*مواقع سابقة للمحطة النووية ببرج العرب وسيدى كرير تم الاستيلاء عليها الدكتور محمد منير مجاهد: أربعة عقود من الإصرار والتحدى من قبل العلماء تم تتويجها بالصبة الخرسانية للمفاعل الأول الأسبوع الماضى تقرير رانيا نبيل احتفلت مصر قبل أسبوع بوضع الصبة الخرسانية الأولى لأول وحدة في المحطة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح، والتي تحتوي على أربع وحدات قدرة كل منها 1200 ميجاوات، وذلك بحضور عدد كبير من رجال الدولة وممثلي كبرى الشركات العاملة بالمشروع، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من صدور إذن إنشاء الوحدة الأولى من هيئة الرقابة النووية، وقالت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، إن مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية يعد عنصرًا مهمًا في استراتيجية التنمية المستدامة في مصر في وثيقة رؤية مصر 2030. وهنأت هيئة المحطات النووية المصريين بدخول مصر نادي الطاقة النووية لتصبح ضمن الدول التي تمتلك محطات نووية خلال الأعوام المقبلة، ليتحقق الحلم بعد تأجيل وتوقف 58 عاما منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. ويروي الدكتور محمد منير مجاهد النائب الأسبق لرئيس هيئة المحطات النووية والخبير النووى تاريخ برنامج المحطات النووية المصري: أنه بداية في عام 1964 والتى طرحت فيها مصر مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 150 ميحاوات وتحلية مياه البحر بسعة 20 ألف متر مكعب في اليوم في منطقة "برج العرب" إلا أن المشروع توقف بسبب حرب 1967وبعدها تم الاستيلاء على أرض المشروع ، ثم أعيد التفكير في المشروع بعد حرب 1973حيث طرحت مناقصة محدودة بين الشركات الأمريكية عام 1974 لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميحاوات في منطقة "سيدي كرير"، إلا أن المشروع توقف عام 1979 بسبب رفض الولاياتالمتحدةالأمريكية فرض شروط بالتفتيش على كل المنشآت والأنشطة النووية المصرية، ، وتم التصديق عام 1981 على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وبعد دراسة عدد كبير من المواقع المرشحة تم اختيار موقع الضبعة كأنسب موقع لإنشاء محطة نووية وصدور القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 بتخصيص موقع الضبعة بعد دراسات مكثفة، وفي عام 1983 طرحت مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 1000 ميجاوات في موقع الضبعة، وقد واجه المشروع ضغوطًا أمريكية بلغت أقصاها بإصدار بنك التصدير والاستيراد الأمريكي عام 1985 بيانًا بأن الاقتصاد المصري لا يتحمل إنشاء محطة نووية ثم جاءت حادثة تشيرنوبيل في أوكرانيا عام 1986 قبل بضعة أسابيع من موعد إعلان نتيجة المناقصة لتكون سببًا لحفظ ماء الوجه وتقرر الحكومة إيقاف المشروع، رغم أن مفاعل تشيرنوبل كان من نوع مختلف تمامًا عن المفاعل المطلوب في المناقصة وهو بالمناسبة مختلف تمامًا عن المفاعلات التي بدأ إنشاؤها في الضبعة، ولم يتم إنشاؤه خارج الاتحاد السوفيتي السابق ولم يكن مطروحًا للتصدير. تدخل من رجال الأعمال لتعطيل المشروع قال الدكتور منير مجاهد إن توقف المشروع لنحو 20 سنة وجرت عام 2004 محاولة مدعومة من بعض رجال الأعمال وعناصر في الحكومة المصرية للاستيلاء على موقع الضبعة وتحويله لقرى سياحية بزعم وجود كميات هائلة من الغاز الطبيعي وعدم الحاجة للطاقة النووية، وهو ما أدى لغضبة علمية وشعبية أدت لإيقافه ما وصف وقتها بأنه "مؤامرة على المستقبل"، وسرعان ما اتضح كذب إدعاءات الوفرة وفوجئت مصر بوجود أزمة كبيرة في توافر الغاز الطبيعي، لذا تم إعادة النظر في إحياء البرنامج النووي وفي عام 2007 تم إعلان القرار الاستراتيجي ببدء برنامج لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وأن مصر ستبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، وبدأت الخطوات تتسارع حيث تم اختيار استشاري للمشروع والانتهاء من إعداد المواصفات الفنية ووثائق طرح المناقصة التي كانت جاهزة للطرح في بداية عام 2011، ولكن اندلاع ثورة 25 يناير ووقوع حادثة فوكوشيما في اليابان أديا إلى توقف المشروع، وخلال الفوضى الأمنية التي صاحبت الثورة تم اقتحام موقع المحطة النووية من قبل عناصر مسلحة مدعومة من أعداء البرنامج النووي المصري وتدميره بالكامل في 15 يناير 2012. ونجحت القوات المسلحة في 30 سبتمبر 2013 في تسلم أرض المشروع بعد التوصل لاتفاق برعاية المخابرات الحربية مع الأهالي، وفي مارس 2015 تم استئناف التفاوض الرسمي مع شركة "روس آتوم" الروسية بشأن عرضهم لإنشاء المحطة النووية بالضبعة لتوليد الكهرباء وفي نوفمبر 2015 تم أيضا التوقيع علي اتفاقيتين مع روسيا هما: * التعاون بين مصر وروسيا لإنشاء وتشغيل محطة الطاقة النووية بالضبعة. * قرض روسي لتمويل بناء وتوريد المحطة النووية (بقيمة 25 مليار دولار يتم سداده على 35 سنة). وفي 11 ديسمبر 2017 جاءت الانطلاقة الكبرى بالتوقيع على عقود تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة وتزويد مصر بالوقود النووي بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس فلاديمير بوتين، ووقع العقود محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة وعن الجانب الروسي المدير العام لشركة "روس آتوم"، أليكسي ليخاتشوف، وقد تم توقيع الأربع عقود التالية: * عقد التصميم والتركيب * وعقد توريد الوقود النووي * عقد توفير المعونة الفنية في التشغيل والصيانة * عقد إنشاء مستودع لتخزين الوقود النووي المستهلك واعتبر الدكتور محمد منير مجاهد النائب الأسبق للرئيس التنفيذي لهيئة المحطات النووية للدراسات أن مشروع الضبعة يمثل مشروعا قوميا حقيقيا، وقال إن يوم الأربعاء 20 يوليو 2022 شكل علامة مهمة من علامات طريق برنامج محطات القوى النووية في مصر، ومن ثم علامة بارزة في تاريخ مصر نفسها ففي هذا اليوم تمت الصبة الخرسانية الأولى للوحدة الأولى من الأربعة وحدات التي تشكل المحطة النووية الأولى بالضبعة، وإن هذا الإنجاز العظيم الذي تحقق يؤكد أننا نستطيع أن ننشئ محطات نووية لتوليد الكهرباء، وتشغلها بطريقة آمنة لننطلق ونحتل المكان الذي نستحقه بين الأمم. تحرير الموقع وتصحيح أخطاء الماضي ويؤكد الدكتور محمد منير مجاهد؛ الآن تم إصلاح أخطاء الماضي والمشهد رائع كما شاهدته على الطبيعة، حيث تم بناء سور أمني جديد للموقع من الخرسانة المسلحة وتتولى حراسته قوات من الشرطة مزودة بمركبات حديثة ويتم دخول الموقع عبر إجراءات صارمة، والموقع أصبح خاليًا تمامًا ممن كانوا يحتلونه بغير حق منذ تخصيصه بالقرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981، كما أن الموقع الآن يعج بمئات المعدات الهندسية المختلفة ومئات العاملين من موظفي الهيئة والعاملين بالشركات الروسية والمصرية المشاركة في المشروع ومع بدء التنفيذ من المتوقع أن يتزايد هذا العدد ليصل إلى الآلاف ومنهم من سيكون مصحوبًا بعائلاتهم، وقد استأجر الروس أحد المباني في المدينة السكنية ليكون مدرسة لأطفالهم. وكانت المساحة الأصلية للموقع نحو 15 كيلومترا بموازاة ساحل البحر بعمق 3-4 كيلومترات اقتطع منها 2 كيلومتر، خُصص جزء منهما للأهالي، وأنشأت لهم القوات المسلحة منازل على الطراز البدوي، أما بقية المساحة المقتطعة فقد أنشئت بها المدينة السكنية للعاملين في المشروع من المصريين والأجانب، وتعتبر حيا حديثا جدًا لمدينة الضبعة شمال الطريق الساحلي، أما مدينة الضبعة نفسها فقد تحولت الدكاكاين البدائية التي كانت بها إلى محلات حديثة وتم رصف الشوارع وتحديث المستشفى. أهمية استراتيجية وآثار تدويرية ويؤكد دكتور محمد منير مجاهد أن كل ما تم على أرض الضبعة يؤكد صحة نتائج دراسة الآثار الاقتصادية الاجتماعية المتوقعة على المستوى المحلي والتي خلصت إلى أن المستفيد الأول من مشروع المحطات النووية هم سكان مدينة الضبعة والمناطق المجاورة سواء بطريقة مباشرة بإتاحة العديد من فرص العمل في المشروع نفسه أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الأنشطة المصاحبة لمشروع المحطات النووية وذلك من خلال توفير فرص عمل في الصناعات المكملة والمساعدة لمختلف أنواع الورش (حدادة – كهرباء –سباكة – نجارة …. ) إنشاء مراكز لتأهيل العمالة الفنية (مدارس صناعية /معاهد فنية …..) للالتحاق والعمل مباشرة بالمحطة النووية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم لإمداد المحطة بالكوادر المطلوبة، وقد (تم بالفعل إنشاء المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الطاقة النووية بالضبعة). أيضًا من المنتظر أن يكون هناك رواج اقتصادي بالمنطقة بفتح أسواق جديدة أثناء عمليات الإنشاء والتشغيل متمثلة في تدبير احتياجات المعيشة اليومية (مأكل – ملبس – أدوية …….) لعدد لا يقل عن 5000 شخص يوميًا، والاستفادة من بناء العديد من الأسواق التجارية لتوفير احتياجات العاملين بالمشروع ولسكان مدينة الضبعة، والاستفادة من تطوير البنية التحتية من مرافق مياه وكهرباء وطرق واتصالات التي تتناسب مع أهمية المشروع والاستثمارات به، وتطوير الخدمات الصحية (مستشفى متطور – خدمات إسعاف …) والتعليمية (مدارس متطورة لمختلف الأعمار السنية) والترفيهية (حدائق –متنزهات – دور للسينما …). بالاضافة للآثار التدويرية على الصناعة المصرية عن طريق إحداث طفرة تزيد من قدرتها التنافسية وتخرج مصر من الأزمة الخانقة التي تعيشها، وذلك من خلال برنامج مخطط لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء يتصاعد بنسب التصنيع المحلي – طبقا للمعايير الصارمة للصناعة النووية – في كل محطة وصولا إلى التصنيع الكامل لهذه المحطات – كما فعلت الهند وكوريا الجنوبية، وبالطبع فإن المصنع الذي سينتج منتجا معينا بمعايير جودة عالية للاستخدام في محطة نووية سيحافظ على مستوى الجودة عند إنتاج نفس المنتج للصناعات العادية مما يزيد من قدرته التنافسية ويسمح له بتصدير إنتاجه. وأكد د. منير مجاهد أن الضبعة هو المشروع التنموي الحقيقي في الساحل الشمالي، وتأثيراته على مدينة الضبعة نفسها كبيرة، ولا يقل عن الدور الذي قام به مجمع نجع حمادي للألومنيوم، واليوم مجمع الألومنيوم أنشئ حوله المزارع والورش والمساكن وكل الخدمات، وأصبح نهضة كبيرة جدًا، مثل تلك التي حققها مشروع بناء السد العالي في أسوان، وهو من المشروعات القليلة الذي سيعطي عائدا يغطي تكاليفه، وتوفير فرص عمل مباشرة لآلاف المواطنين، بالإضافة لفرص العمل غير المباشرة لسنوات مقبلة. توطين التكنولوجيا النووية وقد تم تشكيل اللجنة المصرية الروسية المشتركة لتوطين التكنولوجيا النووية التي تهدف إلى توطين المشاركة المحلية لمشروع المحطة النووية المصرية الأولى بحيث أنه بحلول عام 2029 ستشارك شركات الصناعات الثقيلة وشركات البناء المصرية بنسبة 35٪ من إجمالي أنشطة المشروع وستصبح المورد الرئيسي للمعدات وقطع الغيار أثناء التشغيل، وذلك من خلال قيام اللجنة المصرية الروسية المشتركة لتوطين التكنولوجيا النووية بتصنيف الشركات المصرية المحتملة حسب احتياجات المشروع، وتدريب الشركات المصرية والمقاولين المصريين المحليين على الشروط والمتطلبات التي يجب استيفاؤها إذا أرادوا المشاركة في المشروع، واللوائح المحددة من قبل شركة روس آتوم (المقاول الروسي) فيما يتعلق بالمناقصة والأهلية وقواعد التقييم، والسعي لترتيب الاتصالات بما في ذلك زيارات المراجعة الفنية والاجتماعات مع الشركات المصرية والمقاولين الفرعيين المحليين لتقييم قدراتهم الفنية والمالية، مع متابعة التوصيات الصادرة عن شركة روس أتوم للشركات المصرية والمقاولين الفرعيين المحليين للدخول في مناقصات المشروع ذات الصلة، بالإضافة لتنمية قدرات الشركات المصرية المحتملة لتلبية المتطلبات الفنية للمشروع، ومساعدة الشركات المصرية المحتملة على الإلمام التام بعملية تقديم العطاءات الخاصة بمشروع محطة الضبعة للطاقة النووية، مع دعم عملية اختيار الشركات الوطنية المصرية والمقاولين الفرعيين المحليين بما يمكنهم من المشاركة في المشروع وفقًا لقواعد المناقصات المحددة من قبل المقاول الروسي. مستوى تأمين المفاعل وقد علق الدكتور محمد منير مجاهد على ما يثيره البعض من تخوفات حول قدرة مصر على تشغيل المحطة النووية بأمان قائلًا: "إن مصر لديها مفاعل أبحاث نووي في إنشاص منذ 60 عاما، وأنشأت مفاعل ثاني في إنشاص أيضًا يعمل منذ عام 1998، وكلاهما يعملان بشكل آمن وطبيعي ولم يتعرضا لأي حادث، ثم علينا أن نسأل أيضًا لماذا تكون المحطات النووية آمنة في الإمارات وبنجلاديش وباكستان بينما لا تكون كذلك في مصر؟، حيث سيتم تدريب المهندسين والعمال في مصر وروسيا لاكتساب الخبرة، فضلًا عن أن تصميم المفاعل لا يسمح بتدخلات بشرية ترتكب أخطاء كبيرة، أما من يتحدث عن تأثير المحطة على السياحة فأقول لهم إنه لا يوجد أي خطورة على السياحة والسياح في معظمهم يأتون من دول لديها محطات نووية لا تبعد عن المناطق السكنية سوي 10 أو 15 كيلومتر فقط، ومع ذلك دعونا نفترض جدلا أن المحطة النووية في الضبعة تشكل خطورة شديدة ومميتة على القرى السياحية حولها أقول لهم: لماذا جئتم إلى هذه المنطقة لإقامة مشروعات قرى سياحية بجوار موقع مخصص منذ 40 عاما لإنشاء مفاعل نووي؟ هل يجب أن يتحمل الشعب المصري مسئولية غبائكم وعدم دراستكم للمخاطر قبل الاستثمار فيها؟"..