمية ان تمتلك قوة نووية، للاهداف السلمية بالدرجة الاولي ولمواجهة قوة اسرائيل النووية العسكرية المتعاظمة. وتقضي اجراءات التسليم والتسلم بين الرئيس السابق والرئيس الجديد لقمة دول عدم الانحياز ان يكون رئيس مصر حاضرا بصفة مباشرة. وسوف يذهب الرئيس لهذه المهمة وتواصل منظمات اللوبي الصهيوني الأمريكية الاسرائيلية حملتها ضد اي دعوة تظهر في مصر دفاعا عن ضرورة حضور الرئيس المصري قمة عدم الانحياز في طهران في 21 اغسطس الحالي. وتتواصل في الوقت نفسه حملات اخري من جانب اللوبي نفسه – مرة باسم أمريكا ومرة باسم اسرائيل – من اجل توسيع نطاق حملة مصر في سيناء. وتدعي كتابات اللوبي ان الحملة العسكرية المصرية لم تحقق اهدافها بل تدّعي ان هذه الحملة العسكرية لم توجه ضربات قاصمة ضد الفلسطينيين ولم تحقق ما ترمي اليه من ابادة للتنظيمات الارهابية المتطرفة. ولم تتريث المنظمات الأمريكية والاسرائيلية قليلا لتقول لنفسها ان حملة مصر العسكرية في سيناء قامت وتقوم من اجل اهداف مصرية بحتة وليس لخدمة اغراض اسرائيلية او أمريكية. وهكذا يتضح لنا ان اللوبي الصهيوني الأمريكي لا يتعمد الخلط بين ماهو أمريكي وما هو اسرائيلي. انه يتعمد الخلط ايضا وفي الوقت نفسه بين اهداف اسرائيل واهداف مصر سواء علي الارض المصرية او علي حدودها. ويتعمد الخلط بين اهداف اسرائيل من وراء السياسة المعادية لايران واهداف مصر التي يريد ان يفرض عليها الاهداف الاسرائيلية باسم ارضاء أمريكا والابتعاد عن ايران بغض النظر عن المصالح المشتركة التي تنطق بها تطورات المنطقة. نفوذ أمريكي اسرائيلي لقد شهدت منطقة الشرق الاوسط منذ بدايات العام الماضي تطورات صبت كلها في صالح اسرائيل وأمريكا في حين ان هذه التطورات كانت تهدف من بداياتها – بما في ذلك وبدرجة اساسية ثورة 25 يناير المصرية – الي تغيير اوضاع رسختها النظم التي كانت لها السيطرة علي بلدان المنطقة بما في ذلك نظام المخلوع مبارك. واذا بالتطورات تحت تأثير التدخل العسكري المباشر – كما في مثال ليبيا – او التدخل والضغط السياسي والاقتصادي المباشر، كما في مثال مصر تتجه في اتجاه عكسي لتخرج أمريكا واسرائيل منتصرتين بنفوذ زائد علي بلدان المنطقة وتغيير اساسي في سياسات البلدان ذات النفوذ المالي. تبقي ملاحظة اخيرة او ختامية بشان اللوبي الصهيوني وتاثيراته الأمريكية والاسرائيلية. وهي ان مساحة الحرية التي تتمتع بها منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا اوسع كثيرا من مساحة الحرية التي تتمتع بها الحكومتان الأمريكية والاسرائيلية عند التعبير علنا عن مواقف كل منهما ازاء القضايا التي تعدانها اساسية وحيوية لمصالحهما. فلا يزال الوجه غير الرسمي لكلا الدولتين – كما يتمثل في اللوبي الصهيوني – اكثر صراحة وربما نقول جرأة في الحديث الي او عن اي من الحكومات في المنطقة. وهو ما يترك مسافة فاصلة بين المواقف الرسمية وغير الرسمية، ويسمح في الوقت نفسه لحكام المنطقة لان يخفوا مدي اقترابهم من افكار اللوبي الصهيوني (…)