من الشخصيات التي رافقت الامام الراحل الشيخ عبدالحليم محمود كثيرا في الداخل والخارج الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق الذي يصف الراحل بأنه : يمثل العالم العامل الزاهد القانع المحتسب المتجرد لله سبحانه وتعالي. كان همه الأول الدعوة الاسلامية والأزهر الشريف الذي سعي لأن يسد الأزهر كل الثغرات والمنافذ التي يدخل من خلالها أعداء الاسلام. يتذكر الشيخ عاشور أنه سافر مرافقا للدكتور عبد الحليم محمود والشيخ الذهبي وزير الأوقاف آنذاك الي دولة باكستان عام 75 لحضور المؤتمر الأول عن السيرة والسنة النبوية بمشاركة جميع وزراء أوقاف العالم الاسلامي وإمامي الحرمين المكي والنبوي. فكان الشيخ عبد الحليم محمود هو البلسم والمرجع للجميع. وكان المؤتمر يعقد كل يوم في ولاية من ولايات باكستان. ويقول عاشور: حينما حضرت صلاة الجمعة كنا في العاصمة كراتشي ودخل سائق سيارة الراحل من باب الجماهير دون باب كبار الزوار فتكالبت الجماهير عليه مندفعة بشكل غير مسبوق حتي أنه لم يستطع منهم فكاكا وناداني: الحقني يا محمود وحوش عني الناس. فما استطعت إلا أن التقط حذاءه لأن الجماهيرانكبوا يقبلون أي شيء يلمسونه من الشيخ عبد الحليم وقلت له: ربنا يتولاك يا مولانا .. واستغرقنا ساعة ونصف حتي نصل المنبر وكان من المفترض أن يلقي هو خطبة الجمعة لكنه أرهق تماما فطلب من الشيخ الذهبي أن يلقي الخطبة وعندما سئل الباكستانيون لماذا يفعلون هذا وعندهم رؤساء وزعماء وملوك كثر؟ أجابوا: هؤلاء كثيرون لكن شيخ الأزهر والاسلام هو شخص واحد. يستطرد الشيخ عاشور قائلا: كان الراحل نموذجا للأب والصديق. وكنت أدخن السجائر لكن في عدم وجوده ولم يعرف بذلك إلا عندما دخل المكتب ذات يوم فشم رائحتها وسأل: من يدخن السجائر؟ فقالوا له: محمود .. وحينما كنا في باكستان سألني: إيه أخبار السجائر هنا؟ هل ستشتري؟ وأعطاني لأشتري خرطوشة لابنه د. منيع رحمه الله .. فقلت له: وهل تعرف أنه يدخن؟ وهل تشتريها له؟ فأجابني : نعم. ومرة أخري جاءت دعوة من زعيم مسلمي آسيا الوسطي ضياء الدين بابا خانوف الي الشيخ بيصار المفتي والشيخ الذهبي وزير الأوقاف وكنت أنا ثالثهما عن الأزهر لزيارة روسيا وكنت وقتها أرتدي البدلة فطلب من الراحل أن ألبس الزي الأزهري فرفضت وقلت: هل من أجل زيارة 3 أيام أرتديه؟ فقررت الاعتذار لكن الراحل أرسل في طلبي وسألني وهو يحرك مسبحته في يده: ألست أنت خريج الأزهر؟ فأجبته بنعم. فسألني: وبماذا يعرف الأزهري؟ قلت: بعمله. قال: لا بزيه قبل علمه. وصرحت له بعدم رغبتي في ارتداء الزي الأزهري فقال لي: اذهب وإن شاء الله يشرح صدرك وتسافر. ثم فوجئت بسكرتيره موسي محمد علي يأتيني "بلفة" ويقول لي: هذه من الشيخ عبد الحليم محمود .. أنا شغال عندكم ياعم!! ففتحتها فإذا بها عمة وكاكولا. هكذا كان الراحل يحل الأمور بهدوء وذكاء وقبول من الناس.