كل شعوب العالم التي بها فرقاء سياسيون وأحزاب متنافسون وخصوم متناحرون يجتمعون علي قلب رجل واحد في أوقات الخطر إلا الشعب المصري الذي حار اللبيب في فهمه. الخطر ماثل أمام عينيه كالشمس لكنه لا يري. ويتضح الخطر أكثر فأكثر وهذا الشعب يغمض عينيه أكثر فأكثر. حتي كاد الخطر يخرق أعين الناس ولكنهم لا يبصرون. بعد الحديث الذي أدلي به المهندس الأثيوبي جدوين سابا المشرف علي فريق تنفيذ السد الأثيوبي إلي قناة الجزيرة مباشر مصر قبل أيام توقعت مخطئا أن يستشعر الفرقاء السياسيون عندنا الخطر فيتخلصوا من أحقادهم. ويتغلبوا علي خلافاتهم. ويرموا في التو صراعاتهم وراء ظهورهم. كي يتفرغوا لمواجهة هذا الخطر الحقيقي ولكن خاب ظني وتأكد أن الواحد منهم لا ينظر أبعد من أنفه أو بالأحري مات عنده الإحساس كأنهم ممن عناهم الشاعر العربي بقوله ما لجرح بميت إيلام وقول آخر: لقد أسمعت إذ ناديت حيا - ولكن لا حياة لمن تنادي. المهندس الأثيوبي أوضح بكلام جلي صريح أن أثيوبيا انتهت من 33% من إنشاءات السد ويعمل في الموقع حاليا أكثر من خمسمائة مهندس من فرنسا وإيطاليا فضلا عن آلاف العمال. قائلا: إن السد يعترض مجري النهر ويحجب تدفق المياه إلي مصر والسودان ولكننا سوف نمررها عبر المولدات. والمولدات لمن يلتبس عليه الأمر ليست إلا محابس يمكن بها تمرير حصة مياهنا كاملة أو نصها أو ربعها أو حتي منعها كلها. فكلام الرجل إذن يكشف بوضوح أن هناك أمرا يدبر لمصر بليل ونحن للأسف نائمون. وكل ما يصدر عن المسئولين منذ بدأت المشكلة في مطلع عام 2011 تصريحات من قبيل: سنفعل كذا وكذا.. أو سنرفع الأمر إلي الأممالمتحدة.. سنلجأ الي التحكيم الدولي.. سنتصل بالدول الممولة لنشرح لهم القضية. ولم يتم اتخاذ أية خطوة إيجابية مما يحمِّل هؤلاء المسئولين مسئولية ضياع مستقبل مصر. الثابت والمنظور علي المسرح العالمي الراهن أن الأممالمتحدة لا تحل أية مشكلة بل تساهم عن قصد أو غير قصد في تعقيدها. والتحكيم الدولي وهم كبير. والدول الممولة لن تقيم وزنا إلا لمصالحها. فالعلاقات الدولية الآن تحكمها المصالح ولا مجال فيها للمشاعر الإنسانية والقيم الأخلاقية. وهنا بالذات يجب التحذير من الاعتماد علي الموقف السوداني. فالسودان غير متضررة من السد ولن تدخل في نزاعات مع أثيوبيا من أجل مصر. وإنما يجب الاعتماد علي أنفسنا وعدالة قضيتنا فالاتفاقيات التي تحدد حصة مصر في مياه النيل هي نفسها الاتفاقيات التي تحدد حدود أثيوبيا أي أن عدم اعتراف أثيوبيا بهذه الاتفاقيات يعني أنها تلغي نفسها من الوجود قانونا. والمنطقة التي يتم بناء السد فيها كانت ذات يوم تحت التاج المصري. ومنه لله جمال عبد الناصر الذي فرَّط بسهولة في الوحدة بين مصر والسودان فأبعدنا عن مصادر مياهنا آلاف الكيلو مترات بعد أن كان جزء منها تحت أيدينا وقتما كان الشعبان المصري والسوداني شعباً واحداً والجزء الثاني علي مرمي حجر. رحم الله الرئيس السادات كانت له عبارة يرددها دائما: "التنمية لابد لها من قوة تحميها". فليس أمام مصر الآن إلا بدء الاستعدادات لكل الاحتمالات والبدء فورا في وضع استراتيجيات لكل الخيارات التي يجبرها الطرف الأثيوبي علي اللجوء إليها مهما كان مرا. قال الشاعر مأمون الشناوي : سنة وسنتين سنة وسنتين وانت ياقلبي تقول انا فين وذبت وتهت في أشواقك وشفت النيل وعرفت انا فين يا مصر ياعمري يانور العين ع الشطين أنا شفت أحبابي واخواتي وأهلي وأصحابي وهواكي والنخل العالي ونجومها في السما بتلالي بكيت م الفرح وطاب الجرح غني ياقلبي اتهني ياعين يا مصر ياعمري يانور العين