علي مدي سنوات ليست قليلة،ربما تزيد على السنوات الثماني التي بدأت منذ 2011، وفى الوقت الذي كان التليفزيون المصري يقود العملية الرمضانية على شاشته فتتأثر بها كل الشبكات والقنوات الخاصة التي كانت موجودة آنذاك، وكانت القيادة هنا ممثلة فى ثلاثة أضلع:شراء أقوي المسلسلات، وتقديم أقوي برامج النجوم ثم تنافس الاعلانات. كان المهندس اسامة الشيخ هو صاحب هذه النظرية والتي أزاحت نظرية أسبق تقوم على الاعتماد أساسا على الانتاج الدرامي لاتحاد الاذاعة والتليفزيون لانه الأهم والافضل منذ سنوات طويلة، كان المشاهد فى هذه السنوات الطويلة يجلس ليري حلقات المسلسل كاملة مع فاصل إعلاني قصير قبل الحلقة وبعدها، وكان هذا هو القانون الذي يطبقه اتحاد الاذاعة والتليفزيون قبل ان يحيد عنه منذ 2008 تقريبا. فيسمح بقطع الحلقات من اجل عيون الاعلانات، ثم يتغير الموقف كثيرا بعد ثورة 2011، وما تبعها من احداث تتابعت سريعا، وكان أهمها على المستوي الإعلامي أرتفاع وتأثير الاعلام الخاص، وتفوقه على الاعلام العام اي التليفزيون التابع للدولة والملقب بماسبيرو، وحيث وجدنا حركة نشطة لأقامة فضائيات سريعا وفِي كل اتجاه، وظهور جيش من الاعلاميين الجدد، وهروب الكثيرين من ماسبيرو إليّ هذه القنوات، وبالطبع اختفاء العديد منها. بعد وقت قليل لأسباب كثيرة أهمها على الاطلاق هو الإنفاق المالي الضخم وغير المتوقع ممن تعود المكسب اساسا، فقد كان 99 ٪ من اصحاب القنوات الخاصة من رجال الاعمال، وما يهمنا هنا هو تأثير هذا على ما نراه ونشاهده على هذه الشاشات والتي امتلكت القدرات المالية، ولكنها لم تمتلك نظرية مختلفة للتعامل مع المشاهد وتقديم مواد مبتكرة وملائمة للمتغيرات السريعة فى مصر سواء فى حربها ضد الارهاب المستمرة منذ صعود الاخوان للسلطة والرفض الشعبي لهم، وما قدم من اجلهم دعما لهم وقتها، او ما بعد هذا ونعيشه يوميا فى مصر من ارهاب متجدد فى سيناء وحراك شعبي مواز لقرارات حكومية بعضها ضروري، وبعضها مجحف بحق اغلب المواطنين الذين أصبحوا من محدودي الدخل الان، الامر الوحيد الذي نفذته القنوات الخاصة المصرية على مدي السنوات القليلة الماضية وحتي الان. ونحن نعيش ايّام رمضان والمهرجان المفتوح للدراما فيه، هو تحويل مهرجان الدراما إليّ مهرجان للإعلانات بامتياز وسحب لتصبح حتي هذه المتعة المجانية من ملايين يشكون من الغلاء فى كل شيء مشاهدة المسلسلات داخل بيوتهم نقمة، والحصول على ساعة من الفرجة وتتبع النجوم المفضلين مشكلة فمن يريد من المشاهدين رؤية عادل امام او يحيي الفخراني اوغيرهم عليه ان يدفع، نعم يدفع وقتا طويلا من عمره أجباريا ليري الحلقة والمسلسل والنجم المفضل، وليصبح قانون الشاشة والدراما هو قانون المعلنين سواء كان الإعلان تجاريا او اجتماعيا، وإلا لماذا تهجَّم وهم إعلانات التبرع والصدقة والذكاء وافلام المحتاجين لكل شيء على المشاهدين وهم فى لحظات ترفيه عن النفس بعد منغصات عديدة، ولماذا يستكثر السادة المعلنون على الناس القليل من المتعة الفنية، اما الاعلانات الأكثر استفزازا فهي بالطبع إعلانات المساكن الفاخرة والكومباوندات التي بدأ بعضها يلجأ إليّ عملها كمسلسل. وهناك اعلانان منها يقدمان على حلقات، وبنجوم من الصف الاول غير موجودين على خريطة الدراما هذا العام، بينما يقدم اغلب ابطال المسلسلات اعلانات للأسف باستثناء عادل امام والفخراني ويسرا. والمعني من هذا ان وراء هذا الطغيان الإعلاني اما مؤسسات جبارة قادرة على استجلاب موافقة الفنانين دون مقابل مادي «إلا الشكر المكتوب على الشاشة» او مؤسسات من نوع آخر، جبارة ايضا فى عروضها المالية لهؤلاء الذين يغنون ويمثلون فى إعلاناتها غير عابئين بتأثير هذا على مصداقية أدائهم فى ادوار البطولة بالمسلسلات الدرامية، وحيث يبدو هنا ان الإعلان هو سيد الموقف، والمعلنون قرروا الاستيلاء على الشاشات فى رمضان. لصالحهمً، وربما يصبح الموقف معكوسا فى السنة القادمة فتوضع خريطة مسلسلات الاعلانات اولا. وبعدها ما تيسر من الدراما، وساعتها سوف يعرف السادة المعلنون، واعوانهم انهم خسروا المشاهد الي الأبد، فما الذي يدفع المشاهد المواطن. للجلوس امام الشاشة فى بيته ليري مايقدمه البائعون، وليس الفنانون خصوصا حين تغازل السلع طبقات وناس محددين وحين يحدثنا الإعلان عن مجتمعات رائعة خيالية تحل كل منغصات حياتنا فى الواقع من مستوي تخطيط ونظافة الشوارع للفراغات الواسعة ومساحات النزهة وممارسة الرياضات بما فيها حمامات السباحة ما يتبعها من علاقات إنسانية جميلة الخ.. الحقيقة ان إعلانات رمضان العقارية تحديدا رسائلها واضحة للمشاهدين، فهي عن بشر مختلفون ومجتمعات مقسمة.