في الوقت الذي أوشكت فيه المؤسسة الدينية علي الخروج بأول قانون لتجريم الإفتاء دون علم وهو القانون الذي يري البعض أنه تأخر كثيرا خاصة أن له قوانين مماثلة في عدد من الدول العربية والإسلامية فإنه من الواضح أن الحديث عن صدور مثل هذا القانون ومعاقبة من يخالفه كمنتحل لصفة لم يقلق أحدا ممن تعودوا علي الإفتاء للناس خاصة هؤلاء المحسوبين علي الدعوة السلفية سواء في القاهرة أو في الإسكندرية فما زال ياسر برهامي يفتي للناس وأخر فتاويه كانت تحريم ظهور الأم أمام أبنائها بملابس ضيقة وهي الفتوي التي أثارت ضجة كبيرة بين علماء الدين الذين انطلقت من بينهم أصوات تطالب بسرعة صدور القانون وتفعيله لمنع صراع الفتاوي الموجود علي الساحة المصرية وهو ما يطرح سؤالا مفاده هل يستطيع القانون وقف سيل الفتاوي الشاذة والغريبة ويوقف الفضائيات عن استضافة من هم ليسوا مؤهلين للفتوي في علوم الدين ؟ أسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال التحقيق التالي: بداية حاولنا أن نرصد أهم الفتاوي الغريبة التي صدرت في السنوات الأخيرة سواء علي مستوي مصر أو علي مستوي العالم العربي والإسلامي ونبدأ بياسر برهامي الذي سبق وأفتي بأن الوقوف احتراماً للعلم والوقوف دقيقة حداداً بدعتان محدثتان لا يصح للمسلم اتباعهما أما التصفيق فقد اعتبره الشيخ تشبهاً بالنساء وشيخ آخر يقول وهو احد الاشخاص الذين رفضوا الوقوف احتراماً للنشيد الجمهوري مفيش فتوي بتقول اننا نقف اثناء عزف السلام الجمهوري ومن اغرب فتاوي السلفيين علي الاطلاق تلك التي أكد فيها نائب رئيس حزب النور في محافظة الدقهلية ان فوز السلفيين في الانتخابات البرلمانية ورد في القرآن الكريم. وقال إن الله اخبر عن نتائج انتخابات مصر في القرآن الكريم حيث يقول في كتابه الحكيم "ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم آئمة ونجعلهم الوارثين". وتابع نحن من الذين استضعفوا في الارض وفوزنا في الانتخابات مستدل عليه من خلال هذه الآية. كما أن هناك عدة فتاوي من هذه النوعية ومنها فتوي الشيخ ممدوح جابر بأن الانتخابات معركة بين الحق والباطل. ووصف السلفيين بانهم أهل الحق والليبراليين والعلمانيين بانهم أهل الباطل بل وصفهم بقوم شعيب وبعيداً عن الفتاوي السياسية هناك العديد من الفتاوي التي تتناول مناحي الحياة وهي اشد اثارة للجدل من بينها فتاوي تحريم ملامسة بعض انواع الخضراوات والفاكهة مثل الموز والخياروالجزر للنساء بدعوي انها ربما تؤدي الي اغوائهن. وان عليهن اذا ما اردن اكل هذه الخضراوات ان يعدها لهم اشخاص آخرون بحيث تكون مقطعة وبعيدة كل البعد عن طبيعتها المعروفة. وهناك فتوي جواز مضاجعة المرأة بعد وفاتها لمدة ست ساعات قبل الدفن. وهناك فتوي قتل الاطفال والنساء من زوجات الشرطة والمسئولين في الدولة الظالمة حتي لا يلدن كفاراً واعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله. كما دعا بعض المشايخ الي سن قانون يمكن غير المتزوجة او المطلقة من شراء عبد لتتزوجه شريطة ان يدفع لها مهراً. وذلك لحل ازمة العنوسة في المنطقة العربية وفي 2007 أفتي أحدهم بتحريم ركوب المرأة سيارة التاكسي بمفردها أو سيارة العائلة مع السائق. لأن الحالتين ""خلوة" غير شرعية. كما اعتبرت بعض الفتاوي أن المرأة فتنة يتعين علي المؤمنين تجنبها وفي عام 2006 خرج علينا الدكتور رشاد حسن خليل عميد كلية الشريعة السابق بالأزهر. ليفتي بأن التجرد من الملابس اثناء المعاشرة الزوجية يبطل عقد الزواج. إلا أن أحد رجال الأزهر وهو الشيخ عبدالله مجاور أراد أن يصلح ما أفسدته هذه الفتوي فزادها غرابة حين اعتبر النظر الي الجسد "مستحب" باستثناء ""الفرج". وتعدت الفتاوي تحريم تعرية الجسد الإنساني إلي الأجساد "الخشب" أو "البلاستيك" فأمرت لجنة الفتوي بالإمارات بتحريم استخدام "المانيكان" أو النظر إليه لما به من إظهار للعورة. وتعليقا علي هذا يقول الدكتور أسامة القوصي إن انتشار الفتاوي الغريبة والمتضاربة ليست ظاهرة دخيلة علي المجتمعات الإسلامية فالقضية ليست جديدة فالفتاوي عبر التاريخ الإسلامي منذ عهد الصحابة إلي يومنا هذا والمُفتون كثر والكلام في الفتيا كثير ولذلك أنا أتصور أن هذه الفوضي لا يمكن وضع حد لها بمجرد صدور قانون فلابد من توعية المجتمع المصري بخطورة الإستماع لكل من هب ودب ممن يتحدثون في شئون الدين ولابد أن يتم تبصير كل مسلم بأن عليه الحصول علي إجابة لأسئلته الدينية من مصادر موثوق بها فهذا أفضل من صدور قانون لن يحل الأزمة بل قد يزيدها تعقيدا لأن الأزهر أو غيره لن يستطيع أن يضع حداً لقنوات الإنترنت والقنوات الفضائية؟ إذا أصدر لو فرضنا قرار علي المصريين فهل يلزم غير المصريين وأصبح العالم الآن قرية صغيرة والقنوات الفضائية في كل مكان تبث؟ إذاً معني ذلك الحكم سوف يأتي من هذا وهذا وسوف يكون هناك من يفتي سواء صدر قانون أو لم يصدر قانون من جانبه يقول الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية سابقا :نعم القانون يستطيع الحد من تلك الظاهرة لأن القاعدة الفقهية تقول إن الله يذع بالسلطان مالا يذع بالقرآن ولو تم وضع مواد قانونية تحيل المتعدي علي شئون الفتوي للمحاكمة الجنائية العاجلة فإن الأمر سيتوقف سريعا فللأسف الشديد لقد استفحلت ظاهرة فوضي الإفتاء وأصبح كل من هب ودب يتصدي للفتوي ويتجرأ علي إصدار الحكم الشرعي ومع الأسف لم تتخذ أي خطوات في العالم الإسلامي للسيطرة علي فوضي الإفتاء وزاد الطين بلة ظهور العشرات من القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت المتخصصة بإصدار الفتاوي يميناً وشمالاً دون حسيب أورقيب وكثيرا من الفضائيات الإسلامية أصبحت تنشغل بالجزئيات علي حساب الكليات. وكثير مما تناقشه من قضايا لا حاجة للناس بها فلا هي تحل أزماتهم ولا تخفف من معاناتهم فمثلاً نري أحد هؤلاء الدعاة يتحدث ساعات طوالاً ليصحح السند أو العنعنة أو الحاشية لحديث ما ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات أو الأحاديث الغريبة أو الموضوعة ولا ضرورة له في حياة الناس. في ظل واقع مشحون وصراع أيديولوجي وسياسي محتدم! و لو فقِه هذا الداعية أو ذاك غاية الإسلام والمقصود من الدعوة الإسلامية. ما كان ليشغل وقت الناس بما لا ينفع ولا يضر أو ما هو ضره أكثر من نفعه. إنما كان لزاماً عليه قبل أن يتبوأ هذه المهمة. ويضطلع بهذه الرسالة الجليلة. أن يفقه واقع الأمة. وما تعج به الحياة من مشاكل وقضايا ليبحث لها عن حلول. لا أن يغرقهم في هوامش وفرعيات. فيزيد من معاناتهم في وقت يري مِن حوله ضحايا أبرياء. وشلالات دماء تتدفق. ومقدسات تهان. وزندقة وتطاول علي الرموز والقيم والثوابت والمعتقدات التي قام عليها المجتمع. أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق فيؤكد أن القانون كفيل بمكافحة تلك الظاهرة المسيئة للمجتمعات الإسلامية شريطة أن يتم تفعيل القانون سريعا ويتم انجاز القضايا الخاصة به بنفس السرعة ولابد أن نعي أن القضاء علي ظاهرة الفتاوي الشاذة والمتضاربة والمغلفة بالسياسة يكمن باختصار في توحيد جهة الفتوي ومن الممكن في هذا الإطار توحيد جهة الفتوي علي مستوي العالم العربي كله ومن الممكن في هذا الإطار تنظيم مؤتمر عربي يشارك فيه كل علماء الشريعة والمؤسسات الفقهية في الدول العربية كلها دون استبعاد لأحد ويتم الإتفاق بين العلماء علي مؤسسة بعينها تكون مهمتا إصدار الرأي الشرعي في كل القضايا المعروضة علي الساحة ويمنع منعا باتا صدور أي فتوي دينية عن شخص خارج تلك الهيئة أو حتي جهة مغايرة لها والحمد لله فالأمة العربية لديها الكثير من المؤسسات الدينية المؤهلة لتنفيذ ذلك الأمر وتحمل المسئولية بجدارة فقط علينا جميعا أن نلتزم بما تقره تلك الهيئة بعيدا عن الإنتماءات السياسية وبحيث تمارس الهيئة عملها وفق أحكام الدين بعيدا عن الأهواء السياسية . ويلفت الدكتور واصل لنقطة في غاية الأهمية وهي نقطة طرح السؤال علي المفتي قائلا : يجب علي المسلم أن يكون مخلِصاً صادقاً في السؤال ويجب عليه أن يطرح سؤاله في قالب محايد لا يوجه المفتي لقول دون آخر أو يطرح الأمر بصورة مشوهة بل يتجرد في الإخبار والصورة حتي يظهر له الحق بإذن الله پفإن الفتوي متي وقعت علي صورتها في الواقع فهي فتوي صحيحة وإلا كانت فتوي باطلة لا يعذر المستفتي بالعمل بها ولنا أن نعرف أن معظم ما نطلق عليه خلافاً بين العلماء والمفتين هو في حقيقته عائد إلي اختلاف أسئلة المستفتين پوما يرغبون فيه من إجابات. وحول الرؤية القانونية لهذه القضية يقول د. محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه يجب متابعة مسألة الإفتاء بشكل عام.فمن يباشر عملا بغير إذن عليه أن يعاقب بعقوبة مدنية أو جنائية. ولما كانت العقوبات المدنية غير رادعة تتجه الأنظار غالبا صوب العقوبات الجنائية. إلا أن المهم هو أن تكون تلك العقوبة ملائمة ومناسبة فالعلم الشرعي ليس مشاعًا للجميع. ومن الضروري حظر الإفتاء علي من لا يملك مؤهلات شرعية علمية وأخري خلقية وعملية.والتي تتمثل في أن يكون حاصلا علي علم شرعي يؤهله للإفتاء ولا يمكن تحديده بأقل من درجة العالمية في الشريعة الإسلامية درجة الدكتوراه أو ما يعادلها.الأمر الأخر المؤهلات العملية والخلقية وهي أن يكون تقيا ورعا غير خاضع للسلطان. وهي مواصفات تندرج تحت عنوان ¢شروط قبول المفتي¢ حتي يستطيع المفتي الاجتهاد وإخراج الفتوي في ثوبها الديني الصحيح بعيداً عن الفتاوي الشاذة التي من شأنها بلبلة المجتمع المسلم وليس خدمة صحيح الدين. ويري الدكتور إمام أن مسألة تدخل سلطة أعلي في الحد من الفتاوي الشاذة وغير المنضبطة لا غضاضة فيها بل إن هناك مثالا بمسألة شهيرة عند الأحناف تعرف ب¢مسألة الحجر علي المفتي الماجن¢. وهي هنا تجيز للحاكم الحجر أي المنع من الفتوي ليس علي من يفتي بغير علم. أو بدون وجه حق. ولكن علي كل عالم يخالف بفتاواه ما تعارف عليه العلماء واتفقوا فيه. وأنكر ما تم الإجماع عليه بين علماء عصره وتجاوز في ذلك. وإن أمر مراجعة الفقهاء والعلماء عند إصرارهم علي الفتاوي الشاذة أمر قديم وليس مستحدثا.