أنا نادم علي سنوات عملي في الأوقاف "يا خسارة عمري الذي ضاع" ونادم علي أني تعلمت بالأزهر الشريف. وكان الأشرف لي والأكرم أن أجلس في الطرقات وأمد يدي لأتسول من الناس بدلاً من العمل بوزارة تنادي بالحق والعدل والمساواة بين الناس فيما تعتبرني مواطناً من الدرجة الثانية وتحرمني من كل حقوقي الوظيفية لأني كفيف البصر وتستغل هذا الابتلاء الإلهي لإهدار كرامتي ليل نهار بزعم أني غير سليم الحواس. بهذه الكلمات المفعمة بمشاعر الأسي والحزن والدموع استهل الشيخ أحمد علي أحمد إمام مسجد صلاح الدين ببورسعيد حديثه "لجريدة عقيدتي" وقال الشيخ أحمد: أنا من حفظة القرآن الكريم وأحد أقدم الأئمة ببورسعيد وأعمل بالأوقاف منذ 31 سنة ومنذ تخرجي من كلية أصول الدين جامعة الأزهر دفعة 1983 وحصلت علي درجة "كبير" من حوالي خمس سنوات وكل تقديراتي الوظيفية امتياز.. ورغم ذلك لم أحصل علي أي ميزة تذكر طول عمري لأني كفيف ووزارة الأوقاف لا ترحم أصحاب الأعذار. ولو طالوا أن يحرموني من الأكل والشرب لفعلوا ذلك في الوقت الذي يحصل الأئمة الجدد من الشباب علي رحلات الحج والعمرة وبعثات خارجية وغيرها ونحن نتفرج دون أي اعتبار لعامل السن والخبرة. رغم أنني تتوافر فيَّ جميع الشروط والمعايير التي تحددها الوزارة. لا أنني كفيف. * ما هي معايير تقييم الإمام ببورسعيد؟ ** الشيخ أحمد علي: للأسف الشديد المعايير كانت تعتمد في الفترة الماضية علي تقبيل الأيدي وإهداء ما خف وزنه وثقل ثمنه ومن يحمل الشنطة ومن يرسل زوجته للخدمة في بيت المدير العام وكان هؤلاء يعملون بالمساجد التي يحصل فيها الإمام علي راتب شهري من رواد المسجد بواقع ألف وألفي جنيه. أما أنا فقد تم نقلي من مسجد الإمام الحسين الذي كنت أعمل به لأكثر من عشر سنوات وقال لي المدير العام الأسبق محمود بدران بالحرف الواحد "سيتم نقلك من هذا المسجد لأنك أعمي مابتشفش" ولو كان الأمر بيدي لوضعت لنفسي عشر عيون. والحق أني ومنذ هذا اليوم لم أقرأ كتاب ولم أراجع القرآن ولا أرغب في العمل. أمن الدولة * وماذا عن الخطابة في مساجد شركات البترول والتي يعار إليها دعاة وخطباء من وزارة الأوقاف؟ ** الشيخ أحمد: شركات البترول حكر علي عدد معين من الأئمة وتخضع للأهواء ونحن نذهب لهذه الشركات مرة واحدة في العام وفي مرحلة ما بعد الثورة ظل الوضع علي ما هو عليه. وليس الأمر يقتصر علي شركات البترول والمساجد الكبري بل نحن محرومون من البعثات الخارجية للدول الأخري في شهر رمضان ولا يسمح لنا بالإعارة لأي دولة عربية أو أوروبية. وكذلك محرم علينا العمل بالمحافظات النائية حتي داخل المحافظة ممنوع علينا إلقاء أي محاضرات بمعسكرات الشباب أو المعسكرات الصيفية وحتي محاضرات المجلس القومي للسكان وتنظيم الأسرة والمعاهد والكليات وكلها أماكن تصرف بدل مادي للإمام مقابل إلقاء هذه المحاضرات أو الخطب. وعندما كنا نعترض يتم التعامل معنا من خلال مباحث أمن الدولة التي كانت سيف مسلط علي رقاب الأئمة خاصة ببورسعيد. الداعية العجلاتي * كيف تري أسلوب الدعوة والدعاة الآن في بورسعيد؟ ** الشيخ أحمد: لا أريد أن أتحدث عن الدعوة بالمحافظة ولكن يكفي أن تعلم أن من بين خطباء المكافأة التي تعتمد عليهم الأوقاف ببورسعيد من يعمل عجلاتي وسائق تاكسي وبتاع فطير وسماك لذلك لابد من إعادة تقييم هؤلاء. وعمل دورات تدريبية للسادة الأئمة في اللغة العربية والخطابة والقرآن الكريم أسوة بالدورات التي تتم للأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن الأخري وذلك للارتقاء بمستوي الدعوة والاستعانة بقدامي الأئمة من أبناء الأوقاف علي المعاش بعقود مناسبة لإثراء الدعوة. رهن المحبسين * عقيدتي: ما هي مطالب الأئمة المكفوفين بالمحافظة؟ ** الشيخ أحمد علي: هناك حوالي ستة أئمة مكفوفين ببورسعيد أنا واحد منهم متزوج وأعول ثلاثة أولاد ورغم ذلك لا يتعاملون معي علي أساس أني إنسان مثل باقي البشر ولي مطالب واحتياجات لذلك فنحن نطالب فضيلة الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف بأن يساوي بين الإمام الكفيف والإمام المبصر في البعثات الخارجية ورحلات الحج والعمرة والمعسكرات الصيفية أو تعويض الإمام عن ذلك وأحب أن أقول للوزير إن القاضي الذي يتعامل مع الخارجين عن القانون يحال للمعاش في سن 70 فما بالنا بالإمام الذي يتعامل مع جميع شرائح المجتمع وأنا أطالب بمد سن المعاش للإمام الكفيف حتي سن 65 سنة تقديراً لظروفه وتكريماً له وأسوة ببعض مشايخ الأوقاف الذين تم السماح لهم بالعمل حتي سن 65 سنة. لأن الإمام المبصر يمكن أن يعمل عندما يحال للمعاش بأي عمل أما الإمام الكفيف فسوف يظل رهن المحبسين العمي والبيت وسوف يجلس في انتظار الموت. وإذا كان الراتب مع الحوافز غير كاف نظراً للدروس الخصوصية والمواصلات وارتفاع أسعار المواد الغذائية فماذا نفعل عندما نحال لسن المعاش. * عقيدتي: وماذا عن الكادر الجديد للدعاة؟ ** الشيخ أحمد علي: تطبيق الكادر الجديد سوف يرتقي بمستوي الإمام ويوفر له حياة كريمة آدمية بعد سنوات من المعاناة التي كان الإمام يضطر للعمل صباحاً وإمامة الناس بالمسجد ليلاً. وهناك زميل لنا كان يعمل نهاراً في محطة بنزين ويغسل السيارات وللأسف كان بعض رواد المسجد الذي يعمل به يرونه في هذا الوضع المزري ونحن نؤكد علي أن الإمام يخاطب العقول والألباب لذلك لابد أن توفر له الدولة حداً أدني بالكادر يعينه علي الحياة الكريمة وتحصيل العلم الذي هو أساس عمل الداعية.. ولكن لابد من مراعاة الأئمة الذين يحالون لسن المعاش قبل تطبيق هذا الكادر لأن هناك الكثير من الأئمة الذين أفنوا عمرهم في مجال الدعوة وقد لا يطبق عليهم هذا الكادر. كما نطالب بمراعاة زيادة مكافأة نهاية الخدمة لمن لن يحالون لسن المعاش قبل تطبيق الكادر بشهور. * عقيدتي: ما هي أمنيتك الأخيرة؟ ** الشيخ أحمد علي: اسمح لي أن أخاطب الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف وأقول لماذا يتم منع الإمام الكفيف "غير سليم الحواس" من أداء شعائر العمرة والحج وهل هذه الأماكن محرمة علينا. أنني سوف أحال لسن المعاش بعد شهرين ولم يتم إدراج اسمي طوال مدة خدمتي بهذه الرحلات ولم أحصل علي أي ميزة من الأوقاف لأني كفيف.. في الوقت الذي يتم فيه تكريم أصحاب المهن الأخري الراقصات والفنانات لذلك أطالب الوزير بإدراج اسمي في هذه الرحلات أنا وزوجتي التي عملت معي وكانت تساعدني وتأخذ بيدي للذهاب للمسجد منذ أن كنا مجرد 12 إماماً فقط ببورسعيد وكنا نخطب الجمعة بقري بحر البقر بالجنوب ونصلي العشاء في قري الجربعة في الغرب. وإذا لم يوافق فأقول له كتر خيرك.. كما أطالب بتعيين أبناء المكفوفين كإداريين بالأوقاف.