وافق مجلس النواب في يوم الاربعاء 21 يونيو الماضي 2017 علي مشروع قانون "الهيئة الوطنية للانتخابات"، التي نص عليها الدستور في الفصل التاسع من الباب الخامس (المواد208 و209 و210) وهي خطوة تحسب لهذا المجلس، الذي تعرض لنقد وهجوم شديد منذ اصدار القانون الخاص بانتخابه وبدء ممارسته لدورة في التشريع والرقابة بطريقة سيئة افقدته ثقة الرأي العام. واهميته اصدار هذا القانون تأتي من الدور الذي اناطه الدستور بالهيئة الوطنية للانتخابات وطريقة تشكيلها. فقد نصت المادة 208 من الدستور علي أن "الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بادارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية والنيابية، والمحلية، بدءا من اعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والانفاق الانتخابي، والاعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير اجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج، وغير ذلك من الاجراءات حتي اعلان النتيجة وذلك كله علي النحو الذي ينظمه القانون". ونصت المادة 209 علي أن "يقوم علي ادارة الهيئة الوطنية للانتخابات مجلس يكون من عشرة اعضاء ينتدبون ندبا كليا بالتساوي من بين نواب رئيس محكمة النقص ورؤساء محاكم الاستئناف، ونواب رئيس مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الادارية، يختارهم مجلس القضاء الاعلي، والمجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية المتقدمة بحسب الاحوال من غير اعضائها، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية، ويكون ندبهم للعمل بالهيئة ندبا كليا لدورة واحدة مدتها ست سنوات، وتكون رئاستها لاقدم اعضائها من محكمة النقض. ويتجدد نصف عدد اعضاء المجلس كل ثلاث سنوات، وللهيئة أن تستعين بمن يري من الشخصيات العامة المستقلة والمتخصصين وذوي الخبرة في مجال الانتخابات دون أن يكون لهم حق التصويت. ويكون للهيئة جهاز تنفيذي دائم يحدد القانون تشكيله، ونظام العمل به، وحقوق وواجبات اعضائه وضماناتهم، بما يحقق لهم الحياد والاستقلال والنزاهة". ونصت الفقرة الاولي من المادة 210 علي أن "يتولي ادارة الاقتراع، والفرز في الاستفتاء، والانتخابات، اعضاء تابعون للهيئة تحت اشراف مجلس ادارتها، ولها أن تستعين باعضاء من الهيئات القضائية". وبهذه النصوص الدستورية يصبح لمصر لاول مرة هيئة مستقلة عن كل سلطات الدولة تتولي اشراف وادارة العملية الانتخابية والاستفتاءات من الالف إلي الياء، وينتهي دور السلطة التنفيذية- وتحديدا دور الامن ووزارة الداخلية- في صناعة المجالس النيابية ونتائج الاستفتاءات. ومع ذلك فقد اثارت موافقة مجلس النواب علي مشروع قانون "الهيئة الوطنية للانتخابات" جدلا واسعا داخل مجلس النواب وخارجه، حول انتهاء الاشراف القضائي الكامل علي عمليات الاقتراع والفرز قاضي علي كل صندوق- في الاستفتاءات والانتخابات بعد عشر سنوات. فطبقا لنص المادة 34 من قانون "الهيئة الوطنية للانتخابات" يتم الاقتراع والفرز في الاستفتاء والانتخابات التي تجري خلال السنوات العشر التالية للعمل بالدستور، والتي تنتهي في السابع عشر من يناير 2024، تحت اشراف قضائي كامل، من اعضاء الجهات والهيئات القضائية، ويجوز للهيئة الاستعانة باعضاء الجهات والهيئات القضائية بعد انتهاء هذه الفترة". وتتفق هذه المادة مع النصوص الدستورية تماما. فالدستور- كما سبق القول- انشأ آلية جديدة وهيئة جديدة يضمن بهما حرية ونزاهة الجهة المسئولة عن الاستفتاءات والانتخابات العامة. وحدد عشر سنوات كمرحلة انتقالية يتم خلالها الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات والاستفتاءات لحين استكمال تشكيل؛ الهيئة الوطنية للانتخابات" وتدريب التابعين لها الذين سيتولون ادارة الاقتراع والفرز. وقدانحاز المشرع الدستوري لهذه الصيغة وانهاء الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات ادراكا منه أن اللجوء إلي أحد سلطات الدولة التي تتمتع بقدر اكبر من ثقة واحترام المواطنين (السلطة القضائية) هو اجراء مؤقت بطبيعته ولا يوجد له مثيل في أي بلد ديمقراطي في العالم، وقد تضرر القضاه منه عندما جري تزوير الانتخابات في عام 2010 بصورة فجة بزعم أن القضاة اشرفوا اشرافا كاملا علي الانتخابات. وهو الامر الذي دفع القضاة لتقديم مذكرة في الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر في 26 ديسمبر 2010، جاء فيها.. "إن قضاة مصر هالهم ما جري في انتخابات مجلسى الشعب والشوري الاخيرين، من اهدار احكام القضاء والتعدي علي بعض القضاة المشرفين علي العملية الانتخابية وانتشار البلطجة في ظل اشراف قضائي صوري محض، وهزل يترفع القضاء عنه؟ واضاف القضاة في مذكرتهم "كشفت التجربة ان دور اللجان العامة واللجان العليا للانتخابات لا يتجاوز فرز الصناديق وعدد الاصوات، ثم اعلان النتيجة، وهو دور يمكن لأي جهة من الشرفاء ويراها القائمون علي تنظيم الانتخابات القيام بها واعفاء القضاة من عمل تنسب نتيجته إليهم بغير أني يشرفوا عليه اشرافا حقيقيا". وبدلا من الجدل حول الغاء الاشراف القضائي وانشاء الهيئة الوطنية للانتخابات" وكلاهما منصوص عليه في الدستور وملزم لكل السلطات، فلتركز الاحزاب السياسية والمنظمات الديمقراطية جهدها في اسقاط قانون انتخابات مجلس النواب الذي جرت صياغته بعيدا عنها، واخترع ما يسمي "القائمة المطلقة" والتي لا يوجد أي نظير لها في العالم، واضافة إلي عديد من المثالب والعيوب جري الحديث عنها عند صدور هذا القانون سيئ السمعة، واكدتها نتائج انتخابات مجلس النواب الحالي، واقتراح قانون ديمقراطي بديل يفتح الباب امام تمثيل حقيقي للاحزاب والقوي السياسية في مجلس النواب، وامام تداول سلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات.