* يسأل عصام محمد عبدالغني من القاهرة: هل هناك ارتباط بين العبادات والأخلاق ولماذا نري من يصلي وأخلاقه منحطة. وأحيانا نري من لا يصلي وأخلاقه حسنة؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر - من علماء الأزهر: الناظر للمسلمين اليوم المتأمل في حياتهم يجد أربعة نماذج ظاهرة واضحة لسلوكهم.. النموذج الأول: أناس يظهر من سلوكهم حسن المعاملات وجميل العادات في بعض الأحيان إلا أنهم لا يصلون ولا يصومون ولا يزكون. النموذج الثاني: أناس حريصون علي العبادات كلها بينما هم سيئو الأخلاق في تعاملاتهم مع غيرهم من الناس. النموذج الثالث: أناس لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ولا من المصحف إلا رسمه فهم مسلمون فقط في الأوراق الرسمية التي تدل عليهم. ولا يؤدون شيئا من العبادات. النموذج الرابع: أناس يجمعون بين أداء العبادات والحرص الدائم عليها. وجميل الأخلاق وحسن العادات يألفون غيرهم من الناس ويألفهم الناس. والنماذج الثلاثة الأولي نماذج مشوهة من المنظور الإسلامي وليست دليلا علي الإسلام وأهله بينما المثال الرابع والأخير هو المثال الصحيح الذي يعبر عن الإسلام ويعكس حال المسلمين في عصورهم الأولي عصور النهضة الإسلامية. كما أن الناظر للتكاليف الشرعية والعبادات الإسلامية الدينية المتأمل لها يجد أنها وسائل شريفة تؤدي إلي تحقيق غايات نبيلة. تهدف إلي تحقيق عادات حسنة ومعاملات طيبة بين الناس. فالصلاة التي يؤديها المسلم تقربا إلي الله تعالي ليست مجرد حركات وسكنات لا معني لها ولا هدف من ورائها بل هي وسيلة إلي غاية وضحها القرآن الكريم في قوله تعالي: "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر" آية رقم 45 من سورة العنكبوت. كما وضحتها السنة النبوية المشرفة في قول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا" رواه الطبراني في الكبير والقضاعي في مسند الشهاب. والصيام الذي يفعله المسلم تقربا إلي الله تعالي ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والشهوات وفقط ولكنه وسيلة إلي غاية وضحها القرآن الكريم في قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" آية رقم 183 من سورة البقرة ووضحها الرسول - صلي الله عليه وسلم - في قوله: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه - رواه البخاري والترمذي وأبوداود وابن ماجة وأحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - والزكاة التي يؤديها المسلم تقربا إلي الله - تعالي - ليست مجرد أموال تنفق من الغني إلي الفقير ولكنها وسيلة إلي غاية وضحها القرآن الكريم في قوله تعالي: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" آية رقم 103 من سورة التوبة. ووضحها الرسول - صلي الله عليه وسلم - في قوله: إن الله فرض عليكم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. رواه أبوداود عن ابن عباس - رضي الله عنه - والحج الذي يؤديه المسلم تقربا إلي الله تعالي ليس مجرد مال ينفق وأعمال تؤدي ولكنه وسيلة إلي غاية وضحها القرآن الكريم في قوله تعالي: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.." آية رقم 197 من سورة البقرة. ووضحها الرسول - صلي الله عليه وسلم - في قوله: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري وأحمد والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وعلي ذلك: فما التشريعات الدينية والعبادات الإسلامية إلا هي تزكية للنفس البشرية وجذبها نحو الخلق الكريم والعادات الحسنة فيكون المسلم خلقا جديدا. وقد عبر عن علاقة العبادات بالأخلاق رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في قوله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق رواه مالك في الموطأ وأحمد في المسند فقد جعل - صلي الله عليه وسلم - الغاية الكبري من بعثته خاتما للأنبياء إنما هي إتمام مكارم الأخلاق وحسن العادات ومن شاعرية لغتنا العربية: أن الخَلْق والخُلُق في الأصل واحد. قال الراغب الأصفهاني: والخَلْق والخُلُق في الأصل واحد لكن خص الخَلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر. وخص الخُلُق بالقوي والسجايا المدركة بالبصيرة فكما أن الخَلْق: يكون أعضاء الإنسان ويجعله إنسانا سويا فكذلك: الخُلُق: يسوي طبعه ويعدل سجيته.