* يسأل عادل السماحي من الحسينية الشرقية: تاجر أسمدة كيماوية يبيع الكيماوي لمدة سنة تقريب بثمن أكثر من ثمنه الحالي فإذا اشتري منه مشتر إلي أجل بثمن المؤجل وكتب الكمبيالة. وقبل أن يخرج من محله اشتري منه ما باعه له بالنقد بالسعر الحاضر. فهل في هذا التصرف حرمة؟ * * أجاب الشيخ حسن مأمون مفتي الديار السابق: إن المنصوص عليه في مذهب الحنفية كما جاء في التنوير وشارحه الدر المختار ان شراء ما باع بنفسه أو بوكيله من الذي اشتراه بالأقل من قدر الثمن الأول قبل نقد كل الثمن الأول فاسد شرعاً. صورته باع شيئاً بعشرة قروش ولم يقبض الثمن ثم اشتراه بخمسة لم يجز وإن رخص السعر للربا وجاء في حاشية رد المحتار تعليقاً علي ذلك قوله أي لو باع شيئاً وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الأول لا يجوز زيلعي أي سواء كان الثمن الأول حالاً أو مؤجلاً هداية وقيد بقوله وقبضه لأن بيع المنقول قبل قبضه لا يجوز ولو من بائعه وعلل عدم الجواز بقوله لأن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج عن ملكه وصار بعض الثمن قصاصاً ببعض بقي له عليه فضل بلا عوض فكان ذلك ربح ما لم يضمن. وهو حرام بالنص زيلعي وجاء فيه بعد ذلك في "فصل في التصرف في المبيع والثمن قبل القبض" قوله ولا يصح بيع المنقول قبل قبضه ولو من بائعه وقوله بعد ذلك ولو باعه منه "أي من بائعه" قبله "أي قبل القبض" لم يصح هذا البيع ولم ينتقض البيع الأول لأنه يلزم عليه تمليك المبيع قبل قبضه وهو لا يصح. مما سبق من النصوص يظهر أن الحنفية ذهبوا إلي انه لا يجوز بيع الأعيان المنقولة قبل قبضها سواء بيعت لمن اشتريت منه أو لغيره. أما إذا كان مشتريها قد قبضها من البائع فإنه لا يجوز له أن يبيعها له ثانية إلا بالثمن الذي اشتراها به أو أكثر منه ولا يصح بيعها إليه بأقل من الثمن الذي اشتراها به لأن ذلك ربا. وذهب الشافعية إلي انه لا يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه ولو قبض البائع الثمن وأذن في قبض المبيع. لأن بيعه إياه قبل القبض يقع باطلاً حتي ولو كان ممن اشتراه منه لضعف الملك قبل القبض. فلا يصح التصرف في المبيع بالبيع قبل القبض إلا في ثلاث صور: 1 أن يبيعه لمن اشتراه منه بنفس الثمن الذي اشتراه به. 2 أن يتلف المبيع عند البائع. فإن للمشتري أن يبيعه له بمثله. 3 أن يشتري شيئاً لم يقبضه وثمنه دين في ذمة البائع. فإنه يصح له أن يبيعه لمن اشتراه منه بنفس الثمن في ذمة البائع الأول أو يشتري شيئاً لم يقبضه ويدفع الثمن فإنه يصح له أن يبيعه من بائعه بنفس الثمن في ذمته. لأن البيع في هذه الصور ليس بيعاً حقيقة إنما هو إقالة بلفظ البيع أي نقض للبيع الأول. وذهب الحنابلة إلي أن التصرف في المبيع المنقول مكيلاً كان أو موزوناً أو معدوداً بالبيع قبل قبضه لا يصح. وإذا باع المرء سلعة بثمن مؤجل أو حال ولم يقبضه فإنه يحرم علي البائع أن يشتريها من الذي باعها إليه. فإن فعل وقع بيع المشتري لها ممن باعها اليه باطلاً إذا اشتراها الأول ثانية بنفسه أو بوكيله وبثمن أقل من الثمن الأول ومن جنسه. وذهب المالكية إلي انه يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه بالبيع سواء أكان المبيع أعياناً ثابتة كالأرض والنخيل أو منقوله. ويستثني من ذلك الطعام كالقمح والفاكهة فإنه لا يصح بيعه قبل قبضه إذا كان قد اشتراه مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً. لورود النهي في الحديث عن بيع الطعام قبل أن يكتاله أما إذا كان قد اشتراه جزافاً فإنه يصح له أن يبيعه قبل قبضه. لأنه بمجرد العقد يكون في ضمان المشتري فهو في حكم المقبوض. مما سبق يتبين ان الأئمة الثلاثة عدا مالكاً ذهبوا إلي انه لا يجوز بيع المنقول مكيلاً كان أو موزوناً قبل قبضه. وكذلك الحكم عند الإمام مالك إذا كان المبيع طعاماً مكيلاً كان أو موزوناً. أما إذا كان طعاماً بيع جزافاً أو كان غير طعام فإنه يجوز بيعه قبل قبضه خلافاً لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة. من هذا التفصيل يتبين أن البيع المسئول عنه غير صحيح عند الأئمة الثلاثة عدا مالكاً. أما عنده فإنه بيع جائز لا شئ فيه. وبهذا علم الجواب عن السؤال والله سبحانه وتعالي أعلم.