قضية للمناقشة تطلعًا للتحرر الإنساني فريدة النقاش أكد الدكتور "محمد عثمان الخشت" رئيس جامعة القاهرة أن الجامعة تولي اهتماما كبيرا بالمرأة, وتعمل منذ ثلاث سنوات بكل السبل العلمية والعملية الممنهجة لتغيير الصورة المغلوطة عنها لدي المجتمع, مؤكدا أن بداية التغيير نحو المساواة, ونحو تعزيز قيم العدالة تبدأ بتغيير الأفكار, وضرورة النظر للمرأة كانسان حتي تتغير الكثير من السلوكيات. كانت الثقافة – شأنها شأن، التجربة الواقعية- قد علمتنا أن تغيير الافكار أصعب وأكثر مشقة من تغيير الواقع ويزداد الأمر صعوبة- بل ومشقة- إذا ما ارتبطت الأفكار المنشور تغييرها بالدين, ويعرف تاريخ البشرية, كما تعرف الشعوب وإن بدرجات مختلفة كيف أن الديانات كافة قد جرى استخدامها من أجل تحجيم مكانة النساء في كل المجتمعات تقريبا, وكان الهدف غالبا من هذا التحجيم هو تكثيف الاستغلال للنساء وإبقائهن دائما أسيرات الأدوار البيولوجية, أي الانجاب وتربية الأطفال مع التقليل دائما من شأن هذه المهمة, رغم انها – وللمفارقة- هي مهمة تجديد الجنس البشري, أي إبقاء الحياة علي الأرض كأساس أولي لصنع الحضارة, هذه الحضارة التي ساهمت النساء في بنائها وإنجازها. ولم تتوقف منذ دب الانسان علي الأرض محاولات النساء للخروج من أسر البيولوجيا, وتأكيد أدوار المرأة الأخىر كانسان, وكشريك رئيس في صنع الحضارة, إضافة لاسهامهن الاساسي في تجديد الجنس البشري مع سعيهن الذي لم ينقطع لتعزيز قيمة هذه المهمة الأساسية في حياة البشرية, وتوالت منذ عقود الأفكار والكتابات والممارسات التي تبين ان تجديد الجنس البشري هو مهمة لا غني عنها, ولكن للنساء أدوارًا أخرى أنجزتها على مر التاريخ كاسهام في صنع الحضارة والثقافة, فضلا عن صنع الحياة ذاتها. ومن المعروف تاريخيا ان النساء هن اللاتي قدمن الزراعة وفنونها للبشرية, وهو الباب الذي فتحه لهن الالتصاق بالاطفال وبالتالي بالأرض, والتعرف العملي علي الاحتياجات البشرية من جهة, وعلي الامكانات الموجودة في الطبيعة والتي يمكن استخدامها لمصلحة الانسان والتقدم من جهة اخري. وقد أحسن الدكتور "الخشت" صنعا حين تحدث عن الأفكار والصور المغلوطة. فقد ترتب علي تلك الافكار والصور تراث طويل تراكم عبر تاريخ الانسانية أفضي الي وضع المرأة دائما في مكانة ادني, والتشكيك في قدراتها وامكاناتها وقدرتها علي استيعاب العلوم وعلي الابتكار, واحتجازها في حيز واحد هو الحمل والانجاب. وقد جرت علي مدار التاريخ عملية معقدة وملتوية, ولا تخلو من الخبث لاقصاء المرأة بدعوي تمجيد وتعزيز مكانتها, وبهدف ابعادها عن مجالات الابتكار والابداع تحت شعار ان اعظم ابداع للمرأة هو تجديد الجنس البشري, ولكن النساء لم ينخدعن بهذا التمجيد الزائف والمنافق, وناضلت نساء العالم بطرق متنوعة ومبتكرة للخروج من الحيز الضيق والمحدود الذي تكاتفت عوامل كثيرة لابقائهن فيه. وقد دارت عبر التاريخ وما تزال- معارك كثيرة خاضتها النساء ومن تحالف معهن من القوي الاجتماعية من الرجال خاصة, وعلي رأسهم المستنيرون الذين يدافعون عن انسانية الانسان بصرف النظر عن الاهل والجنس والمعتقد. وكانت الفكرة الاساسية في هذه المعارك وشعارها الجامع هو المساواة, ويقترن الكفاح من أجل المساواة بمعركة ربما هي الاشد, وتلك هي معركة الخروج من اسر البيولوجيا, وتبدأ هذه المعركة بعملية صبورة ومتصلة لتفكيك المنظومة التي وضعت النساء في مكانة ادني, والطرق التي جري استخدامها عبر التاريخ لتسويق هذه المنظومة باعتبارها حقائق وأوامر إلهية. وكأن البيولوجيا هي قدر يكبل المرأة بل ويصمها في بعض الثقافات. وفي مقابل هذا الوهم بالقدر البيولوجي, والذي لا نصيب للرجال منه لأنه يتعلق بالحمل والولادة, تبلورت ثقافة تمجيد النساء وتبجيلهن بسبب هذا القدر نفسه. وبقي الامر محصورا في هذه الثنائية الضدية, الي أن تبلورت ثقافة جديدة انضجها النضال الانساني من اجل المساواة، في حين تمجد الادوار البطولية للنساء في تجديد الجنس البشري, تقدر عاليا ادوارهن في اخصاب وتطوير مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية كافة, واسهمت هذه الثقافة من ثم في انصاف النساء, واخراجهن من الحجر. ولكن نظم الاستغلال – بكل اشكاله- عادة ما تختار لنفسها ضحية- او شماعة- كما نقول في مصطلحاتنا الشعبية, لتعلق عليها الانتهاكات التي تقوم بها ضد القيم الانسانية التي بلورتها البشرية عبر نضال طويل وتبررها امام الجمهور. ولم يعرف تاريخ البشرية- حتي الان- نضالا متصلا ضد ظلم ما لم ينته بانتصار- ولو جزئيا- مؤقتا – ضد هذا الظلم الذي قاومه هذا النضال. وشاهدنا- في هذا السياق- هو الانتصارات التي حققتها النساء, وحققها العبيد والسود في فترات تاريخية مختلفة وهو ما يبشرنا بأنه ما من ظلم مرشح لأن يستمر الي الابد, بل ان لكل ظلم آخر. ويسجل تاريخ النضال الشعبي في عصرنا صفحات مجيدة لانجازات النساء في العالم كله تطلعا للتحرر الانساني الاشمل, وتستمر المسيرة. فريدة النقاش