بدأت إدارة بايدن في رسم مسار جديد لمحاولة إنهاء برنامج كوريا الشمالية الخاص بتطوير الصواريخ النووية الباليستية, معتمدة في ذلك علي تحقيق التوزان بين سياسة ترامب المسماه بسياسة "الصفقة الكبري" وبين سياسة أوباما للتعامل مع الأزمة, والتي تستند علي مفاوضات ثنائية بين الرئيسين دون حوار علي المستوي الدبلوماسي, وعبر إعادة المفاوضات مع كوريا الشمالية بهدف الوصول إلى اتفاق مرحلي يؤدي إلى نزع السلاح النووي الكوري بالكامل. وكان مسئول بالبيت الأبيض قد صرح الجمعة الماضية أن الرئيس الأمريكي جو بايدن, استقر على نهج جديد يعتمد على "الدبلوماسية الواقعية" للضغط على كوريا الشمالية, للتخلي عن الصواريخ الباليسيتية والسلاح النووي. يأتي السعي نحو الاتفاق مع كوريا الشمالية بعد مراجعة للسياسات الأمريكية استمرت لأشهر, قادها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان والجنرال مارك أ.ميلي ، رئيس هيئة الأركان المشتركة. التفاوض من جديد تمثل السياسة التفاوضية الجديدة التي أعلن عنها بايدن إنقلاباً علي الاستراتيجية التي وضعها مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون، الذي أعتمد على أن تصر الولاياتالمتحدة علي التوصل إلى اتفاق يتلخص في شعار "الذهاب الكبير أو العودة إلى الوطن" وهي صفقة هدفت إلى إزالة جميع العقوبات في مقابل التفكيك الكامل لبرنامج الأسلحة في كوريا الشمالية, عبر الضغط المباشر علي كوريا الشمالية يصل للتهديد بالغزو العسكري. وقد رفض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون محاولات ترامب رفضاً قاطعاً خلال قمة 2019 في هانوي, والتي انهارت بعد أن أوضح المسئولون الأمريكيون أنهم لن يرفعوا العقوبات ما لم تضع بيونغ يانغ برنامجها النووي بأكمله على طاولة التفاوض. وقال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية, "نحن لا نسعى إلى صفقة كبيرة تسير علي نهج ترامب السابق " كل شيء أو لا شيء". "ما قمنا بتسويته هو ما نعتقد أنه نهج معياري وعملي للدبلوماسية مع كوريا الشمالية بهدف القضاء على التهديد الذي يواجه الولاياتالمتحدة." وقال مسئولون إن الإدارة بدأت في تبادل نتائج المراجعة مع" الحلفاء والشركاء"، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك أعضاء الكونغرس، الذين تم استشارتهم بشكل متكرر خلال الأشهر القليلة الماضية. لا تزال تفاصيل الاقتراح الذي ستطرحه واشنطن غير واضحة، ولا يستخدم المسئولون الأمريكيون مصطلحات مألوفة استخدمتها الإدارات الأمريكية السابقة، مثل شعار "خطوة بخطوة" الذي يعتمد علي الاتفاق عبر التفاوض في مسائل محددة, مضيفاً :" نحن لا نتمسك بهذه الأنواع من الشعارات في نهجنا". مخاوف الولاياتالمتحدة وتأتي هذه المراجعات في ظل مخاوف الولاياتالمتحدة المتزايدة من استفزازات كورية جديدة, مثل اختبار صاروخ باليستي بعيد المدى عابر للقارات. حيث صرح مسئولون أمريكيون إنهم يخططون لإعلام المسئولين الكوريين بالاستراتيجية الجديدة, رغم ذلك, فقد أقروا بأنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغير في حسابات النظام في كوريا الشمالية على المدى القريب فيما يتعلق بالاستفزازات النووية. قال المسئول الأمريكي رفيع المستوي :" لا نعتقد أن ما نفكر فيه من المرجح أن يمنع الاستفزازات من قبل كوريا الشمالية", وأضاف "نحن عازمون على الحفاظ على ضغوط العقوبات أثناء عملية سير النهج التفاوضي الجديد". تحدى رئيسي يري مراقبون أن التحدي الرئيسي الذي سيواجه المسئولون الأمريكيون هو ما إذا كان بإمكانهم خلق زخم إعلامي عالمي يدعم النهج المرحلي الجديد الذي يقوم بالتدريج بتخفيف العقوبات الجزئية لنزع السلاح النووي جزئياً حتى يتم تفكيك البرنامج بالكامل. وقال أحد المسئولين الأمريكيين إن هذا الجهد هو "نهج دبلوماسي دقيق يحقق الهدف النهائي المتمثل في نزع السلاح النووي". وهو يختلف عن نهج إدارة أوباما، التي حجبت المشاركة الدبلوماسية الجادة مع كوريا الشمالية حتى غيرت سلوكها وأوقفت استفزازاتها النووية. وقال المسئول" إذا كانت سياسة إدارة ترامب هي سياسة كل شيء مقابل كل شيء، وسياسة أوباما تلخصت في لاشيء مقابل لا شيء, فسياساتنا الجديدة تقع في المنتصف بين النهجين". لن يتخلى مسئولو بايدن عن اتفاق ترامب التفاوضي مع كوريا لعام2018، والذي تعهد فيه كيم بنزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية وتعهد الجانبان بالعمل من أجل "نظام للسلام"وإعادة أسرى الحرب والجنود الأمريكيين المفقودين من الحرب الكورية, حيث قال مسئول ثان في الإدارة العليا" سيبني نهجنا على اتفاقية سنغافورة والاتفاقات السابقة الأخرى". وفي هذا السياق أكد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جين بساكي:" لا يزال هدفنا هو نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية، مع اعتراف واضح بأن جهود الإدارات الأربع الماضية لم تحقق هذا الهدف …لن تركز سياستنا على تحقيق صفقة كبيرة، كما لن نعتمد على الصبر الاستراتيجي". يذكر أن إدارة بايدن تواصلت لأول مرة مع كوريا الشمالية من خلال عدة قنوات بدءاً من منتصف فبراير, ورفض النائب الأول لوزير خارجية كوريا الشمالية التواصل باعتباره " خدعة لتضييع الوقت". وفي مارس الماضي، أطلقت كوريا الشمالية صاروخين قصيري المدى خلال رحلة وزير الخارجية الأمريكي الأولى إلى آسيا والمحيط الهادئ، وبعد أيام أطلقت صاروخين باليستيين من البحر بالقرب من اليابان. العقوبات الاقتصادية وتعد إلغاء العقوبات الاقتصادية مسألة ملحة رئيسية للرئيس كيم، الذي اعترف العام الماضي بأن اقتصاد بلاده كان ضعيفاً، وهي مشكلة يرجعها كيم إلى انتشار الفيروس التاجي والفيضانات الشديدة والعقوبات الأمريكيةوالأممالمتحدة التي تحظر العديد من صادرات كوريا، بما في ذلك المنسوجات والفحم وخام الحديد. كما أجبر الفيروس كوريا الشمالية العام الماضي على إغلاق الحدود مع الصين، التي تُمثل التجارة معها ما يقدر بنحو 90 في المائة أو أكثر من التجارة الخارجية لكوريا الشمالية. وأحد المسائل الغامضة بالنسبة لمعظم المراقبين هو الدور الذي ستلعبه الصين في العملية التفاوضية للنهج الأمريكي الجديد, فهي الدولة صاحبة النفوذ الاقتصادي والسياسي الأكبر على كوريا الشمالية. حيث لا تزال العلاقات الأمريكية مع بكين متوترة في إطار مجموعة متزايدة من القضايا الخلافية المتعلقة بالتجارة وحقوق الإنسان والأمن. وصرح المسئول الأمريكي أن إدارة بايدن ستسعى إلى " العمل مع الصين أثناء المضي قدماً في سياستنا الجديدة، سواء من حيث دعم جهودنا الدبلوماسية أو عبر الوفاء بالتزاماتنا المشتركة بفرض وتطبيق عقوبات الأممالمتحدة علي كوريا الشمالية". وجدير بالإشارة أن الاجتماع الأول بين إدارة بايدن ونظرائها الصينيين في مارس الماضي قد أسفر عن تراشق متبادل للاتهامات, حيث ردت الصين علي اتهام الولاياتالمتحدة بأنها تقوم بإبادة جماعية ضد مسلمي الأيغور. كما سيمثل ملف حقوق الإنسان عقبة كبري في مسار السياسة التفاوضية الجديدة مع كوريا, حيث سيسعي داعمو بايدن من الحزب الديمقراطي إلى استدعاء هذا الملف أثناء التفاوض, و هو ما سيمثل ضغطاً داخلياً علي بايدن و الدبلوماسية الأمريكية, و بالفعل ظهرت مطالبات بالكونجرس الأمريكي لتعيين مراقب خاص لكوريا الشمالية لمتابعة مسألة انتهاكات حقوق الإنسان فيها. وعلي صعيد أخر, أعرب حلفاء الولاياتالمتحدة في آسيا عن تقديرهم لمشاورات الإدارة واهتمامها بالمنطقة. لكنهم يدركون أن تحدي كوريا الشمالية هو تحد ملح، حتى مع زيادة التعاون بين الحلفاء. أوضحت كل من سيول وطوكيو أنهما يودان أن تجري الولاياتالمتحدة محادثات ثنائية مع كوريا الشمالية، والتي يعتبرونها أكثر فعالية من المحادثات السداسية التي جرت خلال إدارة جورج دبليو بوش. واعتمدت تلك المحادثات على نهج تدريجي، لكنها تعثرت في نهاية المطاف بسبب الخلافات المتعلقة بآليات التحقيق، واختبار الصواريخ الكورية الشمالية, والعقوبات الأمريكية وغيرها من القضايا.