احتدم الجدل حول الحديث في الامور السياسية داخل المساجد ومدي احقية الداعاة والنشطاء في مناقشة القضايا السياسية من فوق منابرها وساحاتها. وتخوف الكثيرين من مخاطر خلط الدين بالسياسة واستغلال المنابر لتحقيق مكاسب حزبية وسياسية. بينما تمسك آخرون بمقولة ان الاسلام دين ودولة ولا يمكن قصر دور المساجد علي العمل الدعوي فقط وعدم التفاعل مع قضايا المجتمع وتقديم رؤية منضبطة لمشكلاته. رفض الدكتور ناجح إبراهيم. القيادي بالجماعة الإسلامية. الخلط بين دور المساجد الدعوي والتربوي والتعليمي والحضاري والعمل السياسي والحزبي والمجادلات والخلافات السياسية. مشددا علي ضرورة ابتعاد المساجد عن المناقشات السياسية وانصراف الداعاة بعيدا عن اقحام المنابر في الصراعات السياسية. خطأ فادح حذر د.ناجح من التساهل مع استخدام المساجد في العمل السياسي وجرها لصراعاته بحجة أن الإسلام دين ودولة. مؤكدا أن البعض يرتدي عباءة الدين ويعمل علي حشد استخدام مفرداته ومنابره لتحقيق مأرب سياسي. وحث المواطنين علي اختيار أشخاص بعينهم والتصديق علي برامجهم والانحياز لمقولاتهم ومواقفهم.وقال إن الخطأ الفادح الذي لا ينتبه إليه بعض من يريدون استغلال المساجد في العمل السياسي هو تجاهل الفروق بين ما هو دعوي وما هو سياسي. مضيفا أن المنابر يجب أن تبتعد عن لعبة التوازنات وحسابات المكسب والخسارة لأنها تحض علي قيم ومبادئ الإيثار وكبح الهوي والطاعة والالتزام الأخلاقي والثبات علي المبدأ. بينما العمل السياسي دعامته الأساسية التنازلات واستثمار الفرص وتوظيف المعطيات التي تحقق الجماهيرية والشعبية حتي ولو كانت مغلوطة وفاسدة ويتجلي ذلك عندما يضطر البعض إلي البحث عن تخريج شرعي لأفعاله ويصبغ التنازلات التي يقوم بها بصبغة دينية كمحاولة للإبقاء علي درجة من الاتساق أمام الناس تحافظ علي ما حققه من مكاسب سياسية علي حساب الشرع ومقاصده.وأضاف أن استغلال المساجد في الدعاية الحزبية والانتخابية للمرشحين أمر لا يقره الشرع ولا يتفق مع رسالة المسجد. مشيرا إلي أن المساجد هي مركز علم وتهذيب وملتقي تعاون وتكافل وتشاور وحجر الزاوية في كل نهضة وإصلاح لان أهدافها التوحيد والهداية والاعتصام بحبل الله وبناء المسلم المتكامل في خلقه وسلوكه وعمله وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وغيره. ويري أن هذه التصرفات والسلوكيات تفقد الناس القدرة علي التمييز بين الغث والسمين ويختلط عليها الفهم الصحيح للدين وقيمه ومقاصده. وقال إن استخدام بعض من يدخلون عالم السياسة للمساجد في الترويج لأنفسهم يؤدي في حالات كثيرة إلي خداع الجماهير والتعمية عليهم وتقديم أفراد لا يملكون المؤهلات الفكرية والأخلاقية والخبرة والدربة المطلوبة لخوض غمار العمل السياسي وخدمة الجماهير وتحقيق مطالبها الأمر الذي يؤثر بالسلب علي بيوت الله ويفقدها مضمونها الاسلامي وما يجب أن تتمتع به من حيدة ومصداقية وقدرة علي جمع الناس وحثهم علي التعاون والتعاضد والرحمة والخيرية باعتبارها مدرسة تربوية ودعوية. منصات سياسية أكد الدكتور مصطفي الدميري. الأستاذ بجامعة الأزهر. أن الإسلام دين حيوي شامل يتفاعل مع الحياة ومتغيراتها ويراعي واقع الناس ومتطلباتهم لا يعرف الفصل التام الموجود في الديانات الأخري بين الدعوي والسياسي. موضحا أن الدعوة الإسلامية هدفها التبليغ بحقائق الدين وتمكينه في واقع الحياة. مصداقا لقوله تعالي: ¢الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور¢. وهو ما يبين شمولية الإسلام وحرصه علي حكم منحي الحياة كلها ورفضه للفصل بين أحكامه والعبادات والمعاملات والشأن العام وتحقيق كل ما ينفع الناس. وشدد علي ضرورة الانتباه إلي المشكلات التي تحدثها السياسة والشبهات التي تصيب العمل الدعوي وتؤثر فيه بشدة. مضيفا أن العمل السياسي يتطلب تصرفات وتقديرات تتسم بالنفعية والمادية. وفي كثير من الأحيان تقديم تنازلات ربما تمس أحكام الشرع واللجوء إلي تفسير القواعد الفقهية بطريقة تخرجها عن مضمونها ومقاصدها. واعتبر أن استخدام المساجد كمنصات سياسية يحقق أضرار كثيرة تعود علي المجتمعات بالفتن. وقال إن الخلط بين الدعوي والسياسي يؤثر في الجماهير التي ترتاد المساجد ويجعلها تقع فريسة التنازع بين الخطابات المتعارضة التي تلجأ في اغلب الأحيان إلي توظيف الخطاب الدعوي لاكتساب الثقة والاستحواذ علي قلوب وعقول الناس الذين يلتبس عليهم ويتعرض كثيرون منهم لحيرة بالغة لعدم قدرتهم علي التفرقة بين ما هو ديني وما هو سياسي. وقال إنه يجب إبعاد المساجد عن السياسة لان ممارستها تتسم بالتنافس الحزبي والمناورات السياسية وعقد الصفقات والصراعات والتحالفات بين المتنافسين والغرماء. مؤكدا أن التجاذب والتعارض والخصومة أبجديات في العمل السياسي وبعض من يدخلون معتركها لا يتقيدون بالقيم والأخلاقيات الإسلامية ويحتكمون في تحركاتهم لقوانين المصلحة المادية التي قد تتعارض بشدة مع منهج الإسلام الذي يحض علي الفضيلة والصدق والأمانة. وذكر أن الأمر يبلغ درجة كبيرة من التعقيد عندما ينخرط بعض الدعاة والرموز الدينية في المعترك السياسي. موضحا أن الخطاب الدعوي في المساجد يتأثر بشدة ويتلون بحسب المواقف السياسية وما يقتضيه الصراع من القبول بتنازلات قد تتعارض مع ثوابت الخطاب الدعوي مما يفقده المصداقية والقدرة علي التأثير وحض الناس علي القيم الفاضلة. مركز حياة المجتمع قال الشيخ منصور الرفاعي عبيد- وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة الأسبق- إن مكانة المسجد في الإسلام عظيمة فهو مؤسسة حياتية شاملة متعددة الأدوار. مضيفا انه رمز الحياة الإسلامية ومحور اهتمام المسلمين وأساس الدعوة وحوله يتجمع نشاط المسلمين بكل مظاهره وصوره. ويقول الله تعالي:¢ إنما يعمر مساجد لله من امن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة واتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين ¢ التوبة 18. وأوضح أن أهمية المسجد برزت عندما حرص الرسول- صلي الله عليه وسلم- أن يكون أول عمل بعد هجرته إلي المدينة هو تأسيس مسجده -صلي الله عليه وسلم- ووردت عنه- عليه الصلاة والسلام- أحاديث كثيرة تبين مكانة المسجد منها. قوله- صلي الله عليه وسلم: ¢ أحب البلاد إلي الله تعالي مساجدها ¢. وأيضا: ¢إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ¢. مؤكدا أن الله تعالي توعد الذين يسعون في خراب المساجد ويمنعون ذكر الله فيها بالخزي والهوان في الدنيا وأشد ألوان العذاب في الآخرة. ويقول تعالي: ¢ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم¢ البقرة 114. وقال إن الإسلام لم يقصر رسالة المساجد علي أداء الصلوات الخمس فقط. بل تعداه إلي جعله المركز الذي تدار فيه حياة المجتمع وعلي نور رسالته تسير حياة الناس. موضحا أن المسجد في صدر الإسلام كان جامعة يتخرج منها العلماء والفقهاء والقادة والمصلحون. وساحة للتداول في الشؤون العامة مثل ترسيخ مفاهيم الأخوة في الدين والإخلاص في العمل وشروط الحاكم الصالح وأهمية المشاركة في الحياة العامة والتضامن والتعاون لتيسير شئون المجتمع والمساهمة في حل أزماته ومعالجة مشكلاته. أكد أنه لا يجوز استغلال دور العبادة لتحصيل مكاسب سياسية لحزب أو لغيره. مشيرا إلي أن المسجد أوسع من اختزاله في مكاسب سياسية وأرحب في أن يختزل في الدعاية السياسية لحزب أو تيار أو فصيل. لان الترويج للسياسة الحزبية وحث المواطنين علي التصويت لاتجاه معين أو تحديد التصويت لحزب أو مرشح يخرج المساجد عن رسالتها ويحولها إلي ساحة تنازع وتطاحن وتنابذ. ويمكن أن تكون مكان لعقد الندوات واللقاءات الفكرية التي توحد الصفوف وتحض علي المحبة والود والتعاون والتضامن بين الناس.