ثلاثة أعوام من المظاهرات والاعتصامات والاعتداءات علي الأفراد والمنشآت وتعطيل الانتاج كافية لأن تؤخر بلدا ناهضاً فما بالنا ببلد نام كمصر؟. لقد حان الوقت للانصراف إلي بناء مصر وتعويض ما خسرناه في الأعوام الماضية. ولن يتأتي ذلك إلا بالنوايا الحسنة من كل الأطراف والاستعداد الكامل للتضحية خاصة من قبل اولئك الذين يحوزون مزايا ليست من استحقاقاتهم. ففي الوقت الذي نأمل فيه أن يتوقف أولئك الذين يتظاهرون في الشوارع منذ أشهر نأمل فيه ايضا أن يعمل المسؤلون علي تحقيق أي قدر من العدالة الاجتماعية يلمسه الناس. فلم يعد مقبولاً أن تعجز الحكومة عن تطبيق الحد الأدني للرواتب والأجور في وقت يتقاضي فيه آخرون مرتبات وأجوراً لا يحلم بها وزير أو حتي رئيس في دولة غنية. لا أكون حالما لو تمنيت علي الحكومة المصرية أن تعقد اجتماعاً عاجلا وتتخذ قراراً مسئولاً غير مسبوق بألا يزيد أعلي مرتب في مصر عن عشرة آلاف جنيه وليكن ذلك لمدة خمس سنوات أو إلي أن تقوم مصر من كبوتها وتقال من عثرتها. علي أن يكون المسئولون أنفسهم في مقدمة من يطبق عليهم هذا القرار ومعهم مديرو البنوك والقضاة وضباط الجيش والشرطة والمديرون ومن هم علي الدرجات العليا في سلم الوظائف ولا يستثني من هؤلاء أحد. أرجو ألا يتهكم أو يسخر أحد من اقتراح كهذا فالوضع الطبيعي في هذا الظرف الراهن الذي تمر به مصر يقتضي من المسئولين عدم انتظار اقتراح من هذا القبيل بل يفرض أخذ زمام المبادرة. في رأيي المتواضع اجزم بأن الحلول الأمنية وحدها لا تجدي. ولكن لابد أن يرافقها العمل علي ترسيخ وتمكين العدالة الاجتماعية ولن تتأتي إلا بتوفير الاحتياجات الأساسية وتحقيق المساواة في جميع الفرص لكل الأفراد بحيث يكون لكل مواطن الحق في الصعود الاجتماعي وتقليد ما يصبو إليه من وظائف لا تعوقه واسطة أو محسوبية. لم يعد التعاطف المعنوي من إبداء الحب والمودة ودغدغة العواطف ينطلي علي أحد. فالعمل الفعلي الإيجابي الذي يصل إلي حد الكفاية المادية للمواطن وتأمين حاجته بما يحقق له الكرامة هو الذي لن تتنازل عنه جموع المواطنين حتي لو ضحوا بمزيد من الدماء. والفعل الايجابي يأتي من خلال القضاء علي ظواهر التناقض في المجتمع المصري ومن أبرز هذه التناقضات أناس لا يعملون ويتقاضون أعلي المرتبات في مقابل أناس مطحونين ولا يجدون الفتات. وناس طعامهم يحتاج إلي معدة وناس معدتهم تحتاج إلي طعام. خلاصة القول أن أي رئيس يأتي مهما كانت جهة ترشيحه مدنياً كان أو عسكرياً لن يهنأ بكرسي الرئاسة ولن يتذوق حلاوة المنصب إلا بتحقيق العدالة وتغليب مصلحة جميع الناس علي مصالح المنافقين والمستقلين. فإما العدل وإما يلقي مصير سابقيه غير مأسوف عليه: قال حافظ إبراهيم في قصيدته مصر تتحدث عن نفسها أيام زمان وليس في أيامنا هذه: وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد قدي أي شيء في الغرب قد بهر الناس جمالاً ولم يكن منه عندي؟.