لا شك أن في مصر أزمة كهرباء.. انقطاع التيار المستمر وما يترتب عليه من مشكلات يثير حفيظة الجميع.. وفي ظل تصريحات المسئولين المتعددة حول انقضاء الأزمة خلال الأشهر القادمة.. كيف نساهم نحن المواطنين في التقليل من وطأة المشكلة.. وما هو واجبنا تجاه ما يحدث الآن. "عقيدتي" ناقشت المشكلة مع الخبراء والمتخصصين .. فماذا كانت رؤيتهم؟ * في البداية أوضحت الدكتورة ماجدة شلبي -أستاذ الاقتصاد- أن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي التي تعيشها مصر هذه الأيام ناتجة عن وجود فجوة هائلة بين طاقات الانتاج وطاقات الاستهلاك. وهذه المشكلة يمكن علاجها والتغلب عليها -من وجهة النظر الاقتصادية- في جانبين: جانب العرض وجانب الطلب.. فبالنسبة لجانب العرض فمصر لديها طاقات انتاجية كثيرة و موارد غير مستغلة مثل الطاقة الشمسية. فنحن نتميز عن باقي بلدان العالم بوجود الشمس طوال العام فهذه الطاقة الشمسية الهائلة يمكن استغلالها وتوليد الكهرباء منها.. لكننا لا نلتفت إليها ولا نعيرها أدني اهتمام.. وكذلك لدينا مساقط المياه التي لو استغللناها لولدنا منها كميات هائلة من الكهرباء والطاقة الذرية وطاقة الرياح. فمصر تعد أقدم الشعوب التي كانت تستغل الرياح في توليد الطاقة. لكنها توقفت منذ عقود. ولا أجد سبباً لذلك سوي الإهمال.. فلو نجحنا في استغلال كل هذه الموارد سالفة الذكر فلن توجد لدينا أية أزمة في الكهرباء.. لكن المهم هو التنظيم وحسن التخطيط. أضافت: أهم شيء في علاج أي مشكلة اقتصادية. وليس مشكلة الكهرباء فقط. هو الكفاءة التخطيطية المثلي في استغلال المورد المتاحة. وهذا ما نتمني أن يكون في برنامج المسئولين وعلي رأسهم رئيس الجمهورية في الأيام القادمة.. هذا بالنسبة لجانب العرض.. أما بالنسبة لجانب الطلب فأهم شيء فيه هو الترشيد وحسن الاستخدام. فنحن للأسف الشديد نُعد ونصنّف أكثر مجتمعات العالم إهدارًا للموارد وليس للكهرباء فقط.. تماماً مثل مشكلة الخبز. فنحن نشتري أكثر من احتياجاتنا. مما يجعلنا نفقد كميات كبيرة في سلة المهملات. لم نعد في حاجة إليها. .. لذا لا بد أن نركز علي حسن استغلال الموارد الاقتصادية وترشيد استعمالها للعبور بسلام من أي مشكلة تواجهنا. ولابد من تقدير قيمة كل شيء وعدم التعامل مع الموارد باستهانة.. تماماً مثل مشكلة المياه. فنحن أقرب ما نكون للدخول في أزمة مياه. ورغم ذلك نسرف بشكل غير معقول وغير منطقي في التعامل مع المياه. مجتمع أمي أرجعت د. ماجدة سوء استخدام الموارد هذا إلي ارتفاع نسبة الأمية بين أبناء المجتمع المصري حيث يوجد أكثر من 40% من المجتمع أمي. وكذلك الدور السلبي الذي تقوم به وسائل الاعلام لاسيما الاعلام المرئي الذي ينفق ملايين الجنيهات علي أشياء تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع. ولا يقدم رسالة واحدة هادفة ونافعة للمجتمع. طالبت بعمل حملات توعية للموارد وحسن استغلال الطاقات. كما طالبت بأهمية النهوض بالبحث العلمي والتعليم لتتحول مصر لدولة ناهضة ومتقدمة مثل ماليزيا والصين والبرازيل لأنه ليس من المنطقي أن البلدان التي كانت تمنحها مصر منحاً في الخمسينيات تفوقت عليها اليوم وأصبحت تنافس الدول المتقدمة. ونحن تأخرنا هكذا.. لعشرات السنين!! وشددت علي ضرورة التعاون ومؤازرة كل طبقات المجتمع لبعضهم البعض لخروج من عنق الزجاجة وعبور هذه الأزمة الطارئة. الانتماء .. هو الحل * أكدت الدكتورة أمينة كاظم -أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس- علي وجود أياد خفية تعبث بأم مصر واستقرارها وهذه الأيادي لن تسعد إلا بقلقلة المجتمع المصري وافتعال المشكلات له. وآخرها مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في كل محافظات مصر وسرقة كابلات الكهرباء من مؤسسات حيوية كمترو الأنفاق والمستشفيات والبورصة والبنوك! أنانية أضافت: هذا الكلام ليس جزافياً ولا اتهاماً لأحد. إنما ثبت علي أرض في الواقع وجود أناس وراء أعمال سرقة كابلات الكهرباء التي كانت لسنوات طويلة بلا حارس. لكن في ظل هذه الأزمة الطاحنة التي نعيشها جميعاً يرفض كل منا -من منطلق الأنانية- المساهمة في حل المشكلة رغم نصيحة الخبراء والمتخصصين وكذلك المسئولون بأن يقوم كل إنسان بفصل الكهرباء عن منزله ساعة واحدة كل يوم. إلا أن ر د الفعل سلبي للغاية ووجدنا وسمعنا أصواتاً تتعالي بالضجر والضيق من هذه النصيحة رغم أنها ليست اختراعاً خاصا بنا. إنما هو أمر متعارف عليه في كل بلدان العالم. وليس هذا فحسب. فقد رأينا اعلان أصحاب المحلات حالة العصيان بسبب التصريح لهم بضرورة أن يغلقوا محلاتهم في التاسعة مساءً. .. لذا أري أن المشكلة الأساسية في مصر ليست انقطاع الكهرباء ولا نقص الخدمات إنما هي انعدام الانتماء هذا الوطن. وهذا ما نجح في صنعه بجدارة رموز النظام السابق حيث جعلوا كل إنسان يبحث عن مصلحته الشخصية. ولا يعبأ بمصلحة الوطن والمصلحة العامة. .. فلن تحل أي مشكلة اجتماعية أو اقتصادية إلا بتكاتف الجميع وتلاحمهم وتفضيل الصالح العام علي المصلحة الشخصية. إعلام مغرض انتقدت بشدة الاعلام المغرض الذي لا هم له سوي إثارة الناس وشحنهم وتضخيم المشكلات عن طريق تسريب الأخبار الكاذبة دون التحقق منها. ورغم أن هؤلاء قلة إلا أنهم مؤثرون بقوة في الرأي العام.. لذا لا بد من إعادة النظر في أمرهم ووضع ضوابط ومواثيق شرف تسمح لهم بالعمل بحرية. لكن بما يضمن الحفاظ علي أمن واستقرار البلاد لتخطي هذه المرحلة الحرجة. ثقافة المجتمع * تناولت خيط الحديث الدكتورة زينب النجار -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر- قائلة: للأسف الشديد لقد تغيرت ثقافة المجتمع المصري وتبدلت قيمه حيث طفت المادة والمصلحة الشخصية علي تفكير كل إنسان واختفت مصلحة الوطن والبلاد. وذلك علي العكس تماماً مما كنا عليه قديماً. فقد كنا وقت الأزمات تتعاون وتتكاتف ونؤثر بعضنا في بعض .. أما اليوم فكل واحد لا يفكر سوي في مصلحته وتحقيق رغباته واحتياجاته ولا يهمه الآخرون! أضافت: من غير المقبول قطع الكهرباء عن مؤسسات حيوية كالمستشفيات لأن بها مرضي في غرف العمليات. وأطفالاً بالحضانات وقطع الكهرباء يهدد حياتهم بالخطر. ولكي تعمل هذه المؤسسات بانتظام كان البديل أن يفصل كل منزل الكهرباء عن منزله لمدة ساعة. لكن الناس رفضت بشدة ولم يعيروا هؤلاء المرضي أي اهتمام. كما انهم يرفضون بشدة الوقوف بجانب هذه الحكومة التي ورثت إرثاً ثقيلاً. وأصبح ملقي علي عاتقها حل كل المشكلات.. لكن أي مشكلة مهما عظمت أو تعقدت لن يستطيع طرف واحد حلها. فلابد من مشاركة الجميع ومساعدتهم إذا كنا نريد الخير لنا ولغيرنا لأننا جميعاً في مركب واحد وإذا غرق سيغرق بنا جميعاً. وإذا نجا سينجو الجميع. الوجهة الشرعية * وعن وجهة النظر الشرعية في هذا الموضوع قال الدكتور عبدالفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر: سوء استعمال الكهرباء طوال العام وفي شهر رمضان علي وجه الخصوص بلغ حد السفه في دولة مثل مصر تمر بمرحلة انتقالية ومعظم مرافق الانتاج بها مصابة بالشلل ومعطلة. فحالة الاضطراب المتفشية في مؤسسات ومرافق مصر والتي ترتب عليها كثرة استهلاك الكهرباء. فضلاً عن عدم قيام مصلحة الكهرباء والطاقة بواجبها في التنبيه علي الناس بالوسيلة المثلي لترشيد الطاقة وحسن الاستخدام والتنويه كذلك إلي أوقات قطع التيار الكهربائي عن الأحياء المختلفة كل هذا أفضي إلي حدوث نوع من البلبلة وإلحاق أضرار بالغة بمؤسسات حيوية كالمستشفيات. وما ترتب عليه من وفاة بعض الأطفال. كما نشرت بعض وسائل الاعلام.. فكل هذه الأضرار لم تعد خافية علي أحد. لذا يجب الاقلاع عن هذه العادة السيئة وهو المبالغة في الاحتفاء بالشهر الكريم وترشيد الاستهلاك داخل المنازل كأن تجتمع الأسرة في غرفة واحدة ولمبة واحدة بدلاً من إضاءة كل أنوار المنزل وكل أجهزة التكييف به. فهذا سلوك اقتصادي وديني يحافظ علي الكهرباء ويقلل من الاستهلاك في هذه المرحلة الحرجة.. هذا فضلاً عن أنه يحافظ علي المال. أضاف: كل ما أفضي إلي ضرر فهو محرم شرعاً لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" ومن ثم فإذا كانت الوسيلة للابتعاد عن هذه المحاذير الشرعية هو إغلاق المحال التجارية في وقت معين من الليل وتقليل استعمال الكهرباء في المنازل عند عدم الحاجة إليها فهذا واجب ديني وقومي.. كما أنه وسيلة إلي أمر واجب.. والوسيلة تأخذ حكم الغاية. فتلك قاعدة شرعية مقررة في شرع الله.. فإذا كان الإسراف محرّما وإضاعة المال محرّما وإلحاق الضرر بالناس محرّما. وكانت وسيلة تلافي هذه المحرمات هي تنظيم استعمال الطاقة وتحديد استعمالها بأوقات معينة في اليوم والليلة. فإن ذلك يكون واجباً علي كل إنسان ولولي الأمر سلطات مطلقة في هذ الأمر باعتبار أن من يخالف أمراً شرعياً لولي الأمر أن يعززه بالعقوبة التي تناسب حاله.. فإن كان المخالف قد منح رخصة لمزاولة نشاطه في محل تجاري أو نحوه. فبالوسع أن يسحب منه هذا الترخيص ويعاقب بإغلاق هذا المحل لمدة زمنية معينة تكون رادعة له ولأمثاله وضمان عدم تكرار هذه المخالفة مرة ثانية. هذا بالإضافة إلي فرض الغرامات علي هؤلاء المخالفين وقد منح الشارع ولي الأمر هذا الحق أن يعذّر بالغرامة والحبس كل مخالف إذا كان ذلك هو الوسيلة لردع المستهتر والمخالف. أكد أنه قد مضي زمن الانفلات والعصيان وأعمال البلطجة والتي لا يتصور أن يسمح بوجودها في مستقبل هذا المجتمع الذي استصلي بنارها عشرات السنين وعلي ولي الأمر أن يضرب بيد من حديد ولا يخشي في الله لومة لائم في حق هؤلاء المخالفين مهما كان عددهم وحجمهم وتأثير نشاطهم في المجتمع لأن ذلك ما يمليه عليه منصبه الشرعي باعتبار أن ولايته منوطة بالمصلحة العامة وليست بمصلحة أفراد أو فئة معينة دون غيرها.