قال تعالي: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" سورة: الملك- الآية: .15 إن رسالة الإنسان في الحياة علي هذه الأرض أن يعمرها بالخير. ويملأها بالمحبة والسعادة وينشر في ربوعها الأمن والسلام. ويضرب في أطنابها باحثا عن كنوزها مستخرجا لمعادنها متعرفا علي خباياها وأسرارها وأن يأخذ بكل ما فيها من أسباب تمده بالحياة وتوصله إلي أهدافه ومراميه وتأخذ بيده إلي الرقي والتقدم. حتي يكون جديرا بالخلافة فيها مستحقا لوراثتها. قال الله تعالي: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" سورة الأنبياء الآية .105 وفي هذا حدث الإسلام علي العمل وترغيب فيه مهما كان نوعه. ومهما كانت درجته. وتقدير للعمال والعاملين. فالعمل جهاد والعمل حياة. وأعني به العمل الجاد النافع المفيد. الذي تسعد به البشرية وتنهض به الإنسانية. عن أنس- رضي الله عنه- قال. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما من يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة. ولقد كان من فضل الله تعالي علي عباده أن خلقهم علي هذه الأرض ويسر لهم أسباب الحياة وأمدهم بوسائل العيش علي ظهرها. يحيون مواتها ويفجرون عيونها. ويشقون صخورها ويخرجون منها زرعا قال سبحانه: "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون" سورة: يس الآية 33-.35 فهذا الرزق الوفير والخير الكثير. والماء النمير. إنما جاء نتيجة سعيهم وثمرة جهودهم وعمل أيديهم ونتاج فكرهم والعمال طاقة تحقق الآمال وتصنع المعجزات. بأيديهم تقام المنشآت. وعلي اكتافهم تقوم المشروعات. وبسواعدهم تتقدم الزراعة والصناعة والتجارة. وبإخلاصهم يتضاعف الإنتاج ويعم الخير. ويسود الرخاء. وهم القوة الضاربة في كل مجالات الحياة وفي جميع ميادينها وآفاقها. فما قامت حضارة في الأرض وما نهضت بلاد وما سعدت أمة وما تقدمت دولة إلا بجهود ابنائها من العاملين المخلصين. الذين ضحوا بأنفسهم لتنهض بلادهم. وماتوا لتحيا أوطانهم وكافحوا لتعيش أممهم فكانوا بحق دعائم نهضة. وقواعد حضارة ونماذج فداء. الإسلام دين العمل يهيب بالعاملين أن يكونوا المخلصين عند تحمل مسئولياتهم ويدعوهم إلي الإحسان في العمل وجودته واتقانه ومضاعفة العمل وزيادة الإنتاج لحل مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الاستهلاك المتزايد ولا يتم ذلك إلا بمراقبة الله تعالي في كل أحوالنا. إن عمر الإنسان هو الفترة الزمنية التي قدر الله له أن يعيشها علي هذه الأرض طالت أم قصرت فهي مجال تقلبه فيها مجاهدا بفعله وفكره وكفاحه وكده. وهو مطالب بحكم الدين والشرع أن يراقب الله في عمله ويمسك بميزان العدل فيأخذ ماله ويعطي ما عليه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم انفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وما أكل الإنسان أطيب مما يأكل من عمل يده وثمرة كفاحه ورسل الله -صلوات الله وسلامه عليهم- كانوا يآأكلون من كسب أيديهم وكانت لهم حرف وصناعات يأكلون من كسبها وقد امتدح رسول الله صلي الله عليه وسلم أكل الإنسان من عمل يده فقال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده". والإسلام يحب للمسلم أن يعيش حياته كريما. ولا يرضي له أن يعيش عالة علي غيره يستمريء الكسل والبطالة وإنما يدفعله إلي العمل ويثيبه عليه عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه مر علي النبي صلي الله عليه وسلم رجل فرأي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن كان خرج يسعي علي ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعي علي أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله. وإن كان خرج يسعي علي نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" وما دام الناس متساوين أمام الدعوة إلي العمل فلا يعاب من هو صاحب مهنة وضيعة. ولا يفاخر غيره صاحب صنعة شريفة فالكل مطالبون بالعمل طالما كان في نطاق الحلال المشروع وكل ميسر لما خلق له وبذلك تتضافر الجهود ويتضاعف الإنتاج وتعمر الديار.