المخرج: عاطف سالم, سيناريو: نجيب محفوظ, حوار : السيد بدير, تصوير : وحيد فريد, بطولة: فريد شوقي, هدي سلطان, يحيي شاهين, سراج منير, نجمة إبراهيم, رشدي أباظة, سليمان الجندي, نبيل العشري, خيرية خيري, حسن البارودي, محمد رضا, محمد صبيح- محسن حسانين, عبد المنعم اسماعيل, ماري باي باي- زكي الحرامي- أنور زكي- عباس الدالي – أحمد بالي- عبد النبي محمد- عبدالعظيم كامل- صالحة قوصين, تاريخ العرض: 18 اكتوبر 1954- مدة العرض: 105 دقائق . حصل الفيلم علي الترتيب (26) في قائمة أفضل 100 فيلم, عقب عرض هذا الفيلم صدر قانون مصرى في الجنايات ينص على الإعفاء من السابقة الأولى للمخطئ من الصحيفة الجنائية ليبدأ المتهم الخارج من السجن أو الإصلاحية حياته من جديد بلا مطاردة. في سينما "مرمر" كان يأخذنا الشغف حتي يتملك من أفئدتنا.. وكنا حينها صغارًا مشدوهين مشدودين بكل خلجاتنا ناحية الشاشة نتابع سلطان البائس, وفي كل مرة ينوي الهرب من السجن كانت تنخلع قلوبنا ونهمس بصوت خفيض لا تفعل, فياسمينة ستتمكن من إظهار براءتك.. لكنه في كل مشاهدة لنا لا ينصت إلي همسنا ويفعلها حتي يصل به الحال إلي المسجد ثائرًا رافعًا يديه في وجه الشيخ حسن, ومع انطلاق الأذان تنطلق دموعنا.. في سينما الترسو تفتح وعينا علي الفن وعلي أبطاله الذي كنا نظنهم مخلوقات خرافية أتت من عوالم بعيدة لتسحرنا وتمتعنا, وكثيرا ما جال بخواطرنا أن نقتحم الشاشة متخيلين أن ذلك سيقربنا من تلك الشخوص العجيبة التي تحرك مشاعرنا, وتجعلنا منصتين كل هذا الانصات, والذي يفصلنا عن عوالمنا الحقيقية, ورغم أننا كنا ندرك بيقين أو عدم يقين أن في الأمر خدعة ما, لكن الحلم ظل يراودنا متي نحقق أمنياتنا المستحيلة, التي يتناوب علي تحقيقها أبطالنا الذين يجسدون شخوص تشبهنا أو التي لا تشبهنا علي الشاشة.. فريد شوقي واحد ممن تعلقت قلوبنا ناحيته, وكانت طلته تثير داخلنا الفرح والسرور, ويندر في أفلام فريد شوقي دون أن يطل علي جماهيره في المشهد الأول, ويندر أيضا ألا نجده يقوم بتحيتهم علي طريقته الخاصة, فقد كان يعلم أنهم جاءوا ليشاهدوا بعضا مما يتبغونه, ولم يبخل عليهم, لذلك استحق أن يكون ملك الترسو بلا منازع, فقد استمدت كثير من دور السينما بقاءها كونها تعرض أفلامه, ولم يظهر ممن استحوذ علي مكانته, ومن لم يذهب لسينمات الدرجة التالتة, قد يجد في كلامي مبالغة, ولكنها الحقيقة, وربما أقل من الحقيقة. ما زال صدى كلمات سلطان في مواجهة عمه ترن في الآذان: "خايف, أنت اللي عملت مني مجرم, أنا جاي انهاردة عشان اقولك كلمة واحدة , كلمة واحدة هرد بيها علي كل اللي عملته فيا" ثم يطلق الرصاص.. أو عندما تخبره حبيبته أن براءته ظهرت فيقول: "برئ.. دلوقتي بس ظهرت براءتي.. عدالة المجتمع اتأخرت عني كتير.. غمضت عينها ومفتحتهمش إلا لما بقيت مجرم قاتل .. ارجعي للبوليس قوليلهم سلطان غني عن البراءة, سلطان في أيده مسدس وأتعلم إزاي يدوس علي الزناد.. سلطان قلبه اتحجر.. ومش هيرحم حد أبدا أبدا".. حكي فريد شوقي: إنه اختار نجيب محفوظ للمشاركة في كتابة السيناريو من أجل «تظبيط الشخصيات»، لما كان لمحفوظ من قدرة على رسم شخوص أعماله الروائية، وأن نجيب محفوظ بعد الانتهاء من كتابة السيناريو أعاد مبلغ 100 جنيه أجره عن العمل، مبررا أنه من المفترض أن يدفع لفريد شوقي وسيد بدير مقابل تعليمه حرفية السيناريو. كتب سامي السلاموني في مجلة "الفن": في الحي الشعبي الفقير يرتاح الشيخ حسن وياسمينه علي مصير سلطان الذي ظهرت براءته من جريمة لم يرتكبها, ولكن بعدما كان قد أصبح قاتلا لعمه بالفعل.. وأمام حصار البوليس يصرخ في الجميع: "دلوقتي بس ظهرت براءتي .. عدالة المجتمع اتأخرت عني كثير.. غمضت عينها وما فتحتمهمش الا بعد ما بقيت مجرم قاتل!".. ويهرع سلطان إلي المسجد ليحتمي من البوليس وهو في ثورة غضب مجنون.. وفي نهاية من أقوي نهايات السينما المصرية يدخل إليه صديق عمره الشيخ حسن لاقناعه بتسليم نفسه, فيثور عليه ثورة عارمة حتي يرفع يده لصفعه.. وهنا يجئ الحل السحري الدائم في الفيلم المصري ينطلق صوت المؤذن بالصلاة.. فتجمد يد فريد شوقي ويلقي برأسه باكيا علي صدر الشيخ. ويخرج مستسلما للبوليس الذي ما أن تنصرف عرباته حتي تركز الكاميرا علي مجموعة من أطفال الحي التعساء ونسمع صوت فريد شوقي معقبا: "مساكين.. يا تري مصيرهم حيكون زي مصيري.. والا حيلاقوا واحد يعطف عليهم ويربيهم؟ ربنا معاهم.. ربنا معاهم!".. وينتهي فيلم جميل وقوي علي رغم كل شيء.. يكفي أنه كان مشغولا بقضايا الناس!