لم نكد نفرح بثورات الربيع العربي ، في مصر وتونس ، حتي انقلب هذا الفرح إلي مأتم ، بل كابوس ثقيل ، يحتاج من كل القوي الوطنية والتقدمية الوقوف صفا واحدا ، ضد القوي الرجعية ، التي ستعود بنا إلي الوراء ، عشرات السنين ، في أحسن الأحوال ، وأستشهد هنا بمقولة الرئيس والمفكر التونسي ” المنصف المرزوقي ” عندما قال : من يتصور أن القوي الإسلامية ستحكم لفترة وجيزة ، ثم ترحل ، واهم ! “ وقد جاء الدور علي سوريا ، فهي الدولة المفصلية ، والمحورية في حسم الصراع في المرحلة القادمة ، فهي دولة الممانعة والمقاومة ضد المخططات والسياسات الامبريالية في المنطقة العربية ، ولكن للأسف علي الجانب الآخر يحكمها نظام ديكتاتوري ، استخدم كل ما لديه من أسلحة لقمع شعبه ، بدلا من العمل علي توسيع مساحة المشاركة الشعبية وإقامة دولة ديمقراطية حديثة ، يسودها العدل والحرية ، ولكن الوضع في سوريا تحديدا أكثر تعقيدا وتشابكا وصعوبة نتيجة عدة عوامل داخلية خارجية . فحادثة التفجير التي جرت في دمشق يوم الأربعاء الماضي، وأودت بحيادة أربعة من كبار العسكريين، مازالت تثير الكثير من الجدل . صحيفة “ترود” تنشر مقالا للصحفي الإسرائيلي أفيغدور إيسكين، يذكر فيه أن ساسة بلاده لا يعتقدون بقرب انهيار النظام الحاكم في دمشق. ويلفت إيسكين، إلي تصريح إذاعي لوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، يؤكد فيه أن الصراع الدائر في سورية بلغ مرحلة الحرب الطائفية المفتوحة. ويتوقع الوزير لجوء عشرات الآلاف من العلويين والدروز والمسيحيين إلي إسرائيل إن تمكن الإسلاميون من السيطرة علي البلاد. وتبدو هنا مفارقة عجيبة، فتل أبيب لا تخفي رغبتها ببقاء نظام الأسد، وتعارض بشدة أي تدخل أجنبي ضده. وتري أنه علي بشار الأسد استخدام القوة لقمع المتمردين، إن أراد البقاء في السلطة. ولكن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الدولية والضغوط الشديدة من طرف الولاياتالمتحدة وأوروبا، بالإضافة إلي المساعدةِ الكبيرة التي تقدمها للثوار في سورية كل من تركيا والسعودية وقطر والإمارات. و تواصل الدول الغربية ضغوطها علي موسكو لتبني قرار جديد في مجلس الأمن بشأن سورية تحت البند السابع. صحيفة “إر بيكا – ديلي” تؤكد في مقال لها أن الموقف الروسي من حل الأزمة السورية، لن تطرأ عليه تغييرات جذرية في القريب العاجل. وتتابع الصحيفة أن موسكو تدعو الأطراف المتنازعة في سورية، إلي وقف العنف والتحاور، لإطلاق عملية الإصلاح السياسي بأيدي السوريين أنفسهم. وترفض روسيا أي تدخل خارجي في شؤون سورية الداخلية. يلفت المحلل السياسي فاغيف حسينوف إلي أن منطقة الشرق الأوسط، تتميز بتنوع كبير في الأعراق والطوائف. وسقوط نظام الأسد في سورية سوف يعقبه حتما انفجار في لبنان يمكن أن تصل شظاياه إلي تركيا والأردن. ويري حسينوف، أن السعودية وقطر تحاولان بكل السبل إزاحة النظام السوري. بينما تعارض إسرائيل الحل العسكري في سورية بشدة، لأنها لا ترغب في قيام نظام إسلامي علي حدودها. ويعتقد المحللون السياسيون، أن انهيار نظام الأسد الذي يعتبر آخر الأنظمة العلمانية في المنطقة العربية، سوف يضع العالم أمام خطر المد الإسلامي . ويعلق الخبير الروسي يفغيني ساتانوفسكي، أن هذه الحرب الأهلية تهدف إلي القضاء علي بشار الأسد والمقربين منه. وفي هذا الصراع تقوم السعودية وقطر بإدارة اللعبة، وضخ مليارات الدولارات فيها. ويوحي الوضع بمواجهة كبيرة من أجل البقاء بين الدولتين الخليجيتين من جهة والنظام السوري وحليفته إيران من جهة أخري. وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة السورية، قد أعلنت البارحة، أنها ستقضي بحزم علي الإرهاب أيا كان شكله، وستقطع كل يد تحاول العبث بالأمن الوطني. وأضافت أن كل من يعتقد بأن مقتل أعضاءِ القيادةِ العليا يمكن أن يؤثر علي السلطة، فهو متوهم.