قضية للمناقشة عن المساواة *فريدة النقاش يري بعض الذين يختزلون مبدأ المساواة في القوانين وحدها أن هناك تزيدا من قبل المدافعين عن حقوق النساء والذين يرون ان البشرية لم تقطع كل الطريق بعد في اتجاه انعتاق النساء وتحررهن واتهمنى اصدقاء بالمبالغة في الدفاع عن النساء والانحياز لهن وعادة ما كنت ارد بأن الطريق لايزال طويلا لتحقيق ما تحلم به نساء ورجال يؤمنون بأن المساواة حق اساسي من حقوق الانسان غير القابلة للتصرف كما يقول اللغويون. ورغم أن البشرية قطعت شوطا طويلا في ميدان الثقافة بخاصة نحو تعميق مفهوم المساواة وتوسيعه فى كل المجالات, فماتزال قضية تحرير النساء واستقلالهن موضوع جدل واسع في كل انحاء العالم تقريبا. وكنت حين بدأت العمل بالصحافة اعتقد- دون نقاش- ان تحرر المرأة الاقتصادي هو الركيزة الأساسية لتحررها الشامل, الي أن علمتني التجربة أن القضية اعمق كثيرا جدا من ذلك, اذ تصادف ان عرفت نساء يشغلن وظائف مرموقة ذات اجور عالية الا ان نظرتهن لأنفسهن لا تختلف كثيرا عن نظرة جدتي التي علمتنا المثل القائل "ضل راجل ولا ضل حيطه". وهو المثل الذي تعتقد بصحته حتي الآن ملايين النساء. وكما يقولون فإن التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر, فإن أحد اسس التعليمالتى تلقيناها جميعنا تقريبا من الحياة ومن أسرنا تحديدا هي تفوق الذكر علي الانثي, ولاتزال الاسر التي تنجب البنات دون الصبيان منكوبة في نظر البعض أو علي الاقل تستحق الشفقة. وفي اطار التشهير بمبدأ المساواة نشأت فكرة المرأة المسترجلة, وهي نمط مكروه من النساء لأنها تتشبه بالرجال, وهو موضوع عالجته السينما الوطنية والعالمية كثيرا, ومازال حتي الان يثير الجدل كلما دار النقاش حول حقوق النساء. وناضلت المنظمات النسوية والحقوقية طويلا- ولاتزال- من اجل ادراج حقوق النساء في المنظومة العالمية لحقوق الانسان, وهو ما استجابت له الاممالمتحدة والمنظمات العالمية الاخري. كما اخذت الدول تستجيب بالتدريج. وتري نساء كثيرات- في كل انحاء العالم- انه برغم كل النجاحات التي جري تحقيقها فلايزال الطريق طويلا, اذ تعلمت البشرية من كل تجاربها ان التغير المادي في وسائل الانتاج, وما انجزه الانسان من تقدم هائل فى مجال العلم والتكنولوجيا لم يواكبه تقدم مشابه فى مجال الثقافة والوعي. وهي قضية معقدة ينشغل بها كل من علم الاجتماع وعلم النفس. ونذكر في هذا الصدد انه حين ظهور مصطلح الذكورية اثار جدلا واسعا في الاوساط العلمية, وفي اوساط حركات التحرر علي مختلف منطلقاتها وغاياتها حتي ان البعض استنكره الي ان اثبتت تجارب البشر انه تعبير دقيق وواقعي عن حالة ثقافية شائعة في كل المجتمعات تقريبا طالما قال البعض ان الزمن سوف يعالجها. لكن المراهنة علي مرور الزمن وحده تنطوي علي قدر من الكسل العقلي, ولمواجهته علينا أن نبحث الموضوع من كل زواياه. وقد اعتادت بعض المنظمات النسائية والحقوقية علي فصل قضايا النساء عن قضايا المجتمع الاشمل الي ان عرف الجميع بعد ذلك – عبر العلم والتجربة- ان كل الاشياء مترابطة, وانه سيكون من المفيد للنساء الباحثات عن الحرية أن تندرج قضيتهن ضمن اطار حقوقي وانساني اشمل, وهو ما تتجه له غالبية المنظمات النسوية والحقوقية التي تدرج حقوق النساء ضمن اولوياتها علي الصعيد العالمي, طالما تطلعت المدارس الاشتراكية علي اختلاف مناهجها ومنطلقاتها الي ادراج حقوق النساء ضمن اولويات الحقوق التي تدعو اليها وتدافع عنها, وان كانت قد جاءت للاعتراف متأخرة. وعلي هذا الطريق الطويل وقعت بعض الاخطاء , لكنها لم تعطل المسار المتجه عامة الي التقدم. اذ نشأت بعض الافكار المتطرفة التي نادت بالتفوق العقلي وحتي الجسدي للنساء, وتبارت مع الافكار الذكورية حول افضلية جنس علي الاخر, الي أن وصلت بعد ذلك الي المفهوم الاشمل للمساواة. ومضمونه الانساني الاعمق. وحين اعتدلت الامور بعد تعثر اخذت الصورة المنطقية تشق طريقها الي الوعي الانساني, فمع التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي تكشفت للنساء قدراتهن وطاقاتهن التي كانت ثقافة التمييز –عبر العصور- قد لوثت بها الضمير الانساني. ورغم كل التقدم الذي احرزته البشرية علي هذا الطريق فماتزال تنشأ افكار ومدارس وحركات اجتماعية تسعي الي الاطاحة بمفهوم المساواة استنادا الي الدين حينا وحتي الي العلم, وهو ما يدلنا علي ان طريق التغيير الثقافي هو اطول واكثر تعرجا من اي طريق آخر. ولكن هذه الحقائق كلها لا تنفي ان الانسانية تتقدم بانتظام علي طريق التخلص من كل اشكال التمييز وأثاره وفي اتجاه المساواة.