يتصور البعض أن الصلاح أمر هين وأمر ميسور لكن الصلاح غاية للرُسل والأنبياء بل لقد بين ربنا - جل وعلا - أن الصلاح سبب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة والصلاح غاية من الغايات ومقصد من أهم المقاصد الكل ينادي الآن بالتغيير والإصلاح لكن ما حقيقة هذا الإصلاح ما حقيقة هذا التغيير الذي ينادي به الكل الآن. اعلموا يقيناً أنه لن يقع إصلاح حقيقي في أمتنا عامة وفي مصرنا خاصة إلا إذا حققنا ابتداء هذا الصلاح ليكون سبيلاً لنا لتحقيق الإصلاح الذي ننشده والذي يسعدنا في دنيانا وأخرانا. أول خطوة عملية علي طريق الصلاح صلاح القلوب والله الذي لا إله غيره لن ينصلح حالنا بتعديل الدستور ولن ينصلح حالنا بسن القوانين ولن ينصلح حالنا حتي بما ينادي به الآن ممن يسمون بالنخبة أبداً طريق الإصلاح هاهنا أول خطوة عملية علينا أن نصلح جميعاً قلوبنا القلب رمز الحياة وحقيقة الإنسان فهو في الدنيا جماله وفخره وفي الآخرة عدته وذخره له في جسم الإنسان المكانة الأولي وله علي الجميع الجوارح اليد الطولي فهو القائد والجوارح جند له وخدم وهو الملك والأعضاء تبع له وحشم إذا صح صح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله اتحد شكله في كل البشر واختلفت حقيقته بعدد البشر فقلب أصفي من الدرر وقلب أقسي من الحجر قلب يعلوا إلي عليين وقلب يهوي إلي درك الشياطين قلب يجول حول السماء وقلب يجول حول الخلاء قال إمام الأنبياء كما في الصحيحين من حديث النعمان وفيه: "آلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد آلا وهي القلب" هل تعلم أن ربنا جل وعلا قد جعل النجاة في الدنيا والآخرة معلقة بهذا القلب بشرط أن يكون سليماً "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالى وَلا بَنُونَ" "88" "إِلاَّ مَنْ أَتَي اللَّهَ بِقَلْبي سَلِيمي" "89" الشعراء. فلا تعجب إذا علمت أن القلب محل الكفر والإيمان نعم القلب محل الإيمان والكفر القلب محل الهدي والضلال القلب محل الولاء والبراء القلب محل الحب والبغض القلب محل الطاعة والمعصية وكذلك القلب محل الطبع والران والزيف والقتل والعمي والصرف إلي غير ذلك من الأمراض لذا كان القلب محل نظر الرب كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالي لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أقوالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم". فلا نجاة ولا إصلاح إلا بصلاح القلوب إلا بسلامة القلوب هذه هي الخطوة العملية الأولي علي طريق التغيير والإصلاح الذي ننشده. لا يمكن أبدا أن تُكلف إنساناً بغض بصره عن الحرام أو بكف لسانه عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور وترويج الإشاعات الباطلة لا يمكن أن تكلف إنساناً بالامتناع عن الرشاوي والفساد والظلم والاستبداد والهوي .ولا يمكن أن تكلف إنساناً بعدم البلطجة . ولا يمكن أن تكلف إنساناً بعدم التعدي علي حقوق الآخرين وعدم التعدي علي أموالهم وانتهاك أعراضهم إلي غير ذلك وهو يحمل قلباً مريضا فضلاً عن أن يكون قلبه ميتاً فقد يموت القلب وصاحبه لا يدري وقد يمرض القلب وصاحبه لا يدري فالقلب السليم هو الذي سلم من شرك يناقض التوحيد ومن بدعة تناقض السنة ومن غفلة تناقض الذكر ومن شهوة تناقض الأمر ومن هوي يناقض الإخلاص وهذه شروط سلامة القلب ابحث عنها أيها الحبيب اللبيب ويا تري كم حققت من هذه الشروط الآن؟ لا يسلم قلبك إلا إن حققتها كاملة . ولا يسلم القلب حتي يسلم من خمسة أشياء : من شرك يناقض التوحيد فالتوحيد قضيتنا الأولي قضية المسلمين الأولي والإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم هذه الشريعة كل شئون الحياة ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم فالتوحيد قضية الرسل الأولي وقضية الأنبياء الأولي ما من نبي ولا رسول إلا ودعا قومه أول ما دعاه إلي تحقيق التوحيد والتخلص من الشرك كله والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اتخاذ الند للرحمن أياً كان من حجر ومن إنسان يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان فحقق التوحيد حبيبي في الله واحرص علي تجديد الإيمان في قلبك واعلم أن هذا هو أول واجباً عليك في هذا الوقت وفي أي وقت حتي تلقي الله سبحانه وتعالي . ولا يسلم القلب حتي يسلم من بدعة تناقض السنة لا يقبل الله عملاً منا إلا بهذين الشرطين "بالإخلاص والإتباع"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.. "5" البينة. فلابد أن نحقق الإخلاص والاتباع للنبي صلي الله عليه وسلم ولا يسلم القلب حتي يسلم من غفلة تناقض الذكر "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". "152" البقرة. ألا تري أن كثيراً من الخلق الآن في غفلة مطبقة؟ ألا تتفق معي أن كثيراً منا قد استغرقته الأحداث والأخبار الجارية إلي الحد الذي ترك فيه الأذكار الثابتة؟ ألا تتفق معي أن كثيراً منا قد فرط في الفروض قد فرط في الصلاة قد فرط في القرآن قد فرط في الأذكار قد فرط في الذكر والعبادة؟ ألا تتفق معي إن نظرت إلي الواقع نظرة متجردة. أنا لا أقول لا تتابع الأخبار ولا أقول كن بعيداً عن الواقع وإنما أقول لا ينبغي أن يستغرقنا الواقع والأحداث المتلاحقة إلي الحد الذي نغفل فيه عن ربنا جل وعلا وعن عباداتنا فالعبادة الآن في هذا العصر أجرها كأجر هجرة من مكة إلي المدينة إلي النبي محمد كما في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار العبادة في الهرج كهجرة لا تغفل عن الذكر فربنا جل وعلا يقول في الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني" يا لها من معية النصر والمدد والحفظ والتأييد وهذا ما نريده في هذه الفتن الحالكة التي نعيشها. الآن لا تغفل عن الله فأهل الغفلة في ضلال "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبى لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنى لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانى لاَّيَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" "179" الأعراف. يجب علينا أن نتعهد قلوبنا وأن نجتهد ما استطعنا في إصلاح قلوبنا فلن يتحقق الإصلاح الذي ننشده علي أرض الواقع إلا إذا صلحت قلوبنا وتطهرت من كل أمراضها من الشرك من النفاق من الرياء من الهوي من الشهوات من الشبهات من الأحقاد من الحسد من الضغائن إلي غير ذلك. والخطوة التالية صلاح النفوس فالنفس أمارة بالسوء تأزُك أزاً علي المعصية وتحول بينك وبين طاعة الله والناس صنفان صنف قهر نفسه وملكها وألهبها بسياط الخوف والمراقبة لله جل وعلا وحملها حملاً علي الطاعة. فالنفس أيها الشباب كالطفل الرضيع الطفل إن فطمته أمه في أول ليلة ملأ البيت ضجيجاً وصراخاً ثم يخف بكاؤه في اليوم التالي فإذا أعطته أمه ثديها في اليوم الثالث رفض . كذلك النفس إن فطمتها عن المعصية وألجمتها بلجام التقوي انفطمت صرخت في وجهك في أول الأمر وبينت لك أنك لا تستطيع السير علي هذا الدرب فإن ألهبت ظهرها بسوط الخوف من الله وبسوط المراقبة لله انقادت لك وسكنت وملكتها أنت وقدَّها وقادتك إلي كل خير في الدنيا وإلي الجنة في الآخرة. تزكية النفوس أمر جلل أمر جليل أمر كبير تزكية النفوس بالطاعة التزكية النفوس بالبعد عن المعصية بالبعد عن الشهوات والشبهات وهذا الأمر يحتاج إلي مجاهدة "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" "69" العنكبوت. قف مع نفسك وقفة صدق فالعمر يجري الأيام تمر والأشهر تجري وراءها تسحب معها السنين وتجر خلفها الأعمار وتطوي حياة جيل بعد جيل وبعدها سيقف الجميع بين يد الملك الجليل للسؤال عن القليل وعن الكثير قف مع نفسك وخاطبها بصدق وحاسبها بأمانة وقل لها:¢ويحك يا نفس إن كنتِ تعتقدين أن الله لا يراكِ وأنت مقيمة علي معاصيه فما أعظم كفرك به جل وعلا وإن كنت تعلمين يقينا أنه يراكِ وأنتِ مقيمة علي معاصيه فما أقل حياءك منه جل وعلا ¢ حاسب نفسك يا أخي واحرص علي صلاح نفسك وعلي تزكيتها وللحديث بقية العدد القادم إن شاء الله