فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر السابق "رحمه الله" . يعد واحداً من قمم مشايخ الأزهر الشريف الذين تعاقبوا علي هذا المنصب العظيم والرفيع. إنه من العسير والصعب أن أكتب عن فضيلتة في كلمات قليلة يجرها القلم يشعر المرء منها أنني لم أوفه حقه. فبعد كل كلام سيكون ذلك العلم والشيخ أكبر مما قيل وتظل حقيقته أعلي مما سطر. والشخصية تتكون من العقلية والنفسية. فالعقلية تنمو بالعلم والربط الصحيح بين المعلومات والسعي الحثيث نحو الانتقال من الفكر السطحي إلي النفاذ إلي الفكر العميق الذي يسعي لمعرفة حقائق الأشياء ثم النفاذ بذلك كله إلي الفكر الحر المستنير الذي يربط الأسباب بمسبباتها ويربط العالم بخالقه سبحانه وتعالي. وأما النفسية فتنشأ عن الإخلاص والعمل. ولقد وصل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر في الناحيتين إلي المنتهي. ففسر كتاب الله تعالي. وأحيا سنة رسول الله بين الناس. ونشر الخير فيهم. وأقام الحق بينهم بما لا نوفيه بكثرة الكلام حقه" عقلية ونفسية تكون شخصيته فريدة هي حجة من حجج الله تعالي علي الناس في ذلك العصر شديد التدهور لا سيما وأن حياة الإمام الأكبر تؤثر إيجابياً في نفوس الشعوب المسلمة. وتمنح المسلمين قوة ومدداً باعتباره رمزاً للمسلمين في كل مكان. احتل الإمام مناصب عديدة ومرموقة. ووصل إلي أعلي المراتب لكنه لم ينقطع عن التدريس والإفادة فدرس التفسير والحديث وعلوم القرآن. وتخرج عليه جمع من الفضلاء . وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أنه قد نال حظاً وافراً من الشهرة والمكانة العلمية ولا عجب في ذلك ولا غرابة فهو من البارزين وقمم الفكر في عصره. هذا والتراث العلمي الضخم الذي يملأ المكتبة العربية والإسلامية الذي ألفه فضيلته ليدل علي أنه علم من أعلام الإسلام ونابغة من نوابغ العلم. ففضيلة الإمام بإخلاص نيته وطموحه الكبير وهمته العالية وعزيمته الصادقة وأخلاقه الكريمة. وصفاته النبيلة تعرض لنفحات ربه. فأفاض عليه من جوده ومنحه التأييد والتسديد. وقذف في قلبه نور العلم والمعرفة فأصبح بحراً زاخراً وبدراً باهراً وروضاً زاهراً. ينير العالم بأشعة معارفه ويضيئه بأنوار علومه. ويعطر الحياة بثقافته وأفكاره. ويرصعها بدرره وجواهره. ففضيلته غاص بثاقب فكره في بحار العلوم والمعارف لا سيما في علم التفسير لاقتناص درر الشريعة المحمدية الغراء. وخير شاهد علي ذلك ما أنتجته قريحته من تراث علمي ضخم سيظل مفخرة له علي مر العصور والأزمان. وهذا يدل بوضوح علي مكانته العلمية المرموقة لم يختص بنوع واحد من العلوم بل إنه موسوعة علمية متحركة تكشف لنا عن دقة فهمه. ورجاحة عقله. وسلامة اجتهاده حتي أذعن له القريب والبعيد. مما أثر في حركة الفكر الإسلامي تأثيراً مباشراً. وهذا بدوره أثر إيجابياً علي حركة الدعوة الإسلامية في شتي أنحاء العالم. ولقد أظهرت مصنفاته الكثيرة المتنوعة سمو مكانته وعلو درجته في جميع ميادين العلوم والفنون التي خاضها وكان مبرزاً فيها. وتحلت مصنفاته كلها بالابتكار والتميز لغة وأسلوباً بحثاً وتنقيباً تدقيقاً وتحقيقاً جمعاً وتنسيقاً . تنظيماً وترتيباً. حتي ألزمت القريب والبعيد بالإذعان لإمامته ومشيخته ولو لم يكن له من المصنفات إلا كتابه" التفسير الوسيط" لكفي دليلاً علة علو كعبه في العلم وسمو مكانته في سماء الفكر الإسلامي. فهو كتاب نسيج وحده في عصره وجاءت مؤلفاته في غاية الجودة والإتقان. والدقة والإحكام تنم عن عقل واعي وذهن ثاقب . وفهم دقيق. لأنه يتأني ويتثبت في كتاباته مع طول البحث. وإدامة الفكر وعمق النظر فطبعت بطابع الدقة والتركيز بما حوته من مادة علمية خصبة وحسن ترتيب وجودة صناعة. ولفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي "رحمه الله" دور كبير وفاعل في بعث الحضارة ونشر التراث للارتقاء بمستوي الفكر الإسلامي. والوصول به إلي أسمي الغايات. وذلك لأن الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبري التي تقوم علي حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره. وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلي كل الشعوب وتعمل علي إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة.