ضبط شخص روج لبيع الأسلحة البيضاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالشرقية    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    استقرار سعر الدينار الأردني أمام الجنيه في البنوك المصرية    وزير البترول يستعرض إصدار قانون تحويل الثروة المعدنية إلى هيئة عامة اقتصادية    سعر الين الياباني مقابل الجنيه اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    البط والأرانب بكام؟.. أسعار الطيور البلدى اليوم فى أسواق الإسكندرية    سرايا القدس تستهدف آلية عسكرية إسرائيلية في نابلس    وزير الخارجية يعقد مشاورات مع وزير العدل والشرطة السويسري    تصعيد قاسٍ في أوكرانيا... مسيّرات وصواريخ "كينجال" ومعارك برّية متواصلة    استبعاد مفاجئ لنجم ريال مدريد من قائمة منتخب إسبانيا    هانيا الحمامي تودع بطولة الصين للاسكواش بعد الخسارة أمام لاعبة اليابان    الداخلية تكرم أبناء شهداء الشرطة المتفوقين دراسيا    صندوق مكافحة الإدمان: تقديم خدمات ل130601 مريض خلال 10 أشهر    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    تأجيل محاكمة المتهمة بتشويه وجه خطيبة طليقها بمصر القديمة ل20 نوفمبر    الخارجية: إنقاذ ثلاثة مصريين في منطقة حدودية بين تركيا واليونان    ربنا يطمنا عليك.. محمد رمضان يساند أحمد سعد بعد حادث السخنة    محمد رمضان ل أحمد سعد: ربنا يقومك بالسلامة يا صاحبي وترجع لحبايبك وجمهورك    الأعلى للثقافة: الحجز المسبق ينظم دخول المتحف الكبير ويضمن تجربة منظمة للزوار    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    التأمين الصحي الشامل: 905 آلاف مواطن من غير القادرين تتولى الدولة دفع اشتراكاتهم بالكامل    الصحة تكشف ركائز تطوير منظومة السياحة العلاجية    كاف يخطر بيراميدز بموعد وحكام مباراة ريفرز النيجيري فى دوري الأبطال    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    التعليم العالى تقرر إلغاء زيادة رسوم الخدمات لطلاب المعاهد الفنية.. تفاصيل    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    الصحة العالمية: 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    التخطيط والتعاون الدولي تقدّم الدعم لإتمام انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس الرياضي    لاعب دورتموند يسعى للانتقال للدوري السعودي    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    استمرار رفع درجة الاستعداد القصوي للتعامل مع الطقس الغير مستقر بمطروح    «حكايات من الصين المتطورة: لقاء مع جوان هو» في أيام القاهرة لصناعة السينما| اليوم    «الطفولة والأمومة» يتدخل لإنقاذ طفلة من الاستغلال في التسول بالإسماعيلية    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    تجديد الاعتماد للمركز الدولي للتدريب بتمريض أسيوط من الجمعية الأمريكية للقلب (AHA)    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    الدفاع السورية: تشكيل لجنة تحقيق لتحديد مكان إطلاق الصواريخ على دمشق    مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة غزة ومسيرة تطلق نيرانها شمال القطاع    الصحة العالمية: «الأرض في العناية المركزة».. وخبير يحذر من التزامن مع اجتماعات كوب 30    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    في غياب الدوليين.. الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة شبيبة القبائل    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضجيج الضفادع..رواية..د/ السيد نجم .."الجزء الثاني"
نشر في الأهالي يوم 15 - 01 - 2022


ضجيج الضفادع
د/ السيد نجم
الجزء الثاني
(3) * ماذا يعني الصمت عند جميلة؟
حالًا سوف توافقونني على أن «جميلة» أحقُّ سيدات الأرض بامتلاك صفتَيْ الصموت والصبور.. كثيرًا ما نتقابل مع أناس، نجلس إليهم ربما ليوم أو أكثر، مع ذلك لا نصفهم بالصمت أو الصبر، حسبهم إيماءات شاردة أو حتى منتبهة.
لم تكن جميلة أبدًا شاردة.. لأنها في الحق والحقيقة، الصدق يقال، لا تنطق أو تعقب أو تجيد الدردشة إلا قليلًا.. لأنها دومًا منشغلة بعمل ما، غير راغبة في الحكي والثرثرة إلا من طلبات سي عبده.. كأن يسألها إن كانت فرغت من عملها، ويمكنها إعداد مشروب الينسون بالحليب المعتاد، فما يكون منها إلا أن تسرع من خطواتها القصيرة الضيقة، التي تُشبِه خطوات حيوان الكنجارو في قفزاته للسير وليس في عدوه، وبها تنجح في الوصول إلى المطبخ الذي هو بمساحة المنزل كله، في الطابق الأرضي، أو هو تحت الأرض، حيث خزين كل ما يتعلق بتناول الأطعمة، من أجهزة ومعدَّات، وأجولة خزين الطحين والذرة والباميا المجففة والبصل ثم حبات الثوم والبطاطس، كذلك بعض الفاكهة التي تتحمل حرارة ورطوبة المكان، مثل التمر بأنواعه.. بسرعة تعد العجوز المطلوب، وتعود إلى أعمالها التي بلا نهاية.. في صمت.
يبدو أن أسباب تلك الحالة أو السمة هي العزلة أو شبه العزلة التي تشرنقت حولها بين جدران هذا البيت العتيق. فقد اعتاد مهندس الري الإقامة وحده في المدينة التي يعمل بها على ضفتي النهر، بينما بقية الأسرة في البيت القديم، فقط شهور الإجازة الدراسية تنتقل معه الأسرة إلى حيث يعمل.
**********
تكفلت جميلة طوال السنين التالية بقراءة الفنجان الملعونة وكشف المستور وعناد أم الجنرال، ظنًّا منها أنها بعنادها تقهره دون مراجعة الطب والأطباء؟! فقد استفاقت هانم في صباح يوم جديد، على تعب قبض على كل مفاصلها وألم بمنتصف الرأس.. فقط تقول: «أشعر وكأن رأسي ما عادت مني، أشعر بها ثقيلة حتى تكاد تأخذ جسدي وتهبط به إلى أسفل».
لم تستطع سحب الشهيق الذي لا تشعر به ولا الزفير، فقط تخرج أصواتًا تشبه تنهيدة مرتعشة، أو شهقة عميقة، من يسمعها يخال أنها قادمة من أغوار حلقها حيث يبدو محتقنًا تحت أضواء الكشاف، عندما فحصها الطبيب الشاب فيما بعد.. دون أن تفكر دخلت المطبخ، لا تحمل فكرة ما لعلاج ما تشعر به، فقط تتمنى لو تتذكر ما يناسب حالتها تلك فور النظر إلى مجموعة الأعشاب وحتى رؤوس الثوم والبصل.. بدت وكأنها تترنح على غير إرادة ولا رغبة منها، وهي ترمي بكرة رأسها محدقة هنا وهناك.. ها هي ذي الحبة السوداء، وحبات السمسم والبرقوق المجفف والمشمش وأوراق نبات الريحان والنعناع، وهناك شواشي الذرة وحبات الدوم.
لا تتذكر بالضبط ما تناولته، لكنها تجرعت خليطًا مغليًّا لم تميزه تمامًا.. وسفَّت سفوفًا مقرمشة، وابتلعت ما طعمه مرٌّ وآخر حلو.. شعرت بأنها أفضل، قادرة هي على الوصول إلى حجرة النوم.. تناولت حبة دواء لا تعرف فيمَا يُستخدم، لمجرد أنها حمراء اللون؟.. وبدأت تشاور رأسها بالخروج إلى السوق والانشغال بالتسوق، بينما كل ما تفكر فيه داخل خزينة البيت، فقط تتمنى لو ذابت وسط ازدحام صنعه أجساد أناس لا تعرفهم.قالت:
«يا لنعمة نعيشها ولا ندرك قيمتها؛ أن نسير أو نقف أو نجلس وسط الناس.. بين أناس لا نعرفهم ولا يعرفوننا، لكن كلينا في حاجة لأن يبقى إلى جوار بعضنا، ولا ندري أننا هكذا معًا نشعر بالطمأنينة الغامضة التي لم أستشعرها من قبل»، ذات صباح صيفي حار، وهي برفقة زوجها في مقر عمله، مدينة المنيا هذه المرة.. بينما الشعور بالدوخة الغامضة باقٍ، حتى بعد تناول كل ما تحتفظ به في مطبخها، وبعد أن قرر الطبيب الشاب أن يكتب تقريرًا طبيًّا لأستاذه طبيب الأورام الخبيثة.. وفورًا بدأ العلاج من المرض الخبيث.
قررت «هانم» ارتداء ثيابها والخروج إلى العالم المجهول خارج بيتها.. ليس أفضل من زيارة ضريح سيدي الفولي! شاورت نفسي: «أيًّا من ألوان غطاء الرأس أنتقي، فوقعت يداي على الطرحة ذات اللون الأسود الطويلة، وارتديت بلوزة بيضاء، ورسمتُ حواجبي بقلم الفحم الأسود، دون أن أدري رسمت الحاجبين إلى أعلى، كأنني دهشة جدًا.. ووضعت نظارتي الشمسية الكبيرة التي تخفي نصف وجهي، الحقيقة تعمدت ذلك لأخفي فيها رموشي التي تهالكت مع العلاج الكيماوي، لا أنسي أنني كنت ألمح أغلب شعيرات جفوني معلقة برموش الجفون، كأنها لا تريد أن تبرح وجهي.. فلا أخذلها وأرمق عيني جيدًا وأراها تبرق متألقة، لا أدري من أين جاءت بتلك اللمعة والطلة العفية!».
زوجي عبد الوارث أحب سيدي الفولي، يدعي أنه من أجداده، وهو العارف بالله سيدي أحمد الفولى، شقيق العارف بالله إبراهيم الدسوقي.. ربما بعد أن قرأ عنه، ولأنه صاحب سطوة على مياه النهر وكائناته كلفه شقيقه الأكبر بحماية البلاد والعباد من تماسيح آتية من الجنوب.. تأكل الأسماك وأجساد الغلابة التي بلا حيلة وهم يسبحون هربًا من وهج الحر.. فما كان من العارف بالله «الفولي» إلا أن وقف عند الشاطئ تمامًا في
موطئ مكان ما – فيه دفن وفيه موقع مسجده الشهير – وقف يلوح للتمساح، فيعود الكائن المفترس المفتري أدراجه ولا يتخطى حدود موقع قدمي الفولي!
فلما مات أثناء أداء المهمة، سُمِّيَت الرقعة الضيقة من حوله «منية الفولي». لما كثرت البرية والدور والمريدون من حول مدفنه، سُمِّيَت المنيا في الوسط من مجرى النيل.. ولأنني أمضيت نحو خمس سنوات برفقة زوجي في المنيا، أشهد أننا لم نرَ ولم نسمع عن تمساح خبيث وملعون استطاع أن يعبر موقع مدفن الشيخ حتى الآن.. لا أجد من يفكر لماذا لا يرون تمساحًا واحدًا بعد حدود المنيا، بل بعد حدود مسجد سيدي الفولي؟!
يستحيل هذا؛ فقديما كان التمساح الذي يمر يموت فورًا، وكان الصيادون يعتبرون المكان أمام مقام سيدي الفولي فرصة لصيد التماسيح، لأنها تجيء عند مقامه وتتوقف ولا تتحرك أو تعود راجعة باتجاه أسوان والجنوب! سمعت هذا كثيرًا ممن شاهد ذلك بنفسه، وبصراحة الأمر بالنسبة لي لا يسبب مشكلة أو تعجب لأني مؤمنة كما تعلمنا في العقيدة أن معجزات الأنبياء المادية والحسية جائزة بالكلية لأولياء الله الصالحين.. بسرِّ هذا الإيمان ذهبت إلى المقام المكسي باللون الأخضر كي أبكي، لا أدري لماذا بالضبط، لكنى بكيتُ وارتحت كثيرًا، ثم عدت إلى البيت أعد العدة لاستقبال الموت القادم لا محالة.
فيما بعد انتبهت إلى عادات جديدة لم تنل مني.. كأن أنظر إلى سحنتي في المرآة، يومًا بعد يوم بدت غريبة عني، ربما بسبب تلك التفاصيل الغامضة غير المبررة التي فرضت نفسها فرضًا.. ربما لأنني قبل أن ينال السرطان مني لم أبعثر وقتي في النظر إلى قياس فكي أو حجم أنفي أو اتساع عيني أو طول حاجبي أو كبر أو صغر جمجمتي، وإن كانت كروية أو كما الشمامة أو حتى شبه المنحرف؟
لكن والحق يقال، عرفت عن نفسي ما لم أعرفه طوال الخمس وأربعين سنة مضت.. عرفت أن رأسي أكبر بكثير مما توقعت، كنت أظن أن كل أعضائي صغيرة مقارنة بأعضاء عبد الوارث، فلما أخبرته بما أعتقد ضحك طويلًا، ثم أمسك بي وهو يردد جملته التي تحمل من التورية بأكثر من المعنى المباشر يقول: «أقسم أن رأسك أكبر من كل رؤوس نساء العالم»،فأضحك ويضحك معي!
لم تعد تمر الأحداث والكلمات ولا حتى النظرات عفوًا، فورًا أجلس إلى رأس جميلة، أستفسر منها عما رأيته وسمعته.. رويدًا تملكتني رغبة غامضة لأن أبكي ثم أضحك.. لأن أتعمد الاتصال بكل الأقارب والأصدقاء، ومراتٍ أكلف جميلة بالرد على الاتصال التليفوني وإبلاغ الطالب بأنني نائمة بعد تناول الدواء.. والحقيقة ما
كنت أغفل إلا قليلًا من الوقت. جديدًا يتشكل داخل رأسي ويمتلك نفسي وروحي، أصبحت مفرطة الانفعال فرحًا أو غضبًا.. لم أعد أنافق من باب المجاملة.. بدوت أمام وجهي في المرآة كل صباح.. أكثر عنفًا ودلالًا إلى حد أن بدأت أنطق الكلمات لعبد الوارث بنغمة و«تون» أكثر دلالًا عما قبل بكثير!
يرن جرس التليفون وترد جميلة ثم تسرع لتسلمني سماعة التليفون السوداء، لا تسألني إن كنت أرغب في الرد على المتصل أم لا.. مع بداية مرضي سمعتُ من زوجي ما لم أسمعه وأنا زوجته أم ثلاثة أبناء من الصبية ومنهم من بلغ الرشد.. سمعت منه كلمات الغزل الفاجر الجريء الذي خبرته من بعض السيدات.. أن بعض الرجال يرددون مثل تلك الكلمات لزوجاتهم، وهو ما يُعد من الأسرار الزوجية.. إلا هو، أعلم أنه الخجول الذي يستحي أن يطيل النظر إلى عيني.. لا أدري لماذا فقد الحياء مع مرضي؟! هذا أفضل.
شجَّعَتْنِي الكلمات القبيحة الفاجرة منه على أن أكون أكثر منه جرأة، أخبرته أنني أرفض أن أموت بعيدًا عن جسده.. أدعو الله أن يميتني وهو مندغم في جوفي.. وللحقيقة لم أقل له جوفي قلت الكلمة التي قرأتها في قصص كتاب ألف ليلة وليلة، وأصبَحَتْ سُبَّة بين الصبية في شجار الشوارع والحارات.. في تلك المرة قال لي: «انتظريني، ولا تنامي حتى أعود إلى البيت بعد ساعة، لم أسمع منك ما سمعته الآن، المرض جعلك جريئة.. جعلك أنثى متوحشة!».
مجددًا قلتُ: «لا أريد أن أبقى بعيدة عن أحضانك، فتلك الحالة تقتل أنوثتي.. لن تحيا أنوثتي حتى لو ماتت نصف خلايا جسدي إن لم تكن بجانبي وفوقي وتحتي، نبدو تحت ضوء المصباح ظلًّا واحدًا يصعب أن أتعرف عليك أو تتعرف علي!تلك هي التي حالتي أدعو الله أن يبقيها تحت جلدي حتى لحظة طلوع الروح.. ربما هذه المشاعر المتأججة تنبع من سموم كيماوية قتلت خلاياي ودفقت طاقة الروح المأزومة بالعشق فيك ومنك وعليك..».
*******
كلما ورد طيف هانم – بينما عبد الوارث إلى حافة النهر أقرب، وجميلة في صمت يناسب تلك الجلسة الصيفية مع غروب يوم صيفي – تكررت أسطورة النداهة المصرية القديمة:
«أتذكر من طفولتي أن كل أهل قريتنا في النوبة يحكون حكاية؛ البنات في عمري يحلفون أنها حصلت، والأمهات يحلفن على أطفالها ألا يلعبوا في الظلام بعد المغرب خارج الدار، وكل الرجال ومنهم أبويا
يقسمون أنهم يرونها..«النداهة» هي فتاة أو امرأة جميلة جدًا، عيناها تبرق وتضيء في الظلمة.. وشعرها أسود كالح يصل لكعب القدمين، ومبلل تتساقط من أطرافه حبات اللؤلؤ، أو هي قطرات مياه رائقة من النهر، طويلة بل سمهرية، ولما تسحب معها حبيبها إلى النهر يختفي الشاب الجميل في المياه بينما تبقى هي منتصبة ولا تصل إليها المياه إلا عند ركبتيها.. ترتدي الحليّ الصدف من مياه نهر النيل..لا تظهر إلا في الليالي الظلماء في الحقول، لتنادي باسم شخص معين فيقوم هذا الشخص مسحورًا بجمالها، ويتبع النداء إلى أن يصل إليها، فور تمد يدها مرحِّبة تسحبُه نحوها.. ثم يجدونه ميتًا في اليوم التالي».
يمكن أن يقتصر ضرر النداهة على الجنون، والتشكُّل بأكثر من شكل وأكثر من حجم للشكل نفسه، ومن الطرق التي يمكن قَتْلُها بها هي ذكر الله ورش الملح عليها، مع عدم النظر إلى وجهها، وعدم الردِّ على نِدَائِها..ليسَ بالضروريِّ أن يموت الشخص في اليوم التالي أو يُصاب بالجنون بشكل كامل، فقط يحدث ما يمكن أن نقول عليه بعض الهلاوس النفسية، كأن تجد الشخص يتحدث مع نفسه، ويبدأ بالتردد كثيرًا على التجول داخل الأراضي الزراعية، ومن الصعب عليك تعقبه ومعرفة أي الأماكن التي يذهب إليها بالتحديد.
يُقال أيضًا إن النداهة أحيانًا تقَعُ في حُبِّ أحدهم وتأخذه معها إلى العالم السفلي وتتزوج منه، وفي هذه الحالة يختفي الشخص كليًّا، ويظهر بعدها فجأة، إلا أنه يُتوَفَّى بعد ذلك، ويقول البعض إن وفاته هي بسبب أنه تخلَّى عن عالمها السفلي وعنها، وتنتقم هي منه بقتله خوفًا من كشف أسرار عالمها، لذلك يموت البعض في اليوم التالي، أو يُصاب بالجنون أو يختفي تمامًا..يطول الحوار والحكي بين جميلة وعبد الوارث، ولا ينتهي، متجددًا في اليوم التالي!».
خلال تلك السنوات الطويلة، لم تطلب جميلة مقابل ما قدّمته لقاطني البيت من كبير أو من صغير، للرجل ولزوجتِهِ قدّمت خدمات يعجزن معًا عن إنجازها دونها، كأن تقرأ لهما الفنجان ووشوشة الودع، فقدمت بذلك لهما المستقبل جليًّا.. حُلْوه ومُرّه وأخبرتهما به!
بمرور الأيام خال لها أنه من الواجب أن تستمع وتطيع فقط، من الكبير أو الصغير، من الغريب أو القريب، من كلِّ مَن يتحدث إليها.. خصوصًا بعد أن لَمَحت ابتسامة البعض ظنًّا منها ابتسامة ساخرة بسبب لكنتِها وطريقتها الخاصة في النطق، حتى فشلت هانم في إقناعها بعدم الانشغال بأحد. تكلمي بما يحلو لك.. خصوصًا أنها أعلنت، واعترفت بأنها لم ترغب في كل اللهجات واللكنات التي عرفتها في كل المدن التي
عاشَتْها مع الأسرة أحيانًا، على ضفاف النيل، وحتى استقرت في المنصورية الأقرب إلى لهجة سكان القاهرة.
لا تدري جميلة ماذا تفعل أكثر من تنفيذ الأوامر، ومتابعة أعمالها المنزلية الروتينية التي يجهلها الجميع.. بداية من طلبات هانم أم الجنرال قبل وفاتها، حتى بعد أن احتلَّتْ البيت الكبير بجحافل أسرتَيْ الجنرال والإعلامي عارف. على رؤوس الجميع كانت أوامر أزواجهما، وقد انشغل الرجلان؛ الجنرال والإعلامي بمهام غامضة لا تعنيها، بعد أن نزلت الناس إلى الشوارع.. شاهدَتْهم على شاشة التليفزيون، أحيانا تتابع ما تراه، وأحيانًا أخرى تفضل البقاء مع دِفْءِ المطبخ الكبير.
********
بعد مضي السنوات الطويلة، بدت جميلة متعلقة بكل ما هو خاصّ بالنيل وأخباره، وعلى حين غفلة، دون مقدمات انتهزت حديث الأب وابنه عن السد البعيد المحتمل هناك في البلاد البعيدة، بدأت تقصُّ عن الأجداد ومدى حبهم للنيل مثلها ومثل عبد الوارث.لا جميلة تدري كيف واتَتْها تلك الحالة كي تشارك وتتحدث دون إذن، أو رغبة أحدهم في الاستماع إليها، ولا حتى انتظرت أن ينتبهوا إليها، كأنها تابعَتْ ما دار بين عصام وأبيه.
فَهِم عبد الوارث ما تعنيه جميلة، بينما لم يبدُ على عصام أنه فَهِمَ أو حتى رغب في أن يفهم، وإلا لماذا انشغل هكذا في الموبيل؟!
*********
(4) * ماذا يعني الصمت عند الجنرال؟
الجنرال «رامز» يشعر بالإجهاد، لا يبوحُ ولا يرغب في التعبير عن جسده المنهك. من العيب أن ينطق بغير كلمات الأمر بالتقدم.. إما لفَضِّ مظاهرة أو لمحاصرة تجمُّعٍ ما، أو حتى توقُّع الشغب في مباراة لكرة القدم، لكون التعبير بكلمة «آه» للنسوان فقط!
الذي لم ينتبه إليه أحد ولا يعرفه الإعلاميون؛ أن الجنرال هو صاحب الفكرة وأول من انتبه لحيلة الشباب الجديدة للتواصل والتجمع من جديد.
دارت رحى المعارك بين الجميع، مع ذلك بلغت الجرأة أن توجهوا إلى القصر الرئاسي، مع احتمال الاعتصام أمام أسوار القصر.
طَغَتْ أجواء النهب والسلب من البلطجية، والمساجين الذين هربوا من أقسام الشرطة والسجون العامة لترويع المواطنين، حَثّ المتظاهرين على التراجع. بينما كان المشهد لافتًا ومثيرًا، هناك على مقرُبة من متحف الآثار المصري، وقف المشاغبونَ اللصوصُ يسعونَ لسرقة القطع الأثرية بالمتحف المصري الكبير!
بَلَغَ الجنرال خبرَ اقتحامِ الأقسام، تقدَّمَ ورجالُه إلى أقرب أقسام الشرطة إلى مكتبه، قسم مدينة نصر.. ثم قسم النزهة.. ثم قسم الزيتون.. فلما وَرَدَتْه الأخبار أن قسم عين شمس محاصرًا.. فتابع مهمته التي أذهلَتْ الجميع، اعتلى أسطح كل تلك الأقسام ورجاله، وأطلق النيران بالرصاص نحو المهاجمين أو البلطجية أو الطامعين في شيء يدخرونه من أثاث القسم؟! ثم تنَوَّعَتْ توصيفات تلك الحادثة.. حادثة اتهام الجنرال بالقتل العمد مع سبق الإصرار، بعد نحو السنة من تلك الواقعة!
******
(5) * ماذا يعني الصمت عند علام؟
لا أدري من أين تلبسَتْنِي شجاعة النزول إلى الشارع في اتجاه ميدان التحرير البعيد عن مقرِّ الجريدة؟ أمثالي لا يسيرونَ هكذا، لن يترُكَهم الجمهور يستمتعون بدفء الشمس، وضعت النظارة الفيميه الفوتوسشن الشمسية، وكسوت عينيَّ بإطارها السميك الغامق اللون، وبالعدسات التي تحجب العينَيْنِ بينما يرى الرائي نفسه على سطحها الخارجي.. تردَّدَتْ لفترة قصيرة، خرجت وحدي.. هالني أن تذكَّرت أنني كنت يومًا من متمرِّدي هذا الميدان، تذكرت «انتفاضة الحرامية» كما أطلقوا عليها، في عهد حكم أنور السادات.. ياه، كم هي الأيام خادعة! على غير تَوَقُّع حدث أن رأيتُ ما أثار ذاكرتي عن تلك الأيام البعيدة.
بينما أرتَكِنُ إلى جدران إحدى العمارات في الميدان.. خِلْت نفسي وأنا أتابع ما يقال، وما يحدث من كرٍّ وفرٍّ بين المتظاهرين ورجال الشرطة.. دون أن أدري حدث أن انتبه أحدهم إلى مشهد دماء تتسربل على الإسفلت تحت أردافي، بان أنها من أحدهم بجواري!
حَمَلُوني عنوةً، وقبل أن أتحقق، إلى خيمة بيضاء، بجوار مبنى مُجَمَّع الإدارات الحكومية الشامخ هناك. أحاطوني بأطباء يتفحَّصُون جسدي.. أقسم لهم أنني لم أفقد قطرة دم واحدة، لم أكن مصابًا، هو دم مَن كان إلى جواري.. يرمونني بنظرة العطف والشفقة لأنني لا أدري أنني ممن أُصيبوا أكيد، لكنني لا أشعر من شدة الألم! يبدو أنني صَدَّقْتُ مقولَتَهم، بينما كل ما أعرفه يؤكد عَكْس مقولتهم، فلا الزمان هو الزمان، ولا أنا ممن شارَكَ الجموع، وأكثر ما فعلته أن سَجَّلْت كل ملاحظاتي التي سلمتها إلى رئيس التحرير الجريدة التي أتدرب فيها بينما ما زلت طالبًا.. على يقين بأن رئيس التحرير يعلم كذب ما كنتُ أكتب، لكنه يعلم أيضًا أنني أكتب ما يُرضِيه ولا يَضُرُّ باستقرار وأمن البلاد!
كتبت وأوضحتُ بالاسم والوصف أنَّ من قاد تلك المظاهرة في الميدان بعد أن مَهَّدَ لها في ساحة الجامعة، هم جماعة اليساريين من أعضاء حزب التجمع وبعض النقابات العمالية، ما لفت انتباهي أكثر، لا أدري ما ورد إلى رأس رئيس التحرير وأخبرني به: «أنت مشروعُ صحفيٍّ ذكي، هل تعمدتَ أن تَصِفَ هؤلاء المشاغبين بالشيوعيين..؟»، أومأتُ موافقًا.. تابع قائلًا: «حجزتَ مكتَبَك في الدار هُنا قبلَ تَخَرُّجِكَ.. مبروك يا وَلَد» يا لِسحرِ هذه الكلمة في تلك الفترة، معَها أم ضدَّها حسبَ موقعِ قدميك!
لن أتفرغ للذكرى طويلًا، قررتُ أن أرى، أُتابِعَ أكبر قدر من الأحوال في الميدان والشوارع الموصلة إليه، على الأقل حتى أقسم لهم أنني تابعتُ أحداثَها لحظة بلحظة، بل و شاركت فيها، ليس مستغربًا من مثلي أن يكونَ مِمَّنْ خططوا لها! لا أدري لماذا تذكَّرْتُ صديقي المبدع، كاتب القصة القصيرة والرواية، ذلك الشاب المتحمس الذي عَرَفْتُه أيام الشباب والدم الفائر، والذي فَقَدَ الاتصال بأمه منذ تلك السنوات البعيدة؟!
حاولتُ البحث عنه، سألتُ كلَّ من صادفني، حتى رأيتهم يحيطوني، يسألوني بإلحاح: «هل وجدت صديقك الروائي؟».. لم أجد ما أجيب به..!
*******
(6) * ماذا يعني الصمت عند عصام؟
لا يتقابل عصام مع أبيه إلا مصادفة، وهو في طريقه للخارج، بينما يجلس عبد الوارث يشرب الشاي في الحديقة الصغيرة للبيت.. أو عند عودته ليلًا، وهو ما أثارَ شكَّ جميلة، بينما الأب يهز كرة رأسه في صمت،
تنطق جميلة وتصرح بما في رأسها، وهي من المرات القليلة التي تتكلم فيها، تنطق تقول: «وحياة النبي الولد ده وراه حكاية؟».
مَلَّ عبد الوارث أحوال الولد، زهقت روحه من عمايله الغامضة الملتوية الخبيثة، غضَّ البصر عنه عمدًا، وإن صادف دخول الولد جلسة الأب مع أوراقه القديمة – بدأ الأب يعاود قراءة تقاريره وتعليمات المصلحة التي تخص نهر النيل – ولم يعد يقرأ الصحف والمجلات، متعللًا بكلالة ناظريه، كأن العينين أصابتهما الكلالة من الصحف والمجلات فقط، أقول إن تصادف عودة الولد في تلك الفترة يفتعل الأب الانهماك في قراءة أوراقه!
إلا مرة، عامدًا يقرر عبد الوارث استدعاء أصغر أبنائه، بجهامة وفظاظة يصرخ في وجهه: «أنت طالب حقوق، أولى من ضابط الشرطة والإعلامي بمتابعة الموضوع من بدايته، ربما يصبح مثل موضوع التحكيم الدولي في «طابا»! شعر الابنُ بالحيرةِ لبعضِ الوقت، تساءل عما في رأس هذا العجوز، هل مَن هم في مثلِ عُمْرِ أبيه عندهم ما يستحقُّ؟ انتهى زمانهم، جيل كامل سيطر على البلد، يكفي ما حصلوا عليه، يكفيهم حكم البلاد! بعنف وبقوة لا يدري الولد من أين تلبَّسَتْ أباه دفعه، فسقط فوق المقعد الخيزران الموجود دومًا بحديقة البيت، سأله: «ما معلوماتك عن سد النهضة؟».
كانت دهشة الابن كبيرة، ما علاقة ما يدور فوقَ الطرقات في المدن الكبيرة وبداية المظاهرات التي لم تهْمَد بعد.. ما علاقة تلك الاضطرابات والبحث عن الحرية والديمقراطية بما بدأ يشيع في وسائل الإعلام عن سد يسمى سد النهضة في إثيوبيا؟!
بلا مقدمات قال لولده: «سد النهضة الإثيوبي الكبير، يقع في المجرى المائي أو من المفترض أن يقع في مجرى النيل الأزرق، عند الانتهاء من تشييده.. سوف يتكلَّف نحو خمسة مليارات دولار، عبارة عن خرسانة مرصوصة، سوف يزيدُ من الطاقة الكهربائية، ومعه يُمارِسُون الزراعة الكثيفة طوال السنة، وليس خلال موسم الأمطار وحده»، لوى الابن شفته السفلية وصَمَتَ، ربما أراد الأب أن يضيف ما يُحَمِّس الشابَّ الجاهل بما يحيق بالبلاد من أخطار.. أية أخطار؟! إنها تخص مياه نهر النيل!
فتابع وحده: «سوف يقع في نحو 20 كيلومترًا عند اكتماله أو يزيد، وبالتالي سوف يصبح أكبر سدود أفريقيا» تغلب الصمت لولا أن الأب شاء أن يتحدث بصياغة قانونية لولده المتبلد، الدهشة هي ما رصدته جميلة، فهي الوحيدة التي تعلم تفاصيل أفعال الولد في ميدان التحرير! نهضَتْ من جِلستها القرفصاء، مالَتْ
نحو أذن الولد، همست: «رُدَّ على أبيك يا ولد.. سهم الله رشق في زورك؟»،فهم عبد الوارث، سَمِع ما تعنيه جميلة، على ثقة هو أنها متحمسة، متشوقة لسماع أخبار سد النهضة لأنه ببساطة له علاقة بمياه نهر النيل التي أغرقت قريتها، فتابع وحده: «كانت الدول على نهر النيل من المستعمرات لدولتي إنجلترا وفرنسا، أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902م في أديس أبابا ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات – سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط.. ثم اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا، عام 1906.. وظهرت عام 1929 اتفاقية أخرى تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر من مياه النيل، وإن لمصر الحقَّ في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده»، كانت المفاجأة أن تابع الولد وقال:
«تم تحديد موقع السد في عام 1964 بواسطة مكتب أمريكي، دون الرجوع لمصر! في 2010 انتهوا من تصميم السد، وفي 31 مارس 2011 تم تكليف شركة إيطالية بالتنفيذ، خلال أيام قليلة تم البدء في التنفيذ العملي، وبعد أن كان يُسمَّى بالمشروع «إكس» في كل المستندات الرسمية، أصبح عَلَمًا مُعلنًا.. الآن هل عندك الجديد؟ هل تأكدت أن ما أعلم يفوق ما تعلمه أنت؟ أما زلتَ لا تثق بي..؟»، يبدو أنه قال كلامًا كثيرًا من بعد.. لم يتابعه عبد الوارث، انشغل أكثر بالسؤال الذي قفز أمام عينيه: لماذا انقسم سكان البيت إلى مجموعتين أو فريقين متنافسين، بمعنى أصح.. مجموعة توافق على ما يحدث.. الأخرى تعارضه، تعارض المجموعة الأولى؟!لم يكن الاختلاف بين الابن ووالده هو اللافت، الذي دفع جميلة لأن تتدخل، ما أدهش العجوز ما سَمِعَتْه من الولد، بان لها أنه يعلم ما لا يعلمه الأبُ المحنَّك بكل الوثائق والأوراق التي يحتفظ بها وما أكثرها، سمعت الولد يقول بصوت أشبه بصوت القرار في الموسيقى:
«مع ذلك هناك مشاكل سوف تنال من نجاح المشروع تمامًا، ربما لا يُستكمل ولا يُفتتح قريبًا كما يعلنون، من تلك المشاكل المتوقعة: يقع السدُّ في منطقة تغلب عليها الصخور المتحولة، التي تشبه في تكوينها جبال البحر الأحمر الغنية ببعض المعادن والعناصر المهمة، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، بالإضافة إلى محاجر الرخام. هناك عوامل جيولوجية وجغرافية كثيرة تتسبب في فشل كثير من المشروعات المائية في دول منابع نهر النيل بصفة عامة، وإثيوبيا بصفة خاصة، من بينها انتشار الصخور البركانية البازلتية، وهي صخور ضعيفة هندسيًّا لتحمل إقامة سدود عملاقة، قد تزيد هذه الصخور من ملوحة المياه.. الأخطر من هذا كله النشاط الزلزالي المتوقع».
قاطعه الأب مندهشًا: «من أين أتيت بكل تلك المعلومات.. أنت طالب حقوق.. صحيح أنتم جيل الإنترنت!»، ثم نظر نحو جميلة وإليه قائلًا: «لكن هل أنت واثق مما تقول؟!».
**********
القسم الثالث
ضجيج الصمت
هتاف «تحيا مصر»
الهتافات فوق الطرقات وفي الميادين.. عَمَّت، غلَبَتْ، وشملت الأجواء كلها، ارتطمت صيحة «تحيا مصر» بالجدران القريبة والسحابات البعيدة، كانت تقفز بقوة وتصعد بسرعة، ثم تميل إلى حيث توجد الجموع على الطرقات الثعبانية والمنشقة عن كل الميادين.. ألا تعلم أن السحب تَكَفَّلَت بنقلها إلى هناك، وزخات مياه الأمطار تكفلت بحملها ودفعها إلى أسفل ها هنا، نحو أناس متراصِّين في غير انتظام، وعلى غير عمد. لم يشغلهم الانتظام عمدًا، شغلهم الهتاف أكثر.
لا تخدعك الكلمات، ولا تصدق كل ما يقال أو يكتب، من كل الإذاعات والمرئيات والصحف، تحت جلبة الأصوات الزاعقة والهتافات والجلبة، كانت بعض الأيادي تعمل والعقول تدبِّر، فتأتي الصيحة وراء الأخرى، وأحيانًا بغير معناها! تعدَّدَت، كثُرَت حتى بدت بكل ألوان الطيف، كما أنها استقلَّت وانفصلت، ما عادت تنتظر السحابات ولا زخات الأمطار السماوية، أصبحت قادرة على الانتقال من المكان نفسه أو الميدان ، حتى بلغت عقر القصور والدواوين المحصَّنَة، أماكن ما كانت تخطر على ذهن بشر، ولا حتى على مَن أطلقها!
لا تندهش لو عرفت أن الهتاف «تحيا مصر»، جميعهم سَمِعُوه وفَهِمُوه.. كلّ على هواه وما يتمناه ويرغبه.. كأنه بلغ كل منهم همسًا في أذنه وحده! «يحيا رجل الصحافة والإعلام علام عبد الوارث!».. وأقسم الجنرال بكل القيم العليا والمبادئ الإنسانية، أنه سمعه هكذا: «يحيا الجنرال ابن عبد الوارث المخلص الأمين، حامي الحمى، وحارس أمن العباد والبلاد!».. أما ثالثهم لم يقسم ولا تدري لماذا بقي على ثقة أن جميعهم سمعوا النداء باسمه وباسم كل زملائه في دفعة الكلية.. «يعيش عصام وزملاؤه، يموت كل الأعداء!».
وإن تلاحظ أن عصام كثيرًا ما يبتسم شاردًا، عندما يتذكَّر سحنة شقيقه الجنرال الشاحبة، وهو يقول: «اشكرني، لولا أن تدخلتُ، كنتَ وزملاء الكلية في سجن القلعة!».
*******
* كيف استقبل «عصام» الهتاف؟!
الحكاية التي ظن عصام أن لا يعرفها أحد.. شاعت عنه وانتشرت، هي سرُّ الهتاف الذي كسا سماء البلاد، هتاف «تحيا مصر». ما فتئ يجلس إلى مجموعة من المرابطين من زملاء الكلية، يسردها، لا يترك لأحدهم الفرصة لسؤال.. ردد الحكاية هكذا:
أنا «عصام المصري» حفيد صاحب المقامة والكسوة الخضراء الشيخ المصري.. بلغني الهتاف كثيرًا وطوال سنوات دراستي بكلية الحقوق، لعل أولها خلال الأيام الأولى لي في الكلية، حين قابلني من حجب الشمس والنسمة الخريفية عن وجهي، نظر نحوي من أعلى إلى فروة رأسي، وفور أن اجتزت باب الجامعة الخارجي، سمعته يردد جملة واحدة:
«تَفَضَّلْ معي حالًا لمقابلة حضرة الضابط».. كرَّرَها في آلية مملة وسخيفة.. لم أتردد، ملأتني الأسئلة، زادت التساؤلات وأنا أرى زملائي في تحرير جريدة الحائط أمام ضابط الحرس الجامعي، حضر جميعهم قبلي!
فهمت من الجندي أنه من الجائز والمحتمل في الأغلب الأعم (هكذا نطقها جندي الحرس) أن رئيس حرس الجامعة غضب أن علقت صحيفة الحائط دون إذنه وتوقيعه عليها، بالرغم من أنني على يقين من أنه لا يتذوق الأدب، ولا يحب تناول موضوعات السياسة، ويمل شكوى الشباب من علاقتهم بالأساتذة؟! مع ذلك سَلَّمتُه الجريدة منذ أسبوع، ووضع الضابط توقيعه عليها، وعلقت الجريدة بسلام!
لعل أحدهم وشى بي، وأخبرهم أنني لا أحب مصر؟!.. لا أظن، لأنها تهمة بلا دليل. خلال دقائق بالضبط، كنت داخل حجرة الحرس الجامعي، ثم داخل صندوق مظلم لسيارة شرطة، ثم داخل دهاليز وطرقات طويلة معتمة هذه المرة، وإن لمحت بعض المصابيح الكهربية المضاءة في وضح النهار، العذر الوحيد أن نور الخارج يتبدل ظلمة فور اجتياز بوابة المبنى العتم.. زملائى الخمسة تعلقوا بأذني: «اتصل بالجنرال شقيقك.. له كلمة في البلد، أكيد سوف يفرجون عنا».
لا أدري، ربما أدري وأدعي الغفلة: لماذا لا أريد الاتصال بشقيقي الجنرال، أعرف من هو، وهو القادر بالاتصال التليفوني البسيط، على أن ينهي كل المشكلة؟ زميلي «حمزة الضو» سَبَّنِي وسَبَّ أجدادي وهو يقول: «اتصل بالجنرال يا بن المجانين، العب باللي تغلب به.. حتى وعنينا على الوطن مع القيم الكبيرة، نستفيد من كلام جَدِّي وجدك».
تدخل «فتحي المحلاوي» مال بشدة نحوهما حتى لا يعلو صوته، وإن سمعه جندي الحراسة الذي ابتسم بين فرجة ضيقة لباب الغرفة شبه المظلمة في تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا: «أعلم أنك ترى الجنرال يعاملك معاملة الطفل الصغير، وهو ما يجعلك تتحاشى الحوار معه، وأنا شايف إنه من المناسب تستغل هذه النظرة والمعاملة نفسها وتطلب منه أن يخرجنا».
بسرعة لحقه الثالث «عمر الشامي» وقال: «نبهه إن معك خمسة شباب مثل الورد البلدي.. أحذرك من النسيان وأنت عامل فيها كاتب وأديب!».
طلبت كوبًا من الماء، فنظر العسكري الريفي الملامح والطلعة واللكنة في صمت، وكأن رفقاء المحبس، تذكروا أنهم عطشى فور أن طلبتُ كوب الماء؟! فقال الجندي خفيف الظل: «قاعد على الترعة يا أفندي منك له!» لم أفهم العلاقة بين أن أطلب الماء لأنني وزملائي نشعر بالعطش، والجلوس إلى الترعة.. بعدها بقليل بانت العلاقة في أمر بسيط للغاية.. لأنني داخل هذا المبنى لا يحق لي أن أطلب طلبًا، أنفذ الأوامر فقط.. حالًا نفَّذَت مجموعة هينة منها: اقفل الموبيل وسلمه.. سلِّم بطاقة الرقم القومي.. انتظر هنا حتى يطلبك حضرة الضابط.
أخيرًا طلبني حضرة العقيد «شاكر».. ما إن نظرت إليه حتى تلبستني الدهشة، بدلًا من أن تتلبسني الرهبة، بل الفزع من ذلك النحيل الأصلع باش الوجه! ولولا أنني لا أدخن كنت أشعلت معه السيجارة السوبر، ولم أكتفِ بفنجان القهوة الذي جاء خلفي فورًا ودون أن أطلبه، لكنني في حضرة الضابط المحنك الذي يعلم أنني مدمن القهوة الزيادة بن ثقيل! فهمت الرسالة، ولا مشاكل، وإن ظللت على حال دهشتي، أن يبدو لي رجال الأمن من العساكر وصغار الرتبة، أضخم جسدًا ولهم نظرات رهيبة مهيبة، بينما ضابطهم أو قائدهم، هكذا يبدو باشًّا رقيقًا دَمِثًا جدًا، إن حقًّا أو افتعالًا وكذبًا!
فجأة لم ينتظر حتى ينتهي من فنجان القهوة، انقلب مائة وثمانين درجة، تولى وحده أمر إيذائي نفسيًّا أكثر من الإيذاء البدني، صفعات على وجهي وسباب لأمي.. كنت أتمنى ألا يسبني بأمي، يكفي أن يسبني بأبي! كلنا في الهزار نسبُّ أبانا أما إذا سببنا الأم فهو أمر جلل لا هزار فيه.. وكأنه يثأر لخصومة ما بيننا.. وأجهلها، كأني قتلتُ أمَّه على حين غفلة مني. كان يحتمي بثلاثة من شباب الضباط وخمسة من المخبرين الأجلاف يصطفون أمامي مع نظرات تأهب للانقضاض علي إن لزم الأمر.
لا أدري لماذا أصرَّ سيادة العقيد على سُبابه لأمي، وعلى عدم البوح عن سببِ كلِّ ما أنا فيه.. فلما بكيتُ وتعلقت بأذنه مصرًا أن أعرف السبب، قال جملة واحدة: «تذكَّر وحدك ماذا قلت وأنت مع زملائك في قاعة المحاضرات قبل انتخابات اتحاد الطلاب».. بمضي الساعات والأيام نسيت وقع قرقعة كفه على صدغي، ولم أنس السؤال عمن وشى بي؟!
فيما بعد علمت من زملائي الخمسة أن العقيد أحضرهم معي، ليس لكونهم يشاركونني الاتهام، بل لأنهم معي يكتبون في جريدة الحائط، وحذرهم أن يكتب أحدهم كلمة تضر الوطن.. في أي موضوع.. لم يوضح، ولم يسع أحدهم أن يسأل. كل ما حدث أن نجحت في استبدال بهم آخرين يكتبون معي في الصحيفة، وفي ذلك اليوم البعيد لم يسمع أحدهم اتصالي بأخي الجنرال كي يستخدم هيبته وهيمنته وأتحرر من تلك التجربة على غير رغبتي
******
كيف استقبل علام الهتاف؟
فورا سَجَّل الإعلامي «علام» الهتاف، خَطَّه أمامه فوق الأوراق البيضاء وعلى الشاشة الرمادية لحاسوبه الخاص، لم يُسجِّلْها لمرة واحدة، لمرات كثيرة، حتى طَغَتْ، لم يجد غيرها كي يخطَّ مقالاته النارية ونصائِحَه ومطالب الجماهير المطحونة التي يحفظها عن ظهر قلب..! كم مرة استشعر الغيرة والحقد في عيون رفقاء المهنة.. حارَبَه الأوغاد، لأنهم ببساطة يحقدون عليه وعلى كل ما أنجزه.. يظن أنه الوطني المخلص الوحيد في هذا البلد، هكذا يقول ويردد، ليس من حق أحدهم الاعتراض.. وانطلقت معركة لم تنته بينه وبينهم!
طوال الفترة الماضية، بينما الضجيج يعلو في الخارج ويزداد، بسرعة يسحب الكاتب الشهير قَلَمَه ويجمَع أوراقه، ثم زاد عليها تجهيز الشاشة الزرقاء لجهاز اللاب توب الذي لا يفارقه، حتى اعتبرته «هالة» زوجته ضرَّتَها ومصدر ضررها!
يتواصل مع القنوات التلفزيونية المحلية الأرضية والفضائية، راج وانتشر عبر الأثير، كثر من يحرصون على التواصل معه، فقط ينتهز فرصة راحة قصيرة.. يُسرِع.. يبدأ في إعداد فنجان القهوة بعد أن أحضر «السبرتاية» وبرطمان البن والفناجين، رصَّها أعلى منضدة صغيرة على مقربة منه. منذ تلك الأيام التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير، التي طالَتْ على غير توقع منه، وخابت تقديراته هذه المرة.. لكنه ما زال يعمل مع فنجانه وقلمه وشاشة جهازه والقنوات الفضائية.
كل الأجواء تتهيأ لاستقبال ما يقوله ويفكر فيه، فهو الألمعيُّ الأشهر، المفوَّه الذي يمثل المعارضة السياسية أحيانًا، وقت أن فرغت الساحة من المعارضة، حزبًا كانت أو قلمًا. كم هي تطلعاته بسيطة هينة، أن يحافظ على كل ما أنجزه وأكَّد عليه، من ترسيخ لمفاهيم العدالة الاجتماعية والحرية، ولا أقول إن يحافظ على ما حققه من شهرة ومال، الأعداء فقط هم من يرددونها، ويتهمونه بالانتهازية واقتناء الثروة من وراء عمله السياسي، على الرغم من كونه ليس منضمًا لحزب ولا هو ضمن معارضة واضحة يسارية كانت أو يمينية.. هو معارضة وحده، ولا يدرى أحدهم، كيف حقق تلك المعادلة الغامضة!
الآن، ما يأمل أن يحققه، هو ما يردده في أحاديثه التلفزيونية: «أنا حذرت من قبل، من الفوضى والمؤامرات الخارجية، لم ينتبه أحد.. أنا توقعت كل ما نراه فوق الطرقات، بل وما يمكن أن نراه مستقبلًا، صدقوا ما خططوا له.. إنني المعارضة المستأنسة.. نعم وصل إلي هذا التعبير الذي يردده البعض في النوادي وعلى الأرصفة والمقاهي.. أنا أدعو الجميع إلى الانتباه، هناك مؤامرة داخلية تدبرها أيادٍ خارجية، وسوف تسخرون من مقولتي التي تتعلل بالمؤامرات ولا تنتبه لسلبياتنا، أقول لكم: لا فارق بينهما؛ لأن اليد الخارجية توظِّف المتآمرين في الداخل تحت مظلة السلبية الشائعة!
لم تنقضِ ساعات قليلة بعد نشر تلك الكلمات حتى رنّ جرس الموبيل الخاص، الذي لا يعرف نمرته إلا الخاصة من أهل البيت والأصدقاء! ظلَّ علام على حال الابتسامة الشاحبة وكأنه في مواجهة شخصية مهيبة لا يصلح التحاور والمجادلة معها.. وهو ما تأكد مع دلالة كلماته القليلة التي عقب بها المكالمة قائلا: «تمام يا فندم.. وصلت الرسالة».
فكانت مقالة اليوم التالي بالصحيفة نفسها، الاعتذار لكل هيئة أو الهيئات الحكومية في مصر! شعر القراء بالحيرة، ما دخل ما كتبه بالأمس والاعتذار لهيئة القضاء.. فكان مقال اليوم التالي، وكل الأيام التوالي مقولته التي شاعت وسط سخرية الناس التي تحررت من الخفاء إلى العلن: «دعوا الملك للمالك.. ما لأحد أن يسبق مقولة الحكم القضائي. لا ينفع حذر من قدر!».
بتلك المعاني والدلالات كانت أحاديث الإعلامي الكبير ومقالاته.. فلما بدأت المظاهرات تحول من الكاتب المحلل إلى الكاتب الواصف، وفي كل الأحوال يعبر عن دهشته مرة أو امتعاضه مرة أخرى.. في كل الحالات يبدأ بمصر، وضرورة الحرص على مؤسساتها وأملاكها، هكذا كان الهتاف «تحيا مصر» يدفعه ويوجه قلمه ولسانه.
استخدم الكاتب الهمام بكل كلمات الشماتة والسخرية في إزكاء آرائه وأفكاره التي تلتقط الشعارات والعبارات الرنانة، تقف عندها.. لا تبرحها، لأنهم لم ينتبهوا إلى تحذيراته الذكية وتحليلاته السباقة التي استشرف بها المستقبل وقرأه من صفحة الحاضر.. فكان عنوان أول مقالاته، وحديثه التلفزيوني بعد شيوع الهياج والصرخات فوق الطرقات: «قرأت المستقبل ولم ينتبهوا!».
تلك اللغة الواثقة والساخرة، زادت وانتشرت، جعلَتْ الناس كلهم على فريقين، الفريق المؤيد يؤيد كل كلمة منه بشدة، والفريق المعارض يعارض كل فكرة منه ويتشكك في نياته بشدة.
وحدها «هالة» زوجته، اللسان الوحيد القادر على مواجهته بلا خوف ولا تردَّد، ظلت تقول: «يا أبو العيال.. أنا قلقانة!»، الطريف الذي اعتاده علام ولم يكن يتوقعه، أن بدت له زوجته الفتاة الأرستقراطية ابنة السفير في الخارجية المصرية، كأنها من سكان الأحياء الشعبية في القاهرة القديمة.. فيما بانت له الأسباب ومن أهمها أنها الابنة الوحيدة من بين كل أبناء الدبلوماسي التي ضاقت بالسفر إلى أي مكان يعمل به الأب، فضَّلَت جدتها التي تقيم في حي العباسية في القاهرة.
فلم يكن تعبير «أبو العيال» غريبًا عليه وإن اعتاده، أحيانًا يبدو هكذا غريبًا وشاذًّا مقارنة بمظهرها وشعرها المصبوغ بالأصفر الناري بأصابع أشهر محال الكوافير. لم تكن هالة حريصة على تحليل مشاعرها وتبريرها، كانت تعبر عنها فقط.. لمرة واحدة بررت رأيها بثقة، نطقته هكذا: «إن كنت مؤيدًا للحكومة أو معارضًا، أنا لا أعرف، ولا يهمني أن أعرف، كل ما يهمني هي البلد ومستقبل أولادي يا أبو العيال»، سألها: «إلى هذا الحد لا تحبينني.. أنا عندك (أبو العيال) فقط، ثم من أين جئت بهذا المصطلح الذي ما سمعته إلا في القرية القريبة من الفيلا التي تربيت فيها، ومن العجائز ومن (جميلة) التي قامت على رعايتنا؟!»، فلا تجيب، فقط تتابع ما تتحدث بشأنه!
قالت جملتها الشهيرة الغامضة تلك، كانت تقتحم عليه محبسه، حيث يتابع، يحلل، يكتب ويرسل لتقولها له، فقط تقولها وتكرر ولا تردد كلماتٍ غيرَها، حتى حملها مع أولادها إلى الفيلا، وإن غضبت عندما بان لها أن زوجة الجنرال سبقتها بأولادها الأربعة، للإقامة في البيت الكبير، ومع ذلك كله ما كانت تتصل بزوجها إلا لتقول الجملة نفسها: «يا خوفي يا (أبو العيال).. لا أنا مصدقة نبوءاتك المتفائلة، ولا تحذيراتك المتشائمة، أنا خايفة على البلد، حتى وأنا هنا، بدأت أفقد الشعور بالأمان.. لا أدري لماذا أنا خائفة؟».
«هالة» تلبستها حالة من الخوف، وصفها الطبيب النفسي، وأفاض بكونها مشاعر طبيعية تزداد أحيانًا عند البعض وتصبح مرضًا، لكن حالة الزوجة الجميلة النحيلة على الرغم من إنجاب أطفالها الثلاثة! لم تصل إلى الحد المرضي، ونصحها بالتنزه والسير لفترات طويلة كل يوم أو التريض في الجيم، على مقربة من العيادة.
أما شيخ الإفتاء على شاشة التلفزيون، وقد اتصلت به لتسأله عن حالة الخوف تلك، لم يفكر طويلاً، أجاب وهو ينظر إلى بؤرة عدسة الكاميرا المخصصة له، كأنه ينظر إلى بؤبؤ هالة المتخيلة أمامه، ثم قال: «ارجعي لله والتزمي بأمر الله وأخلصي النية..»، فقاطعته: «أفعل يا مولانا.. أفعل..» لم يقتنع الشيخ، تابع تحذيراته، فثارت حتى غلب صوتها، وقطع المخرج الاتصال.
*******
* كيف استقبل «رامز» الهتاف؟
فلما كان الهتاف نفسه «تحيا مصر» مستمرًّا في ازدياد، استقبله الجنرال «رامز» الهمام على رأس قوات الأمن، سمعها تردد وتقول: «يا جنرال، يا حامي الحمى.. دعنا في ظلك وحماك».
لا هو يعرف ولا من كانوا من حوله يعرفون، ولا حتى من حَلَّل الأحداث طوال تلك الفترة.. ما سرُّ هذا الشعور والفهم الطاغي عند الجنرال. المدهش العجيب ما حدث له، فلا يوجد المبرر غير المتوقع لكل ما ناله الجنرال فيما بعد من غبن وإهمال، حتى شعر صغار الضباط الشباب بخيبة الأمل، وهم مَن هم.. إنهم تلاميذه والأمل المرجو!
فور سماع الصيحة، وكما تفهمها جيدًا، ما كان منه إلا أن يلبي النداء والهتاف الذي بلغه، كما فعل طوال سنوات خدمته الطويلة، فعل في مواجهة مثيري الشغب لمنع الإضرار بالمال العام، وحماية الأمن وتحقيق الأمان في تلك الواحة التي يتحمل مسؤولية أمن أهلها فوق كتفيه العريضتين، اللتين يعلوهما «الإسبليت» المثقل بالسيفين والنسر.
إن نسي فلن ينسى ولا تاريخ الشرطة، ما كان وحدث منذ سنوات بعيدة.. يوم أن تقدم وهو الشاب الملازم أول «رامز» مجموعة صغيرة من الضباط، مع تلك الطلَّة اللافتة، واللسان الفصيح، وبريق عينين تشعّان ذكاء وفطنة، حيث يقيم داخلها الشاب صاحب النقرة السوداء أعلى جبهته دليل السجود وارتماء الجبهة توسلاً لله تعالي، إنه الشاب المتمرد أو المجاهد لوجه الله مخلصًا، وهو نفسه الذي نجح في تفجير حافلة رحلة سياحية، فقتل من قتل وأصيب من أصيب، بينما نجح هو في الفرار منتصرًا على أعداء الدين!
بدت على الملازم أول «رامز عبد الوارث» مشاعر الحماسة، وقد وضع في يقينه أنه حتمًا سوف يكلف بتنفيذ تلك العملية، بقيادة مجموعة نشطة معه!
لم تكن المهمة بالأمر الهين، الأوامر واضحة.. ارتداء القميص الواقي من الرصاص، التسليح الشخصي الكامل من سلاح وذخيرة، إطلاق النيران فور استخدام «الهدف» للعنف أو محاولة الهروب أو المقاومة. ما كان الهدف سوى شاب من مجموعة «صالح سرية»، تلك التي هاجمت الكلية الفنية العسكرية من قبل.
فورًا تحركت القوة في ساعة الصفر، في منتصف الليل تمامًا، ومع اقترابها من منزل الهدف، تم إغلاق كل الشوارع والحارات المؤدية إليه، بعدد كبير من الجنود المصفوفة، وجاء دور مجموعة الاقتحام، تقدم الجميع؛ الملازم أول «رامز» ومن خلفه الزملاء، اعتلوا سطح المنزل المجاور لمنزل الهدف، ومنه اعتلوا سطح المنزل، كان قرار الضابط الصغير عدم اقتحام منزل الهدف من بابه، قواعد السيطرة وإحكام التمويه جعلتهم يهبطون من أعلى إلى الدور الأسفل، حتى تتحقق المفاجأة.
شعر بهم الشاب الهارب والمطلوب القبض عليه، دون أن يروه تأكدوا من قدرته على المناورة والقتال، وإلا لماذا بادرهم بإطلاق دفعات متتالية من النيران وهو خلف باب شقته المغلق إلا من ثقبين، أحدهما لفوهة مدفعه الرشاش والآخر لينظر منه إلى الخارج.
كمية النيران الكثيفة كانت كفيلة بتحطيم الباب الخشبي، بحيث سقط مع أول دفعة بالقدم، تقدم الملازم أول، اقتحم الشقة، لم ير الشاب الهدف، ولم يسمع له صوتًا، كان العويل والصراخ من أمه المتشحة بالسواد، من أعلى رأسها حتى أخمص القدم. لم تكفّ الصراخ للحظة واحدة وهي تنعتهم وتسبهم: «يا كفرة يا ولاد الكلب!».
انتشرت مجموعة الاقتحام في خطوات يعرفونها وبانضباط محنَّك بين أرجاء الشقة الضيقة، تلك التي لا تزيد عن غرفة واحدة ودورة مياه.. فلما نظر الضابط الشاب رامز شاهرًا سلاحه إلى أسفل السرير، بدا وكأن الهدف أو الشاب الذي كان حليق الذقن، على غير هيئته المعروفة عنه، كان يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ولولا صراخ أمه لسمعوا جميعًا صوت شخير حشرجة تلك الأنفاس البطيئة، بينما فقاعات بلا لون تخرج من فتحتي الأنف، ودم لزج يتسربل من جانبي الفم المفتوح مع تلك النظرات الغامضة لبؤبؤ العينين والمصلوبة نحو اللاشيء.
كان الاحتفال مهيبًا وحافلًا بالتهاني والبسمات، لم ينتظر الوزير طويلًا، أعلن الخبر في كل وسائل الإعلام، مرفقًا بصورة الهدف القتيل، وصورة أخرى لرامز والوسام يزين صدر الملازم أول. كانت أول العمليات الأمنية الناجحة، وكم من العمليات نجحت!
دارت الأيام، تابع الجنرال رامز الهتاف وتأمله، تذكّر شبابه وبطولاته، رمى نظرة إلى تلك الشهادات المعلقة على حوائط غرفته. أسرع الخُطى نحو غرفة الأرشيف، وسحب الخرائط كلها، وأضاء أخرى خريطة ضوئية على جانب من جوانب الغرفة. وبدأ يسمع الأخبار التي تتوالى عليه، ويشير على نقاط محددة على الشاشة، لم ينتبه أحد ممن يرافقونه ويتابعون دراسة الموقف، ماذا دار في رأسه بالضبط كي يقول: «الموقف صعب، يبدو لا حيلة إلا أن أتقدم بنفسي، كما كنت أيام الشباب!».
******
هتاف خاص لا يسمعه أحد!
خلال فترة احتلال أولاد عبد الوارث أو الهكسوس كما أطلق عليهم، وفي عصر ذاك اليوم، بينما كان عبد الوارث شاردًا فوق مقعده في ضمَّت وغير مبالٍ بالشجار الفاضح بين الأولاد، وحدث فورًا بين زوجتي الرجلين، كانا في وضع نفسي سيِّئ، ولداه اختفيا تمامًا، بدا وكأنهما انفصلا عنهما، وفشلت مطاردتهما بالموبيل.. مرة بسبب انقطاع الشبكة ومنع الاتصالات من الموبيلات، ومرة أخرى بسبب انشغال الجنرال والإعلامي الزائد عن الحد، وهو ما حيَّر الزوجتين: «كيف لا توجد دقيقة واحدة كي يتصلا؟!»، شاع وتغلب العنف بين الجميع، وانشغل الجدّ يلوك كلمات وأفكارًا لرأسه وحده، لولا تلك الصرخة والضجيج الذي طغى: «كنتُ في حالة نفسية جعلتني كما لو كنت أعدو وحدي، كان باب المطبخ مفتوحًا، ووهج ساخن من النار يبرق، زاد اندفاعي، وجدت الولد الكبير يرمي بالبطانية نحو جميلة الملقاة على الأرض»!
لم أهتمَّ بالتفاصيل، ولا من أضرم النار، وما الخسائر؟! كل ما همني هي جميلة، كيف أصابتها النيران وإلى أي درجة هي.. لفت انتباهي، وعلى الرغم من كل ما أنا متذمِّر منه سواء من الكبار أو الصغار.. غفرت لهم جميعًا وقد رأيتهم يحاولون إطفاء النار!
بدا لي وجه جميلة المحترق بدرجة ما، وهو ما أحزنني بشدة، لكنني تمكنتُ من صَبِّ الزيت على وجهها وجزء من جسدها الذي تعرى.. أردد بلا انتظار كلمة الإجابة: «أنت بخير يا جميلة؟»، أومأت برأسها.. وسعدت أنها منتبهة.
مثل الشبورة في الفجرية على الطريق الزراعية في شهور الشتاء، كان صمتي هكذا كثيفًا لزجًا مملًّا، لم يخفف من وطئته كلمات «جميلة» التي لا تخلو من المجاملات لي، ولكل سكان الدار الجدد أو الهكسوس، رأيتها على غير ما أعرفه عنها طوال سنين عمرها، ثرثارة! ماذا حدث مع جميلة بعد تلك الحادثة التي شفيت منها.. فلما سألتها، ببساطة وهدوء قالت: «لأنني شعرت بأنهم يحبونني كما أحبهم».
فيما بعد، كلما نطقت بتلك الكلمة (الهكسوس) ارتعبت جميلة واتسعت كرتي عينيها في محجريها ولا أدري لماذا؟! فقط لأنني أعني أبنائي وجيش أطفالهم.. من جند التتار! قدر تلك المرأة أن تظل تعطي بحنية وعطف، غير مكترثة لتلك الفوضى التي عمت حياتها وحياتي وعتبات الدار القديمة. انقلبت الأحوال رأسًا على عقب، الكلمات لا تفي ولا تكفي للتعبير عما أشعر به، أبدو لمن يستمع إليّ، وكأني لست غاضبًا منفعلًا، ولا أشعر بالقهر!
******
كم هو العبء ثقيل، كيف سيدور الزمن وما شكل البيت وأنت راقدة على الأرض من غير سرير يحمي عظامك من البرد منذ أن احتل هؤلاء الهكسوس البيت!
انظري وأنت في الخمسين من عمرك، كيف أساء الهكسوس، إلى ترتيب الأثاث والكتب والفازات، بل والمقاعد والمناضد و… دعيني أحصي لك ما خرب وهلك وتلف، دعيني أوضح لك ما لم تلمحه عيناك.. انظري أمامك: كم من المرايا تحطمت؟! أرجو يا جميلة أن تنتبهي إلى أن أول ما تحطم في بيتنا كل المرايا المعلقة، ثم تلك المرايا المثبتة بقطع من الأثاث مثل مرآة البوفيه!
ربما لم تفسري أن الملاعين تعمدوا تحطيم المرايا، حتى لا يروا آثار فعلتهم وانفعالاتهم وعنفوان حركتهم الطائشة، وهم يعدون خلف بعضهم. انقسموا إلى فريقين، فريقٍ للحرامية وفريقٍ للعساكر.. وما إن تبدأ اللعبة حتى لا تدري من منهم الحرامي ومَن العسكري.. فقط رأيت الحطام بين جنبات البيت.
أكثر ما حزنت له وعليه تلك المرآة البلجيكية القديمة التي حملتها من أوغندا حتى المنصورية ها هنا، وقد رسم عليها بما لا يمنع الرؤية أو بطريقة ما من الخربشات الهينة، رسم عليه حوض وادي النيل وقد تمزق إلى فتات متنوعة الأحجام.
مال نحو أذُنَيْ جميلة وكأنه يهمس بسر لا يعلمه غيره، وقال: كنت أسافر من القاهرة حتى بحيرة فيكتوريا بلا توقف، ولا حتى تأشيرة لدخول بلدة من تلك المنطقة.
لا أدري كيف نجح هؤلاء الشياطين في تحويل سجاد البيت كله إلى مزق متهلهلة؟! خبراء السجاد أخبروني أن اختبار جودة خامة السجاد بتقدير قدرتها على الصمود في مواجهة الأيام، حتى اعتبر الخبراء الألوان الباهتة وشحوب مظهر السجادة مقياسًا على جودتها. ما يدهشني ويحزنني يا جميلة أن أراها، وقد تحولت إلى مزَقٍ على الأرض، أحزنني من بعد أن نجحوا في بلوغ تلك القطع الجميلة من السجاد التي تتدلى على الحوائط، منها ما أحضرتها من السودان، من جنوب السودان الذي بات دولة هو الآخر!
عليك يا جميلة رتْقُها بأي شكل ثم إعادة ترتيبها وتنظيفها بدلًا من أن نفقدها جميعها مرة واحدة.. لك أن تتخيلي أنهم يقفون فوق السجاجيد الشيرازي باهظة الثمن، والسجاجيد الدمنهوري قليل الثمن، أطلقوا عليها جميعًا لقب البساط السحري، منهم من يجلس فوقها ومنهم من يسحبها ويجرها حتى تمزقت وتهلهلَتْ.
لم يتركوا شيئًا إلا وعبثوا فيه.. حتى نظام تناول الطعام والشراب انتهى، لم تعد الدار داري التي عشت فيها نحو ثلاثة أرباع القرن. الآن ماذا تقولين يا جميلة في هذا الضجيج وتلك الأصوات المزعجة، من جراء
تحطم الأطباق وزجاج النوافذ.. وكل ما تفعلينه، بدلًا من أن تنهريهم، بلهفةٍ تسرعين تحذرينهم وترفعين شظايا الزجاج المحطم قبل أن يشكشكهم بل ربما يصيبهم بالجروح الشديدة؟!
ماذا تقولين وأنت طريحة الفراش؟
*******
يبدو أن عبد الوارث انتبه أنه تنازل عن صمته المعتاد، أفاعيل الصغار دفعته دفعًا للبوح عما يشعر به وما يعانيه، مع مرض جميلة اكتشف قدر الجهد الذي بذلته من أجل تنظيف الحوائط بفعل رسومات وشخبطات الصغار!
دهش عبد الوارث أن جهود جميلة لإعادة تنظيف الحوائط باءت بالفشل، بقيت الكتابات مقروءة، لا تزيد عن كلمتين «تحيا مصر»! اللافت أن وجدها الجد متنوعة من حيث جودة الخط وجماله، ومن حيث الحجم، ومنها ما كتب بنقطة واحدة، بدلًا عن النقطتين تُقرأ «نحيا مصر».. فابتسم.
مع ذلك لم تشأ جميلة أن تبدو سلبية لا تعتني بالدار، نهضت وتحاملت على الألم وتحدثت مع الصغار تعاتبهم لأنهم أغضبوا جدهم؟ انتهت بسرعة ولم تجد ما تزيد به من كلمات، ربما بسبب رد الأولاد كلهم في صوت مشترك يقولون: «هي شعار لمصر يا جميلة».
تذكرت أنني كنت أستطيع أن أسمع صوت خفقان قلب جميلة وضربات جناحي ذبابة، وكنت أرى ألوان قوس قزح السبعة كلها منبعثة من فوق صفحة مياه النيل، وكنت أفضِّل تناوُلَ ثمار الحلوى من فوق أشجارها من حول البيت، أما رائحة الريحان التي أعشقها فلا بديل عن أعواد الريحان التي تجدها في كل مكان، حتى إلى جوار سريري.. نعم، سريري الذي ما عاد كذلك بعد أن احتلَّه أولاد الجنرال، وفقد الطابق العلوي كله بفضل أولاد الإعلامي المشهور.
خلال تلك الفترة، لم يعد لي خصوصية في بيتي، فلما شكوتُ لأم بعضهم قالت بصوت يشبه صوت زوجها، تقول بثقة وبلا قلب: «كيف تقول هذا الكلام.. البيت أقصد الفيلا كلها بيتك». تابعها بعينيه صامتًا، لم يجد ما يعقِّب به، حالًا اختفت من أمامه وهي تخفي ضحكة خبيثة!
فكرت أن أسرِّي عن نفسي، لم تكن من عاداتي أن أتحدث إلى جميلة في شؤون السياسة، ليس لأنها دائمًا ضد الحكومات منذ حكومة صدقي سليمان حتى رئيس الحكومة الحالي والحكومات القادمة.. بل لأنني زهقت من صمت لساني، على الرغم من بقايا آلام الاحتراق سألتُها إن كان يعجبها ما يحدث؟ المفاجأة ليست في كوني بدأتُ أنطق بعد صمت، وهو ما جعلها تجيءُ كما البطَّةِ العرجاءِ مبتسمةً تلبِّي النداء، ومع ذلك قطَّبَت ما بين حاجبيها، وتسلمت الصمت مني، ثم غربت!
********
مصير نمل النار
* الجنرال..
لم تكن المرة الأولى التي يصنع فيها لنفسه فنجانًا من القهوة، لكنها المرة التي يشعر بها ويلتقطها في كل لحظة منها، وهو العاشق لرائحة قهوة الصباح قبل ارتشافها، لا يدري بأية متعة يتذوقها. ما انتابه حالًا، ليس لأنه سوف يحتسي فنجان قهوة الصباح وحده، فهي من عاداته، أحيانًا مع زمرة من الضباط زملاء العمل، منذ ثلاثين سنة، مع أولى خطوات حياته العملية، ضمن قوات الأمن المركزي.
إنه إذًا فنجان قهوة الصباح، الكفيل وحده بأن ينقله من عالم مضى، ويؤهله إلى عالم جديد.
لم تكن هي المرة الأولى التي ينزع فيها غطاء برطمان البن الفاتح المحوِّج المخصوص، الذي يصل إليه من المحل المجاور لمنزله. ثم ببطء وروية وهي صفات غير معتادة عليه ولا هي معروفة عنه، يكيل البن المطحون جيدًا المحوِّج. أعده وجهزه البَنَّان تجهيز الطلب المخصوص.. فأفرط في كل ما جعله خليطًا من الرائحة النفاذة المسيلة للعاب، لأصحاب الكيف والمزاج العالي في تذوق القهوة التركي.
يفرط عم «بركة» بحذق وخبرة ويضيف كل ما يجعله حتمًا يجلب مذاقًا معشوقًا للذواقة، وهو الذي يشير بيده صامتًا لعماله، وما عليهم إلا التنفيذ، إلا بُنّ «الجنرال» ينهض به بنفسه، وبيديه الصغيرتين الممتلئتين ككفي أنثى بَضّة، يضع حبات البن اليمنى المخصوص الساخن ويطحنها بنفسه، في مطحنة صغيرة خاصة، وبين الحين والحين يضيف مرة «الحبهان» ثم يُوقِف المطحنة ويرفع الغطاء يتشمم، لثوان، ثم يضيف «المستكة»، ويعيد الكرة ليضيف من مطحون «جوزة الطيب» و«القرفة» و«القرنفل».. ولا يكتفي بما بلغ خياشيمه، يقبض القليل بين إصبعيه السبابة والإبهام، وبطرف لسانه يتذوق شاردًا.. بعدها قد يكفُّ العمل أو يضيف شيئًا من هذا أو ذاك.
******
اليوم هي المرة الوحيدة التي يحتسى فيها «الجنرال» فنجان قهوة الصباح في شرفة منزله، المرة الأولى التي يتذكرها وضبط نفسه متلبسًا يفعل. لعلَّه لا يتذكر أنه جلس تلك الجلسة من قبل، دائمًا في مهمة عمل أو على ذِمَّة مهمة يعد لها، ولا يعرف ما يعرفه موظفو الحكومة أو القطاع الخاص من إجازات وعطلات رسمية. وكيف لمثله أن يفعل وهو المسئول عن أمن البلاد، وقد عهد في نفسه كل مشاعر الإخلاص في مهمته، لا ضير ألا ينال الراحة التي يعرفها الناس.
بعد كل تلك السنين والأيام، بينما كان لا يجد ساعة واحدة يجلس فيها مع زوجته وأطفاله، ضبط نفسه وحيدًا في الشرفة مع فنجانه، وضبط «الخونة»، زوجته وأولاده لا يكلفون أنفسهم مشقة الجلوس إليه.. الطفلان موظفان مجتهدان، والزوجة ثالثهما لم تستطع الحصول على إجازة من العمل للجلوس إلى جواره، وهو العائد من محبسه بالأمس.
هي المرة الأولى إذًا التي يحتسى فيها الجنرال فنجان القهوة، بعد أن أُحِيل إلى المعاش، أحيل إلى المعاش وهو داخل محبسه بتهمة التواطؤ في قتل المتظاهرين.
كانَ الطقس باردًا ككلِّ صباحات شهر «طوبة»، لكنه صحا باكرًا ككل صحوات أيام عمره، لم يشم رائحة كمكمة الأيام أبدًا إلا الآن!
عندما انتفضت زوجته بخفة، ونزعت الغطاء، فور أن أعلن «المنبه» دقات السادسة والنصف صباحًا، دَقّت على زر الصوت وأخفته، لم تصيح «اصحي يا (زورو)، زوجها الجنرال الراقد بجسده إلى جوارها، وقد أمضى في محبسه قرابة السنة».
كما بطة سوداء تجرجر أفراخها إلى النهر، فعلت الزوجة، وهي تسير على أطراف أصابع قدميها. وجرجَرتْ ولديها، تأمرهما بحزم أن يستيقظا، لم تشأ أن تُقلِق زوجها الجنرال لأنه نائم!
لم يدر بخلدها أنه ربما لم يغفل له جفن طوال ظلمة الليل، غلبته الأسئلة:
هل هكذا انتهى كل شيء؟
من الطبيعي أن أحصل على البراءة.. تاريخي الطويل في الشرطة، وإخلاصي في عملي، ومحبتي لكل ما كنت أنتمي إليه، يكفي لأن أنال البراءة، بل من الخطأ أصلًا أن يتهموني في شرفي المهني ويشككون في
انتمائي الشرطي والوطني، بينما كنت إلى آخر رمق لي في العمل مخلصا، بعدها تم القبض علي.. قبضوا علي وأنا مَن أنا.
كل من عمل معي وتعامل، من رؤساء ومرؤوسين، قالوها بصوت عالٍ:
«لن تمر السنوات القليلة المقبلة، إلا وسوف نراك على رأس أجهزة الشرطة كلها!»
عندما سَمِع صوت دفعة هينة لباب الشقة، أيقن أن زوجته فرغت من مهام الصباح الباكر، لعلها شاءت أن يبقى هكذا يحلم، أو هكذا تظن.
فأسرع، نهض في دفعة واحدة، جرجر قدميه نحو باب الشقة الموصد، بقي لفترة يبحلق ويُمعِن البحث بناظريه بين أرجاء الشقة.. لم ينشغل باختفاء زوجته وولديه.. شغلته أكثر الحوائط والجدران.
بانت شقته كما لم تبن له من قبل، تلك التي أقام فيها منذ ليلة زفافه وحتى الآن.. وبان له كهف «التاميرا» الأسترالي الذي قرأ عنه ذات مرة!
ابتسم وأمعن النظر وهو يدور بقامته الفارعة دورة كاملة، فإذا به يشرئب برأسه أمام لوحة من «الجبلان»، كما لم يكن يعلم أنها ها هنا منذ سنوات. بدت جرباء متربة، ذات إطار معتم فقد بريقه الذهبي، ترسم ثورًا نافر القرنين، مقوس الظهر والبطن.. تمامًا كما هي صورة ثور الكهف البعيد، صورة نحتها الإنسان الأول هناك!
بدا الجنرال وكأنه اكتشف كهفه الخاص جدا، يعيش فيه ولم يره!
ابتسم صامتًا.
لم تدم البسمة طويلا، فورًا لمح طاقم «الأنتريه» متهالكًا، وقد هبطت وسائده وخربشات غائرة في جوانب مقاعده ومسانده. بدا وكأنه شرد خجلًا من أثاث لم يُبدِله ولم يجدده منذ زواجه، فرمى رأسه إلى موضع قدميه الحافيتين.. بانت له وبرة السجادة المنحولة، باهتة الألوان، رقيقة الحال.
بان له وتأكد أن هناك شيئًا ما تغير، والجميع ذهبوا إلى أعمالهم.. وبقي هو وحده.
******
للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، يستيقظ من النوم ولا يدري ماذا عليه أن يفعل.. لم يجد سوى إعداد فنجان القهوة المنتظر؟! لعله يتناول إفطاره حالًا، ربما كان ببطء وخمول، أو هو في عجلة من أمره تشوقًا لفنجان الصباح، لا يدري كم من الوقت انقضى؟
لم يخطر بباله أن يأتي يوم يبحث فيه عن إجابة لسؤال:
وماذا بعد.. بعد أن يستيقظ من النوم؟!
فلما بلغ مقعده أمام المنضدة الخيزران في الشرفة، شعر بنشوة استنشاق رائحة أبخرة هينة يقذفها سطح القهوة المتماسك «وش القهوة»، فأسرع إلى الرشفة الأولى، يا لمذاق الرشفة الأولى!
وقال في نفسه وهو يهزهز كرة رأسه:
«شكرًا (أبو بكر الشاذلي العيدروسي) اليمني، أول من زرع البن وصنع القهوة»، ثم رشف رشفته الثانية!
بعدها وقف عند باب غرفة النوم، مرتبكًا كان، لعله تذكر أنه يرتدي المنامة، ما زال.. فانتبه أنه لم يرتد ملابسه الرسمية المعتادة، تساءل؟!
يبدو أنه نسي وتذكر، نسي أنه مُحال إلى المعاش وتذكر ما آل إليه في الآن نفسه! فشعر بالارتباك. لم يرتبك طويلًا، أخذ قراره كعادته وهو الجنرال الحاسم في أمره.. حالًا وقف أمام مرآة دولاب الملابس يتابع هندامه، كما كانت هي عادته كل صباح. ولأنه المنضبط باطنًا أو ظاهرًا.. لن يقبل أن تبدو الكتَّافات (الإسبليت) غير مستقرة على كتفيه، ولا حزّ البنطال في المنتصف تمامًا وحادًّا وعلى المسافة نفسها في طرفي البنطال كليهما.
انتهى الأمر، ارتجفت جفونه، عادة عصبية جديدة انتابته، بعد توجيه تهمة التقصير والتواطؤ والقتل إليه. تابع صورته في المرآة، لم ينتبه أنه هكذا مرتبك وهو ببزَّته وهيئته العسكرية كامل الأوصاف، عدا الحذاء!
بدا مصلوبًا جامدًا مسمَّرًا فوق موقع قدميه، بينما مؤشرا ساعة معصمه يشيران إلى السابعة صباحًا، وما كان في هذا التوقيت داخل شقته قَطّ. تلك الساعة المنضبطة بالثانية ولا خلل، طوال أكثر من عقدين من الزمن، كيف لها أن تتلف وهي هدية وزير الداخلية له، بعد إتمام مهمة القبض على أحدهم من خلية إرهابية، خلال الثمانينات من القرن الماضي!
******
هل من الطبيعي أو المحتمل، أن يتذكر المرء حادثة ما، تستغرق فترة زمنية تطول أو تقصر، فلا يشعر بمضي الزمن، مهما طالت شردته لا يشعر بزمن الحادثة الحقيقي؟
سؤال جعله يبدو دهشًا بعد انتباهه على صوت طرقات قطرات المطر تتساقط بالخارج، تضرب زجاج باب النافذة. لم يتوقف أمامه طويلًا، فهو ليس ممن يتسرعون في إصدار الأحكام، لكنه من المؤكد ممن يشعرون بالملل لو اضْطُرّ لمزيد من التفكير.. من قبل برر لنفسه تلك الخصلة بأنه لا يملك وقتًا كأوقات الشعراء.
والآن تلبسته الورطة، ماذا عليه أن يفعل وقد بات يملك الوقت كله وفائضه؟!
******
عصام..
كانت «فريال» فتاة جميلة، خِلْتُها أجمل فتاة في العالم، المهرجون من الأصدقاء لا يرون فيها الجمال والحسن الذي أصفها به.. لولا صوتي الزاعق وانفعالاتي الصادقة بالغضب، ما كفوا عن الهزار والمزاح والسخرية منها ومني! كيف لا أراها جميلة وستَّ الحسن، تعرفتُ عليها للمرة الأولى، حين حَذَّرَتني من «صفوت» زميلنا في تحرير جريدة الحائط، دون أن تعرفني، بحثت عني حتى عثرت عليَّ، وقالت: «انتبه من صفوت زميلكم، رأيتُهُ يشي بكل صغيرة وكبيرة للضابط حازم!».. تصغرني في العمر، مع ذلك تبدو لي أحيانًا كأنها أمي التي حُرِمْت من نصحها. لن تدهش لو أخبرتك عن فريال التي تقدمت مجموعة من زملائها الطالبات، فور أن تقدم الضابط وأمرها بفض التجمع أو المظاهرة المنتظرة.. نَفَّذَت مبتسمة، وانفرط عقد جماعة الطالبات.. فلماعاتبتها، ابتسمت وقالت: «سوف ترى».
منذ ذلك اليوم نجحت في إقامة علاقة جيدة مع الضابط، ظن أنه تمكَّن من تجنيدها لصالحه ولصالح الأمن.. بينما نجحت هي في تحقيق الكثير مما رأيناه مهمًا للطلبة، ومن مطالبنا التي نعجز عن تحقيقها، مثل إقامة حفلات السمر والندوات الثقافية.. وتنفيذ الرحلات المتخصصة أو الثقافية، ليس مجرد النزهة هنا أو هناك؟!
وحدها فريال هي التي أبدت الاستعداد للمخاطرة بحياتها لتهزم مشاعر التجاهل والخوف التي أحاطتني، فلما زادت مضايقات الضابط لي، وزاد عليها أن هدد زملائي بالعقاب الغامض (لم يفصح عنه بالضبط) إن شوهد أحدهم برفقتي، لم تعبأ فريال.
بدت زميلتي تلك أيقونة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟!
*******
زادت الأحاديث بيننا، أنا وفريال، لو انتبه أحدهم لحواراتنا، حتمًا سوف تنال منه الدهشة.. لك أن تتخيل الحبيب الذي يتغزل في حبيبته فيقول لحبيبته: «أراك فتاة عملية.. لا تصطنع الرقة والصوت الرفيع، ولا حتى مضغ الطعام محكمة غلق الشفتين.. يعجبني فيك شعرك المشعث، وثرثرة لسانك القبيح، وملابسك الجينز الممزقة، وإن كنت أعلم أنها ممزقة بسبب ضيق ذات اليد، ليس كما الموضة، وهو ما أخبرتني به حين لاحظت المزق الهينة لأول مرة؟!»، فترد فريال وتقول: «أراك شابًا عفيًّا.. تقتحم المخاطر ببساطة!».
ذات عَصْرِيّة، لم يقررا أن يتناولا ساندوتشات الفول والفلافل ثم دخول أقرب سينما وسط البلد، لم يتعَمَّدا أن يدخلا تلك السينما بالتحديد، بل لم يتعرَّفا على مكانها إلا مصادفة، مثلما لم ينتبها للفيلم الذي تعرضه تلك الدار.. دخلا بينما الظلام غلب كل المكان إلا من شعاع ممتلئ بالغبار يعلو الجميع، تنفثه فتحة مربعة ضيقة من حجرة آلة العرض حتى الشاشة البيضاء. قبض عصام على كف فريال الخشنة، شعر بلذة تخصه وحده. احتوى خشونتها التي حكها بإصبعه الإبهام عمدًا، وهو يلحق بعامل السينما يرشدهما إلى مكان مقعديهما.
بقيت فريال هكذا مائلة بل نائمة على كتفه، كما ارتاحت شفته على شفتيها، فلم تتردد أن عاتبته على تلك القبلة غير البريئة وليست بين صديقين أبدًا. وافقها، أعاد وقبَّلَها قبلة الأحبة.. وخرجا على نية البحث عن تفاصيل إمكانية إتمام الزواج.
بدت فريال أكثر التزامًا بما تراه جيدًا لحياتها، انشغلت أكثر بحضور المحاضرات ومتابعة الدرس، لأن تتجاوز تلك المرحلة ويتم زواجها من عصام، خصوصًا بعد أن أفهمتها أمها أنها لا تملك ما يمكن أن تزوجها به، وليس أمامها سوى الحصول على ليسانس الحقوق والعمل فورًا وادخار راتبها الشهري، حتى تتمكن الزواج ممن تُحب، عصام كان أو حتى عفريتًا أزرق.. لا يهم!
******
نهض المتمرد عصام وجلس عدة مرات في حركات عصبية غير منتظمة، وهو يتابع إلى جوار عبد الوارث تطوراتِ ما يحدث في القاهرة التي لا تبعد عن المنصورية أكثر من ثلاثين كيلومترًا، لكنها بَدَتْ تبعدُ القرون عن رأس عبد الوارث الذي شَرَدَ في حديث الولد عصام الذي ما عاد إلى البيت الكبير، وجَلَسَ إلى جواره إلا ليطلب إحضار فريال بعد الزواج منها حالًا.. وأن يقيم في الطابق العلوي معها بعد بعض التعديلات الهينة، منها أن يتكفل عبد الوارث بكل الالتزامات المالية الواجبة، وإحضار النجار فورًا لتثبيت الباب الخشبي الذي يمنع اقتحام أي غريب عليه وهو مع زوجته!
يبدو وكأنه يعبر عما في رأسه بانفعال شديد، ثم قال كلامًا وكأنه لم يسمع تعليق أبيه الذي بان منه معرفة الرجل بكل التفاصيل، لكنه بفضل الصمت.
أخيرًا رفع عبد الوارث رأسه وحدق في عينَيْ ابنه، ثانية يقول: «وكأنك كنتَ وحدك في المعركة!».
بمرور الوقت، ما حدث أن لاحظ الابن أن أباه فقد كل ردود الفعل العادية لفرد يعي ويسمع وينفعل بأقل قدر كان.. حتى ظن أن أباه قد مات! انتبه الأب للحظة، ثم قال وهو قابض بجفونه بؤبؤ عينه: «لكن كان فين الجنرال في كل تلك الأحداث يا ولد؟».
لم يعقب الولد «عصام»!
********
عبد الوارث المصري
الليلة جلس في العراء برفقة برودة طقس تلك الأيام الشتوية، مع نوَّة لا يعرف لها اسمًا، لعلها نوة قاسم أو نوة المكنسة، نَسِيَها رغم كل الخبرات التي خَبَرَها، نظرة واحدة في السماء، تكفي لأن يقرأ صفحات الطقس لأسبوع مقبل، وأحوال دوامات النهر في المنطقة بين الأقصر وأسوان، وأخبار النوات!
بعد هجمة أولاده الهكسوس، زاد اشتياقه ورغبته في الانزواء وحده، أكثر كثيرًا عما قبل، فَضَّل أن يتابع صوت نقيق الضفادع. يشرد، يسعى أن يتذكر تلك الأدعية والأوردة عن الأقطاب الزُّهَّاد.. إبراهيم الدسوقي، ذو النون المصري، أحمد البدوي، عبد القادر الجيلاني، وأحمد الرفاعي.. يتذكر صبرهم على الايام الحسك، وزهدهم عن زهو أحوالها إن زَهَتْ.. ولم يتعلق بهم إلا لأن لهم حبًا وحالةً مع مياه النهر، نهر النيل!
تعلَّق أكثر ب«أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم» المعروف بذي النون المصري، أشهر الزهَّاد، ولد عام 155ه بأخميم بسوهاج، ثم رحل منها إلى الفسطاط. لاسمه حكاية يرددها أهل سوهاج، تشبه حكاية سيدنا يونس وبطن الحوت، كانت كرامة الشيخ مع مياه النيل وبطن التمساح المفتري الشرس قاتل الأطفال. أقسم أحد السوهاجية وانفعل حتى احتقنت أوداجه، يوم أن سأله عبد الوارث عن قصة الشيخ في بلدتهم، فقال الرجل:
«والمصحف الشريف كتبها (يقصد كرامة ذي النون) الشيخ العارف بالله الشعراني في كتابه (الطبقات الكبرى).. على لسان ذي النون يخبرنا بالحكاية والمعجزة (جاءتني امرأة فقالت إن ابني أخذه التمساح، فلما رأيت حُرْقَتَها على ولدها، أتيت النيل وقلت: اللهم أظهر التمساح.. فخرج إليَّ، فشققت عن جوفه فأخرجت ابنها حيًّا صحيحًا فأخذته ومضت)».
منذ ذلك اليوم البعيد أقسم عبد الوارث المصري عن ثقة: «لولا النيل ما كان ذو النون»!
يؤكد رأيي وفكرتي أنه مات عن تسعين سنة، حتى إنه بدا في لحظاته الأخيرة له في الدنيا معلقًا بالنيل، قال الشعراني: (لما توفي ذو النون رضي الله عنه بالجيزة، حُمل في قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس في جنازته..) لعله ولعل المصريين لم تكن تعلم أن ذا النون شاء أن تكون آخر خطواته على أرض مصر، وأن تكون فوق سطح مياه النهر، وهو من ألهم ذويه بالفكرة، مثلما ألهمهم بأن يُدفن على مقربة من النيل، وكرم أهل الفسطاط مقبرته كثيرًا.
عاد وابتسم عبد الوارث حين تذكر ما قال به محمد بن الفرخي: «كنتُ مع ذي النون في زورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرُّون إلى السلطان، يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فأغرقهم، فانقلب الزورق، وغرقوا. فقلت له: فما بال الملاح؟ قال: لما حملهم وهو يعلم قصدهم؟ ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور، ثم انتفض وتغيَّر، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها، ثم دعاه أمير مصر، وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره». فلما انتهى من ضحكته
وتذكر آخر كرامات شيخه، وقف مستندًا على مساند المقعد، رفع ذراعيه إلى أعلى وصاح ناظرًا إلى السماء: «لو كانت أولادي تكذب، لا تغرقهم بجريرة كذبهم».
على غير توقع انتبه عبد الوارث على صوت جميلة: «على من تدعو يا رجل يا عجوز.. إياك أن تكون غاضبًا على الأولاد؟!».
لم تسمع ردًّا، ولم تشأ، بسرعة عادت تتابعه من خلف زجاج النافذة. يبدو وكأنه تعلق الليلة بذي النون أكثر من كل الليالي، قال مخاطبًا ذا النون: لم تكن كاذبًا ولا مدعيًا لكرامة، هم من كانوا ينسبون إليك كرامتك التي تفعلها ولا تدري أنها هكذا تعتبر من شأن ذوي الكرامات وحدهم من أمثالك.. فلما نسبوا إليك أن بأصابعك نبعًا من الماء.. لم تفرح وأنت تعرف مكانة الماء عند أهل مصر، رفضت أن ينخدعوا فيك وقلت:
«بعض المشايخ بل الغشاشين يوهم المريدين بنبع الماء من أصابعه، سوف أكشف لكم الخدعة. إن من يدعي تلك الخدعة، يأخذ مصران غنم فيدبغه بعد غسله، ثم ينقعه بماء الورد سبعة أيام، وبعد ذلك يأخذه، فيربط طرفه الواحد ربطًا جيدًا، ثم يجعل في طرفه الآخر عقدة قصب، ثم ينفخه في الهواء حتى يجف.. فإذا جف.. أخذه ثم ملأه ماء.. ثم جعله في قميصه، وقد عمل له حمالات من تحت القميص.. فإذا أراد أن يسقي الناس جعل رأس المصران في فم الوعاء وهو دائر من حيث لا يعلم به أحد، ثم يفك رأس المصران بظفره، فينزل الماء في الوعاء».
مع ذلك كله وضعت يا ذا النون كل من له الحق في كرامة تخصه، تذكرها وتبجله كل التبجيل، لأن كرامته تتعلق بالماء.. قلت: «كان (حسن إبريق العابد) إذا وقع الدلو منه في البئر يأمر الماء بأن يرتفع بالدلو.. وكان (حسن الطراوي) إذا فقد ماء الوضوء ينزل عليه ولي من السماء في عنقه قربة مملوءة من ماء النيل.. ويدعي الشعراني أنه كشف عنه الحجاب، حتى سمع تسبيح الجمادات والحيوانات من البهائم وغيرها، ويسمع من تكلم في أطراف مصر وقراها إلى سائر أقاليم الأرض، ثم إلى البحر حتى صار يسمع تسبيح السمك».
********
فى ليلة تالية قالت جميلة: «أراك ليلة بعد ليلة، تتعلق بالمقعد الخيزران أكثر.. وتعدل من وجهتك؟! متحير ومحيرني معك!».
«ممكن أن أجلس هكذا وتكون وجهتي نحو الشمال، فأرى مياه النهر إلى البحر، إلى المصب، فتنكشف لي كل ما تحمله من أوساخ، نجسنا بها مياهنا الطاهرة.. فأغضب! وممكن أن تكون وجهتي إلى الجنوب، حيث المنبع، فيبين لي مستوى المياه، فورًا أدعو الله حتى لا ينخفض».
فيما بعد سمعته يقول للضفادع التي بدأت تفرض صوتها: «أجدادنا حافظوا على مياه النيل، وأثق أن أجدادكم من الضفادع، وجدوا خيرًا وفيرًا في النهر النظيف.. أتذكر ما قرأته ذات مرة في حوار بين الملك الفرعون والكاهن الأعظم.. قال الكاهن: (يجب أن نسأل الله، أن يحفظ لنا النهر.. يجري فنرتوي، وترتوي البهائم ونروي الأرض السوداء، فتصبح خضراء ونأكل من ثمارها. وتصحو أجسادنا من غفوتها، فلا نمرض ولا تنال منا العلل، ونُشفَى من كل ضيقٍ وسأم). فأمره الملك أن يعيد ويكرِّرَ صلواتِهِ من أجل النيل العظيم.. وبدأ الكاهن يُعِيدُ تلاوتَهُ ويزيد: (يا أيها النيل العظيم، قلبي لم يسأم من الدعاء لك، أن تظلَّ في حال جريانك بين الضفتين.. كريمًا فيرتوي الجميع، وتشرب من مياهِكَ بطونُ الأرضِ الطينية السوداء، وبطون النساء والرجال والأطفال والشيوخ. وأن تبقى حاميًا للسفن المشروخ جدارها الخشبي، وحتى المكسورة قلاعها والممزقة شراعها.. يا أيها النيل العظيم، لا تغضب منا لو كان خطأ البعض فينا.. خطأ عظيم البلاء، شديد الضرر عليك. لقد وَجَدْتُ بعضَهُمْ يلقي بجثث الحمير والبهائم النافقة إليك، فتغضب.. لكنني لم أسمع أبدًا أنك مددت يدك المائية لتسقط من يفعل تلك الأفعال الشائنة، وتغرقه في مياهك.
الآن أيها النيل العظيم، أعطني أفضل ما عندك من مياه نقية ونظيفة، وكن كريمًا تجود بجرعة كبيرة جدًا من عندك، حتى يشرب الشعب من حولك ويرتوي، بالصحة والهناء والعافية.. لا تنسَ يا أيها النيل العظيم، أن الشعب نفسه، هو من يأمرك، وهو الآن يشعر بالقلق والخوف عليك».
في تلك الليلة تحديدًا بدا واضحًا، أن شغله صوت نقيق الضفادع أكثر من كل الليالي! تابع الصوت وتوالدت الأسئلة، وبدأ يراجع كل ما عرفه عنها من قبل.
يعرف أن الضفادع تصدر أصوات النقيق طوال الليل، وقرأ عن أسرارها.. عرف كيف يميز أنواع الضفادع، شعر بالدهشةِ أن تابَعَ ضفدَعَيْنِ ينقّ الأول، ثوانيَ قليلةً ويردُّ الثاني.. وكأنه حديث الوجد والجوى، بقي لساعات، فلما اختفى الصوت وكف الصراخ، لمح ضفدعين يتقاذفان من أمامه، ذكرًا وأنثى يسعيان للمزيد من الضجر والضجيج والحب! عرف أن صوت النقيق بسبب مرور هواء التنفس من جوف البلعوم، إن قابل الغشاء الجلدي برز للرائي، وشاهد تلك البالونة اللافتة التي يُعرَف بها الضفادع، وعرف أنه ليس لكل الضفادع كيس.. كان من الواضح أنه يخاطب جميلة، لكن الحقيقة أن جميلة انزاحت بعيدًا، بعد أن ألقت بالصينية النحاسية يعلوها كوب الشاي الكبير وزجاجة مياه غير مثلجة، فقط لسد حاجته وشعوره بالعطش.. سريعًا وضعتها فوق المنضدة الخشبية، واختفت. أكثر ما حرص عليه في تلك الليلة، لم يكن البحث في أسباب فعلة أولاده وأحفاده واحتلالهم البيت الكبير، حتى إنه لم يجد مكانًا يرمي عليه جسده المنهك في هدوء ومستور يستره! انشغل أكثر أن سأل رأسه لماذا يصدر الضفدع نقيقه؟! فعرف السبب.. هو تمكين الذكور من جذب شريك له للتزاوج. ضحك.. حتى انتبهت جميلة وشعرت بالقلق والخوف على الرجل العجوز.. رمت الشال الصوفي حول رأسها ثم خرجت إليه، سألته: «لماذا الضحك وأنت وحدك هكذا، لو علم أولادك بضحكاتك وحدك، سوف ينقلونك إلى مستشفى العباسية للمجانين».
رد عبد الوارث مبتسمًا غير ضاحك هذه المرة: «تأكدت أن نقيق الضفادع أفضل من نقيق أولادي وأحفادي!».
«لم أفهم، ولكن ربنا يخليك ويحرسك بطل ضحك».
فكف العجوز عبد الوارث المصري الضحك!
********
ماذا تقول الآن؟!
الآن حان الوقت كي أؤكد لك أن النص الذي بين يديك، فيه قدر معلوماتي يشبه كتب العلوم والتاريخ والجغرافيا! فيه قدر تقريري يُشبِهُ صفحةَ الحوادث في الجرائد السَّيَّارة الرخيصة التي تسعى لشد انتباه القراء وترويج سلعة غير ذات قيمة!
وفيه ابتهالات مصرية قديمة لظني أنها ذات مغزى، حتى ولو لم تعجبك، أعجبتني!
ماذا تقول في المتصوِّف الذي كان يجهل أنه قدوة للمتصوفة، ذي النون المصري، يبدو أنني تعمدت اختياره لأن اسمه يُشبِه اسمي؟!
أظنُّ أن الروايات كاذبة كلها.. وجميلة! الروايات تذهب بنا إلى عالم بعيد.. ونتمناه، ثم ننساها! الروايات بوح مضمر لخبيث.. نبحث عنه!
الروايات لا يعترف بها رجال التاريخ، تعال ندعُ معًا أن نَزُجّ فكرة أكثر خبثًا من الروائيين ورجال التاريخ معًا؛ أن نعيد كتابة أيامنا بصياغة «التاريخ الحكائي للبشرية».. أكيد أكثر صدقًا، وإن بدا عاطفيًّا يتعصب ويتعاطف مع نمل الأرض ونمل النار.
بقلم: عبد الوارث المصري
******




السيرة الذاتية
الاسم / السيد نجم
الاسم الكامل/السيد عبدالعزيز على نجم
1- بكالوريوس طب وجراحة الحيوان – جامعة القاهرة- عام 1971م 2- (دراسات عليا/ تخصص صحة عامة وصحة تغذية 3- ليسانس الآداب (فلسفة)– جامعة عين شمس بالقاهرة- 1980م
[email protected]
الرسائل الجامعية حول أعماله – رسالة ماجستير بعنوان "المقاومة فى روايات السيد نجم.. دراسة تحليلية"- الباحثة "زينار قدرى"- إشراف أ.د. أحمد يوسف- كلية الآداب جامعة سوهاج.. -رسالة ماجستير بعنوان "البناء الفني فى الأعمال الروائية للسيد نجم"-الباحثة راندا جمال سعد— إشراف أ.د.عبدالمنعم أبوزيد- جامعة الفيوم- كلية دار العلوم .. -رسالة ماجستير "جماليات المكان في روايات السيد نجم"- الباحثة ممتازة محمد السيد عبدالسلام- المشرف أ.د.محمد أبوالمجد- كلية دار العلوم- جامعة الفيوم.
رواية "أيام يوسف المنسي" ضمن رسالة الدكتوراه – مصطفى الضبع.. جامعة عين شمس- 1977م.
– رسالة دكتوراة "صورة المرأة فى ادب الطفل"- د.محمد سيد عبدالتواب (تتضمن بعض القصص) 2016م – تضمين بعض القصص للطفل، برسالة الدكتوراة "القضايا الموضوعية والفنية فى مختارات من رواية الطفل العربى"- للباحث الاردنى "بادى رضا بادى الحباشة- اشراف أ.د. سامح عبدالعزيز- تمت فى 2015م – تضمين دراسات الثقافة الرقمية لى وكتاب "النشر الالكترونى.. تقنية جديدة لافاق جديدة"
رسالة الدكتوراة بالجزائر "آفاق النص الادبى ضمن العولمة" – جامعة مجمد خبضر بسكرة- كلية الاداب واللغات- الباحثة "صفيى علية"-عام 2015م – بحث بعنوان البنائية يدرسه "د.مجدي توفيق" بقسم اللغة العربية كلية التربية –جامعة القاهرة فرع الفيوم.(رواية أيام يوسف المفشى). عام دراسي 1997-1998م. – رواية "السمان يهاجر شرقا" و"الحرب:الفكرة –التجربة-الإبداع" ضمن رسالة الدكتوراه مقدمة من "عبدالمنعم أبوريد"- قسم اللغة العربية- كلية دار العلوم- جامعة القاهرة فره الفيوم- بعنوان "البناء الفني لرواية الحرب فى مصر من 1967 إلى 1995م. – بحث مقدم من "غادة أحمد عفيفي" بقسم اللغة العربية بكلية الألسن-جامعة عين شمس بعنوان"الحروب العربية المعاصرة وأثرها فى الرواية المصرية 1965-1975 لنيل درجة الدكتوراه..عام 1997م(رواية السمان يهاجر شرقا- دراسة الحرب:الفكرة-التجربة-الإبداع)- رواية "السمان يهاجر شرقا"- رسالة الدكتوراة للباحثة "وداد عبد الفتاح خليفة", بجامعة الأزهر، بعنوان "أثر حرب أكتوبر على الاتجاه التعبيري في أدب الكاتب الروائي، أهارون ميجيد وجمال الغيطاني"-2015م
النشاط الأدبي
– عضو المجلس الاعلى للثقافة- لجنة ثقافة الطفل. – عضو مجلس ادارة نادي القصة. – مقرر شعبة الخيال العلمى-اتحاد كتاب مصر – نائب رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب.. وعضو مؤسس له منذ عام2005م. – محكم وفاحص فى مسابقات وطلبات عضوية اتحاد الكتاب ونادى القصة.. وغيره. – المشاركة في العديد من التسجيلات الإذاعية والتليفزيونية بمصر والعالم العربي. – المشاركة في العديد من المؤتمرات الأدبية داخل مصر وخارجها
أولا- إصدارات في الرواية والقصة القصيرة: – "السفر"-مجموعة قصص قصيرة- "القاهرة"-"دار الثقافة الجديدة"- 1984م. – "أوراق مقاتل قديم"-مجموعة قصص قصيرة- القاهرة-"هيئة الكتاب المصرية1988″م. – "أيام يوسف المنسي"- رواية– القاهرة- "مطبوعات نصوص90الأدبية19990″م. – "المصيدة"- مجموعة قصص قصيرة -القاهرة- "هيئة الكتاب المصرية"- 1992م. – "لحظات في زمن التيه"- مجموعة قصص- القاهرة- "هيئة قصور الثقافة عام 1993″م. – "السمان يهاجر شرقا"- رواية- القاهرة- "هيئة الكتاب المصرية"- عام 1995م . – "عودة العجوز إلى البحر"- مجموعة قصص قصيرة، "دار الوفاء للنشر"- عام 2000م. – "العتبات الضيقة"- رواية- القاهرة- "هيئة الكتاب المصرية"- عام2001م. – "غرفة ضيقة بلا جدران"- مجموعة قصص- القاهرة- هيئة الكتاب المصرية2006″م. – "يا بهية وخبريني"- ثلاث روايات قصيرة- القاهرة- مطبوعات نادي القصة2006″م. -"كامس.. ابن الشمس"- رواية- – دار الهلال- القاهرة- عام2007م. -"مرنبتاج.. فرعون الخروج"- رواية- دار الهلال- القاهرة- عام2008م -"الروح وما شجاها"..-رواية- هيئة الكتاب المصرية2008 م. – "أشياء عادية فى الميدان"- رواية- روايات الهلال- الهلال 2013م -نبؤ الحكيم آبور- روايات تاريخ مصر- دار الهلال-2016 – "ضجيج الضفادع"- دار الادهم- عام 2018م ثانيا: إصدارات في أدب الطفل.. – "سامح يرسم الهواء" – قصة- دار المعارف المصرية- القاهرة2001م – "الأسد هس والفيل بص"- مجموعة قصص- دار المعارف المصرية- القاهرة2001 م – "حكايات القمر"- مجموعة قصص- دار الهلال- القاهرة 2002م – "المباراة المثيرة"- مجموعة قصص- دار المعارف المصرية- القاهرة 2003م. – "الأمومة في عالم الحيوان" – تبسيط علوم- دار المعارف المصرية- القاهرة 2004م – "الأشبال على أرض الأبطال"- قصة طويلة- هيئة قصور الثقافة- القاهرة 2005م – "روبوت سعيد جدا"- مجموعة قصص- دار الهلال- القاهرة 2005م – "حكايات الولد"- مجموعة قصص- دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة (الإمارات) 2007م – "طفل القرن الواحد والعشرين"- دراسة- "دار الوفاء للنشر"- الإسكندرية 2002م. – إعادة إصدار ونشر "روبوت سعيد جدا"- دار الهلال- القاهرة عام 2007م. – "سر القلب الذهبي"- سلسلة "قطر الندى"- هيئة قصور الثقافة- عام2009م – "مغامرات فى حب الله والوطن- مكتب التربية العربي لدول الخليج- عام2011م – "نجمة" وصراع القراصنة- دار الهلال- عام2015م – "حكايات أميرة"- كتاب قطر الندى- عام 2015م – "حكايات أبطال أكتوبر"- كتاب أولاد وبنات- دار الهلال- عام2015م . – "سامح أبو برقوقة"- مكتب التربية العربى لدول الخليج- عام2015م – "وحيد لا يحب الوحدة"- مكتب التربية العربى لدول الخليج- عام 2015م – "سامح قوى مثل أسد"- مكتب التربية العربى لدول الخليج- عام2015م. – "لغز الحيوانات الفريدة"- هيئة الكتاب المصرية- عام2016م – "طرائف العلماء"- كتاب أولاد وبنات- دار الهلال- عام2016م. -"شامخ البطل الصغير"- دار المعارف- عام 2017م ثالثا- كتب دراسات أدبية: – كتاب "الحرب:الفكرة- التجربة- الإبداع"- القاهرة- هيئة الكتاب المصرية -1995″م – كتاب "المقاومة والأدب"- القاهرة- "هيئة قصور الثقافة"- 2001م – كتاب "المقاومة والحرب في الرواية العربية"- القاهرة- "دار جريدة الجمهورية"-2005م – كتاب "المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني.. الانتفاضة نموذجا"-غزة – اتحاد الكتاب الفلسطينيين-2006م. – "الطفل والحرب فى الأدب العبري"- دار "اى-كتب" بيروت- عام2011م – "ثورة 25يناير.. رؤية ثقافية ونماذج تطبيقية"- س"ابداعات الثورة"- هيئة قصور الثقافة2012م. – "أدب المقاومة.. مفاهيم وقضايا"- دار الهلال- عام 2013م. –"شهادات نقدية" في الابداع الفلسطيني- مشترك مع عدد من النقاد- دار الحضارة العربية عام 2018م
كتب دراسات الثقافة الرقمية 1- "الثقافة والإبداع الرقمي.. قضايا ومفاهيم"- أمانة عمان الكبرى- الأردن– 2008م. 2- "النشر الالكتروني والإبداع الرقمي"- سلسلة الثقافة الرقمية- هيئة قصور الثقافة- عام 2010م 3- "النشر الالكترونى.. تقنية جديدة وآفاق جديدة"- هيئة الكتاب المصرية-عام2013م.
**********************


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.