اتخاذ حكومة أديس أبابا قرارا بتحويل مجري النيل الأزرق كخطوة تمهيدية لإنشاء سد النهضة الأثيوبي هو إجراء يخالف مبادئ القانون الدولي التي يجب أن تلتزم بها كافة دول حوض النيل وقد كان من المتوقع أن يتعامل الجانب الأثيوبي مع هذا الأمر بشكل أكثر حكمة لأن مثل هذه الأمور تتطلب التشاور المسبق مع دولتي المصب مصر والسودان حتي لايقع الضرر عليهما ولا سيما أن هناك مخاوف مشروعة لدي القاهرةوالخرطوم من وقوع آثار سلبية علي حصتهما من المياه بصفة سنوية. وهنا تجدر الإشارة إلي أن مصر موقفها المبدئي معروف ومعلن فنحن لانقبل المساس بحصة مصر من النيل وفي نفس الوقت لانعارض أي مشروع تنموي علي ضفافه تستفيد منه إحدي الدول الواقعة في نطاق حوض النيل ومن ثم يقع علي عاتق الجانب الأثيوبي مسئولية هامة وهي التأكيد علي أرض الواقع بالتزامه بتعهداته الرامية إلي عدم الإضرار بمصالح مصر أوحصتها المائية. ولقد أعلن السفير إيهاب فهمي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن الأمن المائي المصري قضية مصيرية ولا تقبل الدولة إلا التعامل معها بكل حزم. وقد نقلت مصر إلي أثيوبيا رسالة هامة عبر القنوات الدبلوماسية أكدت من خلالها أن مياه النيل ذات أهمية قصوي للشعب المصري وحياته ومصالحه وتتمسك بتنفيذ الجانب الأثيوبي لتعهداته بعدم الإضرار بأي شكل بالمصالح المائية المصرية. خيارات تفاوضية بعد تصاعد وتيرة الغضب تجاه أثيوبيا من قبل القوي السياسية والشعبية فيما يتعلق بتداعيات بناء سد النهضة تواصلت الاتصالات واللقاءات المكثفة علي أعلي المستويات الرسمية من أجل التعامل مع هذه الأزمة المثارة والتي تهدد أمن مصر المائي وعلي هذا الأساس أوضحت العديد من المصادر المعنية بأن خياراتنا التفاوضية تتمثل في عدة سيناريوهات منها الدخول في شراكة مع أثيوبيا في عملية بناء السد أو العمل علي تقليل سنوات طاقته التخزينية حتي لا تؤثر علي تدفق المياه إلي مصر مع الأخذ في الاعتبار استخدام تكنولوجيا متقدمة في بنائه تحقق طاقة إنتاجية كبيرة من الكهرباء مع تقليل سعة خزان السد وكذلك العمل علي التأكد من أن مواصفات بناء السد تطابق المعايير الدولية حيث يمكن لمصر أن تكون شريكا في المياه والكهرباء مع أثيوبيا.. وأكدت نفس المصادر أن الدبلوماسية المصرية قادرة علي التواصل مع أثيوبيا أو الدول التي وقعت بشكل منفرد علي الاتفاقية الإطارية لحوض النيل والمعروفة باتفاق عنتيبي لتدارك هذه الأزمة.. ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الدراسات التي عكف عليها العديد من الخبراء المصريين خلال الفترة الماضية للعمل علي زيادة الإيرادات المائية المصرية وتقليل الفاقد من النهر وغير ذلك من الأمور. وفي هذا النطاق عقد الرئيس محمد مرسي اجتماعا صباح الأحد مع الوفد المصري المشارك في اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بدراسة الآثار المترتبة علي بناء سد النهضة فور عودته من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وحضر اللقاء وزيرا الخارجية والري والموارد المائية وذلك لبحث التقرير المعلن من اللجنة الثلاثية والذي تسلمته مصر أخيرا بعد أن أقدمت أثيوبيا علي تحويل مجري النيل الأزرق دون انتظار لنتائج التقرير.. وقد تركز اللقاء الذي تم في مقر الرئاسة حول مدي تلبية التقرير للتوقعات المصرية في تأمين مواردها المائية وعدم المساس بحصتنا مصر من مياه النيل.. وقد دعا الرئيس مرسي رؤساء الأحزاب والرموز السياسية للقاء الاثنين لبحث نتائج تقرير اللجنة. وقد أوضحت المصادر بأن اللجنة الثلاثية أوصت بأهمية الحوار المباشر بين حكومات الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان حول توصيات التقرير النهائي ولا سيما التوصيات المطلوب اتخاذها لتلافي وقوع أي أضرار علي دولتي المصب ولا سيما أن التصميم الحالي لسد النهضة لم يضع في اعتباره تأثيرات ظاهرة التغيرات المناخية وما قد تسببه من فيضانات. قضية عادلة مما لا شك فيه أن التفاهم والتفاوض هما أول مفاتيح حل أزمة سد النهضة الأثيوبي وأن الخيار العسكري مستبعد لأن مصر في تعاملها مع الدول الأفريقية تؤمن بلغة الحوار وتعظيم التعاون المتبادل وأن ذلك السبيل الأمثل لحل أي أزمات طارئة. ولكن وفقا لآراء فقهاء القانون الدولي فإن الاتفاقيات الدولية تقتضي الإخطار المسبق من أثيوبيا عند إقامة السدود وعدم الإضرار بمصالح الدول المستفيدة من النهر وبالتالي فإن قضية مصر عادلة من الناحية القانونية ولها جميع الحقوق التاريخية في مياه النيل وتساندها في ذلك اتفاقيات تاريخية ودولية وهي اتفاقيات تم إقرارها من منظمة الوحدة الأفريقية ولا يمكن المساس بها ولا يمكن لأي دولة عضوة في المنظمة الخروج عن هذه الاتفاقيات. ومن هذا المنطلق يمكن لمصر أن تلجأ للمنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي وأيضا المنظمات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في نطاق إيجاد حل توافقي لهذه الأزمة. وطبقا لآراء فقهاء القانون الدولي فإن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لا يتم إلا بعد موافقة أثيوبيا ولكن هناك خيار آخر هو اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب فيه مصر برأي استشاري من محكمة العدل الدولية ولكن رأيها سيصبح غير ملزم ولكنه استشاري فقط. وفي نهاية الأمر فإنه يمكن اللجوء إلي التحكيم ولا سيما أن قضيتنا عادلة وأمن مصر المائي خط أحمر لا يمكن المساس به.. وعلي كافة الأحوال فإن هذه الأزمة تستلزم تضافر كافة الجهود المصرية الرسمية والشعبية من أجل ايجاد موقف موحد لمواجهتها وتقليل الآثار السلبية الناجمة عنها. منذ أعلنت أثيوبيا عن تشييد سد (النهضة) وقرارها الأسبوع الماضي بتحويل مجري النيل الأزرق أحد الروافد الأساسية لنهر النيل إيذانا ببدء المشروع، تسرب القلق إلي المصريين، وسط تخوفات من تقلص حصة مصر السنوية من المياه، وتأثير ذلك علي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي ستتعرض للبوار. وما بين الأحلام والتطلعات الأثيوبية والتخوفات المصرية من التأثيرات السلبية للسد والتي سيحسم أمرها تقرير (اللجنة الثلاثية) المتوقع صدوره أثناء مثول المجلة للطبع، أعدت (آخر ساعة) الملف التالي لرصد الأبعاد المختلفة لسد النهضة من خلال نخبة من المتخصصين، في ضوء نظرة تاريخية للنهر الذي يمثل شريان حياة لكل دول حوض النيل. أحلام أثيوبية وتخوفات مصرية سد النهضة .. معركة حياة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ستتعرض للبوار، انخفاض إنتاج السد العالي من الكهرباء بنسبة تصل إلي02٪، عجز في حصة مصر من المياه يصل إلي 8 مليارات متر مكعب سنويا كل هذا قد يسببه سد النهضة الأثيوبي حال الانتهاء من تشييده. أما إذا انهار لأنه من السدود قصيرة العمر التي تتراوح بين 25 و50 عاما سيؤدي إلي تدمير معظم القري والمدن السودانية، بما فيها العاصمة الخرطوم، وستصل المياه إلي جنوب مصر في غضون 18 يوما هذه بعض المخاطر التي حذر منها عدد من الخبراء في الوقت الذي صرح وزير الري المصري بأن هذا السد لن يضر بمصالح مصر. ما بين التهوين والتهويل كثر الحديث عن سد النهضة حتي وصل الأمر بالبعض للحديث عن استخدام القوة العسكرية لإجهاض عملية بنائه خاصة أن هذا السد لن يكون الوحيد فمن المقرر إنشاء 7 سدود علي أعلي النيل الأزرق أحد الروافد الأساسية لنهر النيل وبحيرة تانا. يقول الدكتور أيمن شبانة، الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة: حضرت خلال الفترة الأخيرة العديد من الاجتماعات مع ممثلي وزارات الري والكهرباء والطاقة والجهات المعنية بهذا الأمر لبحث سبل حل هذه الأزمة، وما لمسته من هذه الاجتماعات أن هذه الجهات ليس لديها خطة لمواجهة الأزمة ، السد توقف العمل فيه لفترة وعاد في أبريل 2011 ولهذا التاريخ دلالة كبيرة لأن في هذا الوقت انفصل السودان إلي دولتين في الشمال والجنوب. وأضاف: كانت أثيوبيا تقول إنها لاتحتاج أكثر من 13 مليار متر مكعب من الماء لتوليد الكهرباء أي تحتاج 3سنوات لملء بحيرة السد وقمنا بعمل دراساتنا وفقا لهذه الأرقام، ثم قالوا بعد ذلك نحتاج 60 مليارا ثم وصلوا إلي 74 مليارا وفي هذا خطر كبير علي مصر ويخالف كل الاتفاقيات المبرمة بدءا من بروتوكول 1891 بين بريطانيا وإيطاليا بعدم إقامة أي منشآت علي نهر عطبرة، ومعاهدة 1902 بين إمبراطور إثيوبيا وبريطانيا لعدم إقامة أي منشآت علي النيل الأزرق أو السوباط دون موافقة مصر والسودان، واتفاقية 1906 بين بريطانيا والكونغو بعدم إقامة أي منشآت علي نهر سمليكي، واتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا ممثلة لدول الهضبة الاستوائية والسودان بعدم إقامة أي مشروعات علي النيل أو روافده أو البحيرات،وفقا لهذه الاتفاقية واتفاقية 1959 والتي بموجبها تحصل مصر حتي الآن علي 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، والسودان 18.5مليار، ووقعت علي هذه الاتفاقية 6 دول هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، بينما رفضت كل من مصر والسودان والكونغو الديمقراطية الانضمام إليها. وهناك اتفاقية وقعت بين مبارك والرئيس الأثيوبي السابق زيناوي 1993 تقضي بعدم الإضرار بمصر لتأتي أثيوبيا الآن وتخالف كل الاتفاقيات حتي اللجنة الثلاثية المشكلة من مصر والسودان وأثيوبيا وخبراء دوليين حيث تقوم أثيوبيا بحجب كافة المعلومات الهامة عن اللجنة وهذا اللجنة في نهاية الأمر لجنة استشارية قراراتها غير ملزمة . وذكر أن الحكومة تتعامل مع هذا الأمر بكثير من الروتين لا يتفق مع خطورة الأمر، النيل الأزرق يوفر الحصة الأكبر من المياه التي تصل لمصر من هضبة الحبشة الأثيويبة والتي تقدر ب85٪ من مياه النيل حيث يوفر نهر عطبرة 13٪ والسوباط 17٪ والنيل الأزرق 58٪ ومن أضرار هذا السد أيضا أنه يقلل إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بنسبة 20٪ في وقت تعاني فيه مصر من نقص في الطاقة الكهربية في حين أثيوبيا التي تعاني من نقص في الطاقة الكهربية، ستكون أكبر مصدر للطاقة الكهربية في أفريقيا من الممكن أن تصدر الطاقة لإسرائيل عن طريق شبكة ربط كهربي تمر بالسودان ومصر،لاتتوقف مخاطر السد عند هذا الحد فعوامل الأمان فيه تقل عن السد العالي بكثير ففي حالة انهياره قد يحدث تسونامي يصل إلي الخرطوم في خلال 4 أيام ويغرقها، ويصل إلي جنوب مصر في 18 يوما ويغرقه. وأشار أيمن إلي أن مصر الآن يجب أن تتعلم من مصر عبد الناصر فوقت عبد الناصر كان عدد السكان يبلغ 29 مليون وقام بإنشاء السد العالي وتوقيع اتفاقية 1959 لتصل حصة مصر إلي 55.5مليار متر مكعب في حين أن مصر الآن تحصل علي نفس الحصة وقد وصل عدد سكانها 90 مليونا، المواطن المصري الآن تحت خط الفقر المائي . وتابع: كل مايقال عن التدخل العسكري لحل هذه القضية مرفوض شكلا وتفصيلا لعدة اعتبارات أولها أن المجتمع الدولي لن يساند مصر في مثل هذه الحرب، ثانيا كل دول المنبع ستتحد ضد مصر، ثالثا ستدخل السودان في مشاكل لن تقدر علي مواجهتها في ظل الظروف الداخلية الصعبة التي تعيشها، وإذا افترضنا أن مصر حققت نصرا عسكريا ساحقا كيف ستجبر الشعب الأثيوبي علي التعاون مرة أخري، الحل يجب أن يكون بالضغط علي الدول المانحة والمشاركة في هذا المشروع وهي إيطاليا التي تقوم بإنشاء هذا السد والصين التي توفر القروض لبناء هذا السد وكذا إسرائيل.. بالإضافة إلي مخاطبة الشعب الأثيوبي ومساعدتهم في مجال الزراعة والري كما تفعل إسرائيل، ولابد من تقوية نفوذ مصر في أفريقيا من جديد خاصة في منطقة القرن الأفريقي. أما الدكتور إبراهيم عناني أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس فقال: لا أري داعيا لكل هذا التشاؤم والخوف الذي تتعامل به مصر مع هذه الأزمة فالقانون الدولي ينظم الخلاف علي الأنهار الدولية كنهر النيل بصورة كاملة.. فمصر الآن تسير في طريق التحكيم الدولي المتمثل في الحصول علي تقرير اللجنة الثلاثية يضم مصر والسودان وأثيوبيا و4 خبراء محايدين ويتوقع صدوره أثناء مثول المجلة للطبع إذا أثبت التقرير أن هناك ضررا يقع علي دولتي المصب مصر والسودان لتبدأ مفاوضاتهما مع الجانب الأثيوبي وإذا فشلت المفاوضات يتم اللجوء إلي لجنة تسوية المنازعات بالاتحاد الأفريقي أو محكمة العدل الدولية التي تقوم بتطبيق القوانين الدولية التي تتعلق بالأنهار حيث تشكل المحكمة بعد تقديم الدعوة لجنة فنية، تقوم بدراسة القضية علي أرض الواقع، وفي حالة خروج اللجنة بنتيجة تؤكد تضرر مصر من المشروع يصدر حكم إما بتعديل المشروع أو إلغائه، ويشير إلي أن مثل هذه القضايا تستغرق وقتاً طويلاً يصل إلي العام ونصف. وأضاف عناني: علي مدار التاريخ لم ينته صراع علي الأنهار بحرب بين الطرفين، كل من يتحدث علي التدخل العسكري يتكلم بحماس ينقصه المعرفة بجوانب القانون الدولي اتفاقيات المياه والأنهار معروفة ومستقرة في العالم كله بداية من مبادئ هلسنكي، والاتفاقية الإطارية لاستخدمات المياه التي وقعت في عام 1997 هناك قضية تشبه إلي حد كبير مشكلة نهر النيل حدثت بين فرنساوإسبانيا في خمسينات القرن الماضي، عندما شرعت إسبانيا في إنشاء سد علي نهر يصب في فرنسا، واعترضت فرنسا علي المشروع وتوجهت إلي محكمة العدل الدولية وصدر حكم المحكمة بأن السد لا يؤثر علي المياه التي تصل إلي فرنسا. إعلان أثيوبيا عن بدء أعمال بناء سد النهضة أثار مخاوف كثير من المصريين علي المستقبل المائي لمصر خلال السنوات المقبلة "آخر ساعة" كان لها هذا الحوار عبر الهاتف مع محمد إدريس السفير المصري بإثيوبيا للتعرف علي رؤية مصر لسد النهضة الأثيوبي وكيفية التعامل مع أثيوبيا في حال إصرارها علي بناء السد. سفير مصر في أثيوبيا: لا يمكن العبث بمصالح مصرجميع الخيارات مطروحة للتعامل مع الأزمة ما الخطوات الدبلوماسية التي أتخذتها السفارة المصرية بأثيوبيا للتعامل مع أزمة بناء سد النهضة؟ - الدبلوماسية المصرية عقدت العديد من اللقاءات مع الجانب الأثيوبي و تنتظر صدور تقرير اللجنة الثلاثية وسيتم رفعه إلي المستويات السياسية في الدول الثلاث وهي مصر والسودان وإثيوبيا حسبما تم الاتفاق عليه في مراجع إسناد عمل اللجنة حيث سيتم اتخاذ القرار السياسي علي أساس نتائج هذا التقرير. الي ماذا أنتهت المفاوضات التي أجريتها في هذا الصدد مع الخارجية الأثيوبية؟ - بالفعل عقدت عدة جلسات مع مسئولي وزارة الخارجية الأثيوبية وأوضحت لهم أن مسألة مياه النيل بالنسبة للمصريين في غاية الأهمية وهو مايشغل الرأي العام بأكلمه كما أن إعلان أثيويبا بتغيير مسار النهر سبب إزعاجا شديدا للشعب المصري بأكمله كما أنني أوضحت لهم أن الجانب المصري متمسك بتنفيذ كافة التفاهمات والالتزامات التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الأثيوبي والسوداني كما أكدت أن مصر لاتسمح بالإضرار بمصالحها. كيف كان رد الفعل الأثيوبي؟ - الجانب الأثيوبي أكد أنه يدرك تماما تخوفات المصريين كما أنه يدرك أهمية مياه النيل باعتبارها من أهم مؤثرات الأمن القومي كما أنهم أكدوا علي عدم المساس بالمصالح المصرية بأي شكل من الأشكال إلا أنهم في نهاية الأمر وافقوا علي الاحتكام إلي اللجنة الثلاثية. وماذا عن رد الفعل المصري في حالة وقوع ضرر علي مصر نتيجة لبناء هذا السد؟ - أولا جميع الخيارات مطروحة ولايمكن أن يفرض أحد أمرا واقعا علي مصر وشعبها ولايمكن العبث بالمصالح القومية المصرية وكافة هذه المصالح تمس بالاستقرار والأمن في منطقة حيوية من العالم. كما أنه لدي مصر بدائل وخيارات عديدة ومتعددة للحفاظ علي مصالحها المائية وهذه الخيارات سوف تتخذ في ضوء ما تستلزمه مقتضيات الحفاظ علي مصالح مصر القومية فأي قرار مصري في هذه القضية الوطنية من الدرجة الأولي سيكون مدروسا تماما من كافة الجوانب وسيكون معبرا عن الإجماع الوطني المصري. هل هناك تنسيق مصري سوداني مشترك في مواجهة الجانب الأثيوبي؟ - بالطبع هناك تنسيق علي كافة المستويات السياسية والفنية وهذا التنسيق سوف يتزايد عقب صدور تقرير اللجنة الثلاثية. تباينت الآراء حول تأثير سد النهضة علي مصر. ما رأيك؟ - هناك تقارير ومعلومات مختلفة عن تأثير هذا السد علي حصة مصر من مياه النيل ولذلك تم تشكيل اللجنة الثلاثية حتي تقوم ببحث الموضوع فنيا وعلميا في ضوء المعلومات التي يتم تداولها والدراسات التي ستقوم بها اللجنة كما أن اللجنة قامت بالعديد من الزيارات لموقع السد ليكون التداول علي أساس حقيقي وعلمي وموضوعي وهذه هي المهمة المنوط بها اللجنة و ماستنتهي إليه اللجنة والتي تتكون من 10خبراء منهم خبيران مصريان ومثلهم من السودان وأثيوبيا بالإضافة الي أربعة خبراء أوربييين. بعض المحللين السياسيين يبرهن علي وجود علاقة بين إسرائيل وبين إعلان أثيويبا تحويل مجري النيل في هذا الوقت إلي أي مدي تري صحة ذلك؟ - هناك علاقات إسرائيلية مع الدول الأفريقية وتحديدا أثيوبيا كما ان هناك نشاطا إسرائيليا داخل أثيوبيا والدول الأفريقية عموما ولكن القول بإن إسرائيل هي من أثرت علي أثيوبيا لبناء هذا السد لا أعتقده كما أن القول إن إسرائيل أرادت أن تحرج الرئيس مرسي عقب زيارته الأخيرة لأثيوبيا هذا أيضا غير صحيح . كما أنه لايجب أن نهول في الدور الإسرائيلي لبناء السد فعلينا فقط ان نركز علي مايجب أن نفعله لحل الأزمة الراهنة ولإقامة علاقات قوية مع دول حوض النيل ولابد أن نعيد النظر للعمق المصري في القارة الأفريقية . برأيك من السبب في الإعلان عن بدء بناء السد في ذلك التوقيت دون التنسيق مع مصر؟ - الوضع الحالي تراكمي عبر سنوات عديدة وهو ليس وليد اليوم حيث إن سنوات ماقبل الثورة شهدت علاقات متوترة وسلبية مع غالبية الدول الأفريقية وتحديدا دول حوض النيل وكذلك عدم وجود تواصل إيجابي وفعال مع الدول الأفريقية وبعد الثورة عملت مصر علي تحسين العلاقات علي أكثر من مستوي وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات مع أثيوبيا قائمة علي التعاون علي أساس المصلحة المشتركة دون الإضرار بمصالح طرف علي حساب آخر. هل هناك تقصير مصري فيما بتعلق بأمنها المائي؟ - في ظل النظام السابق كان هناك تقصير كبير في الاهتمام بالأمن المائي لمصر فالمسئولون في ذلك الوقت لم يكن لديهم الأهتمام الكافي بدول حوض النيل بل إن مصر علي مدي سنوات طويلة لم تتطرق إلي حماية أمنها المائي كما أنها لم توجه جهودا كافية للتفاعل ومساعدة تلك الدول لمواجهة المشكلات التي تعرضت لها في السابق سواء في عملية التنمية أو الإحتياجات الخاصة بها ولكن مع تولي النظام الحالي للحكم بدا هناك توجه للتعامل مع الدول الأفريقية ولكن ماتم تخريبه خلال سنوات لايمكن حله في شهور. كيف يتم التواصل مع دول حوض النيل خلال الفترة الحالية؟ - التواصل مع دول حوض النيل يتم من خلال عدة مستويات منها الدبلوماسية والرسمية والشعبية وكذلك من خلال بعض رجال الأعمال ويجب علينا تغيير نظرتنا الي تلك الدول وعلي الإعلام ان يقوم بهذا الدور فجميع قطاعات المجتمع عليها مسئولية يجب القيام بها ويجب علينا أن تكون لدينا جهود وطنية ومؤسسية حتي نستطيع ان ننقذ مايكمن إنقاذه. وماذا عن الدور الذي تقوم به السفارة المصرية في أثيوبيا حاليا؟ - السفارة المصرية بأثيوبيا معنية بوضع العلاقات بين مصر وأثيوبيا في حالة إيجابية بما يخدم المصالح المصرية بالإضافة إلي عقد العديد من اللقاءات مع المسئولين في أثيوبيا لتوصيل وجهة النظر المصرية. أحلام أثيوبية وتخوفات مصرية قدّم الحل السحري حال تأثر حصة مصر من المياه د. سعيد سليمان يبتكر سلالة أرز تقاوم الجفاف »آخرساعة« استعرضت تلك التجربة مع العالم الشرقاوي وإمكانية تعميمها لتحل تلك السلالة المقاومة للجفاف محل السلالات الأخري التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.. كما زارت بعض الحقول الزراعية في الشرقية وتحديدا بديرب نجم لتري تلك التجربة علي أرض الواقع. بمجرد أن تخطو قدماك داخل الحقول الزراعية بمنطقة ديرب نجم حتي يسترعي انتباهك عشرات الفدادين المزروعة بمحصول الأرز أخضر اللون والمتراصة جنبا الي جنب فتعطي صورة جمالية رائعة تعجز أي ريشة فنية عن رسمها فالشرقية تشتهر في فصل الصيف بزراعته جنبا إلي جنب مع القطن، وبالتركيز في الشتلة الواحدة تشعر بمدي صلابتها وقدرتها علي مقاومة نقصان المياه وملوحة التربة وبداخل حقل الحاج أحمد العمدة أحد فلاحي قرية أكوة الذي يمتاز بخبرة عالية تصل إلي أكثر من ثلاثين عاما بمجال الزراعة تجعله مرجعا للكثير من أبناء قريته يستشيرونه فيما يتعرضون له من أزمات ومشكلات زراعية يستعصي عليهم مقاومتها يقف هذا الرجل العجوز الذي تخطي عمره الستين عاما ورغم ذلك يتمتع ببشاشة وجه يحسده عليها الكثير من أقرانه، ينظر مليا إلي أرضه يحوطها بعنايته فأرضه هي عرضه وماضيه ومستقبله ولهذا لا يكل عن رعايتها يوما من الأيام بل يبذل أقصي جهده ليصل بها الي بر الأمان . وبمجرد الشروع في زراعة محصول ما حتي يفقد الحاج أحمد أكثر من ثلاثين عاما وتشعر وكأنه شاب في أوج نشاطه يمسك الفأس بكلتا يديه ويعطي هو ضربة البداية التي بمثابة صفارة الانطلاق لمن يعاونونه في تلك المهمة الصعبة الطويلة,يسعد كل يوم وهو يتابع نمو المحصول ويراقبه عن كثب كأنه ابن من أبنائه لايهدأ إلا بعد أن يشب ويصبح رجلا يافعا .. والذي منذ أن وصل الي مسامعه تجربة الدكتور سعيد سليمان في استنباط الأرز الجاف حتي راوده فضول ملح في تجربة هذا الصنف الجديد والمسمي »عرابي1« هذا الاسم الذي يحمل الكثير من التحديات والصمود ,لم يخش نتائج مغامرته هذه. يقول الحاج أحمد: أمتلك أربعة أفدنة أرز.. وكما هو معروف عن هذا المحصول أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه التي لاتتوافر طيلة العام مما يوقعنا في ورطة بوار الأرض أو فقدان نصف المساحة المنزرعة وحاولنا كثيرا إيجاد حلول لتلك المشكلة ولكن دون جدوي وبمجرد سماعي عن تجربة الدكتور سعيد حتي راودني فضول في تجربة تلك السلالة الجديدة وقد قابلته وحصلت منه علي 001 كيلو أرز حيث زرعت فقط فدانا ونصف وزاد المحصول بمعدل طن للفدان عن المحصول السابق من الأرز العادي. وبالنسبة لاستهلاك المياه يقول: أروي الأرض كل 81 يوما بدلا من 6 أيام، وهذا بالطبع من شأنه الحفاظ علي منسوب المياه خاصة في ظل الأزمة المقبلة ويمكننا من الاستفادة من حصتنا في المياه بري محاصيل أخري كالقطن والذرة ونناشد وزارة الزراعة أن تعمل علي توفير تقاوي عرابي التي لم تنتشر بقدر كاف في الجمعيات الزراعية وعادة ماتباع في السوق السوداء بمبالغ رهيبة بعد أن أثبتت نجاحها وريادتها. واذا كان الحاج أحمد قد جرب تلك التقاوي لإرضاء فضوله وكمحاولة جادة منه للنهوض بإنتاجية أرضه فان "سيد شعشاعي"أحد الفلاحين الذين ينتمون الي ذوي الدخول المحدودة فلا يستطيعون الإنفاق علي أراضيهم الزراعية وشراء الأسمدة الزراعية من السوق السوداء فهي لاتتوافر في الجمعيات الزراعية عادة فيستغل بعض التجار الجشعين تلك الأزمة فيرفعون من أسعارها إلا أن أرز الجفاف حل تلك الأزمة. يقول : يساهم أرز الجفاف في توفير أكثر من 50٪ من حجم الإنفاق المادي عليه وذلك فيما يتعلق بماكينات الري فري الأرز يستهلك وقتا طويلا مما يؤدي لزيادة عدد ساعات استهلاك ماكينات الري بالإضافة إلي تكلفة تفريد الشتلات بالأرض ناهيك عن أنه لا يستهلك أكثر من 3 شكائر أسمدة للفدان مما يساعدنا في توفير النفقات. ويضيف شعشاعي:ولا تتوقف فوائد هذا النوع من الأرز الي هذا الحد بل إن قشه يستخدم كعلف ممتاز للمواشي نظرا لأنه يحتوي علي كميات كبيرة من البروتين والألياف النباتية التي تساعد علي زيادة إدرار الألبان وتسمينها في وقت قياسي فلا نضطر الي حرقه وتلويث البيئة... وبعد أن استعرضنا آراء الفلاحين في أرز الجفاف والفوائد الجمة التي عادت عليهم من زراعته انتقلنا الي الحديث مع صاحب التجربة ورائد الفريق البحثي الذي عاني علي مدار أكثر من 52 عاما ليستنبط تلك السلالات التي ستحل أزمات كثيرة قادمة إنه الدكتور سعيد سليمان هذا العالم الذي تجاوز الستين عاما بأكثر من خمس سنوات ويشغل رئيس قسم الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق. في عام 5891 تقدم الدكتور سعيد بمشروع لاستنباط أنواع من الأرز قادرة علي تحمل الجفاف علي غرار الصين، وتم اختيار المشروع ضمن المرحلة الأولي من المشروع القومي للأبحاث الزراعية الممول من هيئة التنمية الدولية الامريكية ووزارة الزراعة المصرية، وتم التعاقد علي البدء في تنفيذها عام 8891. هذا العالم الفذ الذي لم يهتم أو يعطي بالا لمن حاولوا التقليل من شأن مايحاول ابتكاره فقد وضع مصلحة بلاده نصب عينيه وإمعان التفكير في كيفية الاستفادة من الصحاري الشاسعة بزراعة محاصيل قومية كالأرز لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي منها ,ووفقه الله هو وفريقه البحثي المكون من 51 أستاذا للتوصل إلي الأرز الجاف والذي أسماه " أرز عرابي". يقول سليمان: يحتاج الأرز الي كميات كبيرة من المياه قد لاتصل الي كثير من الأراضي الزراعية مما يهدد المحصول بالبوار وقد دفعنا هذا التحدي الي الوصول لحل فعال لهذه المشكلة وقد راودني حلم استنباط أنواع من الارز تقاوم الجفاف وملوحة التربة فمن المعروف أن هناك سلالات من المحصول تنمو علي سفوح الجبال تتحمل الجفاف وغياب الأمطار أكثر من 53 يوما، وتبقي حية؛ ولكنها تعطي محصولا متدنيا من الحبوب وهناك أصناف تزرع في الجزر بجنوب شرق آسيا وتسمي بالأرز العائم وتحصد في نهاية الموسم بالمراكب ويصل ارتفاع الساق إلي مترين، وأخري تحتاج لكمية ضحلة من المياه ارتفاعها 03 5 سم تسمي أرز المناطق المنخفضة وتعطي محصولا عاليا وقد استخدمنا علم الوراثة في تهجين بعض الأصناف الحساسة للجفاف وعالية الإنتاجية مع الأصناف المقاومة للجفاف ومنخفضة الإنتاج فجمعنا بين القدرة علي تحمل الجفاف والإنتاجية العالية بالإضافة الي جودته الغذائية اللا محدودة التي تتناسب مع أذواق المصريين فتوصلنا إلي "الأرز الجاف"الذي أطلقنا عليه سلالة عرابي. ويضيف سعيد:وقد قمنا بتجربة زراعة هذه الاصناف في عدة محافظات كالاسماعيلية والدقهلية وكفر الشيخ وقد نجحت زراعته بشكل كبير ووصل إنتاج الفدان الواحد إلي 4 أطنان مع العلم بأن المحصول لايستهلك سوي 0004 متر مكعب مياه علي أقل تقدير مما يساهم في الحفاظ علي منسوب المياه كما نجحنا أيضا في زراعته في بعض الأراضي الرملية كأراضي أبوصوير وأنشاص الرمل وضرب الأرقام القياسية في الإنتاجية والقدرة علي تحمل طبيعة البيئة الصحراوية. وعن فوائده الصحية قال: تلك السلالة الجديدة تشترك مع الأرز العادي من ناحية جودة الحبة والإنتاجية العالية جدًا، كما أن هذه السلالة صحية وترتفع بها نسبة البروتين النباتي ، كما أن نسبة النشا بها قليلة جدًا، وهي مهمة بالنسبة لمن يعانون من مرض السمنة أو من يتبعون نظاما غذائيا خاصا، إضافة إلي أن أرز الجفاف لا يحتاج لأكثر من 07 كيلو جرام تقاوي، في حين الأرز العادي يحتاج إلي 001 كيلو وهذا يساعد الفلاحين في توفير النفقات والمصاريف. ويختتم سعيد حديثه قائلا: أتمني أن يقوم المسئولون في وزارة الزراعة بالإسراع في تسجيل هذا الصنف من الأرز كأصناف معتمدة ملك لجامعة الزقازيق أسوة بالمراكز البحثية المختلفة وحفاظا علي حق الملكية التجارية وشراء التقاوي من الفلاحين الأوائل الذين زرعوها. أحلام أثيوبية وتخوفات مصرية د. أحمد كمال خبير الاستشعار عن بعد: »بحيرة ناصر«ستتحول إلي بركة صغيرة بعد تشغيل سد أثيوبيا ! يتزايد الحديث عن أخطار إنشاء سد النهضة الأثيوبي والكوارث الجمة التي ستحدق بمصر من تعرض الكثير من الفدادين الزراعية إلي البوار والتصحر ناهيك عن دخولنا في دوامة الفقر المائي إلا أن هناك خطرا لم يتطرق اليه الكثيرون ألا وهو تحول بحيرة ناصر العظيمة إلي مجرد بركة صغيرة تلك البحيرة التي تنتج مئات الأطنان من الأسماك وتساهم جنبا إلي جنب مع السد العالي في توليد الطاقة الكهربية والتي ستنخفض بنسبة 2٪وهذا ماكشف عنه الدكتور أحمد كمال خبير نظم المعلومات والاستشعار عن بعد بالهيئة العامة للتخطيط العمراني ولم تكن تلك النتائج وحدها المترتبة علي إنشاء السد بل إن هناك العديد من الآثار التي استعرضناها معه في سياق هذا الحوار.. باعتبارك باحثا في مجال الاستشعار عن بعد صف لنا سد النهضة؟ - من الناحية الطبيعية، يبني السد في منطقة بني شنقول علي بعد 30 كم شرق الحدود السودانية وقد تم اختياره لاعتبارات جغرافية وجيولوجية واقتصادية، وهذا المكان علي النيل الأزرق هو الأكثر توافرا وتدفقا للمياه حيث يسهم بنحو 85 ٪ من حجم المياه القادمة لمصر وقد أنفق عليه إلي الآن أكثر من 4.8مليار دولار.. ومن المتوقع أن تصل إلي 10مليارات دولار في مراحله الأخيرة ويصل ارتفاعه إلي 145 مترا بسعة تخزينية 62 مليارم3. أما طول البحيرة فسيصل إلي2375كم مكعب أي أنها سوف تغرق نحو نصف مليون فدان من الأراضي القابلة للري والتي يصل إجماليها إلي مليوني فدان في حوض النيل الأزرق ومن المتوقع أن يحجز أكثر من 74.4مليار متر مكعب من المياه والتي تعتبر ضعف بحيرة تانا ونصف السعة التخزينية للسد العالي .. وماتأثيراته السلبية علي جميع نواحي الحياة في مصر؟ - يعني نقل المخزون المائي من أمام بحيرة ناصر إلي الهضبة الإثيوبية وتحكم أثيوبيا في كل قطرة مياه تأتي إلي مصر، مما سيؤثر علي الاحتياجات المائية لنا خلال فترة ما بعد إنشاء هذا السد وانخفاض السعة التخزينية لبحيرة ناصر. ويوجد عدد من الآثار السلبية منها ماهو علي مصر حيث بعد ملء خزان سد النهضة لن تصل مياه النيل إلي مصر عامًا كاملاً، مع احتمالية تحويل بحيرة ناصر إلي بركة خلال سنوات من بدء تشغيل هذا السد، كما أن له تأثيرا سلبيًا علي السودان الذي سوف يُحرم من الطمي مثلما هو الحال في مصر الآن وتدهور التربة فيه، كما أن موقع السد الحالي بالقرب من الأخدود الأفريقي العظيم النشط تكتونيا، ومع ملء بحيرة السد المقترحة التي تم تقدير مساحتها بنحو 2375 كم2 سوف يحدث ذلك ضغطاً هائلا علي قاع البحيرة، مما ينذر بحدوث نشاط زلزالي في محيط البحيرة ووقوع كارثة انهيار السد، ثم انهيار سد الروصيرص جنوباً وفيضان بحيرته، وغرق جميع المناطق في مسار النهر خاصة في دولة السودان ناهيك عن أن موازين القوي السياسية في المنطقة ستتغير كليا. وكيف ستتحول بحيرة ناصر إلي مجرد بركة؟ - البحيرة الناتجة من السد تصل مساحتها إلي 2375 كيلو متر مربعا أي حوالي 45٪ من مساحة بحيرة ناصر وسعتها التخزينية 74.4 مليار متر مكعب في حالة حدوث الملء في سنوات متوسطة، فإن بحيرة السد العالي سوف يتم استنزافها، ويقل عمق المياه بمقدار أكثر من "15" مترًا، أي سيصل المنسوب إلي "159" مترًا، ونظرا لكون التخزين في بحيرة ناصر قرني، فإن تأثير أي نمط للسحب من إيراد النهر يكون تراكميا، أي أن تأثير السحب قد لا يكون ملحوظا في حينه، ولكن يظهر تأثيره مجمعاً فجأة عند استنفاد المخزون الاستراتيجي للبحيرة أثناء فترات الجفاف، وبناء علي ذلك فإنه من الممكن حدوث نتائج كارثية، إذا حدثت فترة جفاف تالية لملء السد ويتوقع أن تتحول البحيرة إلي مجرد بركة صغيرة نظرا لتناقص المخزون المائي بها بنسبة9٪ كما ستتناقص الثروة السمكية بصورة كبيرة ولن يجني ثمار سد النهضة سوي أثيوبيا التي سوف تتحكم في كل قطرة مياه تصل لدول المصب حيث ترتفع الطاقة الكهرومائية إلي 10 آلاف ميجاوات خلال 5 سنوات بينما تنخفض في مصر بمعدل 20٪ في محطات السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي مما سيدخلنا في أزمات تكرار انقطاع التيار الكهربي بالإضافة إلي أن السودان سيصيبها أخطار عديدة كحرمانها من الطمي وتدهور التربة. وماهي الأضرار الأخري الناجمة عنه؟ - هناك أضرار عديدة مثل انخفاض توليد الطاقة الكهربية في مصر بمعدل يصل إلي 20٪، واحتمالية ارتفاع سعر المياه في مصر، وتأثر حركة السياحة النيلية والفنادق العائمة في النهر سلبياً حيث بلغ متوسط إجمالي الإنفاق السياحي بها عام 2009 نحو 152.3 مليون دولار ولكن بمجرد الحديث عن أخطار السد فان حركة السياحة قد أصابها الركود جنبا إلي جنب مع الانفلات الأمني ومشكلات كثيرة، كذلك تدهور إنتاجية أهم المحاصيل في مصر مثل الأرز والقمح، وبصفة عامة فإن الوضع الاقتصادي سيتغير سلبياً تماماً وزيادة تداخل مياه البحر في الدلتا مع المياه الجوفية، وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية. وما اقتراحاتك للخروج من تلك الأزمة بعد أن أصبحت واقعا؟ - لابد من إنشاء وزارة مختصة بشئون نهر النيل، تهتم به طبيعياً واقتصادياً وسياسياً، ودمج المراكز والمعاهد البحثية المختصة بشئون نهر النيل في هذا الكيان وتحسين علاقة مصر الاستراتيجية بدول القرن الأفريقي المحيطة بأثيوبيا خاصة العربية منها مثل الصومال وجيبوتي وإطلاعها علي مخطط أثيوبيا للإضرار بمصر، لإحداث توازن ضد النفوذ الغربي والصهيوني في أثيوبيا، ومساندة القضية الصومالية لتحرير أوجادين من أثيوبيا، وهي منطقة تمثل نصف أثيوبيا ويعيش فيها صوماليون "عرب مسلمون سُنَّة"، ولهم مطلب قديم بالانضمام إلي الصومال الأم والتحرر من الاحتلال الأثيوبي، لذا يجب أن يكون لمصر موضع متقدم هناك بالقرب من منابع النهر لمراقبة الوضع المائي هناك و التوجه نحو تنمية المنابع الاستوائية لنهر النيل.. "نيل مصر الذي به قوام أمرها وصلاح أحوال ساكنيها؛ مجراه من بلادي، وأنا أبيده"، هكذا قال يوماً إمبراطور الحبشة في رسالته إلي سلطان مصر المملوكي في العصور الوسطي، مهدداً بتحويل مجري النيل عن مصر وإنزال الجفاف وعصور القحط بمصر وأهلها. يستعاد التاريخ اليوم ليس من باب القصص التي تروي بل كواقع معاش، مع قرار حكومة أديس أبابا تحويل مجري النيل الأزرق تمهيداً لإطلاق مشروع سد "النهضة" الأثيوبي الذي يعيد أحداث الماضي ومشروعات محفوظة في أدراج المؤرخين إلي الواقع كحقائق تزعج المصريين وتعكر عليهم مياه نيلهم الصافية، فمقولة "النيل نجاشي" حقيقية معبرة عن الواقع كون 85٪ من مياه نيل مصر تأتي من هضبة الحبشة والباقي تتكفل البحيرات العظمي به، النيل إذن يأتي من بلاد النجاشي لقب حاكم الحبشة. النيل... عبر التاريخ التفتيش في دفاتر مصر التاريخية اليوم يبدو ضرورياً، والكشف عن وقائع الماضي لفهم الحاضر وترقب المستقبل، بات واجباً وطنياً، فمشروع تحويل مجري النيل ليس ابناً لقرار صادر بالأمس القريب أو سنوات ماضية، بل يعود إلي قرون بعيدة تحديداً في العصور الوسطي عندما كانت العلاقات بين أثيوبيا الحبشية ومصر المملوكية علي صفيح ساخن. فالتفكير في تحويل مجري النيل قديم، هكذا كشفت الدكتورة زبيدة عطا، أستاذة تاريخ العصور الوسطي بجامعة حلوان، ل"آخر ساعة"، قائلة: "مع تحول مصر تحت حكم الأيوبيين ثم المماليك إلي صخرة الشرق التي تحطمت عليها جميع حملات الغرب الصليبية لاستعمار الشرق، فكر قادة أوروبا في طريقة ناجعة للقضاء علي مصر تكون عوضاً عن حملات السيف الفاشلة، فلمعت فكرة في سماء أوروبا تتلخص بضرب مصر في منابع النيل لإفقارها والقضاء عليها عن طريق إقناع حاكم الحبشة -أثيوبيا حاليا- بتحويل منابع النيل عن مصر كمحاولة للقضاء علي دولة المماليك القوية". وتتابع عطا: "حاول الصليبيون من جانبهم أن يحاصروا مصر من جنوب البحر الأحمر حتي تكتمل محاولات تطويق مصر اقتصادياً، ولم تجد البابوية أفضل من مملكة الحبشة المسيحية لتؤازرها في مخططاتها لذلك أرسل البابا عدة رهبان ومبشرين إلي الحبشة في القرن الرابع عشر الميلادي من أجل إقناع ملكها بفرض حصار اقتصادي علي مصر من الجنوب، وقد نجح رسل البابا في إقناع ملك الحبشة بالانضمام إلي الشركاء الأوروبيين الذين يفرضون حصاراً حول مصر، كما اقترحوا أن تقوم الحبشة باستغلال موقعها المتحكم في منابع النيل وتعمل علي تحويل مجري نهر النيل بعيدا عن مصر. وهي الفكرة التي لاقت صدي عند ملك الحبشة "جبره مصقل" عندما حاول تهديد مصر المملوكية في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فأرسل رسالة سنة 1325م لسلطان مصر يتهدده بتحويل منابع النيل إلي الصحراء قائلا:"نيل مصر الذي به قوام أمرها وصلاح أحوال ساكنيها مجراه من بلادي وأنا أبيده"، فلم يهدأ بال السلطان الناصر إلا بعد أن أكد له مستشاروه استحالة تحويل مجري النيل، إلا أنه لمزيد من الاحتياط طلب من بابا الإسكندرية التدخل لدي حاكم الحبشة باعتباره أحد رعايا الكنيسة القبطي، وكانت كنيسة الحبشة تعتبر تابعة وجزءا من الكنيسة القبطية الارثوذكسية، فأرسل البابا رسالة أنكر فيها علي ملك الحبشة محاولاته النيل من مصر، ونجح استخدام مصر لقوتها الناعمة في تهدئة الأوضاع مع بلاد الحبشة. ويشير الدكتور عطية القوصي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة، إلي أن فكرة تحويل منابع مجري نهر النيل ظلت تراود عقول الدعاة الصليبيين فنجد ملك أراجون – والتي توحدت مع قشتالة فيما بعد وصارت تعرف باسم مملكة إسبانيا – يرسل إلي ملك الحبشة عام 1450 ميلادية يطلب منه العمل علي تحويل مجري النيل ومهاجمة مصر من الجنوب". وتابع القوصي: "كما لاقت الفكرة قبولاً من البرتغاليين الذين شرعوا في الالتفاف حول أفريقيا في محاولة لاكتشاف طريق بديل لطريق التجارة التقليدي، وقد عقد البرتغاليون تحالفاً مع الحبشة التي توافدت عليها البعثات الأوروبية والدعاة الصليبيون من كل حدب وصوب، وعقب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح 1498ميلادية طلب قائد الأسطول البرتغالي من ملك البرتغال إمداده بعدد من العمال المدربين علي قطع الصخور وحفر الأرض للعمل علي تحويل مجري النيل، وعلي الرغم من أن هذه المشروعات لم يكتب لها النجاح إلا أنها تظهر مدي تصميم الأوروبيين علي القضاء علي اقتصاديات الدولة المصرية قضاءً مبرماً. من جهته، يقول الدكتور أحمد العدوي، الباحث في التاريخ الإسلامي، إن أسباب الغضب الأثيوبي من مصر قديمة تعود إلي سنوات بعيدة، فالبعض يتساءل عن سبب تردي العلاقات بين الطرفين، لكن لكي نصل إلي علاقات طبيعية تحقق مصلحة الجميع علينا أن نعالج المرض من جذوره، وقد كان لوجود عدد من المسلمين في بلاد الحبشة، وتبعية الأخيرة لكنيسة الإسكندرية سببا من أسباب التوتر في العلاقات، فكل من الدولتين استخدم سلاح الأقلية في التأثير علي الطرف الآخر فمثلا عندما هدد ملك الحبشة قسطنطين؛ سلطان المماليك جقمق، بالتعرض لرعايا دولته بالأذي، رد السلطان المملوكي، ملمحاً إلي قضية تحويل النيل قائلا في رسالة رسمية: "وليس يخفي عليكم ولا علي سلطانكم أن بحر النيل ينجرّ إليكم من بلادنا، ولنا الاستطاعة علي أن نمنع عنكم ما يروي بلادكم، ولا يمنعنا من ذلك إلا تقوي الله"، ثم قبض علي رسول السلطان المملوكي ووجه إليه إهانة بالغة، ولم يسكت سلطان مصر علي تهديدات عاهل الحبشة الصريحة والمبطنة، بل استدعي بابا الإسكندرية وهدده وتوعده إذا لم يتدخل ويطلب منه الإفراج فوراً عن رسول السلطان، وقد كان. ويتابع العدوي قائلا:" كانت الحبشة طوال التاريخ لمصر كالذبابة التي تود لو ضايقت الأسد، فلم يحفل بها الأسد، ولم تترك تلك الذبابة علامة فارقة في جسده، لكن الأسد مثل دائما غصة حلق واضحة عند تلك الذبابة. وأشار العدوي إلي أن الحرب المصرية- الأثيوبية التي جرت أثناء التوسع المصري في أفريقيا أيام الخديو إسماعيل تركت آثارها في توتر العلاقة بين الدولتين، خاصة إن مصر عرفت بمساندتها غير المشروطة للممالك الإسلامية المحيطة بأثيوبيا طوال العصور الوسطي، انتهاء بالمساعدة المصرية لإريتريا حتي نجحت في الاستقلال عن أثيوبيا مطلع التسعينيات، وهو ما كرس نظره البغض التي يكنها الأحباش للمصريين ما ظهر واضحا في الأحداث الأخيرة، خاصة إننا تجاهلنا الشأن الأفريقي عموما وشأن دول حوض النيل خصوصا. أحلام أثيوبية وتخوفات مصرية صورة ساخرة للمستقبل : ثورة العطشي !قررت أثيوبيا أن تضرب أقدام مصر، وتبني سدا يحرم بلادنا من حقها في مياه النيل. فهل ستتغير الحياة علي وجه المحروسة بعد خمس سنوات (المدة التي سيستغرقها بناء السد)؟!.. تري كيف يمكننا تخيل المشهد في المستقبل بعد تصريحات خبراء المياه الملوثة باليأس؟!.. ماذا عن العطش الذي سيصيب الأرض والبشر والحيوان والشجر؟!.. كيف سيكون الحال وهل سيقتتل المصريون علي نقطة ماء ويصاب الوطن بالجدب ويجف الأمل؟! ما يلي صورة مكبرة لما قد يحدث بعد سنوات قليلة، صورة ساخرة ليست لها علاقة بالواقع، وأي تشابه بينها وبين الحقيقة القادمة علي جناح العنقاء هو من قبيل التحذير، فنحن من هواة رفض التخدير فضلا عن أن الابتسامات الدبلوماسية الاستهلاكية في الغرف المكيفة لم تستطع منعنا من الكوابيس المؤلمة والنظر إلي أطفالنا الذين ينامون بجانبنا بعين الشفقة علي ما ينتظرهم وينتظرنا. تسبب سد النهضة في بوار مليون فدان واختفاء محاصيل مثل قصب السكر والأرز والقمح، ولم يجد المزارعون حلا إلا في حفر الآبار أملا في زراعة ولو جزء بسيط من الأرض، وهو ما جعل الغيرة تنشب بين العائلات، فمنهم من حفر بئرا ووجد الماء ومنهم من وصل إلي أعماق الأعماق ولم يجد شيئا، فتعددت حوادث الثأر، ونشبت الخصومات، واحتدمت المعارك، وكل من تحكم فيه العطش ذهب ببندقيته ليشرب من دم أخيه! عبارة "ممنوع الاقتراب أوالتصوير" تم نسخها مئات الألوف ووضعها علي لافتات بجانب النيل (أقصد ما تبقي من النهر)، فيما تمركزت القوات علي طول شواطئ النهر لتمنع اللصوص من سرقة المياه، كما سن مجلس النواب المصري قوانين رادعة لكل من تسول له نفسه الخوض في الماء. تم إقامة مشروعات لتعبئة المياه المعدنية التي زاد الطلب عليها من الأثرياء، فضلا عن تعبئة الجراكن والبراميل التي توزع علي بطاقات التموين (لكل أسرة جركن للشرب وبرميلين أحدهما للحموم والطهي والآخر لسقي دوابهم وأنعامهم). وأصبحت وزارة الري هي الوزارة السيادية الأولي التي اقتنص حقيبتها الحزب الحاكم في مصر باعتباره المسئول عن بل ريق المصريين. رومانسية العطش تغيرات جذرية طرأت علي صورة فتي الأحلام بالنسبة للمصريات، فالشاب الوسيم الشيك الفتك لم يصبح هو ال "أمله" لبنات مصر عام 8102 ونفس الأمر حدث للشباب فالفتاة المصرية التي كانت تقول فيما مضي للدنيا "قومي وأنا أقعد مطرحك" لم تعد تثير خيال الفتيان.. غير العطش إلي الأحلام الرومانسية الكلاسيكية فأصبح مجرد ظهور شاب أثيوبي في الشارع أو المواصلات العامة أو جلوسه علي "كافي" يثير لعاب الفتيات فيحطن به من كل جانب ليلتقطن بجانبه صورا يعاد بثها علي شبكات الإنترنت، بينما وجود فتاة أثيوبية في طريق عام قادر علي أن يعيق المرور لعدة ساعات وهو ما جعل الحكومة الأثيوبية توقع مذكرة تفاهم مع الشرطة المصرية لحماية رعاياها من التحرش! أما الحكومة المصرية فقد كانت الأنصح وهي تشجع علي زواج المصريات من أثيوبيين وزواج المصريين من أثيوبيات إيمانا بأن النسب هو صلة دم باستطاعتها أن ترقق قلوب الشعب الأثيوبي ليصدر إلينا الماء بدون مقابل ومن ثم تم إطلاق الفتاوي التي تحرض علي الإسراع بإتمام هذه الزيجات.. الهدايا انتهي عصر الدباديب، والحقائب، والأحذية، والاكسسوارات، والملابس، والتحف والأنتيكات.... كل هذه الأشياء لم يعد لها وجود في حفلات أعياد الميلاد، فزجاجة المياه أو الجركن (كل برغوت علي حسب دمه) كانت هي التعبير الحقيقي عن المشاعر. وتفننت المحال في تصميم الزجاجات والجراكن والبراميل وهو ما جعل الجميلات يحتفلن مرتين أو ثلاثا بأعياد ميلادهن، أما الآباء فقد اختلفت هداياهم علي حسب مستواهم الاجتماعي، فمنهم من كان يأتي لابنته في زواجها بتوصيلة مياه لمدة عام كامل يدفع ثمنها نقدا، ومنهم من كان يملأ لها "فنطاس" ويضعه علي سطح البيت بعد أن يكتب عليه "ماشاء الله.. لا قوة إلا بالله" فيمنع عنه الحسد ولا يصاب "الفنطاس" بشر أو أذي، ومنهم من كان يتنازل عن برميل الدواب لها كل شهر. الظلام لم يعد للكهرباء وجود إلا في القصر الجمهوري والوزارات والمصالح الحكومية والمستشفيات، أما البيوت فقد اعتمدت الغالبية منها علي لمبات الجاز ومولدات الكهرباء اليدوية بينما كان يتم شحن الموبايلات في أماكن عامة تم تخصيصها لهذا الأمر عن طريق بونات في حين أصبحت الفنادق الكبري مرتعا لأبناء الطبقات العليا الذين وجدوا فيها كل ما يحتاجون إليه من مكيفات وإضاءة وماء.. عمّ الظلام البلاد وظهر القمر لامعا في السماء وتضاعف بريق نجوم اهتدي بها المسافرون في سفرهم. سمك لم يوثر سد النهضة فقط علي فقدان المصريين للأرض والمحاصيل والدواب ولكنه أيضا كان له التأثير علي الثروة السمكية حتي صارت رائحة السمك الكريهة بقدرة قادر مرغوبة تشد إليها الأنف من بعد، وهو ما جعل محلات الأسماك هدفا للأغنياء ومن يمتلكون ثروة تمكنهم من تناول وجبة سمك هي الأغلي بين كل الوجبات وتسمح لهم بتناول كمية كبيرة من الماء بعدها. الفن استطاع الجفاف أن يقضي علي ظاهرة أفلام العشوائيات و "الأكشن" خاصة بعد أن فتك العطش بحيل البطل فلم يعد قادرا علي الجري والقفز والركل والصفع وكل تلك الأفعال التي لم يعد لها وجود مع نفاد الطاقة والرغبة في المحافظة علي ما يمتلكه الجسد من ماء، واستطاع صناع السينما أن يحققوا قفزة هائلة إلي الوراء وإعادة عقارب الساعة لتستعيد الشاشة الكبيرة مجد السينما الصامتة في حين قرر البعض منهم وضع الترجمة وعرضها في حفلات لتحقيق مزيد من الربح، واختفي المسرح من الوجود، بينما غطي اللون الأصفر علي لوحات الفنانين التشكيليين، وزاد الطلب من الشعراء علي كلمات مثل العطش والجفاف واليابس والحطب والصوم والتصحر، وتغيرت حكايات الأمهات لصغارهم قبل النوم فتم إقصاء قصص سندريلا، والشاطر حسن، والاستعانة بحكايات حول ساحر باستطاعته أن يعيد الفيضان إلي النيل، وشيخ عجوز يتعبد من أجل أن تمطر السماء بلا توقف. الصمت ليست السينما وحدها هي التي أصبحت صامتة، أصاب الخرس الحياة برمتها، جفاف النيل جعل العيون تفيض بالدموع، حرم الأطفال من اللهو والصراخ فعم الهدوء المميت المنازل بعد أن لصق العطش شفاه الصغار، فرض علي المواطنين في وسائل المواصلات عدم الكلام فباتت الإشارة هي اللغة الرائجة، سكن الحزن قلوب حيوانات لم تجد طعاما ولا ماء فاستعطفت أصحابها وقدمت نفسها للذبح لتريح نفسها من مكابدة الجفاف، انقرض "أبو قردان" ولم يعد صديقا للفلاح بعد أن لم يجد الفلاح ماء ليزرع به الأرض، هربت البهجة من النفوس وامتدت رقعة الصحراء لتزحف علي أرض كانت قبل سنوات قليلة خضراء، خلت الشوارع من بائع العرقسوس والتمر هندي وعصارات القصب وانتشرت الروائح الكريهة من أجساد توفر ما يمكن أن تستحم به لتشربه، اختفت الحياة تماما من الشوارع في فصل الصيف، الكل صار يجيد الهرب إلي الظل والاختباء بعيدا عن أنياب العطش. ميدان التحرير تتجمع الملايين في محيط الميدان والشوارع الجانبية، وكل متظاهر يحمل في يده "زمزمية" وفي اليد الأخري لافتة تعبر عن غضبه بسبب ما يشعر به من عطش، بينما الظاهرة اللافتة هي امتناع الجميع عن الهتاف بسبب خوفهم من أن يكون الحماس سببا في ضخ العرق وبالتالي زيادة الطلب علي ماء أغلي ثمنا من الأرواح. لم يكن الغضب هذه المرة بسبب فساد النظام وامتلاك الحاشية للأرض التي وصلت لأرخص سعر، ولا للمال المكدس في البنوك ولا يستطيع مهما وصل أن يشتري نهرا مثل الذي كان، ولكن الغضب كان بسبب عدم ترشيد الحكومة لاستخدام المياه، فكل وزير يحظي بحنفية في مكتبه، وماسورة لا تنقطع عنها المياه في بيته، و "بيسين" في فيلته! ظهور أبناء الوزراء وهم عرايا يسبحون في أحواض المياه جرح مشاعر شعب لا يجد أطفاله كف ماء يضعونه في زمزمياتهم حين يذهبون إلي المدرسة. اعتصمت الجماهير في الميدان واتهمت السلطة أطرافا خارجية بتأجيج الفتنة واتهمت الثوار بتلقي زجاجات مياه من الخارج يتم توزيعها علي الأحزاب والائتلافات المعارضة ورصدت قناة الجزيرة القطرية في تقرير لم تتوقف عن بثه جراكن المياه التي تدخل إلي الميدان واتهمت أسماء بعينها بتلقي هذا الدعم من الخارج، وهو ما نفاه الثوار جملة وتفصيلا، وكان لشهداء العطش كلمتهم التي هزت الضمائر بعد أن سقطوا واحدا تلو الآخر مما أشعل الموقف وحاصر افتراءات السلطة. عمت الفوضي البلاد وفتحت السجون والمعتقلات لينتشر في الشوارع لصوص تفننوا في سرقة المياه والسطو علي النيل. اللواء محمد مختار ل »آخر ساعة«: التدخل العسكري لحل أزمة السد غير مجد أكد اللواء محمد مختار قنديل الخبير الاستراتيجي والهندسي: أن الزراعة في مصر تمر بأزمات عديدة خاصة في ري الأراضي الزراعية بسبب سوء استخدام موارد النيل وعدم الوعي بصحة استهلاك الماء، وأنه نظراً لثبات حصة مصر من مياه النيل واحتمال تناقصها مع مشاريع السدود الأثيوبية علي النيل الأزرق فإنه يجب الذهاب بقوة إلي بديل تحلية مياه البحر والآبار للشرب والزراعة والصناعة . وشدد في حواره ل »آخر ساعة« علي أن استخدام البدائل الأخري ستساعد وبشكل كبير في تخطي أزمات الزراعة في مصر. هل تري أن مشروع السد الأثيوبي سيؤثر علي الأمن القومي لمصر؟ - إقامة سد "الألفية" الأثيوبي، علي النيل الأزرق قرب الحدود السودانية يعني أن السد سيحجز حوالي 47 مليار متر مكعب من المياه وفقا للخطة التي تطمح لها أديس أبابا، ولكن ذلك لن يؤثر علي حصة مصر من المياه سوي في حالة واحدة، وهي استفادة أثيوبيا من هذه المياه في الحال حيث إنه يوجد شيء هام لابد من الانتباه إليه وهو أن معني إقامة سد أي لابد من وجود مساحة " بحيرة " يتم ملء المياه بها خلف السد، إلا أن الأزمة لا تكمن في هذا الأمر، بل في المدة التي سيتم فيها ملء البحيرة بالمياه، والتي لابد من الاتفاق عليها مسبقا مع الجانب الاثيوبي، وهي أن يتم ترك مدة لحين ملء البحيرة ولتكن من عامين إلي أربعة ومن ثم استفادة أثيوبيا بها، وهي مدة كافية لاستفادة مصر ب 57 مليار متر مكعب من حصتها في الماء، حيث إنه في حين الاتفاق علي هذه النقطة نضمن عدم الاجتزاء من حق مصر والسودان من المياه. كيف تري تأثير السد علي الزراعة في مصر مستقبلا؟ - بطبيعة الحال تتعرض الزراعة في مصر لأزمات عدة في ري الأراضي بسبب الترع والمصارف التي تكون دائما في حالة انسداد بالإضافة إلي سوء استخدام موارد النيل، مع عدم الوعي بالطرق المثلي لاستهلاك المياه، واهدار الوسائل والمصادر والبدائل الأخري التي بدورها ستساعد وبشكل كبير في تخطي أزمات الزراعة في مصر ، وبالطبع إذا استمر الوضع علي هذا الحال مع إقامة السد الأثيوبي سيؤثر ذلك علي الزراعة في مصر. وماهي البدائل التي يمكن اللجوء إليها لتخطي أزمة الزراعة ؟ - نظراً لثبات حصة مصر من مياه النيل بل واحتمال تناقصها مع مشاريع السدود الأثيوبية علي النيل الأزرق فإنه يجب الذهاب بقوة إلي بديل تحلية مياه البحار والآبار للشرب والصناعة.. ومن الطبيعي أن تكون محطات تحلية مياه الشرب الجديدة علي سواحل البحرين الأبيض والأحمر وعلي ضفاف البحيرات المرة مع استثناء الإسكندرية والمدن حتي بورسعيد من هذا الأمر نظرا لوصول مياه النيل إليها بانتظام، كما يجب أن تكون محطات مياه الشرب المحلاة علي أحدث تكنولوجيا وأن ندخل عصر المحطات العملاقة التي لا تقل طاقتها عن 001 ألف متر مكعب يوميا والتي تحتاجها مدن مثل الغردقة وسفاجا ومرسي علم وشرم الشيخ ومطروح والسويس ورفح والعريش. وماذا عن الطرق الحديثة التي يمكن اتباعها في ري المحاصيل؟ - لابد من اتباع الطرق الحديثة في ري المحاصيل الزراعية التي تحد من الإسراف في المياه وتخرج أزمات الزراعة في مصر من عنق الزجاجة، ومنها الري بالتنقيط، والري بالرش، والري بالتشبع، هذا بدوره سيخرجنا من الأزمة وسيساعد علي استصلاح مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية، بعيدا عن الطرق التقليدية. تستخدم بحيرة ناصر في ري العديد من الأفدنة الزراعية، ما مدي تأثير سد أثيوبيا عليها؟ - بحيرة ناصر وفي وقتنا الحالي بها ما يقرب من 021مليار متر مكعب مياه، وفكرة بناء سد الألفية الأثيوبي تقوم علي بنائه فوق النيل الأزرق علي بعد04 كيلو مترا من الحدود السودانية، حيث يعتمد المشروع علي إنتاج الكهرباء من المياه المخزونة في القارة الأفريقية حيث بعد امتلاء بحيرة السد بالسعة التخزينية 36 مليار متر مكعب علي أربع سنوات بواقع 51 مليار متر مكعب سنويا، من المتوقع أن يكون فيضان النيل الأزرق أمام السد منتظما، وبمعدل الفيضان السنوي نفسه قبل البناء، أي أن مياه السد المخزنة سنويا سوف تستمر في التدفق بالمعدل نفسه، دون نقصان، ومن ثم لن تتأثر كمية المياه الواردة إلي مصر،وفي أثناء فترة ملء الخزان من المنتظر انقطاع 51 مليار متر مكعب سنويا من إيراد النهر، ومن المنتظر أن يؤثر ذلك علي إيراد مصر والسودان علي مدي السنوات الأربع، يعود بعدها الإيراد إلي مستواه الطبيعي دون أي تأثير، وهذا العجز المتوقع من الممكن تعويضه من مخزون بحيرة ناصر الذي يبلغ 361 مليار متر مكعب، منها 031 مليارا قابلة للاستخدام، ومن الممكن أن يكون الفيضان مرتفعا بحيث لا يؤثر علي كمية المياه التي تصل إلي مصر،لذلك لايوجد أي تأثير واضح علي بحيرة ناصر، بل علي العكس اذا تم نقصان في المياه الواردة إلي مصر تصبح بحيرة ناصر وقتها هي البديل . في ظل استخدام الأساليب الحالية في ري المحاصيل.. هل من المتوقع اختفاء بعض المحاصيل الزراعية الفترة القادمة؟ - بالفعل هناك محاصيل يمكن أن نستغني عن زراعتها ونكتفي باستيرادها فقط نظرا لتعرضها للانقراض ، وذلك لأنها تحتاج إلي كمية كبير من المياه لزراعتها بالإضافة إلي سياسة إدارة الموارد المائية الخاطئة، ويأتي علي رأس هذه المحاصيل الأرز، حيث في وقتنا الحالي نقوم بزراعة مليون إلا ربع فدان أرز، ولكن ونظرا لحاجته إلي الكثير من المياه سيكون اتجاهنا بعد ذلك إلي زراعة المحاصيل التي تحتاج إلي كميات أقل من المياه مثل القمح والقطن، وغيرهما من المحاصيل التي تعتمد علي المياه الجوفية لتفادي الأزمة. هل مصر مشرفة علي مجاعة مائية؟ - نصيب الفرد من المياه كان 0001 متر مكعب، والآن تراجع إلي 007 متر مكعب سنويا، وفي المقابل نري أن استهلاك المياه يتنوع ما بين زراعة وصناعة وشرب، كما أننا نستهلك 72 مليون متر مكعب من المياه في الشرب فقط أي ما يعادل 01 مليارات متر مكعب سنويا، ولكن ورغم ذلك المشكلة لن تتفاقم لتصل إلي مجاعة مائية، فإذا قمنا بترشيد الاستهلاك، واستهلاكنا المياه في حد معقول وبدون إسراف لن نصل إلي هذه الدرجة ولو بعد 001 عام. ما تعليقك .. علي التقارير التي تؤكد انهيار السد الأثيوبي في حالة إقامته بعد 52 عاما؟ - بالطبع هذا كلام لا أساس له من الصحة حيث إن دولة فقيرة مثل أثيوبيا عندما تقوم ببناء سد لابد أنها وضعت الدراسات والتقارير قبل الإقدام علي هذه الخطوة، فمن غير المعقول أن تقوم بالتضحية بكل هذه التكلفة من أجل سد ينهار بعد 52 عاما!!