إذا لم تتحرك الدولة فورا بكل أجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية للوقوف في وجه ما يسمي "القصاص الشعبي" الذي بدأ ينتشر في العديد من المحافظات المصرية وردع كل من يتورط فيه بالقانون فسوف تنتشر شريعة الغاب أكثر وأكثر في كل أرجاء البلاد. وسوف تقوض هذه الجرائم المنكرة ما تبقي من كيان للدولة المصرية. التي أصبحت في نظر العالم مثالا للفوضي والانفلات الأمني وأيضا الأخلاقي. إذا لم يعبر كبار المسئولين في الدولة وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ووزراء الدفاع والعدل والداخلية عن استنكارهم الشديد. وملاحقتهم لكل من يتورط في جرائم قتل المتهمين بالبلطجة والتمثيل بجثثهم والتعامل معهم بالشكل الهمجي المهدر لكرامة الإنسان والذي شاهدناه منذ أيام في طنطا. فسوف تعم الفوضي البلاد من أقصاها إلي أقصاها وستتحول دولة القانون والقضاء العادل التي كثيرا ما افتخرنا بها إلي دولة عصابات يطبق فيها كل إنسان قانونه الخاص ويتهم من يشاء ويقبض علي من يريد ويعدم من يحلو له ويمثل بجثته بالطريقة التي تشبع ميوله ورغباته الانتقامية. ودولة هذا حال شعبها فقل عليها السلام. إذا لم يتم القبض علي الذين تسببوا في إثارة الجماهير للقيام بهذه الجرائم وتقديمهم للعدالة بتهمة القتل والتمثيل بجثث القتلي علي نحو يرفضه الدين والقانون والاجتراء علي السلطات القائمة في البلاد فسوف تدفع الدولة كلها ثمن هذه الجرائم التي يصفق لها البعض ويطلق عليها مسميات كاذبة تزينها في عيون بعض شباب القري وتوهمهم أن ما يقومون به قصاص وما يفعلونه بطولة. لقد شجعت الدولة هذه الجرائم بسكوتها عليها حيث انطلقت منذ شهور في عدد من المحافظات واغمضت الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية ومن قبلها السياسية الطرف عنها حيث رأت فيها ردعا شعبيا ومواجهة لجرائم البلطجة التي ترعب كل المصريين وكانت النتيجة إهدار كرامة الدولة وتشويه صورتها في العالم والدولة التي تشهد هذه الجرائم وينحي فيها القانون جانبا ويتم التعامل مع الإنسان فيها بهذا الشكل حتي ولو كان متهما بارتكاب جريمة هي عنوان كبير للفوضي ولن يأتي إليها سائحا ولا مستثمرا ولن تساعدها منظمة دولة علي تجاوز محنتها الاقتصادية والأمنية. سكوت الدولة علي قيام الجماهير بضبط بعض المتهمين بالبلطجة وقتلهم والتمثيل بجثثهم وتصويرهم بكل أدوات التصوير وتناقل صورتهم عبر وسائل الإعلام لن يحقق الردع المطلوب فقد بدأت عمليات القصاص الشعبي منذ عام ونصف في عدد من قري دمياط والشرقية وفي مدينة دسوق وغيرها ونشرت كل وسائل الإعلام صور جثث البلطجية والجماهير والأطفال تعبث بها في الشوارع ومع ذلك لم يتوقف البلطجية عن ممارسة نشاطهم الإجرامي بل تضاعفت جرائم البلطجة في مصر مما يؤكد أن الحل في معاقبة هؤلاء بالقانون وليس بشريعة الغاب. أنا هنا لا أدفع عن البلطجة ولا أقر بأن للبلطجي حقوقا ولكن أدافع عن كيان الدولة المنوط بها تنفيذ القانون وضبط كل المجرمين وتقديمهم للعدالة لتقتص منهم بعد التحقيق معهم والتأكد من ارتكابهم للجرائم.. كما أدافع عن حق الإنسان الذي كرمه الله وجرم العدوان عليه والمساس بروحه إلا بالحق. أي لا يجوز قتله إلا قصاصا علي جريمة ارتكبها وتستوجب القصاص. وهنا لا يجوز لأحد أن يطلق علي ما شاهدناه في قري الغربية وغيرها اصطلاح القصاص. فالقصاص المشروع هو الذي تقوم به الدولة عن طريق أجهزتها القضائية والأمنية بعد تحقيقات موضوعية وتنفيذ للقانون علي المجرمين. ما قامت به الجماهير في قري الغربية وغيرها من إعدام للمتهمين والتمثيل بحثثهم ليس هو "حد الحرابة" الذي ورد في القرآن الكريم كعقوبة شرعية لقطاع الطرق والمجرمين والمشار إليه في قول الحق سبحانه: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" لأن حد الحرابة تقوم به الدولة من خلال أجهزتها القضائية والأمنية بعد تحقيقات وتأكدت من قيام المتهمين بالجرائم المنسوبة إليهم وهو ما لم يحدث في قري الغربية وغيرها. * * * لذلك لا ينبغي أن يغلف البعض جرائم قتل البلطجية والتمثيل بجثثهم علي النحو المشين الذي شاهدناه بغلاف شرعي حتي لا نرتكب جريمة أخري وهي تشويه أحكام الشريعة الإسلامية والزج بها في مستنقع إجرامي مرفوض دينا وعقلا وقانونا وعرفا. الإسلام الذي نؤمن به ونريد تحكيمه في أمورنا كلها هو الذي جعل قتل نفس بريئة كقتل الناس جميعا وهذا الإنسان الذي نقتله ونمثل بجثته قد يكون بريئا وقد لا تستحق الجريمة التي ارتكبها أن نعدمه ونمثل بجثته فلماذا التسرع والتورط في فعل قد يجلب لنا جميعا غضب الله وعقابه؟ لماذا لا نقبض علي البلطجية ونسلمهم للشرطة لتحقق معهم وتقدمهم للعدالة ولدينا قضاء نفتخر به ونطمئن إلي عدالته؟ لماذا الإصرار علي التورط في مشاهد مؤسفة تهدر كيان الدولة وتؤثر سلبيا علي صورة الشعب المصري الذي عرف بتحضره ورقيه وتعامله الإنساني في كل المواقف؟ المصريون ليسوا همجيين ولا ينبغي أن يظهروا بهذه الصورة الكريهة التي شاهدها العالم في قري الغربية وغيرها. عودوا إلي تعاليم دينكم وقيم وأخلاقيات حضارتكم العريقة يرحمكم الله.