المقصود بالحاكمية عند متزعمي القول بها وإثارتها في الآونة الأخيرة: الأحكام الصادرة من الله تعالي مباشرة مع إبطال ما عداها مطلقاً. وعلي هذا فإن أصحاب هذا القول. وتلك الدعوي يقصرون مصدر الأحكام علي الله تعالي وحده. وقضية الحاكمية من حيث المفهوم. والتطبيق والواقع قضية شائكة برزت في أيام محنة المسلمين الكبري في عصر الخوارج وكانت آثارها مدمرة لوحدة المسلمين. وذهب ضحيتها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما قتل بسببها خلق كثير وفي العصر الحديث عادت هذه الفتنة تطل برأسها من جديد يقول أصحابها: إن كل حكم لا يؤخذ من القرآن نصاً فإنه يؤدي إلي تكفير الحاكم والمحكومين إذا رضوا به كيف هذا ألم يشهد الحكام والمحكومين بوحدانية الله تعالي ونبوة محمد صلي الله عليه وسلم ويقيمون الصلاة. ويصومون رمضان ويفعلون كثيراً مما أمر الله به. ويجتنبون كثيراً مما نهي الله عنه. وهم يدينون بالإسلام. فليس كل مرتكب لمعصية يعتبر كافراً وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" ولا يمكن بحال من الأحوال الحكم علي أي مسلم بأنه كافر إلا بعد إقامة الحجة القاطعة علي كفره. لأن تكفير المسلم لمجرد ارتكابه معصية من المعاصي ليس بالأمر الهين. ويتعارض مع النصوص الشرعية مثل حديث "لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". وقد أجمع العلماء علي أن السارق مثلاً لو سرق ومات بعد سرقته مباشرة فإنه يغسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين ولا تسري عليه أحكام المرتدين. أنواع الحاكمية 1 حاكمية الله عز وجل 2 حاكمية الحكام 3 حاكمية المجتمع 4 حاكمية الفرد. حاكمية الله تعالي وردت في القرآن في ثلاث صور"أ" حاكمية بين الناس من ناحية العقيدة والسلوك والوجدان فيحكم بالإيمان لأهل الإيمان وبالكفر لأهل الكفر. وبالنفاق لأهل النفاق إلخ. ومن ذلك قوله تعالي في سورة الحج آية: 69 "الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون" "ب" حاكمية بمعني التقدير والفضل العملي في أمور الناس في الدنيا. وقد لا يظهر الحكم إلا في الآخرة وذلك مثل قوله تعالي في سورة غافر: "فالحكم لله العلي الكبير" "ج" حاكمية بمعني وضع الشرائع التي ينبغي أن تنفذ علي الناس في الدنيا ومنها قوله تعالي في أول سورة المائدة "إن الله يحكم ما يريد" وقوله سبحانه وتعالي في سورة النور: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" فالحكم هنا لله وللرسول ينفذ سواء أكان التنفيذ بنص الشرع أم كان مما يندرج تحت النص ولم يرد فيه صراحة. فالأول تحكيم النص بذاته. والثاني: لحكم النص بما يشتمل عليه من المعاني الكثيرة. وأما حاكمية الحكام فهي أن ينصِّب المسلمون حاكماً أعلي لدولة مهما يكن مسماه خليفة أو إماماً أو ملكاً أو رئيساً أو قائداً إلخ. وهذا هو الواجب شرعاً وقولاً وله مواءمات معينة تؤهله لذلك حتي لا تصير الأمور فوضي. أما حاكمية المجتمع فهي حاكمية عامة ولا يحكم البشر إلا في إطار حاكمية الله التشريعة وحاكمية المجتمع تكون فيما بينهم وبين أنفسهم يقوِّمون المعوِّج إذا حاد عن جادة الصواب بإرشاده ونصحه وغير ذلك من الأساليب التي تحفظ للمجتمع كيانه. ولا تهدم بنيانه. .. أما حاكمية الفرد فهي المعروفة باسم المسئولية الفردية فللفرد حكم فيما له عليه ولاية مثل حاكمية الفرد علي ما يملكه من متاع أو عقار وحاكمية المعلم في فصل الدرس علي طلابه وحاكمية رب الأسرة في أسرة وحاكمية رئيس العمل في مؤسسته قال تعالي "بل الإنسان علي نفسه بصيرة".