تقرير دينا محسن: تتسارع تداعيات عملية قتل الجنرال الإيراني اللواء ” قاسم سليماني” والقيادى فى الحشد الشعبي العراقي الموالي لطهران “أبو مهدي المهندس”، التى تمت بأمر من الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” فجر الجمعة الماضية, في هجوم صاروخي أمريكي استهدف سيارتهما قرب مطار بغداد الدولي. وأعلن البنتاجون أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطى الأمر باغتيال سليمانى, فى إطار إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الموظفين الأمريكيين في الخارج وذلك عبر قتل قاسم سليمانى, وفي طهران أكّد الحرس الثوري في بيان أنّ سليماني (62 عاماً) قتل في غارة أمريكية نفّذتها طائرات مروحية, وكان الحشد الشعبي أكد في تغريدة له على حسابه في موقع تويترأنّه يؤكّد حدوث الواقعة. ويأتي مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وهي عبارة عن تحالف فصائل مسلّحة موالية بغالبيتها لإيران وتتبع رسمياً للحكومة العراقية، بعد ثلاثة أيام على هجوم غير مسبوق شنّه مناصرون لإيران على السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية, واكتفى الرئيس الأمريكي ترامب بعد انتشار نبأ مقتل سليماني، بنشر صورة للعلم الأمريكي على حسابه في موقع تويتر من دون أي تعليق. وأوردت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية نقلاً عن وزير الدفاع الإيراني “أمير حاتمي” قوله “إن طهران ستنتقم انتقاماً ساحقاً لاغتيال سليمانى, سننتقم من جميع المتورطين والمسئولين عن اغتياله”, فيما نشر وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو” على تويتر تسجيل فيديو قال إنه لعراقيين “يرقصون في الشارع” احتفالاً بمقتله. من جانبه، قال الرئيس الإيراني “حسن روحاني” إن بلاده ستكون أكثر تصميماً على مقاومة الولاياتالمتحدة رداً على مقتل قائد فيلق القدس “سليماني” في العراق, فاستشهاده سيجعل إيران أشد حزماً في مقاومة التوسع الأمريكي والدفاع عن القيم الإسلامية, بلا أدنى شك ستنتقم إيران والدول الأخرى الساعية إلى الحرية في المنطقة”. وذكر التلفزيون الإيراني أن طهران قدمت احتجاجاً الجمعة الماضية, للقائم بأعمال السفارة السويسرية التي تمثل المصالح الأمريكية لديها, على اغتيال قائد فيلق القدس, وأضاف التلفزيون أن وزارة الخارجية استدعت الدبلوماسي السويسري في طهران لتقديم الاحتجاج. مع مقتل اللواء قاسم سليماني يواجه العراق ودول مجاورة له مجددا مخاطر اندلاع أعمال عنف وعمليات عسكرية خطيرة, تهدد بتعطيل إمدادات نفطها إلى السوق العالمية, فما تبعات ذلك على الدول المنتجة والمستهلكة ومن هو الرابح المتوقع؟ نائب الرئيس الأمريكي السابق “جو بادين” حذر من أن الرئيس الأمريكي ” ترامب” ألقى من خلال عملية مقتل اللواء “سليماني “بإصبع ديناميت في برميل بارود متفجر” معتبراً أن العملية “خطوة تصعيدية هائلة في منطقة خطيرة”, ووصفت واشنطن بوست الخطوة بأنها “تصعيد دراماتيكي يمكن أن يؤدي إلى عنف واسع النطاق في المنطقة وخارجها”. وهكذا فإن مقتل سليماني” و ” المهندس” يُدخل التوترات بين واشنطنوطهران وحلفائهما، لاسيما في العراق مرحلة تصعيد دراماتيكي وخطير للعنف في منطقة حيوية للاقتصاد العالمي. ففي هذه المنطقة الممتدة من العراق وحتى مضيق هرمز مروراً بالسعودية ودول الخليج, يتم إنتاج وتصدير أكثر نحو ربع استهلاك العالم اليومي من النفط. مستقبل الطاقة وبما أن العنف والخوف من تبعاته يشكل أبرزعوامل تحديد مسار تطور الاقتصاد وآفاقه، فإن الأيام المقبلة ستكون كارثية بالنسبة لاقتصاديات الدول المعنية والاقتصاد العالمي على حد سواء في حال تبادل ضربات عسكرية بين الولاياتالمتحدةوإيران ولو لبضعة أسابيع، لاسيما وأن مسرحها الأساسي سيكون دول الخليج والعراق, ونخص بالذكر منها الدول التي تعتمد في اقتصادها على تصدير النفط بشكل شبه كامل كالعراق والسعودية، وتلك التي تعتمد بشكل كبير على استيراد نفط الخليج والعراق في تشغيل صناعتها, كالصين والهند واليابان ودول آسيوية. هذا وتزداد المخاوف عبر العالم من مواجهات عسكرية خطيرة ودوامة عنف جديدة بعد مقتل اللواء “سليماني”، ووصل صدى القلق بسرعة إلى وول ستريت والأسواق العالمية الأخرى التي تراجعت البورصات فيها, خوفاً من ارتفاع أسعار الطاقة ومعها تكاليف الإنتاج والنقل, ما يعني تراجع التجارة العالمية, كما تراجعت عوائد السندات الأمريكية والأوروبية واليابانية, وهربت مليارات الدولارات إلى ملاذات آمنة كالذهب والقيم الثمينة الأخرى, أما أسعار النفط فسجلت ارتفاعا وصل إلى أكثر من 3 دولارات لبرميل خام برنت الذي قفز سعره لنحو 70 دولاراً حسب تقرير لوكالة ” بلومبرج”, ورجح محللون تحرك أسعار البترول في نطاق 60 إلى 70 دولاراً للبرميل خلال الربع الأول من العام الجاري, معتبرين أن صعودها إلى 70 دولارا سيكون هو أسوأ سيناريو يمكن توقعه للأسعار. وفي دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية تزداد المخاوف من تعرّض آبار ومنشآت نفطية حيوية لضربات عسكرية, على غرار تلك التي أصابت شركة أرامكو السعودية في شهر سبتمبر الماضي 2019, حيث عطلت الضربة التي أصابت الشركة السعودية آنذاك نصف الإنتاج السعودي من النفط لعدة أسابيع, ويبلغ معدل الإنتاج الحالي للرياض نحو 10 ملايين برميل يومياً. كما أن التوترات ترفع تكاليف النقل والتأمين بشكل يترك آثاراً سلبية على نمو الاقتصاد العالمي, وخاصة على الصين والدول الصناعية الصاعدة التي تعتمد على استيراد النفط من الشرق الأوسط, وفي ألمانيا حذر خبراء في معاهد اقتصادية رئيسية من ضغوط إضافية على الاقتصاد والشركات الألمانية, التي تعتمد على التصدير بشكل كبير, أما الاتحاد الأوروبي والصين وكندا ومصر والإمارات فدعت جميع أطراف النزاع لضبط النفس ووقف التصعيد وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية. ومما يعنيه مثل هذا التعطيل الكارثة لاقتصاديات العراق ودول الخليج العربية التي تعتمد على النفط والتجارة من حوله, أما الدول التي تعتمد على استيراد النفط من الدول العربية كالصين والهند واليابان وكوريا وغيرها, فسوف تبحث عن بدائل استراتيجية كالغاز المسال ومشتقات النفط الصخري التي بدأت الولاياتالمتحدة بتصديرها إلى الاتحاد الأوروبي والهند والصين. وكلما ارتفعت أسعار النفط كلما تمكنت الولاياتالمتحدة من المنافسة أكثر في السوق, من خلال زيادة إنتاجها من النفط الصخري المرتفع التكاليف مقارنة بنفط الدول العربية, الجدير ذكره أن الإنتاج النفطي الأمريكي وصل مؤخراً لمستويات قياسية بلغت نحو 13 مليون برميل يومياً, بجانب احتياطات تصل لنحو 500 مليون برميل, ما يعنى تعزيز قدرة واشنطن على سد أي نقص في السوق العالمية ليس لأسابيع وحسب بل لأشهر عديدة, وهو الأمر الذي يتوافق مع سعي الرئيس “ترامب” الحثيث حتى بالتهديد والوعيد والعقوبات, إلى تعزيز دور الطاقة الأحفورية في الاقتصاد الأمريكي, وزيادة الصادرات منها إلى السوقين الأوروبية والاسيوية, ومع استمرار تعطيل ضخ النفط الإيراني والفنزويلي تصبح فرص واشنطن أقوى من أي وقت مضى, على طريق احتلال موقع اللاعب الأقوى في سوق الطاقة التقليدية.