حين يغيب عنا إلي رحلة اللاعودة صديق أو عزيز نستشعر في غيبته أن بعضاً منا قد فقد. وأن جزءاً من ماضينا وحاضرنا قد ذهب ولأن قليلا من الناس هم من يستحقق أن نبكي عليهم فإن فقد الأعزة مصاب يعجز القلب عن احتمال فاجعته. فبفقدهم نفقد مع الحياة طعمها ومذاقها وقيمتها ونشعر بعدهم أن الدنيا لا قيمة لها. وكأن رحيلهم هو المصيبة والفاجعة التي أمرنا ربنا أن نقول في مواجهتها "إنا لله وإنا إليه راجعون". حقا.. إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وأن لفراقك يا أمي الغالية لمحزونون". نعم .. أدت أمي الرسالة علي أعظم ما يكون ومضت إلي ربها راضية بقضاء الله علي ما أنعم عليها من وباء المرض اللعين .. فكانت صابرة قانعة بقضاء الله وقدره. لم أر منها إلا الرضا بالقضاء والصبر علي البلاء والشكر علي النعماء. كانت في أشد ساعات المرض ونحن الابناء حولها لم نستطع أن نرد ما بها من آلام. وكانت كلمات الحمد والشكر والثناء لله تلاحقنا ولم تفارقها لحظة واحدة.. تجمعنا حولها نحن الأبناء والبنات نشد من أذرها وندعو لها بالشفاء وكلنا أمل في الله أن تتحقق المعجزة بعدما علمنا من كبار الأطباء بأن الطب الدنيوي له حدود وأن الشفاء بيد الله سبحانه وتعالي.. ومع اشتداد آلام المرض تزداد نصائحها وتوجيهاتها لنا التي لم تنقطع .. لكن حينما يريد الله شيئاً لا راد لقضائه ومع دعواتها لنا بأن نطعم أبناءنا من حلال وأن نكون دائما يداً واحدة . وأن ندعو لها بعد الممات.. وبعد هذه النصائح الغالية ودعتها إلي عملي علي أمل العودة إليها قريبا.. كانت خطوات الموت أسرع وقدر الله الذي لاراد له .. بعدها بساعات قليلة وفي أفضل أيام الأسبوع وفي وقت الجمعة ودعتنا وتركت الدنيا الزائلة .. ارتاح قلبها الذي ظل ينبض بالعطاء والحب في مسيرة استمرت 80 عاماً كاملة وتركتنا نحن الأيتام بعد أن جمع الله لها الآلاف المؤلفة من شتي الانحاء في ساعات معدودة تودعها وتدعو لها .. فهنيئاً لك يا أمي بدعاء المخلصين فألسنة الخلق أقلام الحق.. وها نحن نغبطك علي هذا الختام الرائع.. فقد سبقتنا إلي الدار الآخرة ولا نملك إلا الدعاء.. ولا أقول وداعاً يا أمي.. ولكن إلي اللقاء. 1⁄4 1⁄4 1⁄4 وختاماً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". رواه مسلم.. صدق رسول الله