قال تعالي: ¢ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهي غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَي الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَي إِلَهِ مُوسَي وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكَاذِبِينَ "38" وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ "39" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "40" وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَة لاَ يُنصَرُونَ "41" وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ ¢ منذ أن خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض ظهر معه في الوجود منهجان متباينان هما: منهج الشر ومنهج الخير. إن منهج الشر يمثله إبليس ونمروذ وفرعون وهامان وقارون وأبو جهل ومن اقتدي بهم. ومنهج الخير يمثله الأنبياء والمرسلون والمصلحون ومن سار علي نهجهم عبر التاريخ. حكمنا فكان العفوُ منا سجية فلما حكمتم سال بالدم أبطح وحللتموا قتل الأساري وطالما غدونا علي الأسري فنعفوا ونصفح فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح إن منهج الشر منهج مظاهره كالآتي: المظهر الأول : الاستكبار في الأرض. وادعاء نقاء العنصر. ومصادمة إرادة الله. والحسد. والخداع. وإثارة الشبهات. إن هذا المظهر يمثله إبليس وتلاميذه. ذكر الشهرستاني أن أول شبهة وقعت في الخليقة هي شبهة إبليس. ومصدرها: استبداده بالرأي في مقابلة النص. واختياره الهوي في معارضة الأمر. واستكباره بالمادة التي خُلق منها وهي النار علي مادة آدم عليه السلام وهي الطين. وانْشَعَبَتْ من هذه الشبهة سبع شبهات هي: الشبهة الأولي: قال إبليس للملائكة: ¢إن الله علم قبل خلقي ما يصدر مني من أفعال فلماذا خلقني¢. الشبهة الثانية: ¢لماذا كلفني معرفته وطاعته وهو لا ينتفع بطاعة ولا يتضرر بمعصية¢. الشبهة الثالثة: ¢لقد التزمت بطاعته فلم كلفني بطاعة آدم والسجود له¢. الشبهة الرابعة: ¢لم لعنني وأخرجني من الجنة بعد رفضي السجود لآدم وأنا لم أرتكب قبيحا بل قلت له لا أسجد إلا لك¢. الشبهة الخامسة: بعد أن لعنني وطردني فلِمَ مكنني من دخول الجنة؟ فلو منعني من دخولها لاستراح مني آدم وبقي خالدا فيها¢. الشبهة السادسة: ¢لمَ سلطني علي بني آدم حتي أراهم من حيث لا يرونني وتؤثر فيهم وسوستي¢ الشبهة السابعة: ¢سلمت بهذا كله: إذ خلقني وكلفني مطلقا ومقيدا وإذا لم أطع لعنني وطردني وإذا أردت دخول الجنة مكنني... ثم سلطني علي بني آدم. فلمَ إذا استمهلته أمهلني فقلت أنظرني إلي يوم يبعثون قال إنك من المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم. وما الحكمة في ذلك. إذ لو أهلكني في الحال لاستراح آدم والخلق مني وما بقي شر في العالم. فأوحي الله للملائكة قولوا له: ¢ إنك في تسليمك الأول أني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص إذ لو صدقت أني رب العالمين. ما احتكمت إلي بلم؟ فأنا الله الذي لا إله إلا أنا لا أُسأل عما أفعل. وواضح أن كثيرا من الشبهات التي يثيرها بعض من لا علم لهم هي شبهات قد سبقهم بها إبليس فهنيئا لهم بالتتلمذ عليه! أما نحن فنقول: ¢ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ¢. المظهر الثاني: الاغترار بالملك والتدخل في أمور تفرد الله سبحانه وتعالي بالاختصاص بها. وهذا المظهر يمثله نمروذ قال تعالي: ¢ أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ¢. ذكر ابن كثير أن الله قد أهلك النمروذ وقومه بالبعوض فأكل لحومهم وتركهم عظاما نخرة وأما النمروذ فسلط الله عليه بعوضة دخلت أنفه فكانت سبب هلاكه. المظهر الثالث: التسلُّط علي عباد الله بالاستعلاء والقهر. وادعاء الربوبية وحماية الفساد والمفسدين. وهذا المظهر جسَّده النظام الفرعوني أبلغ تجسيد. قال تعالي: ¢ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ¢