رجل ستيني.. يلتف حوله كل المتظاهرين في ميدان التحرير.. يستمدون منه الإرادة الحديدية والتصميم علي إسقاط النظام القديم بكل رموزه.. كافح في سبيل تحقيق هذا الحلم الكثير ابتداء من تركه قريته بمحافظة كفر الشيخ منذ انفجار ثورة 25 يناير 2011 حتي اليوم.. ويرفض الذهاب لاهله الا بعد ان تتحرر ارادة الوطن ويختار الشعب رئيسه بالانتخاب الحر النزيه لاول مرة في تاريخه.. ويعلن استمراره في الاعتصام بالميدان لو تم تزوير ارادة الشعب واعتلي كرسي الرئاسة احد الفلول مرة اخري.. انه الحاج محمد ابو عطيان الذي حمل القاباً كثيرة منها ¢ لقمان الميدان - مسمار الميدان - ابو الثوار.. ..¢ ووصل عددها إلي 15اسما آخرها ¢أبو مينا ¢ وهو ما تحفظ عليه قائلا ¢ نعم أنا أب لكل الثوار ولكن اسمي محمد وغير مقبول ان يتم تلقيبي ب¢أبو مينا ¢رغم تأكيدي أن النسيج الوطني لا يفرق بين مسلم ومسيحي شاءت الأقدار ان التقي به علي غير موعد أثناء تجولي في ميدان التحرير فوجدت كثيراً من المتظاهرين يلتفون حوله ويأخذون صورا تذكارية معه ويستمعون إلي نصائح غالية منهم تبث فيهم روح الثورة وتشحذ عزيمتهم بأنه لا تراجع ولا استسلام حتي تحقق الثورة كل أهدافها وعدم الانخداع بالمسكنات والمماطلة والتسويف الذي يتعرض له الثوار حتي وصل الأمر إلي تمزيق صفوفهم.. سألت الشباب عنه فقالوا : انه عم محمد لقمان الميدان.. وقال آخر ¢ مسمار الميدان ¢ وقال ثالث: ابوالثوار.. وقال رابع: عم محمد أبو مينا دنيال.. تعجبت من هذه الالقاب اقتربت من الرجل وسألته: ماهي حكايتك ياعم محمد؟ فرد بصوت كله صبر وحكمة: انا مصري عاني كثيرا في ظل النظام الفاسد مثل كل المصريين الا انني اتمتع بارادة وتصميم علي الاستمرار في الاعتصام بميدان التحرير حتي تتحقق كل مطالب الثورة حتي لو بقيت في الميدان عشر سنوات. قلت له : حدثني بالتفصيل اكثر ياعم محمد عن نفسك حتي تكون قدوة لغيرك من الثوار؟ فرد باسما : انا لااحب ان اتحدث عن نفسي كثيرا ولكن طالما انا مصصم فأنا رجل مصري من محافظة كفر الشيخ مواليد 1954 حصلت علي مؤهل متوسط وكنت اعمل موظفا ورزقني الله تسعة ابناء في مختلف المراحل العمرية منهم ثلاثة مهندسين والباقي في مختلف مراحل التعليم جاء بعضهم معي إلي ميدان التحرير وانضم آخرون إلي متظاهري الإسكندرية. سألته: عم محمد ما هي قصتك مع الثورة بالضبط؟ أجاب بكل تفاؤل : بدأت مشاركتي بمحافظة الإسكندرية منذ بداية الثورة حتي يوم التنحي وبعدها انتقلت إلي ميدان التحرير بالقاهرة ولم اذهب إلي قريتي إلا مرات معدودة آخرها في عيد الاضحي الماضي ومن يومها حتي الآن وأنا مرابط ومقيم بالميدان سألته : معني هذا انك شاهد عيان علي كل الأحداث مثل اشتباكات مجلس الوزراء ووزارة الداخلية والسفارة الإسرائيلية والعباسية وغيرها فماذا تقول؟ رد بكل ألم: للأسف الشديد فإنني شاهدت بعيني اليوم الذي يقتل فيه المصري شقيقه المصري بدم بارد وكأنه عدو له وليس شقيقه في الوطن.. ورأيت البلطجية الذين تم استئجارها لقتل الثوار.. وتعرضت للضرب المبرح من بعض ¢ ولاد الحرام ¢ الذي لم يرحموا شيبتي وسحلوا أبناءنا وبناتنا بلا رحمة.. رأيت جميع القوي السياسية تتصارع علي اقتسام الكعكة حتي وصل الأمر الي الصراع الذي مزق صفوف الثوار وأعاد الفلول الي صدارة المشهد حتي أنهم ترشحوا في الانتخابات الرئاسية وتم تمهيد الطريق لهم بالتزوير والمكائد والوقيعة بين الثوار حتي اقتتلوا وخونوا بعضهم ووقف الفلول يترصدون الموقف من بعيد حتي ينقضوا علي الثورة ويسحلوا الثوار ويجعلوا الشعب يتندم علي اليوم الذي حدثت فيه الثورة ويترحم علي أيام مبارك ونظامه الفاسد. يتنهد أبو الثوار يكمل : الي هذا الحد وصل التلاعب الثوار حتي جاء الحكم الأخير علي مبارك وعصابته ليفجر ثورة الغضب من جديد ويجمع صفوف الثوار ويظهر لهم الوجه القبيح لمن يقودون البلاد ويريدون أن يسلموها من جديد للفلول تحت زعم أنهم الذين سيوفرون لهم الأمن والأمان وهذا أمل مستحيل كمن يريد من الذئاب أن تحرس الغنم الي هذا الحد وصل التزييف الذي روج له اعلام الفلول الذي ما زال بث سمومه حتي الان مما ثار البلبلة وقلب الموازين الي ان صدر الحكم ونزل الثوار الي الميدان بعد ان استشعروا الخطر او ثورتهم ضاعت ودماء الشهداء ذهبت سدي. سألته: عم محمد ما الحل من وجهة نظرك وسط هذا الجو المحير الذي يجعل المستقبل ضبابياً وغير واضح؟ قال : ما ضاع حق وراءه مطالب.. وبقدر تمسك الثوار بثورتهم ووعيهم بمؤامرات الفلول واستعدادهم للتضحية بمصلحة الوطن من اجل مصالحهم الشخصية المرتبطة ببقاء النظام السابق واستعادته ولو في شكل جديد مع اختلاف الأشخاص.. ومن خلال التجارب منذ بداية الثورة حتي الآن فإن المجلس العسكري لا يستجيب لمطالب الثوار إلا وهم في الميدان وبالتالي كلي إيمان ¢ لن تتحقق المطالب الا بالميدان والبقاء فيه حتي لو استمر ذلك سنوات ¢ ويذكرني الموقف الحالي ببيت الشعر الشهير لأبي القاسم الشابي: اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر