فرض الله تعالي صيام شهر رمضان علي جماعة المسلمين الموحدين. وخاطبهم في فرضيته بصفة الإيمان به وهي الصفة التي تمنحهم العزة والكرامة وترفع من قدرهم وتعلي من شأنهم فقال سبحانه: ¢يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ¢ آية رقم 183 من سورة البقرة. وعبر سبحانه عن فرضيته عليهم ب "كُتب" بمعني "فرض" فقال تعالي ¢.. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ. .¢ نفس الآية السابقة. وقال سبحانه في آية أخري ¢ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ¢ آية رقم 54 من سورة الأنعام.. وعلي ذلك فإذا وفّي العبد المكلف بما فرضه الله عليه وهو بالبخل معروف فكيف لا يوفي الله سبحانه بما فرضه علي نفسه من الرحمة بعباده وهو بالكرم موصوف. ¢ وَمَنْ أَوْفَي بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ¢ آية رقم 111 من سورة التوبة. وعلل سبحانه فرضية الصيام بحصول التقوي في نفوس الصائمين فقال تعالي ¢لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ¢ آية رقم 183 من سورة البقرة. فرمضان مدرسة يتخرج فيها المسلم أقوي إيماناً وأعظم يقيناً بما يفعله به الصيام من ضبط لسلوكه وتحكم في نفسه وكبح لنزواته. إلا أنه ويا للأسف ! تلعب النفوس الضعيفة بأصحابها لتفسد عليهم هذه العبادة فتجعل الممنوع في نهار رمضان مرغوباً. وتزين للصائم في نهار رمضان ما هو محرم عليه تناوله وترغبه فيما كان زاهداً فيه في غير الصيام. فنري بعض الناس مثلاً: قد كان في غير رمضان يخرج من بيته في الصباح الباكر إلي عمله دون أن يذوق طعاماً وقد ينهمك في العمل إلي آخر النهار. وربما قضي يومه كله علي تناول كوب من الشاي أو فنجال من القهوة دون أن يشكو جوعاً أو يحس عطشاً أو يشكو تعباً أو نصباً. فإذا ما جاء رمضان وكان الصيام وذهب إلي عمله تذكر الجوع والعطش والتعب والنصب. وتراه يعد ساعات النهار تصاعدياً كم مضي من النهار؟ وتنازلياً كم بقي من النهار؟ مع أنه في نهار يأكل أكلتين ليستا هينتين أولاهما خفيفة بعض الشيء إلا أنها قريبة من ضوء النهار وثانيتهما ذات كم كبير من أنواع الطعام والشراب والفاكهة يعني أنه ما يتناوله في نهار رمضان ضعف ما يتناوله في غير نهار رمضان تقريباً. والسؤال الذي قد يتبادر إلي الذهن هو: ما الذي جعل هذا الصائم يتذكر الطعام والشراب والتعب والنصب منذ الصباح الباكر في رمضان؟ والجواب هو: أن ما يحسه الصائم في أول النهار من جوع وعطش وتعب ونصب ليس إلا الضعف في الروح والهوان في النفس والخور في العزيمة فإذا ما تذكر الصائم أن الله تعالي ناداه بصفة الإيمان. وقد وعد الله المؤمنين بالنصر إن نصروه فقال تعالي ¢يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ¢ آية رقم 7 من سورة محمد. ووعدهم بالعزة إن اعتزوا بالإيمان به قال تعالي ¢..وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..¢ آية رقم 8 من سورة المنافقون. وبشرهم بالفضل الكبير إن عملوا بشرعه فقال تعالي ¢وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا¢ آية رقم 47 من سورة الأحزاب. إذا ما تذكر الصائم ذلك هان عليه الجوع والظمأ والتعب والنصب في مقابل ما ينتظره عند الله تعالي من الجزاء العظيم والنعيم المقيم.