تأمل في خطاب الرئيس لم يكن ظهور الرئيس مبارك لإلقاء خطبة في عيد تحرير سيناء باعثا علي الاطمئنان علي صحته، فقد كان صوته واهنا، وبدا وجهه شاحبا بشكل لافت للانتباه، ولم ينه هذا الظهور الشائعات التي انطلقت منذ عودته من ألمانيا حول طبيعة مرضه ومدي صعوبته، بل لعلها أمدت المناخ الذي تصدر منه تلك الشائعات بزاد جديد. ومع تمنياتي الصادقة للرئيس بأن يمتعه الله بالصحة والعافية، ويمن عليه بالشفاء العاجل، فمن المؤكد أن الرسالة التي حملها ظهوره ، والتي ترمي إلي التأكيد علي أن السلطة تمسك بزمام الأمور، وتسيطر عليها، ناقصة ولم تكتمل، وسوف تتأكد مع الاحتمالات المتوقعة بتأجيل خطابه في عيد العمال. ولا يكفي أن يلفت خطاب الرئيس النظر إلي الانقسام الطائفي وغياب الأمن وإراقة الدماء، وزعزعة الاستقرار في دول الإقليم المجاورة حولنا، لكي ندرأ هذه المخاطر عن بلادنا، بوسع الرئيس مبارك الآن وليس غدا، أن يكمل هذه الرسالة، بإجراءات باتت ضرورية ، لكي يحظي استقرار هذا الوطن بدعم شعبي، بات هو الضمانة الأساسية للحفاظ عليه والبناء فوقه فلا يكفي أن يؤكد الرئيس مبارك، التزامه بنزاهة الانتخابات القادمة، ما لم تمهد الحكومة لذلك بإجراءات فعلية تضمن التوصل إلي تلك النتيجة، وحتي إلي انتقال آمن للسلطة، من بينها، تعديل النظام الانتخابي من الفردي إلي القائمة النسبية غير المشروطة، التي تتيح الفرصة لمشاركة الأحزاب الصغيرة وتمثيلها بشكل معقول، لا جدال أن الحزب الوطني الحاكم، سوف يفوز عبرها بالأغلبية، لكن الفرق بينها وبين ما هو قائم أنها لن تكون أغلبية مطلقة، وإذا كان الحزب الوطني الحاكم يتعلل برفضه لفكرة الإشراف القضائي الشامل علي الانتخابات، بأنها لا مثيل لها في الديمقراطيات الأخري، فإن تشكيل لجنة قومية مستقلة من شخصيات قانونية وعامة تحظي بالمصداقية، للإشراف علي كل مراحل العملية الانتخابية، باتت فكرة شائعة ومستقرة في معظم دول العالم، وآخر من أخذ بها في منطقتنا العراق والسودان. ومن المهم أن ترفع حالة الطوارئ أثناء إجراء الانتخابات العامة القادمة علي الأقل، تمهيدا لالغائها، ثم التعهد بمدها لعام واحد فقط إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك ، والاكتفاء بمواد قانون العقوبات والاجراءات الجنائية لمكافحة الإرهاب، بديلا للإعداد الذي يجري علي قدم وساق في كواليس الحزب الوطني، لإصدار قانون جديد للإرهاب الذي ما أن تسربت بعض نصوصه للصحف حتي قامت الدنيا، لما انطوي عليه من مواد بدت أكثر سوءا من قانون الطوارئ نفسه، وأكثر عصفا بالحريات العامة وحقوق الإنسان. الانتخابات الديمقراطية الحرة والنزيهة. هي الطريق الأمثل نحو تطويق الفساد الذي يلتهم كل عوائد التنمية، أو ما اصطلح علي تسميته بالإصلاح الاقتصادي، فضلا عن أنها تعصف بمعنويات هذا الشعب وتهدر إمكاناته في البناء، إذ تغلق أمامه كل طاقات النور الممكنة. تعديل القانون الانتخابي كان بنداً في برنامج الرئيس مبارك الانتخابي، كما أن التعديل الذي ادخل علي الدستور، كان الهدف الرئيسي منه أن يتيح في حال حدوثه تمثيلا أوسع لأحزاب المعارضة وللمرأة، واكتفاء الحزب الوطني من هذا الوعد، بتعديل القانون لاستحداث 64 مقعدا للنساء، ليس من شأنه بمفرده، أن يقود كما قال الرئيس في خطابه إلي مجتمع متطور لدولة مدنية حديثة، والخطوة الأولي نحو ذلك، هو قانون انتخاب ديمقراطي ، تجري في ظله الانتخابات التشريعية المقبلة، بمراقبة دولية كما حدث في العراق والسودان، ويمثل البرلمان الذي يسفر عنها كل الأحزاب والقوي السياسية بما يمهد لتعديل دستوري شامل يحيل مصر من جمهورية رئاسية إلي جمهورية برلمانية، ويجعل خشية الرئيس مبارك من أن يتحول الحراك السياسي إلي صراع، وأن يقود التنافس إلي منزلقات تضع مستقبل مصر في مهب الريح، أمرا بعيد الاحتمال.