تابعت تاريخ الثورات المختلفة في العالم لم أجد بينها ثورة مكث ثوارها في الميادين أشهرا متواصلة حتي تقرحت أجسامهم وتقيحت جروحهم كما هي الحال في ثورتنا. ولم أجد من بينها ثورة تبدلت أهدافها مثلما حدث من ثورتنا التي كانت في البداية تنشد ¢ العيش والحرية. والكرامة والعدالة الاجتماعية ¢ فإذا بها تنتهي بالاعتصامات المفتوحة لإعادة رئيس أخفق بفعل فاعل علي مدي عام في تحقيق بعض الأهداف فعزله الجيش بمباركة من بعض التيارات والشخصيات قبل أن يكمل فترة رئاسته. كما لم أجد ثورة من بين الثورات المختلفة علي مر التاريخ تمخض عنها أكثر من ثمانين فصيلا سياسيا كل فصيل له أهدافه ومصالحه التي تتصادم وتتعارض مع أهداف ومصالح بقية الفصائل. ولم يحدث في تاريخ الثورات أن سحب أكثر من ألف شخص استمارات الترشح لرئاسة الجمهورية. وبعد التصفية المبدئية انخفض العدد ليصل إلي تسعين ثم إلي أحد عشر مرشحا هم من خاضوا الانتخابات. ناهيك عن المطالبات الفئوية التي تجلت فيها الأنانية وتغلبت المصلحة الشخصية. وديست الوطنية تحت أقدام الاستقطابات ببعض الدولارات. وبيعت الأصوات بثمن بخس من الجنيهات . ووصل بنا التخبط إلي درجة أن البعض أصبح يصف ما حدث في 30 يونيو بأنه ثورة علي الثورة. وارتفعت الأصوات من النخب المثقفة تستنكر تدخل الجيش . لنفترض جدلا أن الجيش لم يتدخل والشعب انقسم علي هذا النحو الذي رأينا يوم 30 يونيو. والسياسيين فشلوا بما لا يدع مجالا للشك في الاتفاق علي أقل قدر من الأهداف. والإعلام المأجور من هؤلاء وأولئك واصل النفخ في النار ليل نهار ماذا كان يمكن أن يحدث . النتيجة الطبيعية كانت ستكون سقوط الدولة. ومن أهم أهداف وأدوار الجيش الحفاظ علي كيان هذه الدولة من الأعداء حتي لو كانوا أعداء الداخل الذين هم في بعض الأحيان أشد خطرا من أعداء الخارج. فيا أيها السياسيون لا تلوموا الجيش ولا الشرطة ولوموا أنفسكم . فالجيش قد أعطي المهلة تلو المهلة للتوافق ولكن دون جدوي. فلم يزدكم ذلك إلا شقاقا . وما أود أن اختم به هو أن من يتولي الحكم في هذا البلد سيكون مصيره كمصير حسني ومرسي إن لم يحقق المساواة. فالشعب في أمس الحاجة إلي الكرامة وهي لا تتحقق إلا بالعدالة الاجتماعية فبعد مرور أكثر من عامين ونصف علي اندلاع ثورة 25 يناير. لا يزال لدينا في مصر مؤسسات يتقاضي فيه موظف مليون جنيه في الشهر وآخر لا يصل مرتبه إلي أربعمائة جنيه. ولا تزال الرشي منتشرة في الأجهزة الحكومية. والمحسوبيات هي صاحبة القول الفصل في التعيينات. والغش في الإنتاج والجشع في التجارة يضرب المواطن الفقير في مقتل. والغلاء يكوي الناس بلهيب نيرانه. والقانون سيف مسلط علي رقاب الضعفاء مطأطيء الرأس أمام الأقوياء. وطعام البعض يحتاج إلي معدة ومعدة البعض تحتاج إلي طعام . والشعور بالإحباط والتذمر. وانعدام تكافؤ الفرص. وهجرة العقول. وانتشار الظلم وغياب العدل كلها قيم تشكل واقع الحياة لدينا. ونقصد بذلك المساواة بين الناس أمام الشرع والقانون. فيا أيها السادة نرجوكم المساواة. وأقصد بها المساواة في الحقوق والواجبات. والمساواة في تقلد المناصب العامة. والمساواة في الحصول علي المكاسب والامتيازات والمنافع . وإذا ما شعر الجميع بالمساواة الحقيقية فيما بينهم فإن ذلك يؤدي إلي الحيوية والنشاط والتفاعل والتفاهم بين مختلف أفراد المجتمع وشرائحه. والله من وراء القصد .