نواصل الحديث عن مظاهر منهج الشر فنقول وبالله التوفيق : المظهر الرابع: الخداع والتآمر والمكر السيئ وتحريض الحاكم علي المصلحين وتبرير أفعاله. وهذا الدور يجسده هامان وعلماء السلطان أبلغ تجسيد. لأنهم يقومون بتهيئة الأجواء للفرعون. ويُعِدّون له المسرح ليمارس طغيانه. قال تعالي: ¢ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهي غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَي الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَي إِلَهِ مُوسَي وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكَاذِبِينَ "38" وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ "39" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "40" وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ "41" وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ¢. المظهر الخامس: احتكار الثروة وتوظيفها لنزوات الطغاة وحرمان المحتاجين منها. وهذا المظهر يمثله قارون. إن هذا الثلاثي: فرعون وهامان وقارون يمثلون النظام المستبد بأركانه الثلاثة: "التسلط والتآمر والفساد" قال تعالي: ¢ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ¢. وفي مقابل هذا المنهج الفرعوني هنالك المنهج الرباني الذي يُعلي من كرامة الإنسان ببسط العدل والمساواة والرحمة. والصراع بين النهجين صراع مبدئيّىي لا ينتهي إلا بزوال دولة الباطل وإقامة دولة الحق مكانها. قال تعالي: ¢ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ "5" وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ¢ وعبر التاريخ هنالك أقوام يستغلون الدين لدعم سلطانهم وبطوِّعون النصوص لدعم باطلهم. رأي أحد الصالحين إبليس ذات مرة فقال له هل تحفظ شيئا من القرآن يا عدو الله؟ قال إبليس نعم. أحفظ قوله تعالي: ¢ يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة...¢ وقوله تعالي: ¢ فويلى للمصلين ¢ قال الرجل الصالح لإبليس لماذا لاتكمل الآية يا عدو الله؟ قال إبليس: قال تعالي: ¢ فاقرأوا ما تيسَّر منه ¢ وهذا ما تيسَّر لي !! ما أكثر الأبالسة في هذا الزمن. اللهم نجنا منهم. ينسب لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما قوله: ¢ سيجيء في آخر الزمان أقوام تكون وجوهُهُم وجوهَ الآدميين وقلوبُهم قلوبَ الشياطين. أمثال الذئاب الضّواري. ليس في قلوبهم شيئ من الرحمة. سفّاكين للدماء لا يرعوُون عن قبيح. إن تابعتهم وارُوك. وإن تواريت عنهم اغتابوك. وإن حدثوك كذَبوك. وإن ائتمنهم خانوك. صبيّهم عارم. وشابّهم شاطر. وشيخُهم لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر. الاعتزاز بهم ذُل. وطلب ما في أيديهم فقر. الحليم فيهم غاوي. والآمر فيهم بالمعروف متّهم. المؤمن فيهم مستضعف. والفاسق فيهم مشرّف. السّنة فيهم بدعة. والبدعة فيهم سُنة. فعند ذلك يسلَّط عليهم شرارُهم ويدعو خيارُهم فلا يستجاب لهم¢. الحديث. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢ يخرج في آخر الزمان رجال يخْتِلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلي من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل أبي يغترّون أم عليّ يجترئون فبي حلفت لأبعثن علي أولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران¢ رواه البغوي والمنذري والمناوي والعسقلاني.