الدكتورة لينا جزراوى باحثة ومُحاضرة أردنية مُتخصصة فى قضايا المرأة وحقوق النساء، حصلت على درجة الماجستير فى دراسات المرأة من الجامعة الأردنية، واستمرت فى العمل كناشطة مدافعة عن حقوق المرأة، وأنهت دراسة الدكتوراه فى الفلسفة من الجامعة الأردنية فى العام 2016، وكانت أطروحتها عن الفلسفة النسوية، عملت فى الإذاعات الأردنية مُعدة ومقدمة برامج تقدم التوعية حول حقوق المرأة القانونية والاجتماعية والثقافية، وعملت محاضرة غير متفرغة فى جامعة البتراء، وتعمل فى مراكز الدراسات والأبحاث باحثة ومُدربة فى مشاريع تهدف الى تحقيق التمكين الاقتصادى والسياسى للمرأة الأردنية. تؤمن بدور المرأة فى نهضة المجتمعات، وبمبدأ الشراكة بين الجنسين، وعكست ذلك من خلال مقالات شهرية تكتبها وتُنشر فى عدد من المواقع الالكترونية. وآخر ما أنتجته كان كتابها (صورة الفلسفة النسوية فى الفكر العربى المُعاصر)..هنا حوار معها. ■ لماذا تخصصت فى الفلسفة النسوية؟ لقد اتخذتُ قرارى فى دراسة الفلسفة النسوية لعدة أسباب منْها ما يتعلقُ بعملى فى مجال حقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً، وفى رغبتى فى إكمال التخصص فى حقل الفكْر النسوى حيث إننى حاصلة على درجة الماجستير فى دراسات المرأة من الجامعة الأردنية، وأحببت أن أكمل طريقى فى نفس الحقل. وأسباب أخرى تتعلق بواقع المرأة العربية الذى لمْ يصل بعد – من وجهة نظرى - لمُستوى تحقيق شراكتها مع الرجل فى كل ميادين الحياة؛ على الرغم من مظاهر الحداثة البادية على بعض المُجتمعات العربية والخطابات المُتداولة حول المرأة وحقوقها. فالمرأةُ لا تولد امرأةً، بل تُصبح كذلك على حد قول الفيلسوفة الفرنسية سيمون دى بوفوار، وكنت بحكم عملى فى قضايا المرأة ألمس فى الميدان واقعية هذا القولُ الذى يُشيرُ الى أن الكثيرَ من السلوكات الُمتعلقة بالمرأة قد نشأت بفعل صراعاتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ أسبغت عليها صفاتُ الطبيعة، وربطتها بالوظائف البيولوجية، مما خلق نوعاً من الخلط بين البُعدين البيولوجى والاجتماعي. واقعنا العربى ذكورى لا يعترف بالمرأة شريكا فى الإنتاج المعرفي، أو المرأة الند. ■ ما المبادئ الفلسفية التى قام على أساسها الفكر النسوى؟ جاءت الفلسفة النسوية كثورة لسلطة الرجال على النساء، وهيمنتهم على مفاصل الحياة عامة، وإزاحة المرأة عن طريق الإنتاج والإبداع والشراكة. هنا ولدت الأسس الفلسفية للفكر النسوى الغربي، جاءت النسوية كرد فعل من أجل إثبات وجود دور فاعل للمرأة فى الحياة ونقد النظرة النمطية السائدة عن كون المرأة وُجدت لخدمة الرجل، وأنها تابعة له، وبالتالى رُفع صوت النسوية من أجل المناداة بحق المرأة فى المساواة بين الجنسين. نشأ عن هذه الثورة موجاتٍ نسوية طورت الأسس الفلسفية لفكرٍغربى فى سياق التغير البُنيوى للمُجتمعات الغربية المرتبط بتغير البُنى الاقتصادية وما لحق بها من تغيرٍ فى البُنى الاجتماعية والثقافية. فصبت الموجات النسوية مطالباتها على تحسين واقع المرأة والحصول على بعض الحقوق مثل التعليم والعمل وحق الملكية، وحق الاقتراع، والتصدى الى ما زُرع فى الذاكرة من التراث بأن المرأةَ أصلُ الخطيئة. ثم تجاوزت الحركةُ النسوية مطلب المساواة واعتمدت النقدَ العقلاني، وظهرت تياراتٌ ومذاهبُ عديدة اعتمدت لغة التحرر من القمع السياسى والاجتماعى والجنسي، وتوجهت لنقد مؤسسة الزواج، والمطالبة بإيقاف كافة أشكال اضطهاد المرأة المبنى على الفارق البَيولوجي. هذا الجدلُ الذى سادَ المُجتمعات الغربية أدى إلى تشكل مدارس نسوية مختلفة اتفقت جميعها على طرح السؤال حول أسباب الاضطهاد الواقع على المرأة وأساليب مواجهته، وعلى تحديد هُوية الجماعات والفئات التى تُشكل مصدر اضطهادَها، والخصم الذى عليها مواجهته كل من منظوره الأيديولوجي. فانبثقت المدارس النسوية من أسس الفلسفات الليبرالية والماركسية والاشتراكية والراديكالية ومدرسة التحليل النفسي، وكان لكل مدرسة محاولة لفهم أسباب الاضطهاد والتمييز الواقعان على المرأة. ■ هل هناك فلسفة رجالية وأخرى نسوية؟ وهل التجربتان تتكاملان أم تتنافسان؟ الفلسفة هى الفلسفة لا أعضاء مذكرة أو مؤنثة لها، والحقيقة أن هذا السؤال قد طُرح كثيرا من قبل المنظرين والمفكرين وأقول أن الفلسفة هى منهج فكرى يُمكنه أن يتناول مفاهيم معرفية تتعلق بالإنسان رجلا كان أو امرأة لكن الفلسفة قد أغفلت المرأة على مر التاريخ على الرغم من وجود مفكرات أضفن مفاهيم جديدة للفلسفة، فسيمون دى بوفوار أول من أسس لمفهوم النوع الجنسى فى عبارتها الشهيرة ( لا تولد المرأة امرأة، ولكن المجتمع يعلمها أن تكون كذلك)، ومارى ولستنكروفت التى دشنت معالم النسوية وتحدثت عن عقلانية المرأة والارتقاء بالمكانة الأخلاقية والفكرية لها وكيف يصوغ المجتمع مفهوم الأنوثة، وكيت ميليت اول من استخدم مفهوم (السياسات الجنسية) وهى السياسات القائمة على التحيز للرجل، ونانسى شودورو فى نظريتها بأن النساء يرين العالم من منظور متصل بينما يرى الرجال العالم بشكل منفصل، وقدمت كارول جيلجان فهما جديدا لأخلاق النساء دعته (أخلاق الرعاية مقابل أخلاق الحقوق)، لقد أضافت المنظرات النسويات إلى الفلسفة موضوعات ومفاهيم جديدة، مثل استقلال المرأة والجندر والجنوسة وأخلاق الرعاية والتفكير الأمومى والتمكين. اهتمت النسويات بقضايا وقدمن تحليلات نفسية لماهية المرأة، وناقشن قضايا ومبادئ اجتماعية وأخلاقية وسياسية، وانتقدن آراء فلاسفة لهم باع طويل فى الفلسفة السياسية، وانطلقت المدارس النسوية من قلب المدارس الفلسفية الليبرالية والماركسية والاشتراكية والراديكالية والتحليل النفسي. لذلك الفلسفة النسوية هى فلسفة تعنى بمفاهيم تخص العلاقة بين المرأة والرجل، لأنها فلسفة تعمل على اخراج المرأة من دائرة الأنوثة البيولوجية لعالم القيم الاجتماعية والثقافية التى تحدد علاقتها بالرجل وبالمجتمع على أساس من المساواة. ■ لا يوجد فيلسوفات على مدار التاريخ باستثناء هيباثيا فيلسوفة الإسكندرية.. فهل التفلسف حكر على الرجال؟ بالتأكيد كان هناك فيلسوفات تركن إرثاً وأثراً فى الحضارات القديمة، فى الحضارة الإغريقية مثلا تم إنكار جهودهن من قبل فلاسفة اليونان لهذه الحقبة، وحتى من قبل الفلاسفة المُعاصرين، فقلما نجد لهن ذكٌر فى كتبهم. ونذكر منهن فيلسوفة اليونان الأولى (أرستوكلي)، كاهنة معبد ديلفى الشهير، وكانت أستاذة فيثاغورث، و(أسبيشيا) أيضاً المولودة فى مدينة ملطيا من مقاطعة (أيونيا)، والفيلسوفة القورينائية (أريتا)، والفيلسوفة التى كانت رمزاً نسوياً منفرداً فى قيادة الأفلاطونية المحدثة فى عصرها. لكن التاريخ كان ذكوريا وكُتب بأيقلام الرجال فهمش المرأة وأقصاها عن الفضاء العام فضاء الإبداع والإنتاج، لذلك يجب اعادة كتابة التاريخ بأقلام نسوية. ■ أورد أفلاطون فى كتابه «الجمهورية» نصوصا صريحة تحط من شأن المرأة.. ماذا عن نظرة الفلاسفة المسلمون للمرأة؟ فى مواقع متعددة من محاورة الجمهورية لأفلاطون يقول فى مسألة بناء الدولة، وتربية طبقة الجند التى ستدافع عن المدينة: « إننا سنكون على حق لو جنبنا عظماء الرجال ذلك العويل والنحيب، وتركناه للنساء؛ وذلك حتى يشب أولئك الذين نُربيهم من أجل حراسة الدولة على احتقار مثل هذا الضعف والخور». ففى هذه النصوص وكثير غيرها يرى أفلاطون أن تربية الرجال يجب أن يُستبعد منها العنصر النسائي، فالمطلوب رجال أقوياء بعيدين عن مظاهر الضعف الأنثوى، ومُحاكاة النساء. وأرسطو أثر عميقاً فى التراث الفلسفى الإنسانى، وقرر أن الرجال الأحرار هم الكائنات الأعلى التى تمثل الجزء العاقل فى الطبيعة، أما النساء والعبيد فهم الكائنات الأدنى؛ وذلك لعدم قدرتهن على استعمال عقولهن، وعدم امتلاكهن للمعرفة العقلية إلا ما يفيدهم فى أداء وظائفهم التى يحددها السادة، ووظيفة النساء كما حددت لهن هى إنجاب الورثة، حيث يرى أن: «جنس الذكر أصلح للرئاسة من جنس الأنثى، ومن ثم فتسلط الرجال على النساء مسألة طبيعية جداً» والمرأة هى أقل من حيث العقل والذكاء، وهى أدنى من حيث المرتبة والمكانة معزولة تماماً عن ميدان السياسة، ومُستبعدة عن ميدان الثقافة بصورة عامة. ففى مقولاته عن النساء فى كتابه (إحياء علوم الدين): «فالرجال قوامون على النساء»، «وهن ناقصات عقل ودين»، «ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من حقه عليها»، «ولا تقبل المرأة إلا فى صورة شيطان، والفلسفة المسيحية ايضا تأثرت بالفلسفة الإغريقية ونظرتها الدونية للمرأة، يصرح القديس يوحنا الذهبى الفم*: «بأن جمال المرأة لهو الشرك الأعظم، فابتعد عن الفتاة الشابة مثلما تبتعد عن النار»، ثم يقول ترتوليان* للمرأة «أنت بوابة الشيطان، أكلت من الشجرة المحرمة، وأغريت الرجل الذى لم يستطع الشيطان غوايته على نحو مباشر، أنت أيتها المرأة حطمت بسهولة صورة الله التى هى الرجل». لكن ابن رشد كان له رأي مُغاير حيث يُبدى شجاعة تسبق عصره فى موضوع المساواة بين الجنسين، فيقول: «وفى مدننا القائمة، فإن قابلية النساء ليست واضحة؛ لأن النساء غالباً ما يؤخذن للإنجاب، ولهذا فإنهن يوضعن فى خدمة أزواجهن، وما عليهن إلا الإنجاب والرضاعة، والعناية بالولد، مما يعطل أفعالهن الأخرى» وهنا نرى أن ابن رشد فى قضية حقوق المرأة، ومساواتها مع الرجل قال قولاً سبق به عصره. إن ابن رشد يُعلن أن النساء والرجال نوع واحد، وأنه لا فرقَ بين الرجل والمرأة فى الغاية الإنسانية الفرق الوحيد الذى يراه هو فى احتمال الكد الجسمانى الذى يقدر عليه الرجل أكثر من المرأة، فى حين أن النساء أكثر حذقًا فى أعمال أخرى، كفن الموسيقى مثلاً، وبما أنه لا فرق بين المرأة والرجل فى الطبع الإنساني؛ وَجَبَ على النساء أن ينلن التربية نفسها التى يحظى بها الرجال، وأن يشاركنَهم سائر الأعمال حتى الحرب والرئاسة. ■ ثقافة المرأة العربية.. ثقافة كتب أم إنترنت؟ للأسف أصبحت ثقافة الإنسان العربى امرأة كان أم رجلا ضحلة وسطحية لأنها تعتمد على الإنترنت، الذى كان يُفترض أنه ُيسهل الوصول إلى المعارف والمعلومات ويُساعد على الانفتاح على ثقافات جديدة وقارات بعيدة. لكننا أسأنا استخدامه واكتفينا بالاستخدامات الساذجة التى لم تساعدنا على توسيع مداركنا فى البحث والمعرفة. والمرأة على وجه الخصوص كانت مستسلمة لدورها النمطى تصرف جل طاقتها فى أمور رعاية الأسرة والأطفال ومع وجود الانترنت قلائل من أحسن استخدامه لتطوير مهاراتهن وتنمية مواهبهن واستخدامه أداة مهمة وناجحة فى التحرر من سجن النمطية والتقليد. لكنها ليست مشكلة المرأة العربية هى بالمجمل مُشكلة الإنسان العربي. ■ هل الفلسفة النسوية أعادت الاعتبار للمرأة المهمشة أم ما زال من المبكر الحديث عن هذه النتائج؟ لقد فرضت الفلسفة النسوية مفاهيم معرفية جديدة كالجندر، وأدوار النوع الاجتماعى والثقافي، واشتراكية العمل المنزلي، وأخلاقيات الرعاية والاستقلالية،والتمكين والمجتمع الذكورى وغيرها، هذه المفاهيم صنعت حقلا معرفيا جديدا عنوانه (الفكر النسوي) ألزم الأطر الأكاديمية على ارتداء نظارة النسوية والاعتراف بالمرأة كانسان صاحب ارادة وضمير وعقل.هذا بالإضافة الى وضع قضية المرأة وحقوق النساء داخل إطار علمى وليس مجرد أقوال وأفكار وتصورات وهذا حدث بفضل الحراك النسوى والثورة النسوية فى العالم فأفرزت هذه الثورة نماذج جديدة من القوانين والدساتير ومسودات الأحوال الشخصية والميزانيات والمناهج الدراسية التى تُراعى النوع الإجتماعى وتعترف بالمرأة كجزء أصيل من نسيج المجتمع، وكطاقات بشرية لها الحق فى المساهمة فى الإنتاج الوطنى والتنمية. أصبحت اليوم الأصوات النسوية فى العالم العربى أعلى وأقوى، وتكمن قوتها فى امتلاكها لمفتاح المعرفة النسوية والتخصص. نعم النسوية أعادت الاعتبار للمرأة المهمشة ووضعت قضاياها على طاولة أصحاب القرار وكشفت ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بالمرأة وعندما يتعلق الأمر بالرجل. الفلسفة النسوية عرت المجتمع وأخرجت خفايا وممارسات العقل الذكورى المستترة الى السطح. ومع ذلك مازال الطريق طويلا لأن تُعيد الفلسفة النسوية الكرامة للمرأة العربية وتضعها فى المكانة التى تستحقها. ■ ما خسائر البشرية جراء تهميش حقوق المرأة؟ تخسر طاقات بشرية هائلة ومهارات ومواهب لو وظفت ووُضعت فى مكانها المناسب لتطوير المجتمع ونهضته لأصبح العالم مكانا أجمل للحياة فيه لكل من المرأة والرجل. ■ ما هى معركتك فى الحياة؟ معركتى فى صياغة أخلاقيات جديدة ترى المرأة كائنا كاملا وليس جسدا بلا رأس. معركتى فى نبذ الماضى واستنباط مبادئ جديدة تحقق مساواتنا الكاملة مع الرجل، معركتى هى معركة تحرير المرأة والرجل من هيمنة السلطة الذكورية.