إن فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد المختار المهدي يعد عنواناً على العالم الجامع لكل معاني المعرفة الشرعية، بدءاً من العلوم بأدواتها أو بأحكامها العملية التكليفية ، ولم يكن من المحتم لهذا العالم أن يكون متبحراً في كل فنون هذه المعارف بدرجة واحدة، لكنه يجيب ويفيد في كل فرع منها إذا ما احتيج إليه فيه. ففضيلة الأستاذ الدكتور/ المهدي – أطال الله عمره- قد رزق هذا المضى الجامع، ولم يحصر نفسه في مجال تخصصه الدقيق، مما أتاح له الإفادة في كثير من المجالات الثقافية التي شارك فيها، سواء في مجالات التدريس الأكاديمي أو مجالات الدعوة أو مجالات الثقافة العامة، أو مجالات التنظيم والإدارة. لذلك كله لم يكن من المستغرب القرار الذي أصدرته هيئة كبار العلماء بالجمعية الشرعية باختياره إماماً لأهل السنة. وقد كان حقيقاً بذلك حيث يمتلك من المؤهلات والأدوات ما يجعله يتفنن في معالجة الأمور، كما يتمتع بثروة لغوية، وفكرية عالية أثر بها مجال البحث والمعرفة وأثرى المكتبات الإسلامية بالعديد من التحقيقات الشريعة، والقضايا المنيفة ، فتراه يكتب بحوثاَ في النحو والصرف في خدمة النص القرآني، وفي نفس الوقت يكتب في مجال السيرة النبوية والحقوق الإنسانية بين الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية، حيث تجده يتحدث بإفاضة عن الإخاء الإنساني من مفهومه الواسع، انطلاقاً من مبدأ المساواة المقرر في القرآن كما سيتحدث عن حق الحياة الذي منحه المولى جلا علاه لجميع البشر، وحق الحرية الذي يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات، كما يكتب عن الاجتهاد بين الثوابت والمتغيرات، وغير ذلك كثير وكثير مما حفلت به تلك البحوث من الموضوعات التي أسهم بها فضيلة الأستاذ الدكتور/ المختار المهدي في شتى مجالات المعرفة الشرعية واللغوية وأثرى بها المكتبة الثقافية الإسلامية. هذا وفضيلته له جهود بناءة وأدور بارزة في مجال خدمة الدعوة الإسلامية، حيث لا ننسى دوره الرائد في جبهة علماء الأزهر في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وكان أبرز أعضاء اللجنة التنفيذية الذين كانوا يتولون المهام الجسام كما كان في نفس الوقت أميناً عاماً للجبهة ، فاضطلع بدوره بكفاءة واقتدار، مما رسخ دور الجبهة في مناصرة القضايا الإسلامية، ومؤازرة الأزهر الشريف في أداء دوره المحوري في المجتمع الإسلامي، ورفع مستوى درجة الوعى الديني لدى عامة المسلمين. وجبهة المتواصل في خدمة الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية منذ أكثر من ربع قرن دون ملل أو كلل، وكان يقوم بعمله في دأب وإتقان، دون شعور بإرهاق أو إجهاد مع كثرة العمل وضخامته. فهو شخصية دعوية كبرى تعد رمزاً للعلم والفكر، ففضيلة الأستاذ الدكتور/ المختار المهدي ذلك العالم الفذ يملك زمام البحث في المنقول، والمعقول، فضلاً عن أنه داعية من الطراز الأول. الذي يستأثر بحب الجماهير العريضة، ويملأ عليهم قلوبهم بعلمه وفكره، ومنهجيته القويمة، فهو علم من أعلام الأزهر الشريف، ورمز من رموز الفكر الإسلامي، بل يعتبر من الذين اتجهوا بحق نحو تجديد الفكر الإسلامي، كما أنه من أفاضل الكتاب المسلمين القادرين على التصدى للقضايا الفكرية الهامة وتناولها بالنظر الدقيق والمعالجات المتميزة. وقد بدأ رحلته مع الفكر الإسلامي منذ بداية تكوينه العلمي، وبقى مستغرقاً في قضاياه القديمة والحديثة طيلة العقود الماضية، وأتيح له أن يتابع قضايا الفكر الإسلامي في أدق موضوعاتها، وعالج موضوعات لغوية متنوعة، وتخرج على يديه العديد من الباحثين والدارسين في مصر والسعودية، وامتد نشاطه العلمي في جامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية بالمدينة إلى تدريس مواد توجيه القراءات وغريب القرآن والحديث النبوي، بالإضافة إلى مواد النحو والصرف والعروض والتفسير البياني. وكم له من أحاديث إذاعية في ليبيا والسعودية ومصر، وإذا كتب فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد المختار المهدي فإنه يكتب في الموضوع كتابة القادر على رصد وتحليل وتفسير المنعطفات الأساسية في ذلك الفكر الزاخر المتنوع. هذا لفضيلته سعة إطلاع وصبر على التتبع والدراسة وقدرة فائقة على التعامل مع التراث الإسلامي من خلال تصور يتسم بالرغبة في النظر الكلي وعدم الاستغراق في الجزئيات والتفاصيل ، وقد أتاح له كل ذلك أن يوجه كثيراً من الملاحظات المنهجية والنقد المنطقي لبعض جوانب تراثنا الإسلامي تتفق مع المرحلة المنهجية التي بلغتها مدرسة (إسلامية المعرفة) في البحث عن مناهج التعامل مع التراث الإسلامي. هذا وتراثه تزخر به المكتبات وهو كله يتميز بالدقة والإتقان، ويعتمد فيه على أوضح الأدلة، وأمتنها، ويسوق الشواهد التي تؤيد وتثبت ما يذهب إليه ونراه متسماً بالأمانة العلمية في النقل. كما أنه يكتب بموضوعية وواقعية ويلمس حنايا القلوب وفي بحوثه دعوة إلى الاجتهاد والعمل الجاد من أجل تقدم الأمة ولحوقها بركب الحضارة الإسلامية القديمة المتمثلة في تراثنا الإسلامي العظيم. وقد جادت قريحته بمقالات قيمة في الصحف والمجلات، وكلها تنم عن ذهن ثاقب وفكر دقيق ، وإلمام كبير بكل القضايا وعلى كافة المستويات في مختلف المجالات، وخطورة الموضوعات التي يكتب فيها، وهى كلها جهود في سبيل نصرة الإسلام وقضايا المسلمين. وأخيراً أقول: هذا هو منهج الإسلام الذي كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم من فقهائنا، ومفكرينا الكبار، وقد مجد ديننا المجاهدون في كل زمان، ومكان الذين نظروا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فأخذوا بحقائقها القاطعات ، ولم يقدموا عليها شيئاً من هوى نفوسهم وتأويلات عقولهم، واستعملوا ضوابطهم الأصولية في استنباط الأحكام والأفكار من معينها الصافى الثرى الذي لا ينقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأتحفوا الحياة بكل جديد مثمر، فتقدموا في العلوم والمعارف الإنسانية، وأثبتوا حضارة زاهرة كانت مصابيح الهداية للإنسانية الحائرة. إن فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد المختار المهدي من المجاهدين الشرفاء الذين يدافع باستماته عن قضايا المسلمين ولا يزال على ذلك حتى يبزغ نور الفجر بالنصر المبين، فثبته الله على الحق حتى يأتيه اليقين، والله نسأل أن يمد في عمره، وأن يبارك في أجله وحياته إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.