2- تناول المفطر عمدًا. يجب القضاء والكفّارة عند الحنفيين بتناول غذاء تنقضي به شهوة البطن كالأكل والشرب ومنه شرب الدخان وسائر المكيفات. وقالت المالكيّة: تجب الكفّارة بتناول أي مفسد من مفسدات الصّوم. وقال الشّافعي وأحمد وداود الظاهري: لا كفّارة في مفطر إلاّ الجماع. وحملوا الأحاديث المطلقة في الإفطار علي المقيّدة بالجماع. وقد رد الحنفيون ومالك بأنّ إيجاب الكفّارة كان بالنص عليها في غير الجماع كرواية: شربت في رمضان. ورواية: أفطرت في رمضان من غير مرض ولا سفر. ويشمل ذلك مَن يتناول مفطرًا بعد ظنّه إباحة الفطر. كمَن ظنّ أنّ الغيبة تبطل الصّوم. أو أنّ الحجامة تبطله متأوّلاً ما ورد فيها من أحاديث. وهذا عند الحنفيين. أمّا المالكيّة فقالوا: لا كفّارة عليه» لأنّه تأوّل تأويلاً قريبًا مستندًا لدليل فهو جاهل. ومثله مَن أفطر ناسيًا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدًا. ومَن أصبح جنبًا فظنّ إباحة الفطر فأفطر عمدًا. ومَن قدم من سفر ليلاً فظنّ أنّه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه فأصبح مفطرًا. فائدة قال ابن رشد اتفق الجمهور علي أنّه ليس في الفطر عمدًا في نهار رمضان كفّارة» لأنّه ليس له حرمة زمان الأداء وهو رمضان. إلاّ قتادة فإنّه أوجب عليه القضاء والكفّارة. الأعذار المبيحة للفطر 1- المرض أو خوفه. مَن دخل عليه المرض أو خاف دخوله بالصوم بغلبة ظن أو إخبار طبيب مسلم حاذق أمين. وعلي هذا أجمعت الأُمّة. فإن تحمّل المريض وصام فقد فعل مكروهًا للإضرار بنفسه وتركه الرخصة ويصح صومه ويجزئه كالمريض إذا حضر الجمعة. والصحيح الذي يخشي المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض به. 2- السفر. للمسافر سفر قصر وإن لم يضرّه الصّوم حقّ الإفطار لحديث عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْريو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" أخرجه الجماعة. وقال الترمذي: حسن صحيح. وليس هذا خاصًّا بصوم التطوّع. فقد دلّت أحاديث الباب علي جواز صوم رمضان وفطره للمسافر. وبهذا قال عامة العلماء. واختلفوا في الأفضل فقال الجمهور: الصّوم في السفر أفضل لمَن قوي عليه. والفطر أفضل لمَن لم يقو عليه. "وَأَن تَصُومُوا خَيْرى لَكُم إِن كُنتُم تَعْلَمُونَ" "البقرة:184" وقال أحمد وإسحق: الفطر أفضل لحديث جَابِرِ أنّ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ عن رَجُلي صائِمي قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ أصحابه: "لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ" أخرجه أحمد ومسلم. ورد علي ذلك بأنّ الحديث فيمن شقّ عليه الصّوم كما يدل عليه سياق الحديث. ولو صام المسافر عدة أيّام ثم ضعف فأفطر فلا شيء عليه حتّي لو سبق له أن نوي صوم رمضان كُلّه. كما إذا بيّت النّيّة علي الصّوم فسافر نهارًا أو مرض. وفرّق بعضهم بين السفر والمرض» لأنّ المرض يطرأ بلا إرادة علي عكس السفر. ثم إنّه لا يحل الفطر للمسافر إلاّ إذا غادر مساكن البلد وبهذا قال الأئمة الأربعة. وأقل مسافة يباح فيها الفطر للمسافر ثلاثة أميال وتقدّر ب 5565 مترًا عند الظاهرية اعتمادًا علي ما ورد عن دحية بن خليفة أنّه أفطر في رمضان وأفطر معه ناس في سفر بلغ ثلاثة أميال. وقد خالفه غير واحد من الصحابة. فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة بُرُد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسُّنّة. وتقدّر تلك المسافة بين 84. 89 كيلومترًا. مدة فطر المسافر قال الأئمة الثلاثة: المسافر إذا نوي إقامة أقل من أربعة أيّام أفطر. وإن نوي إقامة أربعة أيّام غير يومي الدخول والخروج صام. وقد مرّ ذلك في بحث مدة القصر. ومَن لم ينو الإقامة وعزم علي الرجوع إلي بلده متي قضي حاجته فإنّه يفطر مدة انتظاره قضاء حاجته عند الحنفيين ومالك وأحمد وروي عن الشّافعي. انقطاع حكم السفر بنيّة الإقامة بموضع صالح لإقامته مدة خمسة عشر يومًا عند الحنفيين والمزني والليث. وعند الأئمة الثلاثة أربعة أيّام فقط كما مرّ أو بالرجوع إلي المكان الذي ابتدأ منه السفر. أو بنيّة الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر. فإن حصل واحد ممّا سبق في أثناء نهار رمضان وهو مفطر لزمه الإمساك. عند الحنفيين والثوري وهو رواية عن أحمد. وقال الشّافعي: يستحب الإمساك فإذا أفطر كان له استدامة الفطر.