أكد الدكتور عبد الفتاح مطاوع، رئيس قطاع النيل بوزارة الري سابقا وعضو اللجنة الفنية المشتركة لحوض النيل الأسبق، أن مصر تتعرض لأزمة فى مواردها المائية والبشرية، لافتًا إلى أن هناك ثلاثة مستويات للأزمة، أولها المستوى الوطني، مشيرا إلى أن أن الموارد المائية لنهر النيل عام 2015 كانت 55.5 مليار متر مكعب، والخزان الجوفى العميق فى الصحراء 2.5مليار، ومياه الأمطار والسيول 1.3 مليار، وتحلية مياة البحر 7. مليار، ليصبح المجموع 60 مليار متر مكعب. وأوضح «مطاوع»، أن احتياجنا من مياه الشرب يتطلب 10.6 مليار متر مكعب، الصناعة 5.4 مليار، الزراعة 60.50 مليار، فواقد البحر من الشبكة 2.50 مليار،الأمر الذي يجعلنا نحتاج إلى 79.5 مليار متر مكعب، ليصبح هناك عجز يمثل فى 19.5 مليار متر مكعب، ويتم توفيرها من المياه غير التقليدية منها 6 مليارات متر مكعب ضخها فى الخزان الجوفى فى الوادي والدلتا، ومياه الصرف المعاد استخدامها 16.50 مليار متر مكعب. جاء ذلك خلال منتدى خالد محيى الدين، "موارد مصر المائية المشكلة والحل"، بمقر التجمع الأسبوع الماضى. وأضاف رئيس قطاع النيل بوزارة الري سابقا أن الزيادة السكانية التي نشاهدها كل عام أثرت بشكل كبير على احتياجنا من المياه الأمر الذي يجعل الدولة تستورد كميات من المياه لاكتفائه، مشيرا إلى أن وزارة الري لديها سياسة واستراتيجة للموراد المائية تعتمد على أربعة محاور وهى الترشيد، التنقية، التوعية، والتهيئة، مؤكدًا أن تلك السياسية لم تكتمل كونها لم تجلب موارد مائية جديدة فى دول حوض النيل، مشددًا على ضرورة الدفع بمشروعات طبقًا لاتفاقية 59 لعمل قنوات مثل بحر الغزال من شأنها ضخ مياه جديدة، إلى جانب غياب معايير واضحة لاختيار المصريين للملفات الحساسة لمصر، وعدم الاختيار الجيد للأطقم العاملة فى هذا الشأن، مقترحًا إنشاء سد جديد داخل بحيرة ناصر فى محافظة أسوان على بعد 135 مترا، بالإضافة لاختيار الاشخاص وفقا للمعايير المناسبة لهذا الشأن. حوض النيل وأوضح أن الأمر الثاني هو المستوى الإقليمي "دول حوض نهر النيل"، وهي 11 دولة وحصتها تبلغ حوالي 7300 مليار متر مكعب، وما يصل أسوان 84 مليار متر مكعب، أما الثالث: المستوى الدولي، عن الدول الوسيطة بين مصر واثيوبيا. فالولاياتالمتحدة هي أول من قامت بدراسة السد فى الستينيات ودرست 23 مشروعا فى الهضبة الأثيوبية وكان ما يسمى بأسم "سد الحدود". فيما قال المهندس محمد عبد الحليم، رئيس لجنة الزراعة والري بحزب التجمع، عن كيفية تعامل المصريين مع النيل وفيضاناته فى العصر القديم، مؤكدًا أن العلاقة بين نهر النيل كظاهرة جغرافية والمصريين كجماعة بدائية هي علاقة لرباط وثيق، فالعلاقة تمثل نتيجة مقصودة أكثر مما تمثل غاية مقصودة، مشيرًا إلى أن كل حديث عن نهر النيل هو بالضرورة حديث عن مصر والمصريين، فمقولة "مصر هبه النيل" حقيقة فمصر هبه النيل والمصريين أيضًا. واستعرض عبد الحليم، أهم العلاقات البارزة فى تاريخ مصر القديم والحديث والتي تؤكد هذه الحقيقة، والقاء نظرة الى واقع الحياة الحالية بين النيل والمصريين من مختلف دولها. علاقة قديمة وأشار إلى أن هناك مراحل عديدة بين علاقة المصريين بالنيل قبل التاريخ مصر القديمة، مصر الوسطي، مصر الحديثة، فترات الاحتلال، فترة محمد على، وعام 1952، فكل هذه المراحل يظل النيل والفلاح والزراعة أساس استمرار الحياة، لافتًا إلى أن مصر قبل التاريخ شاهدت تغيرا مناخيا كان له دور حاسم فى رسم خريطتها الطبيعية والسكانية فى العصور التالية، فحدث جفاف نال مصر الشرقية والغربية الامر الذي نتج عنه تجريد النباتات وهجر الحيوانات، فاستوطنوا الصحرا ما يقرب من 5 الاف عام سابقًا، ولكنهم وجدوا أنهم لابد وأن ينزلوا للوادي لاستوطان اراضي بجوار النيل وكانت عبارة عن غابات وحيوانات مفترسة، استجاب المصريون الى هذا التحدي بتغير موطنهم وتغير اماكن معيشتهم معا وكان هذا الفعل المزدوج الذي لم نلق له مثيلًا وهو العمل الارادي الذي خلق مصر كما عرفها التاريخ، وهبط أولئك الابطال بدافع الجرأة او اليأس إلى مستنقعات قاع الوادي واخضعوا طيش الطبيعة لارادتهم وحولوا المستنقعات إلى حقول تجرى فيها القنوات والجسور. واستكمل رئيس لجنة الزراعة والري بحزب التجمع أن معظم الدلائل تشير إلى أن المصريين بدأوا حرفة الزراعة قبل بداية الألف الخامسة ما قبل الميلاد، وفى ذلك الوقت قلت الموارد وازداد عدد السكان، وهو الأمر الذي جعلهم يمرون بأزمات اقتصادية وكانت حلول هذه الازمة اكتساب مزيد من الاراضي وتوفير المزيد من المياه لري وزراعة هذه الاراضي المكتسبة. وتابع واجه المصريون هذه الأزمة بمرور أول انقلاب فى نظام الزراعة والري، وهو ابتكار نظام للري ظل ساريا ومتبعًا لما يزيد عن 7 الاف عام، "نظام ري الحياض" أول نظام للري فى مصر وهو انتقال من نظام الري الطبيعي الى نظام الري المنظم والمخطط. رى الحياض وأضاف كان "نظام ري الحياض" تقسم فيه الأرض لأحواض مختلفة حول قنوات صناعية طويلة تتعامد على النهر وكانت تبلغ مساحة الحوض الواحد 4 الاف فدان فى الصعيد، و20 الف فدان فى الدلتا. وكانوا من يعيشون على هذه المساحة لا يقلوا عن 75 ألف نسمة على كل حوض، الامر الذي يبين نجاح المصريين فى ترويج النهر، ونجحوا أيضا فى انشاء اول نظام هندسي فى التاريخ من الري الطبيعي الى ري حياض الذي كان يحتاج لمجهود بشري كبير، فهذا النظام يتطلب نظاما إداريا اجتماعيا لحسن ادارة الموارد، تنظيم العلاقات بين الجماعات والافراد، ويراقب الجميع بالحدود والحقوق والواجبات التي توصوا الى صياغتها والاقتناع بضرورة احترامها من خلال المواجهة الجماعية لشح الطبيعة وضراوتها، هذا إلى الجانب الوحدة السياسية التي شملت مصر بحدودها، والتي نشأت كدولة مهام وليس كدولة قمع. وبين رئيس لجنة الزراعة والري بحزب التجمع أن مصر القديمة شهدت طفرة هائلة فى الفنون والاداب خاصة ان ري الحياض كان يتطلب علما راسخًا وفنًا وعملا دؤوبًا من التخطيط والاكتساب والهندسة، ودراية عميقة بمواصفات المحاصيل وطرق زراعتها واساليب تخزينها، مشيرًا إلى أن هذا العصر ابتكر المصريون المدارس ودور التعليم يتلقون فيها دروس العلم ليلقونها للأجيال، إلى جانب انتشار الجسور الاضافية لحماية الاراضي والاستفادة منها فى تخزين المياه بعد الفيضان، وهذه الأساليب تتبعها وزارة الري فى الوقت الراهن، لافتا إلى أن عصر الدولة الوسطى تم حصر النيل فى مجراه بهدف رفع منسوبه اثناء الفيضان، فقاموا بتدعيم وتقوية الجسر الشرقي للنهر لاضافة اراضي جديدة. وأوضح رئيس لجنة الزراعة والري بحزب التجمع أن الدولة الحديثة شهدت تطورًا فى زراعة محصولين فى العام عكس ماتم أثناء مصر القديمة بزراعة محصول واحد فى العام، بعد إدخال الات الرفع "الشادوف"، خاصة أن مستوى المياه بحاجة إلى الات رفع. استكمل فقبل الاسرات كانت تزرع 3 ملايين و800 ألف فدان، سنة 2500 قبل الميلاد كانت تزرع 4 ملايين و100 الف فدان، 1800 قبل الميلاد 4 ملايين و 250 ألف، سنة 1250 قبل الميلاد كانت تزرع 5 ملايين و300 ألف فدان، سنة 150 قبل الميلاد كانت تزرع 6 ملايين و550 ألف فدان وهي النسبة التي تقارن ما تزرعه مصر فى الوقت الراهن، الأمر الذي يؤكد عظمة المصريين فى التطور. عصور الاحتلال وفيما يخص عصور الاحتلال، أكد عبد الحليم، أن مصر ظلت 23 قرنا تعاني من الاحتلال، الامر الذي نتج عنه تدهور كبير فى الزراعة، وانخفاض مساحة الاراضي من 6 ونصف مليون فدان سنة 150 قبل الميلاد إلى 3 ملايين سنة 1821، إلى جانب اندثار ال 7 أفرع لنهر النيل وانتشار المجاعات، إضافة إلى انخفاض عدد السكان من 18 مليون نسمة إلى 2 ونصف مليون نسمة، وكانت الساقية هي عنصر التطور الوحيد فى هذا العصر. وعن تحولات الري فى العصر الحديث، أوضح رئيس لجنة الزراعة والري بالتجمع، أن عصر محمد على شهد نهضة زراعية كبيرة فقام بإنشاء القناطر الخيرية من عام 1843 إلى 1861، أنشأ الريحات الثلاثة الكبرى، إلى جانب إنشاء العديد من الترع والسواقي، وفى عام 1890 تحولت الدلتا بالكامل إلى ري وارتفعت مساحة الاراضي الزراعية، وخزان أسوان، وفى فترة 1952، تم بناء السد العالي الأمر الذي يؤكد ان كل تطور فى الزراعة مرتبط بالمياه. واضاف أن المصريين واجهوا طوال تطور العصر المزيد من الأزمات وتغلبوا على جميع الصعوبات، ونحن الان قادرون على مواجهة التحديات الراهنة، خاصة أننا شعب غير قابل للفناء، فالأزمات الحالية ليست متعلقة بمياه النيل الاتية من اثيوبيا فقط، وشدد على ضرورة غزو الصحراء بمزيد من الاراضي كونه التحدي الأكبر للمصريين فى هذه المرحلة. وأكد الدكتور سيد فليلفل، البرلماني السابق وعميد معهد البحوث الافريقية الأسبق، أن دول حوض النيل عددها 11 دولة، فأخذوا هذه الدول العديد من العادات والتقاليد منها: وسائل استخراج الحديد والذهب من بعض الأرض وهو ما أكد عليه العديد من العلماء واساتذة التاريخ. وأضاف أن نهر النيل هو صانع النظام السياسي والاقتصادي، والوجود الانساني والحضاري للانسان، فكانت مصر دولة كبيرة كثيفة السكان وكانت الافرع الرئيسية للنيل تصل لما بعد العريش وتصل الى ما يتجاوز الان قرب منطقة الضبعة، ولهذا فالمصري استفاد من النهر واصبح لمدة 5 الاف سنة وحده فى حوض النيل، فكان المصريون دولة وليس دول، الا ان جاءت الهجرات واعتداء الدول على مصر قائلًا: "البيت العامر هو الذي يستدعي اللصوص"، الأمر الذي أدى إلى هجرة العديد إلى الجنوب "السودان". مفهوم المياه وأشار إلى أن القضية الثانية وهي مفهوم المياه التاريخية، وان ما نسميه اتفاق ومعاهدات دول حوض النيل أغلبها من قوى استعمارية مع فرنساايطاليااثيوبيا، والفترة التي تركت انطباعا سيئا عن بلادنا جاءت فى فترة حكم محمد على، لافتا إلى أن الانجليز عندما استعمروا دول حوض النيل لعبوا على سوء معاملة الاتراك والصقوها بمصر، والحساسية التي يتحدثون عنها بين مصر والسودان ليست حساسية بين الشعبين. وتابع أن اتفاقية 1902 الزم اثيوبيا باتفاق اقليمي وليس اتفاق مياه فى النطاق الذي يمتد عند مخارج الأمطار الخارجية، فالحكومة البريطانية قدمت أرضًا لاثيوبيا فى كل اتفاقية للتوقيع عليها، فسلمت لهم فى الشرق اقليم اوجادين الصومالي 460 الف فدان و 11 مليون مواطن صومالي، وفى الغرب سلمت اقليم بني شنقول و6 ملايين مواطن سوداني، مقابل هذا اشترطت عليهم الا يقوموا بإنشاء أي منشأ على الانهار يكون من شأنها تقليص كمية المياه التي تقدمها للسودان، أو تغيير مواعيد موردها فيما يسمى "ببيئة المياه". واستكمل فليفل، عندما احتلت مصر عام 1882 تراجعت الى خط عرض 22، وكانت اثيوبيا دولة الهضبة العليا واضيفت اليها اوجادين وبلاد الاورومو وشنقول وسلطنة عفر فى الشرق، فكل الاقاليم التي تستولي عليها اثيوبيا اقاليم مستعمرة محتلة يعاني اهلها، فأثيوبيا دولة وضعت لها استراتيجية أمريكية فبعد ان قسمت بريطانيا الإقليم جاءت الولاياتالمتحدة اتفقت مع الاقاليم المستعمرة معارضة عبد الناصر فى ذلك الوقت، وبعد ذلك تم توقيع اتفاقية 1957.