لم يكن في حسبانه بعدما تمكن من نسج خيوط جريمته وإتقانها ورسم الخطط المتعددة لمراحلها وانتهائها بنجاح باهر أن يكتشف أمره علي يد زوجته التي لاحظت انفاقه ببذخ واحتفاظه بأموال لافتة للنظر فخافت أن يبدد أموال صاحب العمل. واشتبكت معه في معركة أسرية لقنها علي إثرها علقة أشعلت في قلبها الغيظ صاحت بأعلي صوتها طالبة النجدة من افتراء الزوج الذي يبدد أموال الناس معرضا نفسه والأسرة للضياع. تجمع الجيران لفض الخلاف وكان من بينهم أحد رجال الشرطة السرية الذي أبلغ رئيسه بما سمع فاستدعي المرأة وسألها أخبرته أن زوجها يحتفظ بمبالغ كبيرة فئة المائة جنيه والخمسين جنيه وينفق بلا حساب حين سألته عنها أخبرها بأنها ثمن بضاعة لصاحب العمل فنهرته خائفة أن يضيع أموال الأخير فيتعرض للسجن وتضيع الأسرة طلب منها السكوت وعدم الصياح متعديا عليها بالضرب المبرح ولما استدعته الشرطة حاصرته بالأسئلة ولا سيما أن صاحب العمل أنكر ملكيته لأية مبالغ طرفه وأضاف أنه منقطع عن العمل لديه منذ فترة وبتضييق الخناق عليه وبعد مضي مدة علم فيها بموت ابنته مريم أقر بكل الحقائق دون إخفاء أي فعل مهما كان صغيرا قال: أنا حاصل علي شهادة متوسطة من مدرسة الفنية والتحق للعمل بالشرطة ما لبث أن فصل منها لعدم التزامه وسوء سلوكه فاستخرج رخصة قيادة للعمل كسائق لسيارة نصف نقل لدي بعض الناس اضطربت أحواله المالية ولم يستطيع أن يقوم بمسئولياته الأسرسة من انفاق ونشبت الخلافات والمشاجرات بينه وبين زوجته التي اضطرت لبيع ما لديها من مصاغ قليل لمواجهة أعباء الحياة ولسوء علاقته بأصحاب العمل كان لا يستمر في عمل واحد فترة طويلة فتنقل من سائق سيارة لأخري مما زاد حياته اضطرابا وخللا ولولا أنه يقيم بمنزل عائلته التي أعياها إصلاحه ما استطاع أن يواجه الحياة بأعبائها وبدلا من أن يبحث عن عمل شريف يصبر فيه علي ما يلقاه كل عامل أو طالب رزق أخذ شيطانه المريد يزين له الطريق الذي ظنه سهلا للحصول علي المال فلم يجد أمامه سوي الطفلة وردة ذات الخمس سنوات تهوي اللعب مع ابنته مريم التي تماثلها سنا وترتاح للعب معها اختار يوما خلا فيه المنزل إلا منه فاستدرج الطفلة البريئة بزعم أن ابنته مريم تنتظرها داخل المنزل لتشاركها اللعب بكل براءة الطفولة وفرحة داعبت قلبها الصغير صعدت وردة تنادي علي صديقتها مريم التي اصطحبتها أمها لبيت أهلها وطمعا في قرط ذهبي صغير لا يساوي جنيهات قليلة صعد خلفها ليغلق باب الشقة وحضر لها بعض الأشياء لتلهو بها حتي يملأ إناء بلاستيكيا بالماء وفي سرعة متوشحة وإجرام عنيف حملها بين يديه ليضع رأسها في ذلك الإناء ولا يرفعه منه إلا بعد أن سكنت جوارحها واستيقن بذهاب روحها الصغيرة إلي بارئها تشكو له همجية مفرطة وانحرافا مخيفا ووحشية لا تعرف طريق الرحمة ولا شعاع الإيمان تشكو لربها إنسانا ظلوما جهولا ملأته القسوة وكسته الأحقاد علي الناس حتي ولو كانوا أطفالا صغارا لا يعرفون من الحياة إلا لعبا بريئا ولهوا يسر الآباء والأمهات راحت الطفلة الملائكية دون ذنب أو جريرة سوي أن جدها رجل ميسور الحال ينعم أولاده في خير كفاحه وثمرة سعيه في الحياة. تخلص الجاني من الجثة بعد أن نزع القرط من أذنيها وإمعانا في إخفاء فعلته لم يتخذ درج السلم منزلا أو باب الخاروج مخرجا لتلك الجثة أحضر حبلا متينا ربطها به وأنزلها من النافذة الخلفية للبيت التي تطل علي مكان خال وحملها إلي شاطيء النيل وخلع عنها ملابسها وشد الجثة إلي حجر ثقيل وألقاها في المياه. وبعد ساعات كان يبحث مع أهلها عنها يبحث مع أمها وأبيها وتجمع الأهل جميعا يدورون في كل مكان ويفتشونه دون جدوي بالغ في البحث معهم والنداء عليها في الشوارع حتي يبعد الشبهة عن نفسه. وعرض علي أهلها وهو يبكي توقعات عدة منها قد يكون أحد الناس خطفها قد تكون ذهبت إلي حقل من حقول القرية قد تكون اصطحبت أحدا من الأطفال للعب في مكان آخر.. ولا ينتظر الإجابة إنما ذهب سريعا ليفتش ويبحث عن وردة التي قتلها وشكره أهلها علي اهتمامه وسعيه. وكان من بين ما اقترحه عليهم أن الجن قد يكون هو الجاني الحقيقي الذي خطف الملاك الصغير وبلهفة الأم والأب وحزن الجد استمعوا إليه وإلي اقتراحه في التغلب علي الجن بإحضار أسد صغير وضرورة ذبحه ونثر دمائه في فناء البيت وذهب الجد إلي إحدي مدن محافظة الجيزة ليأتي بذلك الأسد وتم ما أراد وبعد فترة ركب اليأس عقولهم وتملك الإحباط منهم. وبعد فترة من الحادث أرسل إليهم خطابا كتبه بطريق المسطرة حتي لا يكتشف خطه مستخدمها مهاراته الدراسية مضمونه أن وردة لديه ويطلب فدية قدرها خمسون ألف جنيه وعليهم التأكد بالذهاب إلي أحد المساجد بقرية في محافظة أخري حددها ليجدوا ملابسها أعلي سطح المسجد وعندما وجدوا الملابس في المكان الذي حدده لهم توهموا أن كلامه صدق انتظروا مكالمته حسبما أخبرهم في خطابه إليهم تحدث إليهم من هاتف ليخبرهم بكيفية أداء ذلك المبلغ وكانت خطته أن يأتي الشخص الذي يسلمه المبلغ المطلوب إلي مكان ما بعيداً عن قريتهم راكبا دراجة بخارية يمر من مكان كذا عدة مرات في أيام متتالية ولا يتوقف إلا عندما يسمع طلقا ناريا عندئذ يلقي حقيبة بها الأموال ولا يلتفت خلفه وعندما يتأكد من اكتمال المبلغ يسلمهم الطفلة. تردد الأهل جميعا في صدق تلك الأقوال إلا الجد الذي عرض أن يدفع المبلغ ويسلمه إلي الجاني بنفسه في الموعد المحدد ركب دراجة بخارية مر بها وسط الحقول عدة مرات في أيام متتالية حتي تأكد المجرم أن أحدا لا يتبع الجد عنذئذ أطلق القاتل رصاصة في الهواء من مسدس كان قد استولي عليه خلسة من أحد الناس توقف الجد وحذره المتهم من أن ينظر خلفه طالبا منه أن يترك الحقيبة أرضا ويستمر في السير ولما سأله الجد عن وردة رد عليه قائلا اذهب إلي المنزل وسأخبركم بمكانها انطلق الجد بدراجته البخارية يخشي أن يلتفت خلفه ولكن يحوطه اليأس والأمل ويملؤه الشك واليقين ومرت الأيام دون أن تأتي وردة ويتيقن الأهل أنهم كانوا ضحية مجرم خطير لا يخشي عذابا أو عقابا حتي اكتشف أمره علي يد زوجته كما تقدم ذلك أن الله كان له ولأمثاله بالمرصاد تموت ابنته مريم بذات الطريقة التي أزهق بها روح وردة تقع في إناء غسيل ممتليء بالماء علي رأسها حال غياب أبيها بالتحقيقات فلا تنتبه أمها لها إلا بعد أن صعدت روحها البريئة إلي رب السماء فيكون الجزاء من جنس العمل. وأكمل المتهم أنه أقر بالحقيقة كاملة لعله يكفر عما فعله بعد أن نال جزاءه بموت ابنته الوحيدة ولم تجد المحكمة جزاء للمتهم وردعا لأمثاله سوي الحكم بإعدامه شنقا علي ما اقترفت يداه.