السراج يعترف بإطلاق سراح المعتقلين الإرهابيين..والميليشيات أقوى من سلطة الحكومة محمد العماري استخرج جوازات سفر ليبية لمجموعة من الإرهابيين من اليمن وسوريا والعراق ومصر كتب عبد الستار حتيتة: مسخرة ليبية مكتملة الأركان.. هذه المسخرة، ترتكز على مصدرين.. الأول مرافق لفايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، والثاني مسئول في مكتب القيادي الإخواني خالد المشري، رئيس مجلس الدولة في ليبيا. البداية.. رنَّ هاتف السراج. كان المتصل مكتب السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند.. مكتب السفير وليس السفير بنفسه. طلب المتصل من السراج أن يغادر طرابلس فورا إلى تونس، حيث مقر إقامة السفير نورلاند. وشعر السراج المسكين بالرعب. يا ترى ماذا حدث؟! واعتقد الرجل المفترض أنه يحكم ليبيا، أن السفير ربما يريد أن يناقش معه موضوع التحركات الألمانية الجديدة فيما يتعلق بالملف الليبي. غادر السراج على عجل إلى العاصمة التونسية. هناك جلس في استراحة مكتب السفير وهو يضرب أخماسا في أسداس. ماذا يمكن أن يحدث؟ ما هو الأمر الخطير الذي يجعل سفير أمريكا يطلبه ويأمر بانتقاله فورا إلى مكتبه في تونس؟ بدأ السراج يستعيد الأحداث الجارية. فقد سبق للسفير الأمريكي في تونس استدعاء المشري. هل توجد علاقة. وهل قام المشري بإفشاء بعض الأسرار الخطيرة. فكر السراج وهو جالس في انتظار الإذن بالدخول إلى السفير، في أن المشري لديه معلومات كثيرة وتفصيلية عن العلاقة بين قيادات في المجلس الرئاسي وفي حكومة الوفاق، والجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد قام بالتحقيق مع المشري، في مثل هذه الوقائع الخطيرة، اثنان من الأمريكيين في مطلع سبتمبر 2019.. هما السفير نورلاند، والجنرال المتخصص في محاربة تنظيم داعش، ستيفن تاونسند. يقول مرافق للسراج في رحلة الاستدعاء هذه، التي جرت في أواخر الشهر نفسه، إن رئيس المجلس الرئاسي، بعد أن أصابه القلق، قام بوضع ساق فوق ساق، وشد ربطة عنقه، وقال له كأنه يريد أن يطمئن نفسه، إن السفير الأمريكي ربما لديه رسالة من الرئيس دونالد ترامب يريد أن يبلغها له بشكل مباشر وسري وعاجل. قبل الكشف عما حدث بين السفير نورلاند والسراج، عليك أن تتذكر الأيام الخوالي.. أيام المقولة الشهيرة التي كان يستهزئ فيها معمر القذافي بالولايات المتحدة، ويهتف بها الليبيون: “طظ.. طظ في أمريكا”. انتهى عهد ال”طز” في أمريكا.. يبدو أن ليبيا، من خلال ممثلها المعترف به دوليا، السراج، أصبحت بلا هيبة، وبلا “ظز” وبلا نخوة وطنية. هذا ما حدث، بحسب شهادة مرافق السراج في رحلة استدعائه لدى السفير الأمريكي. بدأ السفير نورلاند لقائه مع السراج بوصلة تحقيق تشبه تحقيق ناظر المدرسة للتلميذ. السؤال الأول كان عن عدد المعتقلين الإرهابيين الذين أفرجت عنهم حكومة المجلس الرئاسي من اثنين من السجون، هما سجن السكت في مصراتة، وسجن امعيتيقة في طرابلس. أقر السراج للسفير بأن واقعة الإفراج عن الإرهابيين حدثت بالفعل، لكنه ألقى باللائمة على الميليشيات التي قال إنها أقوى من سلطة الحكومة. كما اتهم السراج نائبه محمد العماري، وهو من قيادات الجماعة الليبية المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة، بأن له دورا، من تحت الطاولة، في الإفراج عن المعتقلين. السؤال الثاني الذي استجوب فيه السفير السراج، كان يدور حول استخراج حكومة الوفاق، التي يرأسها، جوازات سفر ليبية لمجموعة من الإرهابيين من جنسيات مختلفة، ذكر منها السفير جنسيات يمنية وسورية وعراقية ومصرية. رد السراج بأن المتورطين في هذا الموضوع هما العماري أيضا، بالإضافة لوزير داخليته فتحي باشاغا، وأنه لا قدرة له على مواجهة نفوذ أي منهما، بسبب علاقتهما بالميليشيات في طرابلس ومصراتة. كشف الاستجواب أن من بين من تم منحهم جنسيات ليبية عناصر خطرة من أصدقاء الإرهابي المصري هشام عشماوي ومعظمهم كانوا أعضاء في ما يعرف باسم “الجيش المصري الحر” ممن هربوا من مدينة درنة التي حررها الجيش الوطني الليبي في 2018، إلى غرب ليبيا. يقول مرافق السراج إن السفير الأمريكي كان بين يديه ملف ضخم من التفاصيل. وأن السفير سأل السراج كذلك عن عقود الاستيراد الليبية المبرمة مع شركات تونسية تابعة لزعيم جماعة الإخوان في تونس والقيادي في التنظيم الدولي للجماعة، راشد الغنوشي. تطرق السفير في الاستجواب كذلك إلى استقبال قيادات من جماعة الإخوان الليبية، ومن بينهم أعضاء في السلطة الحاكمة في طرابلس، لشخصيات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني. لقد عرض السفير نورلاند، على السراج، قصة “مركب” تابعة ل”علي الصلابي” القيادي في التنظيم الدولي للإخوان، والمقيم في قطر، اسمها “شمس الأصيل”، وكيف لعبت هذه المركب دورا في نقل مواد عسكرية خطرة، من مخزون سلاح القذافي، من ميناء مصراتة، إلى سفن إيرانية كانت في البحر المتوسط في 2017. سأل السفير الأمريكي السراج عن صفقات استيراد الأسلحة من تركيا لصالح الجماعات الإرهابية في ليبيا، رغم حظر استيراد السلاح، وفقا لقرار مجلس الأمن منذ عام 2011. وواجه السفير السراج – وفقا لمرافق رئيس المجلس الرئاسي – بمعلومات عن استلام كل من نائبه العماري، وقائد المنطقة العسكرية الغربية أسامة جويلي (وهو تابع للسراج)، لأسلحة تركية منها سيارات مدرعة وطائرات مسيرة وذخيرة وبنادق قنص. يقول مرافق السراج، الذي تمكن من الفرار إلى خارج البلاد أخيرا، ليبعد نفسه عن أي تداعيات قادمة داخل المجلس الرئاسي: عدنا إلى طرابلس.. كان السراج يعلم باستجواب الأمريكيين، ومنهم السفير نورلاند، والجنرال تاونسند، للمشري. لهذا بدأ في محاولة إبعاد الشبهة عن نفسه. لقد أخذ السراج يشيع بين قادة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق أنباء عن قيام المشري بتقديم كل التفاصيل للأمريكيين، والتي تخص ملفات هروب الإرهابيين من السجون، وعقود شركات الغنوشي، والعلاقة بالإيرانيين، وقضية الأسلحة التركية، وغيرها. ومن جانبه يعلق مصدر في مكتب المشري قائلا إن الرجل الذي سبق استجوابه، قبل السراج، على يد الأمريكيين، بدأ في إبعاد الشبهة عن نفسه، وأخذ يشيع في جلساته مع حكام العاصمة، أن السراج هو من أعطى تفاصيل العمليات المشبوهة التي جرت في طرابلس ومصراتة للسفير الأمريكي، وليس هو. وما زالت الضربات تحت الحزام مستمرة، في ليل طرابلس، بين السراج والمشري. كل منهما يسعى ليبرئ ساحته أمام القادة المرتبطين بالإرهابيين، خاصة العماري وباشاغا. الحقيقة التي يمكن التعويل عليها هنا، هو حصول أمريكا على أوراق ضغط جديدة تجعلها قادرة على فعل ما تريد في ليبيا.