احتفل المسلمون أمس في مشارق الارض ومغاربها. بذكري من أقدس الذكريات في نفوسهم. ومناسبة من أغلي المناسبات عليهم. وأعزها في قلوبهم. وأخلدها في تاريخهم. وألصقها بحياتهم. وأبقاها علي مر السنين والاعوام. تلك هي ذكري مولد الرسول محمد صلي الله عليه وسلم. وحق لهم أن يفتخروا بهذا الحدث الجليل. في حياتهم. لما له من أيادي بيضاء عندهم. وكم من جميل ومعروف أسداه إليهم. حيث كان فاصلا بين عهود: عهد الظلمات. والنور. وعهد الظلم والعدل. والفوضي والنظام. والحرية والاستبداد. والشرك والتوحيد!! هذا الرسول الذي وصفه أشد الناس عداوة للإسلام. بأنه اعظم العظماء علي مستوي البشرية كلها. لما قدمه للإنسانية بعد مبعثه من فضائل شملت كل مناحي الحياة. وما تتطلبه حتي تكون كما أرادها الله خليفة في الارض. لاستعمارها. وبث الحياة الرغدة بين جنباتها. والألفة والمودة. والتكافل بين أبنائها. والرحمة بين بني آدم جميعا. لا فضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي!! لقد كان دستور الجاهلية قبل ميلاد الرسول محمد صلي الله عليه وسلم: إنسانية بائسة معذبة. قائدها المنفعة. ورائدها الشهوة. وتجارتها الربا. وزواجها الزنا. وأكلها السحت وشرابها الخمر. وحليتها الرذيلة. وآلهتها الاحجار والاشجار ورسولها الهوي والشيطان. ودينها المادية. والعصبية وقانونها الفوضي والهمجية. وأخلاقها الاباحية والانحلال. والحكم بعد ذلك للسطوة والجبروت. فالغني يستغل الفقير. والعظيم يهين الحقير. وحصريا فإن العالم كله بات يتخبط في ظلام دامس ويسري في ليل بهيم. شاءت الارادة الالهية أن ترحم الانسان. وترفع عن كاهله الظلم. وترد عنه البغي. فكان ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم بمثابة قبس أضاء طريقه وأقال عثرته. وحزمه علي طريق الرخاء والسعادة. والعيش الحر الكريم. فبشرت بحمله الكائنات وتوالت البشائر: فكانت الهواتف الطائفة تعلن في رؤوس الجبال. وسفوح الاودية. ومدارج السبل. وأواوين القصور بشري الرسالة ومولد النبي المنتظر: والجن تهتف والانوار ساطعة والحق يظهر من معني ومن كلم حتي كانت ليلة مولد الهدي والنور الثانية عشرة من ربيع الاول الهجري سنة 570 ميلادية وهو العام الذي أجمع المؤرخون أنه عام الفيل. وقال ابن عباس: انه ولد يوم الفيل وقيل قبله بخمس عشرة سنة. وقبل بعده بأيام. أو بأشهر أو سنين قدرها بعضهم بثلاثين أو سبعين!! وهنا بدأت معالم الهداية علي الطريق تدعو الناس إلي كل خير. وتحذرهم من كل شر!! توالت البشارات بهذا الميلاد. الذي كان خيرا وبركة علي الدنيا كلها ومن أفضل نعم الله علي البلاد والعباد. وأجل اكرام الله ورحمته للعالمين. ولقد بشرت به الكتب السابقة. ووصفته بفضائله الشاملة. وذكرت كثيرا من الآيات عند مولده. فكان ينتظره ملوك ورؤساء. ويرقب بعثته أحبار ورهبان لتكتحل أعينهم بأنواره. وتشفي قلوبهم بنفحاته وأسراره. ولنا في سيف بن ذي بزن ملك البحث الصالح. العادل الفاضل. والعالم العامل أسوة وقدوة. وهو الذي يشر به جده عبدالمطلب وأخبره بوقت ولادته!! روت كتب السيرة أن عظماء قريش. ووجهاء مكة. وأشراف العرب اختاروا وفداً منهم. توجه إلي اليمن لتهنئة ملكها سيف بن ذي يزن باستقلالها عن الحبشة بعد استعمار دام سبعين عاما. وعودتها إلي ملكة بعد أن انقذها من قبضتهم.. وكان من بينهم عبدالمطلب جد الرسول صلي الله عليه وسلم مهنئا. وقد خلف الرسول بمكة ولم يتجاوز عمره شهوراً. وبين الوفد أمية بن عبدشمس جد الامويين. وعبدالله بني جدعان ابن عم الصديق أبي بكر. وغيرها من أشراف العرب وأعيانهم. فلما دخلوا عليه بقصره قرب صنعاء. أذن لهم. ووضعت لهم الفرش الفاخرة. والكراسي المذهبة فجلسوا جميعا الا عبد المطلب وأستاذن أن يلقي كلمة الوفد للتهنئة. فقال له الملك سيف إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك أذنا لك. فقال عبدالمطلب في شجاعة سيسمع الملك ما يهز قلبه ويشرح صدره فتبسم الملك وأعطي الكلمة الطويلة التي نكتفي ببعضها قال جده الرسول صلي الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أحلك محلا رفيعا. شامخا منيعا. وأبنتك نباتا طالت أرومته- أصله- وبسق فرعه في أطيب موضع وأكرم معدن. وأنت ملك العرب الذي له تنقاد. وعمودها الذي عليه العباد. سلفك خير سلف. ولن يخمل ذكر من أنت سلفه. ونحن أهل حرم الله وخدام بيته. أشخصنا إليك الخبر الذي سرنا حين كشف الله عنك كربك وأعاد اليك عرشك وملكك فسأله من أنت؟؟ قال عبدالمطلب بن هاشم قال الملك: سيد قريش وعظيم مكة قال نعم فرد علي كلمته قائلا: "مرحبا وأهلا. وناقة ورجلا ومناخا سهلا. وملكا ربحلاً. سمع الملك مقالتكم. وقبل وسيلتكم. ولكم الكرامة ما أقمتم والعطاء إن سافرتكم. طلب الملك سيف من عبدالمطلب لقاء سرا أوضح له فيه ما عندهم من الكتب عن نبي أطل زمانه يولد في الجزيرة العربية يتيما واسمه محمد يموت أبوه وأمه. ويكفله جده وعمه. ففرح عبدالمطلب وخر ساجدا. فقال الملك إنك يا أخي لجده من غير كذب فحكي عبدالمطلب مصدقا ما قال الملك: فقال الملك: أحرص عليه. وأكتم أمره عمن معك. حتي لايداخلهم الحسد. وهم فاعلون وأبناؤهم ودعا الملك الوفد. وأجزل لهم العطاء. وعبدالمطلب يحظي بعشر أمثالهم. فقال لهم عبدالمطلب في عزة لاتحسدوني علي كثرة العطاء. ولكن علي ما يبقي لي والعقبي ذكره وستعلمون قريبا صدق ما أقول".. والله من وراء القصد وهو المستعان.