يبدو أن الفوضي أصبحت سيدة الموقف علي كافة المستويات في عصر الدولة شديدة الرخاوة مما ينذر بتحول المجتمع المصري الي الحكم بشريعة الغاب التي تكون الغلبة والبقاء فيها للأقوي ..من هنا تأتي أهمية أجراس الانذار التي يقدمها خبراء النفس والاجتماع والتربية والقانون للخروج من النفق المظلم لسياسة ¢خد حقك بأيدك وليذهب القانون الي الجحيم ¢ حيث وصل الحال أن شهدت محافظة الشرقية وحدها أربعة عشر حادثة قام الأهالي بتطبيق ما يطلقون عليه ¢ حد الحرابة علي اللصوص ¢ من خلال القتل والحرق عن محاولة البعض الربط بين هذه الظاهرة السلبية ضعف القوانين وعدم ردعها قال الدكتور محمود كبيش استاذ القانون الجنائي وعميد كلية الحقوق - جامعة القاهرة : المشكلة ليست في القوانين ولكن في تطبيقها وتفعيلها فمثلا مهمة القصاص من الجاني والمتهم هي حق أصيل للقضاء والداخلية بعد القبض عليه ولا يحق لأحد من المواطنين أن يقوم بدور القاضي رغم انه خصم سواء بشكل مباشر او غير مباشر ومع هذا فقد أعطي القانون للمواطن الحق في مشاركة الأمن في القبض علي المتهم خلال حالات التلبس عن طريق نص المادة 37 من قانون الاجراءات الجنائية وهو ما تم تفعيله مؤخرا وأوضح الدكتور كبيش أنه المؤسف أن ما يحدث من عمليات سحل وضرب وقتل وحرق وتمثيل بالجثث تحت مسمي القصاص من جانب الأهالي الذين يرتكبون أفعالا يعاقب عليها القانون ويعد القائم بها مجرما مماثلا للجاني نفسه وحتي وإن كان المتهم مذنبا ويستحق العقاب فلابد أن يكون بالقانون وليس بيد الأفراد حتي لا نتحول الي دولة ميليشيات مسلحة أو أن نعيش في بلد تسوده القوة ومن يملك السلاح يملك الحكم لهذا فإن الحل في تطبيق القانون والعودة القوية للشرطة وإصلاح الاخطاء التي أوصلتنا الي هذا الوضع المتردي مع العلم أن الشيوع هو خير وسيلة لمواجهة البلطجية بمعني أن تكون المواجهة الدموية بعشرات الأفراد وأن يشيع السلوك بين المواجهين بحيث تتوه المسئولية وسط الجميع وأمام الشيوع لا يملك القاضي إلا البراءة وهذا ليس معاناة اقرار مبدأ أخذ الحق بالقوة بعيدا عن القوة وإنما هو تشخيص لواقع أليم نفي الدكتور كبيش أن يكون ما يرتكبه الأهالي من سحل وقتل وتمثيل تحت حد الحرابة الذي له ضوابط ودرجات ولا يطبقه إلا الحاكم من خلال القضاء أما يحدث من جانب بعض المواطنين يعد أمرا مرفوضا ولا تمثل العقوبة علي أي شخص إلا بعد تحقيق الاحكام القضائية عليه ولكن ما حدث ويحدث من جانب الاهالي بأخذ حقوقهم بأيديهم يؤدي الي مزيد من الفوضي وإسالة الدماء ويدخل المجتمع في دوامة لن تنتهي ويدفع الجميع الثمن سواء من الابرياء أو المتهمين وأنهي الدكتور كبيش كلامه بالدعوة الي سرعة علاج الاسباب التي ادت الي وجود هذه الظاهرة التي انتشرت بعد أن فقد الرأي العام ثقته في الدولة الي ضاعت هيبتها جعل الاهالي يلجأون لتنفيذ العقاب كرسالة للجناة والمجرمين بأنهم لن يتركوا بدون عقاب لأن هناك شعورا سلبيا لدي الرأي العام أن القانون في اجازة طويلة وزاد هذا الاعتقاد في ظل استمرار تردي الاوضاع علي كافة المستويات وخاصة علي مستوي الحالة الامنية لأن ما يجري الآن هو نوع من الانتقام والعقاب وهو سلوك مفهوم في ظل غياب سلطة الدولة واستفزاز البلطجية ولكن لا يمكن تقنينه أو تدبيره وإلا سلمنا بالقضاء علي الدولة ولابد أن يعلم الجميع أن الدفاع عن النفس له شروط اذ يفترض أن هناك خطرا واعتداء وشيكا لا وسيلة لدفعه إلا بسلوك الجريمة التي اذا ارتكبت في ظروف تدعو الي التخفيف فإن من سلطة القاضي استخدام أقصي درجات التخفيف السلوكيات السلبية يؤكد الدكتور سيد صبحي استاذ الصحة النفسية - جامعة عين شمس انه لن تتوقف هذه الظاهرة السلوكية السلبية التي تعبر عن افتقاد الثقة في قدرة الدولة علي الردع إلا بسرعة بسط الأمن في كل ربوع مصر وعادة الاستقرار لكل مواطن بسيط حتي يأمن علي حياته وأسرته وهذا يتطلب تطهير الشرطة وإصلاح هياكلها وتشريعاتها لان اهالي كثير من القري التي قامت بتلك الجرائم البشعة من الناحية النفسية سبق أن استغاثوا بالشرطة ولم يجدوا استجابة فقاموا بالردع الشعبي في لحظات الغضب النفسي التي يفقد فيها الانسان صوابه فقاموا بعد جرائم سحل وقتل البلطجية الي التمثيل بهم وحرقهم وحذر الدكتور سيد صبحي من الوصول الي مرحلة حكم شريعة الغاب التي يتم فيها القتل والسحل والضرب والصلب علي أعمدة الانارة والحرق والتمثيل بالجثث المتهمين أو الخارجين علي القانون وهذا الوضع نتائجه مفجة علي الجميع وليست تطهيرا للمجتمع من البلطجية واللصوص كما يظن البعض لان البلطجة والبلطجة المضادة ستكون سيدة الموقف ويتحول الأمر الي بحور من الدماء وخاصة أن الأهالي سيتحولون الي ¢ خصم وحكم ¢ في نفس الوقت وتكفي مجرد شائعة لارتكاب ابشع الجرائم دون التحقق من صحة الشائعات. يؤكد الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع - جامعة القاهرة انه اذا شاعت ظاهرة ¢شريعة الغاب¢ فقل علي المجتمع المصري السلام ليس علي المستوي الأمني فقط بل علي مختلف المستويات وسيلعن الناس الثورة التي كسرت حاجز الخوف بالمفهوم السلبي وليس الايجابي حيث تحولت العملية الي تخريب وتدمير وقتل تحت مسميات خادعة ولعبت بعض وسائل الاعلام دورها في التضليل وتنفيذ اجندات ليست في صالح الوطن وأوضح أن الجميع يرقصون علي جثة مصر بعد تسابق الجميع بدرجات مختلفة علي قتلها التمثيل بجثتها قبل التمثيل بجثث الأفراد لهذا لا يمكن أن يكون الأفراد بديلا للجهات الأمنية المنوط بها القيام بضبط الامن والنظام والقصاص من القاتل أو السارق أو حتي مسجل الخطر أما الوضع الحالي سيؤدي الي تعميم الفوضي في المجتمعالذي لن يسترد عافيته بسهولة حيث سيكون كل فعل له فعل مضاد وأكثر بعيدا عن القانون البقاء سيكون للاقوي وليس لصاحب الحق. مطلوب اصلاح شامل أكد الدكتور يوسف جلال أستاذ ورئيس قسم علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة المنصورة ان أحداث الفوضي التي افضت الي القتل والسحل والضرب والتمثيل بالجثث للأسف نتيجة طبيعية للاضطرابات السلوكية التي يعيشها المواطنون بعد الثورة التي لم تكن مجرد ثورة عابرة علي الحاكم فقط بل انها كانت كسرت حاجز الخوف من الحكام وخاصة جهاز الشرطة وبدلا من توجيه حالة انكسار الخوف ايجابيا للأسف وجهه البعض من الخارجين علي القانون لإثارة الذعر بين المواطنين بسبب غياب الأمن وأصبحت البلطجة منتشرة في كل مكان وبين جميع طبقات المجتمع بعد ان كانت محصورة في فئات وطبقات معينة اما في غياب الأمن يتردد التساؤل القوي هل يمكن أن يتحول قتل البلطجية الي حق قانوني يبيح تصفية هذا العضو الفاسد؟ وأوضح الدكتور يوسف جلال أن إصلاح هذا الخلل لن يتم سريعا وخاصة في ظل حالة الصراع وتكسير العظام الحالية مما يجعلنا في حاجة شديدة لاستعادة هيبة الدولة التي اضعناها جميعا بدرجات مختلفة مما جعل وقائع سحل المواطنين أمرا طبيعيا لعدم الشعور بالأمان وانتشار الإجرام بلا رادع وخاصة في ظل اساءة فهم الحرية التي ادت الي البلطجة والانفلات الامني ولهذا فإن الحل بنشر الوعي بضرورة المحافظة علي البلد سواء من خلال الأسرة أو الاعلام أو وسائل التعليم بضرورة احترام القانون والتطبيق السريع له بكل حزم حتي نسيطر علي أعمال الارهاب والبلطجة والمخدرات والتخريب مما شوه الثورة التي نالت في بدايتها التأييد من كل الشعب المخلص وإعجاب العالم كله ثم انحرفت وشوهت بهدف اسقاطها والقضاء لهذا لابد من إصلاحا وترتيب البيت من الداخل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا حتي تكون ثورتنا مثل أي ثورة ناجحة في العالم ادت للاستقرار وزيادة الانتاج.