اقتضت حكمته سبحانه وتعالي أن يخلق الخلق مختلفين في الأشكال والألوان بل والطبائع بل والعقائد والأفكارفلا يمكن علي الإطلاق أن تري اثنين علي وجه الأرض متفقين في كل شيء . قال تعالي: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلسِنَتِكُمْ وَأَلوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَات للعَالمِينَ"22"" الروم فهذا أمر قدري وهذا الاختلاف بين الخلق اختلاف فطري فليس الخلاف مقصوراً علي الدين والعقائد بل وكذلك في الأفكار في الفهم والاستدلال والناس متفاوتون في فهم النصوص وفهم الأدلة ومتفاوتون كذلك في البيان والاستدلال فهذا الاختلاف إذن أمر طبيعي. أمر فطري الناس تختلف حتي في بصمة الصوت وفي بصمة اليد وفي بصمة القدم فلا تري اثنين متفقين في كل شيء بل لا بد أن تري هذا التباين والاختلاف ولكن هل معني ذلك أيها الأحبة أن نختلف فيم بيننا في أي قضية مطروحة إلي الحد الذي يخرج فيه المتحاورون عن أدب الحوار وعن أدب النقاش وعن أصول الحواروأن نقدم العصبية البغيضة وأن نعلي شأنها وأن نعلي شأن المصالح الفردية والنزاعات الشخصية بحيث يضيع الحق في هذا الصراخ وفي هذا التطاحن الذي نراه الآن علي شاشات الفضائيات وعلي الجرائد والمجلات بل وفي الشوارع والطرقات والمجالس والمنتديات بحيث يضيع الحق في هذا الضجيج والصراخ والعويل الذي يسمي بالحوار والحوار له أصول الحوار له أدب وأنا لن أشرق ولن أغرب لأن البعض يتصور أن أصول الحوار إنما هي أصول غربية وأنا أؤكد لشبابنا وأولادنا أن الذي علمنا أصول وأدب الحوار هو نبينا المختار فهذه أصولنا نحن وهذه مبادئنا نحن أصول الحوار في الإسلام ليست شرقية ولا غربية إنما هي أصول محمدية نبوية تنبني علي العدل والأدب والحكمة وصحة القصد وحسن النية واحترام الآخر وعدم إساءة الظن بالآخر وعدم اتهام الآخر أصول يبينها لنا ديننا العظيم ونبينا الكريم صلي الله عليه وسلم. أري أن أول أدب من الآداب الذي ينبغي أن يتحلي بها المتحاورون أن يتحلي الجميع بحسن النية وصحة القصد وطهارة السريرة والطوية فما الهدف من هذه الحوارات الساخنة ثم أيساغ ويستساغ أن نطرح الإسلام الآن قضية للحوار والنقاش؟ أمن المستساغ أن نطرح الإسلام كدين قضية للحوار وللنقاش؟ والجواب: لا ..الإسلام ليس قضية مطروحة للحوارولا النقاش بل الإسلام هو الحاكم علي أي قضية تُطرح للحوار والنقاش.. الإسلام ليس قضية مطروحة للنقاش لا في فضائية من الفضائيات ولا في مجلس من المجالس سواء كان هذا المجلس رسمياً أو غير رسمي الإسلام بالقرآن والسنة بأركانه وأصوله وثوابته ليس قضية مطروحة للنخبة من المثقفين أو الليبراليين أو العلمانيين أو المفكرين أو الأدباء أو حتي العلماء ومن ثم فينبغي علي المتحاورين علي الفضائيات وعلي صفحات الجرائد والمجلات أن يعلموا فيما يتحاورون وأن يقفوا عند حدود النقاش والحوار فللحوار وللنقاش حدود لا ينبغي لأحد مهما علا كعبه ومهما كبر قدره وقيمته وعلمه أن يتجاوز هذه الحدود ليجعل من القرآن أو من السنة الصحيحة للنبي عليه الصلاة والسلام أو بركن من أركان الدين أو من الثوابت والأصول في ديننا أن يجعل من هذا كله قضية مطروحة للأخذ والرد وللقيل والقال وللنقاش فالمسلمون علي وجه الأرض عامة وفي مصر خاصة لن يقبلوا أبداً أن يُطرح كتاب ربهم وأن تطرح سنة نبيهم صلي الله عليه وسلم للحوار وللنقاش مهما علا قدر المتحاورين والمناقشين وهذا أصل لابد أن يكون واضحاً جلياً راسخاً في القلوب والعقول وها أنا ذا أخاطب به الآن النخبة في مصر ليعلم كل أحد في ما يحاور وليقف علي حدود الحوار والنقاش أول أدب أن نصحح النية وأن نحدد الهدف وأنا أسأل الآن المتحاورين علي شاشات الفضائيات ممن يريدون أن يزعزعوا أمن هذا البلد واستقراره بهذه الشائعات والشكوك وإثارة الفتن باسم النقاش وباسم الحوار وباسم الحريةلا ينكر أحد أننا نعيش الآن عصرا من عصور الحرية لم نتنفس شذاها بهذا العبير من قبل ولكن! هل معني ذلك أيها العقلاء وأيها الأوفياء وأيها السادة من المثقفين؟ هل معني ذلك أن تكون حريتنا حرية متفلتة من الضوابط الشرعية ومن القيم المنهجية والأخلاقية؟هل معني ذلك أن تكون حريتنا حرية منفلتة من كل قيمنا لمجتمعنا المسلم؟ هل هذه هي حقيقة الحرية التي ناديتم وتنادون بها؟ بئس الحرية إذن!! أن يقول كل واحد منا ما يشاء وما يريد حتي ولو كان ذلك علي حساب الآخرين وعلي حساب المصلحة العليا لهذا البلد والوطن بئس الحرية إذن!! هذه ليست حرية شرعية وليست حرية منضبطة بضوابط القرآن والسنة فالإنسان حر في قوله وفعله ما لم يؤذ الآخرين فضلا عن أن يكون ضرره واقعاً علي المجتمع بأسره. إن ترك الألسنة تُلقي التهم جزافا دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء ثم يمضي أمنا مطمئنا فتصبح الجماعة المسلمة وتُمسي وأعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد فيها متهم ومشكوك فيه فأنا أري أن الشعار المرفوع الآن الشعب يريد إسقاط الشعب الشعب يشكك في الشعب حتي أصبحنا نشك في كل أحد ولا نثق في أي أحد وإذا تكلم أي إنسان ..ها عاوز إيه؟قصده إيه؟ نيته إيه؟ لأ دا نيته كذا وصار الاتهام للنيات وللمقاصد فأنا اقول أول أدب ينبغي أن نتحلي به جميعاً أن نصدق النية وأن نحسن النية وأن نطهر السريرة والقلوب والطوية لنحدد الهدف من هذه الحوارات ..ما الهدف من هذه الحوارات؟هل الهدف إثارة الفتنة؟ إثارة البلبلة؟هل الهدف أن يتمني الناس مرة أخري يوماً من الأيام الماضية أو يوماً من الأيام الفائتة؟ما الهدف من الحوار عند الصادقين أن يقدموا مصلحة الدين ثم مصلحة هذا البلد ثم مصلحة هذا الوطن وأن نقدم الأولي فالأولي لابد من فقه للأولويات الذي يحتاجه بلدنا الآن؟ وما الذي ينبغي أن نطرحه الآن للحوار؟ وما الذي يجب أن يركز عليه الصادقون المخلصون لتدور عجلة الإنتاج وينصلح حال امتنا وينجلي للجميع الحق الساطع. يجب علي الجميع أن يقدم مصلحة الدين ثم مصلحة البلد علي مصلحته الشخصية وعلي مصلحته الفئوية الضيقةحتي ولو كان ما يُطالب به الآن حق مشروع لكن الأوليات ينبغي أن تقدم الآن لتنهض بلدنا من كبوتها ولتستفيق مصرنا من رقدتها لأن البلد يمر الآن بأزمة حقيقية يجب علي العقلاء الصادقين أن يعرفوا خطر هذه الأزمة وأن يساهم كل صادق بكلمة طيبة وبجهد صادق وبعمل مخلص بناء لتدور عجلة التنمية وعجلة الاقتصاد لأنه لن تكون كلمتنا من رأسنا إلا إذا كانت لقمتنا من فأسنا إن أعظم خدمة يا شباب تقدمونها اليوم لدين الله ولبلدكم أن تبدعوا. أن تعملوا. أن تنتجوا. أن تكونوا قادة وسادة أن تتحركوا لتديروا دفة التوجيه والعمل في بلدكم فلسنا أقل من شباب أوروبا ولا من شباب اليابان ولا من شباب أمريكا بل أنتم الأطهار أنتم المتوضئون أنتم الموحدون أنتم المتبعون للنبي محمد صلي الله عليه وسلم ينبغي أن نكون علي مستوي هذا الدين ثم علي مستوي وقدر ومكانة مصرفمصر كنانة الله في أرضه الذي أوصي بها وأهلها سيدنا رسول الله صلي عليه وسلم فلنحدد الهدف من حواراتنا الكثيرة هل الهدف أن نثير البلبلة؟ أم الهدف أن نصل للحق وأن ننهض ببلدنا من كبوتها وأن نخرج مع بلدنا من هذه الأزمة الحالكة لو حددنا الهدف لتحددت الكلمات وكانت الكلمات وقورة مهذبة مؤدبة صريحة واضحة صادقة فالمرحلة يا أحبابي لا تحتمل الاتيكيت الفكري ولا تحتمل بما يُعرف بدبلوماسية الحوار بل يجب أن يكون المتحاورون من الصدق بمكان ومن الصراحة والوضوح بمكان لنقف علي أرض صلبة ولنقدم لبلدنا رؤية واضحة.