اشترط البنك الدولي علي الحكومة اليونانية تصفية البقية الباقية من القطاع العام هناك، ووقف التعيينات في أي وظائف جديدة وإلغاء الحوافز علي الأجور مع تثبيتها عند حدها الحالي، كما طالبت بتخفيض المعاشات وفرض ضرائب جديدة علي السلع والعمل علي زيادة معدلاتها. وشدد البنك الذي أعلن عن استعداده منح اليونان قرضا قيمته 210 مليارات يورو علي ضرورة وقف التوظيف حال انتهاء مدتها، وهو ما سيؤدي حسب محللين اقتصاديين إلي اتساع معدلات البطالة خاصة بين الشباب. جاءت مطالب البنك الدولي وسط احتفالات عالمية بعيد العمال شهدها العالم كله يوم 2 مايو الحالي، وفي ظل مظاهرة ضخمة نظمها يونانيون احتجاجا علي قرار الحكومة اليونانية اللجوء إلي البنك الدولي وطلبها مساعدتها لإنقاذ البلاد من الإفلاس. ويحظي موقف الحكومة بدعم اليمين المتطرف والمعارضة الليبرالية بمقولة إن هذا هو السبيل الوحيد أمامها في المرحلة الحالية للخروج من الأزمة. بينما تعارض النقابات، وبينها النقابة العامة التي تسيطر عليها الحكومة هذه السياسات، وقد قررت ترجمة رفضها القرارات الحكومية في شكل مظاهرات وإضرابات عامة تتراجع الحكومة تحت ضغطها عن تنفيذ توجيهات البنك الدولي. وتأتي أزمات الاقتصاد اليوناني في ظل تراجع تأثير النقابات هناك وضعف اليسار وانقسامه، ورغم أن الحزب الشيوعي اليوناني لا يتوقف عن مهاجمة سياسات الحكومة ويطالبها بالخروج من «الاتحاد الأوروبي» و«الناتو»، إلا أن محللين اقتصاديين يرون أن معارضته وموقفه من رفض ما تنوي الحكومة تطبيقه غير واقعيين، لأنه لا يملك حلولا بديلة تنقذ الدولة من جب الإفلاس. وعلي هذه الحالة سوف يبقي اليونان في اضطرابات مستمرة لن يستفيد منها سوي اليمين المتطرف الذي ينتهج سياسة مزدوجة، يدافع من خلالها عن عجلة الحكومة لتمضي في تنفيذ ما انتوت، في وقت ينادي فيه بطرد الأجانب علي أساس أنهم سبب ما تمر اليونان به من ضيق. ويسعي اليمين المتطرف اليوناني المناوئ للأجانب علي ترسيخ كراهيتهم في الشارع ضمن خطابه الذي يوجهه لإقناع الكثير من طبقات الشعب الكادحين بسياساته ورؤاه لحل أزمات ومشكلات الواقع المتردي. وسوف تتوقف قدرة الحكومة اليونانية علي تنفيذ توجيهات البنك الدولي من عدمها علي مدي تأثير اليسار وقدرته واستعداد اليونانيين لمواجهة تطبيقها، وهناك محللون سياسيون يرون أن حل أزمة إفلاس اليونان يكمن في إقامة حكومة تحالف تشارك فيها جميع الأحزاب وذلك حسب وجهة نظرهم هو السبيل لكبح جماح اليونانيين في تحركهم لوأد توجيهات البنك الدولي في مهدها. ويري أنصار تنفيذ الروشتة الدولية أنها أنقذت تركيا من أزمة شبيهة في فترة ما قبل 1980، لكن وجهة النظر هذه تتجاهل الفرق بين الاقتصادين التركي واليوناني، فالأخير يتسم بالطفيلية كما أنه غير منتج، كما أن نجاح الحكومة والبنك في فرض السياسات التي يرونها سوف يأتي علي البقية الباقية من الضمانات الاجتماعية والإنسانية في المجتمع اليوناني. فضلا عن القضاء علي ما تبقي من تأثيرات للفكر الاشتراكي هناك.. الذي يجب أن يسعي أنصاره إلي البحث عن برنامج بديل مقنع يحافظ علي الإنجازات الاجتماعية ويؤدي في نفس الوقت إلي تحسين الاقتصاد وإنقاذه من عثرته.