الضبعة كارثة تتحدى القانون لماذا الآن وليس أمس تتزايد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات وكذلك المطالب الفئوية التي لا تنتهي؟.. فهذا يطلب التعيين أو التثبيت، وذاك يطلب المساواة في المرتب أو الحافز، وآخر يبتز السائحين ويحاصرهم في أبوسمبل، والبعض يعتدي علي رجال الأمن في الوقت الذي زادت فيه حوادث السرقة بالإكراه وسرقة السيارات، وآخرون يحتلون موقع المحطة النووية المزمع إقامتها في الضبعة! هذه هي الأحداث التي يمر بها الوطن والتي تسارعت وتيرتها مع حلول العيد الأول لثورة 25 يناير التي طالبت بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. أسئلة كثيرة دارت في ذهني عن سبب زيادة حالات الانفلات التي تشهدها مصر والتي لم أجد لها سببا مقنعا حتي الآن، اللهم سوي سبب واحد ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: «لو بيت أبوك وقع. إلحق خدلك قالب»، بالطبع بيت أبوك وأبويا هو مصر التي لم ولن تقع كما يقول المثل الذي اعتقد البعض أنه وقع فسارع يأخذ ما يمكن أخذه، وبدلا من أن نحتفل بالعيد الأول لثورة يناير يبحث بعضنا وهم بالمناسبة أقلية عن «قالب الطوب» في البيت الذي لن يقع. بداية كنت أرفض نظرية المؤامرة التي يتحدث عنها البعض لإيماني بوعي الشعب المصري بجميع فئاته الذي لن يكون أبدا هدفا لأي مؤامرة أو تيارات خارجية تهدف إلي زعزعة الاستقرار في البلد، إلا أن الأحداث الأخيرة وحالة الفوضي التي تمر بها البلاد جعلتني أعتقد، بل أجزم أن هناك من يتآمر علي مصر وشعبها ويحاول أن يعرقل سير الأمور في طريقها الصحيح، رغم أن المجلس العسكري أعلن عن مواعيد محددة لتسليم السلطة وانتخابات مجلس الشعب تمت ومرت بسلام، وبعدها تجري انتخابات مجلس الشوري، ثم يفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، كما أن حكومة الدكتور الجنزوري تبذل أقصي ما في وسعها لإعادة ترتيب البيت من الداخل، وبدأ المواطن يشعر بنوع من الأمن النسبي الذي لم يكن موجودا أصلا، إلا أن التوترات والاعتصامات ومظاهر الفوضي لم تتوقف، والأدهي أن المواطن الذي شعر بالأمن النسبي أصبح هو نفسه الذي يشعر الآن بنوع من الحذر الذي كاد يصل إلي حد الخوف مما يمكن أن يحدث يوم 25 يناير بدلا من الاحتفال بالعيد الأول للثورة. وسواء كان هذا الاحتفال بمناسبة ما حققته الثورة من مكاسب كما يراه البعض من المتفائلين، أو سيكون يوما آخر لاستمرار الثورة ولتحقيق أهدافها التي لم تكتمل كما يري المتشائمون، فإن الخوف ومشاعر القلق قد انتابت أغلب المصريين الذين يرددون بينهم وبين أنفسهم «البلد رايحة علي فين»؟! وما بين هذا الفصيل الذي يري أنه لابد من الاحتفال، وبين الفصيل الآخر الذي يرفض الاحتفال لايزال المواطن العادي يبحث عن الأمن والأمان ولقمة العيش التي لم تعد موجودة بسهولة، وأصبح الشعار الذي رفعته الثورة الخاص بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ليس له محل من الإعراب، ولم يشعر به هذا المواطن في ظل المظاهرات والاعتصامات وعدم الأمن وأضيفت إليها مؤخرا الانتهازية السياسية التي اتسمت بها بعض القوي السياسية للسيطرة علي الشارع لتحقيق مصالحهم الخاصة بعيدا عن مصالح الوطن والمواطن. وهذا تحديدا ما جعل بعضا من هذه القوي تنادي بالخروج الآمن للمجلس العسكري عقب تسليم السلطة وهي بالمناسبة كلمة معيبة، وحتي الآن لا أعرف معني كلمة «آمن» التي رددها البعض فما أعرفه أن الجيش المصري لم يسرق الثورة أو نسبها لنفسه، أو أنه مكون من مجموعة تسعي للسطو علي السلطة وطوال تاريخه لم يكن أبدا معتديا لنخرجه من معركة ما وهو يرفع «الراية البيضاء» كدليل علي انهزامه أو انكساره لأنه هو الجيش الذي وقف مع الثورة وهو نفسه صاحب انتصار أكتوبر الذي شاركه فيه جميع المصريين الذي لم يكن أبدا وفي أي وقت من الأوقات وعلي مر العصور خائنا لوطنه أو لشعبه حتي نسمح له بالخروج الآمن.. وهو نفسه أيضا الذي قدم من أخطأ من أفراده للمحاكمة عندما تجاوزوا في التعامل مع المتظاهرين، ولهذه القوي وغيرها نقول لهم: اتقوا الله في مصر، وفي جيشها الذي هو من الشعب، ألا يكفي أنكم حتي الآن لا تستطيعون أن تتفقوا أو تتوافقوا علي هدف واحد؟! والمؤسف أن بعضا من هذه القوي تساهم سواء بقصد أو بدون قصد في تأجيج المشاعر وإلهابها لدي المواطنين مثلما حدث مؤخرا من قبل «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي تريد تطبيق شرع الله علي الناس عنوة، ومثلما حدث من أهالي منطقة الضبعة الذين استولوا علي محتويات المحطة النووية المقرر إقامتها في منطقتهم، ودمروا الأجهزة البحثية ومحطة تحلية المياه وسرقوا كابلات الكهرباء بحجة أنهم لم يتم تعويضهم عن أراضيهم التي تم الحصول عليها تحت بند المنفعة العامة في مشهد يدل علي تمكن ثقافة البلطجة والابتزاز لدي بعض أصحاب المطالب، التي أعتقد أنها لن تنتهي مادامت تتم الموافقة عليها أو علي بعضها. إن فكرة إعادة إنتاج الثورة التي تم تناقلها عبر الإنترنت فكرة يقوم عليها أشخاص وجماعات لا يتمنون الخير والاستقرار لمصر، ومؤكد أن هذه الفكرة لن يقف معها أحد لأنها تدعو، بل تطالب بحرق المؤسسات والمنشآت التي هي ملك للشعب المصري، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة المتمثلة في مظاهر التوتر الذي يشيعه هؤلاء، فهم ينتشرون حاليا في ميادين المحافظات ويحاولون إشعال الأجواء بين أفراد الشعب، حيث يقولون إن يوم 25 يناير سيكون يوما لاستكمال الثورة وليس للاحتفال، كما قاموا بعرض مقاطع فيديو لبعض المواجهات التي حدثت بين رجال الشرطة والجيش والمتظاهرين لإثارة الوقيعة بينهم وبين الجيش، وهذا ما أدركه أغلب المصريين الذين لن يرضيهم أبدا أن يعبث أحد بمقدراتهم. لهذا ولغيره الكثير نتمني أن نجعل من يوم 25 يناير المقبل يوما لبداية الانطلاق للعمل والإنتاج والخير لمصر ولشعبها لأن هذا البلد وهذا الشعب يستحق الكثير والذي من أجله لابد أن نقدم الغالي والرخيص بدلا من بذل الجهد في الاعتصامات وإعمال العقل في كيفية إشعال الحرائق في المنشآت والمؤسسات سواء كانت عامة أم خاصة.