لقد ظهرت حركة وطنية في كثير من دول العالم تدعو إلي الاستقلال عن قوي الاستعمار. بعضها تحت مسمي حركات الاستقلال والأخري تحت مسمي حركات التحرر أو التحرير. وقد حقق معظمها أهدافه ووصل إلي ما يصبو إليه دون أن يجعل من الدين ستارًا. بل إن حركات التحرر والاستقلال الوطني ضمّت في كثير من الدول أصحاب أديان وعرقيات مختلفة. جمعهم جميعا وحدة الهدف ومصلحة الوطن. أما ظهور أحزاب وجماعات وجمعيات الإسلام السياسي فقد جرّ علي منطقتنا العربية ويلاتي كثيرة. وبخاصة بعد أن بدت ظاهرة التكسب بالدين أو المتاجرة به واضحة لدي كثير من الحركات والجماعات التي عملت علي توظيف الدين لتشويه خصومها من جهة. وتحقيق مطامعها السلطوية من جهة أخري. فصارت محاربة الإسلام تهمة جاهزة لكل خصوم حركات وأحزاب وجماعات ما يعرف بالإسلام السياسي. ناهيك عن تجاوز ذلك إلي تهم التخوين والتكفير والإخراج من جماعة المسلمين. بل الحكم علي المخالفين أحيانًا بأن أحدًا منهم لن يجد رائحة الجنة. وإن رائحتها لتوجد من مسيرة كذا ومسيرة كذا. وبدا خلط الأوراق واضحًا جليًا عن عمد لا عن غفلة لدي أكثر هذه الجماعات. بل إن الأمر قد ذهب إلي أبعد من هذا عندما نصّبت بعض أحزاب وحركات وجماعات ما يعرف بالإسلام السياسي من نفسها وصيًا علي الدين. مع فقدان كثير من كوادرها للتفقه الصحيح في الدين. وخروج بعضهم علينا بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان. اللهم إلا سلطان الهوي والسلطة وحب الظهور أحيانًا. لقد رأينا في تجربة الإخوان المرة إلي أي مدي وصل الهوس بالسلطة. وحب الظهور الإعلامي. والإحساس غير المسبوق بالنشوة والتميز الذي وصل لدي بعضهم إلي درجة العنصرية المقيتة التي ولدت إقصاء ممنهجًا لكل من لا يسير في ركابهم أو يرضي عنه تنظيمهم ومرشدهم. حتي لو كان هذا المرشد المزعوم لا علاقة له بسياسة الدول أو قيادة الأوطان. وقطعوا كل ما من شأنه تحقيق ولو أدني درجة التواصل مع القوي الوطنية والمجتمعية لصالح البلاد والعباد. فأخذوا يكيلون تهمًا ما أنزل الله بها من سلطان. ويدبرون مكائد مكشوفة لا يليق أن تصدر عن ساسة ولا حتي سوقة لمؤسسات وطنية عريقة. كالأزهر الشريف وجامعته. ومؤسسة قضائنا العريق الشامخ. ولا يخفي علي أحد ما كان من حصار المحكمة الدستورية. وتخفيض عدد أعضائها نكاية ببعض قضاتها. وما تبع ذلك مما عرف آنذاك بالإعلان الدستوري المكمل أو قل دون تردد المكمم. الذي أريد له أن يجعل من رئيسهم المعزول نصف إله علي الأقل. مما يستدعي إلي الذاكرة ما ذكره القرآن الكريم عن فرعون مصر حين قال كما ذكر القرآن الكريم علي لسانه: ¢ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَي وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ¢ "غافر: 29". ولم تسلم مؤسسة وطنية واحدة من محاولة تفكيكها وإعادة بنائها بطريقتهم. فإن لم يستطيعوا عمدوا إلي غمزها ولمزها. أما المفكرون والمثقفون والإعلاميون فنالهم النصيب الأوفي من تهم الخيانة والعمالة وسائر الأوصاف التي يعفّ أي مسلم عاقل عن رمي أي إنسان بها بلا بينة ولا دليل قاطع. لقد أعطي هؤلاء المتسترون بالإسلام الذرائع أكثر من مرة لأعداء الأمة للتدخل في شئونها تحت مسميات متعددة المعلن منها مواجهة الإرهاب. ثم خرجت من عباءة هذه الجماعات والحركات والأحزاب جماعات يائسة أخذت تتبني العنف والإرهاب والتكفير والتفجير والعمليات الانتحارية مسلكًا ومنهجًا. ووجدت بعض قوي الاستعباد المسمي الاستعمار الجديد في هذه الجماعات اليائسة من التكفيريين والانتحاريين ضالتها. فتعهدتها ونمتها وغذتها وأمدتها بالمال والسلاح. لتحقيق مآربها في تفتيت كيان المنطقة العربية والاستيلاء علي نفطها وخيراتها ومقدراتها من جهة. وتشويه صورة الإسلام وربطه بالإرهاب من جهة أخري. فبعد أن كان المسلمون هم رسل السلام إلي العالم أخذت صورتهم تُسوّق علي أنها رديف الإرهاب والقتل والدمار. ومن كان لديه ذرة من المكابرة فلينظر فيما أصاب دولا بأكملها ك: ليبيا. وسوريا. والعراق. وأفغانستان. إضافة إلي ما يحدث في اليمن. وباكستان. والصومال. ومالي. وكثير من دول وبلاد الإسلام. إنني أري وأقترح أن تُؤثِر أحزاب وحركات وجماعات وجمعيات الإسلام السياسي المصلحة الحقيقية للإسلام علي مصالحها الحزبية والشخصية وأطماعها ومآربها السلطوية. وأن تترك المجال الديني للعلماء والدعاة المتخصصين الفاقهين. لعلهم يستطيعون أن يصلحوا ما أُفسدَ قبل فوات الأوان. وقبل أن تكون عاصفة لا تبقي ولا تذر. إن البشرية الآن في حاجة إلي من يحنو عليها من جديد. ومن يأخذ بيدها إلي طريق الهداية وإلي مكارم الأخلاق. بالعمل لا بالقول وحده. وبالحكمة والموعظة الحسنة لا تحت تهديد السلاح ولا حد السيف. استجابة لقوله تعالي: ¢ ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّعَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ¢ "النحل:125". إن هناك كثيرًا من دول العالم التي كانت ترسل طلابها إلينا لتعلم سماحة الإسلام صارت تتخوف علي أبنائها أن يأتوا إلي بلادنا. ثم يعودوا إليها إرهابيين أو متشددين. وإن بعض الدول التي كانت تفتح أبوابها للعمل أمام أبنائنا صارت أبوابها موصدة مغلقة. ألا يستحق كل هذا من هذه الجماعات والحركات والأحزاب أن تراجع نفسها وتعود إلي رشدها وصوابها. لله وللوطن؟