أدى زيادة التوتر فى ليبيا واتساع رقعة احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين الأطراف المتنازعة, إلى تهديد البلدان المغاربية أمنياً، ففى أول جلسة للمجلس الوطني للأمن في عهد الرئيس الجزائري الجديد، عبدالعزيز تبون خصصت لاتخاذ تدابير لحماية الحدود الشرقية المشتركة مع ليبيا, كما أن تونس أعلنت بدورها زيادة تأمين الحدود مع ليبيا وبدأت الاستعداد لموجة نزوح من الأراضي الليبية، فالبلدان المغاربية تدرك أنها ستدفع ضريبة باهظة لموجات من اللاجئين. وبرحيل الجنرال ” قايد صالح” وانسحاب “بوتفليقة” من المشهد السياسى الجزائرى, تغيرت استراتيجية الجزائر تجاه ليبيا بشكل جزئى, وإن كانت عقيدة الجيش الجزائري واضحة في رفض المشاركة العسكرية خارج الحدود، فإن الجزائر ستركز أكثر على الحل السياسي داخل ليبيا برغم ميولها الإيجابية تجاه حكومة السراج، وقال “صبري بوقادوم” وزير الشؤون الخارجية الجزائري إن بلاده “لا تقبل بوجود أى قوة أجنبية مهما كانت, وأن لغة المدفعية ليست هي الحل وإنما الحل يمكن في التشاور بين كافة الليبيين وبمساعدة جميع الجيران”. أمّا عن تونس فنجد الرئيس التونسي “قيس سعيّد” في كلمة له بمناسبة السنة الجديدة، قال “إن مرجع بلاده بشأن ما يجري في ليبيا هو “القانون وليس أزيز الطائرات”، وأكدت وزارة الخارجية التونسية رفض تونس التدخل العسكرى التركى فى ليبيا, وصرّح “سعيّد” بأن “الشرعية الدولية هي المرجع، ولكن يجب الانتقال إلى شرعية ليبية- ليبية”. ويظهر المغرب من أكثر البلدان المغاربية تحفظاً في التصريحات حول الشأن الليبي, رغم أنه احتضن مباحثات “الصخيرات” التي أفضت لولادة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برعاية أممية, لكن وإن كانت التصريحات المغربية قليلة جداً في الشأن الليبي، فهي تعكس استمرار تشبث الرباط بحكومة الوفاق، ومن آخر التصريحات ما أدلى به وزير خارجية المغرب “ناصر بوريطة” من أن “اتفاق الصخيرات كان ولا يزال اتفاقًا جيدًا، وأن تكاثر المبادرات حول الأزمة يؤدي لتنافر بينها, وأن الدعم المغربي للسراج سيتواصل، وقد يصل حد الدعم المادي واللوجيستي، لكن الرباط ستزيد من حذرها “أولا لأن أيّ انخراط مغربي غير محسوب قد يسببّ رد فعل مناوئا من الجزائر التي ترى في ليبيا إحدى حدائقها الخلفية، وبالتالي فأيّ وجود عسكري مغربي في ليبيا لدعم الخطط التركية، ستراه الجزائر موجهًا ضدها, وثانيًا لأن الرباط تدرك أن الملف الليبي معقد وأن الأزمة مرشحة للاستمرار سنوات أخرى، وبالتالي فالوضع لا يحتمل أيّ مخاطر. وفى هذا السياق ذكر “تاج الدين الحسيني” أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الجزائر تحاول طرح حل الملف بشكل يقتصر على الدول الحدودية (تونسوالجزائر), لكن المغرب مازال متشبثاً بقرار الصخيرات، ويرى أن نقل الإخوة الليبيين اجتماعاتهم من تونس إلى المغرب, بعد أن استشعروا نوعاً من الضغوط كان يحاول ممارستها “راشد الغنوشي” الرئيس التونسى السابق عليهم, لدعم الإخوان على حساب القوى الوطنية الأخرى, هى دليل على رغبة الليبيين فى رعاية المغرب لقضيتهم, رغم أن الليبيين لم يجاهروا بذلك. أكد الأمين العام لاتحاد المغرب العربي “الطيب البكوش”, على أهمية الموقف الموحد للدول المغاربية كخطوة إيجابية نحو تفعيل الدور المغاربي في هذا الملف، بعد الرفض التام للمغرب لأي تدخل عسكري في الملف الليبى, ليبقى التساؤل قائماً: إن كانت بلدان المغرب والجزائروتونس تتفق ضمنياً على مساندة “السراج”، فلم لا تنسق بينها من أجل حلٍ دبلوماسي فى ليبيا؟ وتظهر معالم الجواب في استحضار الخلاف المغربي-الجزائري الذي عطّل أي اتفاق مغاربي، وجعل كل واحدة منهما تتخذ طريقها الخاص لحل الأزمة الليبية، إذ ركز المغرب على المحادثات الأممية، فيما ركزت الجزائر على اجتماعات دول الجوار الليبي وعلى الاجتماعات الإفريقية, ومن المستبعد أن ينسق المغرب والجزائر مستقبلاً حتى في ظل وصول قيادة جديدة إلى الحكم في الجزائر، بسبب التراكمات التاريخية واستمرار المواقف المسبقة, لكن تونسوالجزائر تبدوان أقرب إلى تنسيق بينهما، وهو ما استنتجه “أردوغان” الذي دعا الدولتين إلى جانب قطر، للمشاركة في مؤتمر برلين المزمع، وهو مؤتمر دولي دعت إليه ألمانيا عدداً من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالمشكلة الليبية باستثناء بعض الدول المغاربية، والهدف منه منع “حرب بالوكالة” حسب تعبير “ميركل” التي تحاول أن تجعل نفسها وسيطًا دوليًا محايدًا في النزاع الليبى. فهل يصبح مؤتمر برلين فرصة للدول المغاربية حتى وإن لم تحضر إليه، لإنهاء التوتر ورفع أسهم السراج؟ فالمؤتمر ربما يكون مُهددا بالفشل قبل أن يبدأ، بسبب تحديات متعددة منها تضارب وجهات نظر الدول الأوروبية، والصراع الأمريكي-الروسي على المصالح في ليبيا، ووجود عقبات أمام مشاركة فعالة للدول العربية المنقسمة حيال المشهد الليبي.