د. جمال حشمت-د. فوزىة عبد الستار-د. سعد الدىن الهلالى-د. سىف الىزل د. جمال حشمت: دليل علي غياب دولة القانون.. واللجان الشعبية ليست بديلاً عن الشرطة المستشار صلاح أبورجب:لا يجوز للأهالي قانونا القصاص من المجرمين ولابد من تقوية الجهاز الأمني بين الحين والآخر، اعتدنا في مصر علي أن نري ونسمع ونقرأ عن قيام مجموعة من المواطنين بقتل وسحل بلطجية ولصوص تنفيذا لحد الحرابة المنصوص عليه في القرآن الكريم، وكان آخر هذه الحوادث في محافظة الغربية، حيث قام أهالي المحافظة في أقل من يومين خلال الأسبوع الماضي بسحل وقتل خمسة أفراد وصلبهم علي أعمدة الإنارة والتمثيل بحثثهم لاتهامهم بارتكاب جرائم الخطف والسرقة. وفي ظل الانفلات الأمني والأخلاقي الذي تعيشه مصر حاليا، ومع الضعف والخلل الذي أصاب الأجهزة الأمنية، وجد المواطنون في تطبيق حد الحرابة علي البلطجية واللصوص حلا لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من بطش البلطجية بهم بدلا من تسليمهم للجهات المعنية بذلك وفي التحقيق التالي تفتح " أخبار اليوم " هذا الملف الساخن لرصد أسباب هذه الظاهرة وسبل وطرق مواجهتها. د. جمال حشمت عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة أن أحداث القتل والسحل للبلطجية علي يد المواطنين، والتي شهدتها بعض محافظات مصر في الفترة الأخيرة دليل علي غياب دولة القانون، مستنكرا حدوث ذلك تحت أي مسمي، ومشددا علي ضرورة تقنين عمل اللجان الشعبية لتحقيق الأمن في الشارع المصري. وأشار د. حشمت إلي أن اللجان الشعبية لا يمكن أن تكون بديلاً عن الشرطة، ولكن تقنين عملها يعد إجراء احترازيا في حالة غياب الشرطة بسبب ما عانت منه في الفترة الاخيرة، مؤكدا أن مسألة تحقيق أهداف الثورة المصرية أصبحت الآن في خطر بسب غياب القانون والشرطة مما سيؤدي الي محاولات لاسقاط الوطن من قبل الثورة المضادة المستفيدة الوحيدة من الأحداث الحالية، خصوصا من يحاولون تشويه صورة الاخوان والاسلاميين من خلال اتهامهم بأنهم المسئولون عن كل ما تشهده مصر حاليا من أحداث مؤسفة. وأكد د.حشمت أن الفوضي وغياب دولة القانون وراء تفاقم الكثير من المشكلات الأمنية، كما أن عدم تفعيل القانون يؤدي إلي انتشار العنف في المجتمع، ومن ثم لابد من العمل علي تفعيل دور القانون في مواجهة البلطجية، والعمل علي تقوية جهاز الشرطة حتي تسترد عافيتها، وتعمل علي بسط الأمن والأمان في الشارع المصري، وعلي المواطنين أن يتوقفوا عن تطبيق حد الحرابة بأنفسهم، ومن جانبه أوضح د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن هناك مستويين من الفهم بخصوص قيام المواطنين بقتل وسحل البلطجية، المستوي الأول مرتبط بأن الناس لديها إحساس عام بعدم وجود جهاز أمني قوي يحمي الافراد والممتلكات، وبالتالي بدأ المواطنون في التفكير في كيفية أن يحموا أنفسهم بأنفسهم ومن هنا وجدنا حوادث قتل وسحل البلطجية علي أيدي المواطنين تحت مسمي تطبيق حد الحرابة. أما المستوي الثاني فهو يرتبط بتساؤل مهم وهو: لماذا لا يقوم جهاز الأمن العام حالياً بدوره في حماية المواطنين؟ وأجاب عودة عن هذا التساؤل السابق قائلا: النظام العام يكون وفق تصور النخبة الإستراتيجية في البلد، وما يحدث في مصر حالياً هو أن الحكومة تحاول أن تعيد تشكيل وعي الناس لتغيير مفهوم الأمن العام في مصر، حيث ان النظام المصري منذ عهد عبد الناصر هو نظام سلطوي يسير فيه الأمن بنظام، حتي الجرائم فيه منظمة حيث إن وزارة الداخلية لديها طرق ووسائل للعثور علي المجرمين، ولكننا حالياً علي أبواب مفهوم جديد للأمن العام تحاول الحكومة ترسيخه يقوم علي فكرة الأمن الشعبي ومن خلاله يحمي المواطنين أنفسهم بأيديهم، وبالتالي يكون من السهل تكوين المليشيات وهو ما حدث في السودان وإيران والصومال والذي كان نتيجته إنهيار الدولة هناك. وطالب د.عودة رئيس الجمهورية د. محمد مرسي بأن يكون رئيسا غير تقليدي، وألا يخلط بين الدين والسياسة، وإذا أراد الاستقرار لبلاده، فعليه أن يوجه جهده ونشاطه إلي ترسيخ مبادئ دولة القانون، وهي الدولة التي تحمي مواطنيها وفق قواعد وإجراءات قانونية محددة وواضحة. وقال د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس: لا يجوز القبض علي أي مواطن إلا من خلال السلطات المختصة، فنحن لا نعيش في غابة، ومن ثم لا يعقل أن يقوم بعض المواطنين بمحاسبة البلطجي أو اللص وتنفيذ حكم الإعدام فيه دون محاكمة، وهذا الأمر بالطبع سوف يؤدي إلي فوضي عارمة في المجتمع. وقال اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني والاستراتيجي: عندما تغيب دولة القانون، وعندما تغيب حالة الاستقرار والأمن، وتضعف وتنكسر هيبة الدولة بالنسبة للمواطنين فإنه يستباح كل شئ بما في ذلك أخذ الحق باليد لأن المواطن يشعر في تلك اللحظة أن الدولة لا تعطيه حقه، فيفترض أنه يضع القوانين لنفسه وهو مايسمي بقانون الغاب. وأكد اللواء مجدي الشاهد الخبير الامني ان ظاهرة قتل وسحل البلطجية واللصوص من قبل المواطنين باتت منتشرة خاصة بعد ان فقدت الشرطة هيبتها مما أدي الي جعل المواطنين يلجأون الي القصاص بأيديهم، مشيرا الي انهم بذلك يرسلون رسالة للمجرمين بانهم لن يتركوا بدون عقاب حيث ان هناك الكثير منهم يشعرون بغياب القانون مع ازدياد تردي الحالة الامنية، مما يدفع البعض إلي أخذ حقوقهم بيديهم مما يدخلنا في منحدر شديد جدا وازدياد لحالة الفوضي الموجودة. وأوضح اللواء الشاهد أن مهمة القبض علي هؤلاء البلطجية هي حق مطلق للقضاء والداخلية مشيرا الي انه لا يحق لاي مواطن ان يقوم بدور القصاص، ولكن القانون اعطي الحق لرجل الشرطة فقط في القبض علي هؤلاء المجرمين، مؤكدا أن ما يحدث الآن من قتل لهؤلاء اللصوص من جانب الاهالي هي جريمة يعاقب عليها القانون. شريعة الغاب وبرؤية قانونية أكد د. نبيل مدحت وكيل كلية الحقوق بجامعة عين شمس أن غياب دولة القانون المتمثلة في السلطة التنفيذية والتي يرأسها بحكم الدستور والقانون رئيس الجمهورية جعل الجمهور يلجأ الي قانون الغاب والارتداد بدولة القانون الي عصر الانتقام الشخصي، وهو ما يظهر في حوادث قتل البلطجية بأيدي المواطنين، مشددا علي ضرورة أن تتخذ الدولة موقفا حازما لمن يقتصون لانفسهم ويباشرون الاتهام والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ في لحظة واحدة دون مراعاة ما اوجبه القانون والدستور من حقوق المواطنين، والتي تكفل لهم محاكمات عادلة ومنصفة، مؤكدا انه لابد من الضرب بيد من حديد علي فوضي البلطجة، ولابد ان تبدأ الدولة بذلك بإعادة هيبة القانون واستعادة ثقة المواطنين فيه مرة اخري. وتتفق د. فوزية عبد الستار استاذة القانون الجنائي بجامعة القاهرة مع د. نبيل مدحت.. مؤكدة أن الصورة التي انتهي إليها الوضع بالنسبة لهذه الاحداث صورة مؤسفة بكل المقاييس، موضحة أن مصر لم تتعرض لمثل هذه المشاهد والأحداث والمواقف علي مدي تاريخها المعروف. كما أن هذه الأحداث تنال من سمعة مصرعلي المستوي العالمي والاقليمي. وترجع د. فوزية أسباب ظاهرة سحل وقتل البلطجية علي أيدي المواطنين إلي عدم قيام الشرطة بواجبها في حماية الارواح والحريات وحماية القانون بصفة عامة مؤكدة علي انه لو كان المواطن يري ان الشرطة تقوم بحمايته من هؤلاء البلطجية لما لجأ هو وغيره من الجمهور إلي القيام بقتل وسحل البلطجية، وما كانت قد وجدت هذه الفوضي في ظل غياب دولة القانون. مرفوضة قانونيا واستنكر المستشار محمد صلاح أبورجب الخبير في مجال القانون الجنائي قيام المواطنين بقتل البلطجية دون تقديمهم للمحاكمة، مؤكدا أنه لا يجوز للأهالي أن تلجأ للقصاص بنفسها، فقانوناً من المفترض في حالة القبض علي متهم أن يتم تسليمه للشرطة، وهي التي تقوم بالإجراءات اللازمة ضده حتي يتم تحويله للقضاء لكي يأخذ عقابه، ولكن ما يحدث في مصر الآن هو ما يسمي شريعة الغاب، وهو شيء متوقع في ظل حالة الانفلات الأمني والأخلاقي. ويري د. هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر أن قيام المواطنين بمعاقبة المتهمين بأنفسهم هو أمر سيئ للغاية حيث يلغي بذلك دور القاضي وضابط الشرطة، مما يعتبر بداية لانهيار الدولة أمنياً وقضائياً، مستشهدا بما حدث في إيران أثناء الثورة الإيرانية حيث أقيمت محاكم شعبية في الشوارع، وكان يصل عدد المحكوم عليهم بالإعدم إلي ألف واحد يومياً، الأمر الذي استمر لمدة سنتين حتي تحولت إيران إلي دولة الرعب وهو ما لا نريد أن يتكرر في مصر. وأكد بحري أن هناك بعدا نفسيا لهذه الحوادث، مشيرا إلي أن الفكرة كلها تتلخص في أن القدوة في الحكومة حالياً سيئة، فرئيس الوزراء يوعد بأشياء لا ينفذها، وهو ما أدي إلي غياب الثبات الانفعالي عند المواطنين، وبالتالي يتولد عندهم غضب يقومون بتفريغه عن طريق أن يأخذوا حقهم بأيديهم وبالعنف. حرام شرعا وبرؤية شرعية قال د.سعد الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: في حال وجود نظام حاكم يوجد فيه رئيس دولة وجهاز قضاء وجهاز شرطة، لا يجوز للأفراد أن يقوموا بدور الشرطة والقضاء حتي لو كان هناك خلل في هذه الأجهزة كما هو الحال في مصر الآن ، بل يجب أن يكونوا معاونين للقضاء فإذا تم القبض علي المجرمين يتوجب عليهم تسليمهم إلي الجهات الأمنية المختصة، وذلك رعاية لحقوق الجميع أولا حق المتهم في الدفاع عن نفسه، فقد يكون بريئا، وثانياً حق المواطنين منعاً لأن يقوم أهل المتهم بالثأر منهم. وأضاف الهلالي: أن مهمة القضاء هي إقامة العدل ووأد الفتنة في المجتمع أما قيام المواطنين بالقتل وتنفيذ القوانين بأنفسهم فهو نذير للفتنة يمكن أن يتطور إلي حرب أهلية، فإذا أردنا أن نحفظ الدماء في الشعب المصري علينا أن نعلي من شأن القضاء، كما أن القرآن الكريم ذكر أن الفتنة أشد من القتل ومعني الفتنة هي القيام بما يثير الحفيظة بين الأهالي وبعضهم بما يصاحبه من التنازع والتقاتل بينهم، علاوة علي أن تسليم المجرمين للجهات الأمنية فيه تعاون علي البر والتقوي. وبخصوص التمثيل بجثث المجرمين أشار الهلالي إلي أن هذا الفعل فيه اهانة للإنسانية، وقد اجمع الفقهاء علي تحريم ذلك حيث قال النبي صلي الله عليه وسلم: " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. "، موضحا أن المسئولية الكبري حالياً تقع علي رجال الدين والفقهاء .