عاشت مصر ما بعد ثورة يناير العديد من المفاهيم والشعارات الدينية منها معركة الدستور.. معركة بين الكفر والايمان . "غزوة الصناديق" ومن يمتنع عن التصويت ممتنع عن الادلاء بشهادة حق. وكاتم الشهادة شيطان أخرس. كل هذه الشعارات رفعت في "غزوة".. عذراً.. اقصد جولة الاستفتاء علي الاعلان الدستوري الأول في 19 مارس 2011 ثم تلتها ذات الشعارات في جولة الاستفتاء علي الدستور في 2012 أما جولة دستور 2013 فالوضع مختلف تماما لأن المشهد أصبح ملتبساً علي العامة. بل إن معركة الحلال والحرام. والشريعة في الدستور تشهد معركة حامية الوطيس بين التيارات الاسلامية كافة. ولكن الاخوان غابوا عن المشهد. بقي في المواجهة الساخنة النور السلفي المؤيد بكل قواه السياسية ومرجعياته الشرعية ومنابره الاعلامية ومنصاته الجماهيرية للدستور منطلقا من مصالح شرعية عنوانها بأن دستور 2013 نصر الشريعة أكثر من سابقه. لترد الجماعة الاسلامية في رد عنيف ومفصل يكشف. بحسب وجهة نظرها. زيف ادعاءات النور في الدستور. ولم تقف الجماعة الاسلامية كاملة في صف واحد بل ظهر قياداتها التاريخية في المشهد بعدما تواروا طويلا ليقولوا "نعم" للدستور أيضا من منطلقات شرعية أيضا. بدأت المعركة بكامل قوتها حينما أعلن حزب النور علي لسان الدكتور محمد إبراهيم منصور. ممثل حزب النور بلجنة الخمسين. حين أعلن أن اللجنة استطاعت الحفاظ علي الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد. مشيدًا بدورها أيضًا في الموازنة بين الشريعة وتطبيق الحقوق والحريات. وتأكيده. في كلمته بالجلسة الختامية للجنة الخمسين. إن باب الحقوق والحريات بالدستور. جاء متوازنًا. ويضمن الحريات مع الحفاظ علي قيم وثوابت المجتمع. وأن ذلك يؤكد أن المصريين لا يمكن أن يتخلوا عن محبتهم لشريعتهم. وإعلاء شأنها. يعضد وجهة النظر تلك رئيس الحزب الدكتور يونس مخيون. في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه أن "النور" سيقول "نعمين" للدستور واحدة بالتأييد. وواحدة للحشد.. معلناً أن مواد الهوية والشريعة في الدستور الجديد أفضل من دستور 2012. ولم يتوقف الأمر عند القيادة السياسية للحزب إذ تحركت الدعوة السلفية. المرجعية الشرعية للحزب. أكد الدكتور أحمد فريد. عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية. أن حزب النور حافظ علي الشريعة الإسلامية في الدستور السابق 2012 والدستور المعدل الحالي .2013 وأوضح فريد. خلال كلمته بمؤتمر النور بالإسكندرية لتدشين حملة نعم للدستور. أن اجتهادات المشايخ الفضلاء في موقفهم من الدستور علي الرءوس وأنها اجتهادات تقبل وترد. وأن حزب النور لابد أن يحترم الاجتهاد. ومع دخول المعركة أيام الحسم. وذكر ما يرتبط بالشريعة في الدستور وتحرك رموز دعوية لنصرتها كان رد الجماعة الاسلامية قوياً ومفصلاً ليرد الدكتور عصام دربالة. رئيس مجلس شوري الجماعة الاسلامية. في بيان عنوانه ب"عفواً حزب النور.." منتقداً تأييد حزب النور للدستور الجديد بدعوي حمايته للشريعة مفندا كافة الادلة التي تثبت ان الشريعة تم الاعتداء عليها في التعديلات الدستورية. وقال دربالة رداً علي ما أعلنه قادة حزب النور أن موقع الشريعة الإسلامية في دستور لجنة الخمسين أفضل منه في دستور 2012 قال: كنت لا أتمني أن يصدر هذا الموقف عن أي أحد من حزب النور لأنه يمثل إدانة لهم ومغالطة منهم في ذات الوقت. أما الإدانة لهم فهي نابعة من مشاركتهم في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور 2012 حيث كان عدد المنتمين للتيار الإسلامي فيها يناهز نصف عدد أعضائها مما يعني أنهم قصروا في تعزيز موقع الشريعة آنذاك رغم توفر الظروف المواتية لذلك بصورة أكبر من تمثيلهم بعضو واحد في لجنة الخمسين وإذا أصروا علي موقفهم فلابد من تقديمهم إعتذاراً للشعب المصري عن ذلك التقصير. أما كون هذا الرأي فيه مغالطة فلأن أدني تأمل في وثيقة لجنة الخمسين يبين أن هناك انقلاباً حدث فيها لصالح العلمانية ضد الهوية والشريعة الإسلامية. فبعد أن تعزز موقف الشريعة في دستور 2012 بتعميقها والتمهيد لتطبيقها جاء دستور لجنة الخمسين ليعزز العلمانية. ويقلص الشريعة الإسلامية بما هو أقل من دستور 2012. ودستور1971 وبما هو أقل من الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013. وعدد دربالة النقاط التي تكشف حقيقة تلك المغالطة. من وجهة نظره. وأن الناظر إلي مواد دستور لجنة الخمسين لن يجد فيه ما يتعلق بالشريعة الإسلامية سوي المادة الثانية بنصها المعهود في دستور 1971 ودستور 2012. والمادة السابعة المتعلقة بالأزهر والتي حذف منها أهم ما فيها وهو ما كان موجوداً في المادة الرابعة من دستور 2012 والذي كان ينص علي: ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة. وهذا يعني عدة أمور منها تقليص وجود الشريعة الإسلامية في دستور لجنة الخمسين مقارنة بدستور 2012 من خلال إلغاء المادة 219 من دستور 2012م والتي كانت مفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية. وأحال دستور لجنة الخمسين تفسيرها بالديباجة إلي ما تضمنته مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الخاصة بهذا الشأن. وهي مجموعة أحكام متناقضة وهو ما يعني إسناد تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية إلي المحكمة الدستورية بدلا من هيئة كبار العلماء بالأزهر وهو أمر بالغ الخطورة. أضاف: وكنا نود ممن يقول هذا سواء من حزب النور أو غيره أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع غيرهم ويعلنوا بوضوح أن موقع الشريعة قد تقلص بعد أن تم الغاء المادة 219 وانتقالها إلي الديباجة بدلا من الدستور. والغاء المواد العديدة من دستور 2012 ذات العلاقة بالشريعة فضلا عن وجود مواد دستورية مخالفة لأحكام الشريعة كما ذكرنا من قبل وأخيرا وجه دربالة سؤالاً لجميع القانونيين وحزب النور هل يمكن أن تقوم المحكمة الدستورية بتفسير عبارة مبادئ شرائع المصرين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم. الواردة في المادة الثالثة من دستور الانقلاب بما يخالف تفسير الكنيسة؟! واستنكر اصرار النور علي أن موقع الشريعة صار أفضل في ظل الدستور الجديد.. مشيرا الي ان دستور لجنة الخمسين يمهد لترسيخ العلمانية واتجه إلي تقليص الهوية والشريعة الإسلامية وسعي بكل قوة إلي قطع شوط كبير في ترسيخ العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والسياسة. والتي لا تجعل للدولة دورا أخلاقيا وظهر هذا جليا في المواد 74 . والغاء المادة رقم "11". وبعض المادة رقم "10" من دستور 2012 والتي كانت تلزم الدولة برعاية الأخلاق وتحمي مع المجتمع القيم الأخلاقية للأسرة. وإصرار من الكنيسة والعلمانيين علي الغاء أي مرجعية للازهر. وادراج لفظ مدنية لوصف الدولة في الدستور حتي استقر الأمر علي وضعها في الديباجة في عبارة "نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة. حكومتها مدنية" ومعني كلمة مدنية هذه لا يمكن أن تكون ضد عسكرية فوزير الدفاع بنص المادة 201 من دستور لجنة الخمسين لابد أن يكون عسكرياً وهو ما يرجح أن يكون المقصود بها علمانية. وكل هذا يبين أنه تم تقليص الهوية والشريعة الإسلامية لصالح التمهيد لترسيخ العلمانية. وأرجو من حزب النور أن يعيد النظر في موقفه ويعترف بتلك الحقيقة ويقول أنه لم يستطع منع لجنة الخمسين من تقليص الشريعة وترسيخ العلمانية ولا يكلف الله نفساً إلا وسعا بدلا من توصيف الأمرعلي غير حقيقته وهو ما لا يليق بهم. ولم يتوقف الأمر عند ذلك إذ أكد مؤسس الجماعة الاسلامية الشيخ كرم زهدي علي دعوته جميع المواطنين للتصويت علي الدستور ب"نعم" علي الدستور منطلقا من مواقف شرعية أيضا. ونبذا للعنف وتمريرا للمرحلة الحالية.. مناشدا التيار الاسلامي كله بما فيه الجماعه الاسلاميه الي مراجعة مواقفهم ونبذ العنف وعدم المشاركة في التظاهرات التي تبدأ سلمية وتنتهي بالقتلي والجرحي. وحول تعدد تلك المواقف تزداد حيرة المصريين المحبين للشريعة والمناصرين لها لتبقي الشريعة في الدستور حائرة كما هي العادة مع كل استفتاء علي الدستور .