تعالت الأصوات المطالبة باستقلال الأزهر الشريف عن الدولة، وبضم دار الإفتاء و وزارة الأوقاف له، بحيث تتم عودته إلي سابق عهده والذي كان فيه المؤسسة الدينية الأولي في مصر ويتفرع منها كافة المؤسسات الدينية الأخري كالأوقاف والإفتاء، وكان هذا هو الوضع المعمول به حتي ثورة 23 يوليو 2591، ولكن هذا الوضع تم الالتفاف حوله، من خلال قانون تطوير الأزهر رقم 103 لعام 1961 وكان هذا القانون هو بداية تغيير الأزهر حيث أصبح شيخه بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية ولا يمكن عزله وتم إلغاء هيئة كبار العلماء واستبدالها بمجمع البحوث الإسلامية، وتم الاستيلاء من قبل الدولة علي أوقاف الأزهر وتفكيكه من مؤسسة دينية جامعة إلي المؤسسات الدينية الموجودة اليوم.. علماء وشيوخ الأزهر اختلفوا فيما بينهم حول مدي إمكانية تحقيق تلك المطالب فقد رأي البعض ضرورة الاستقلال عن الدولة و إمكانية ضم الأوقاف والإفتاء للأزهر الشريف، ورأي البعض الأخر أن عملية الضم والدمج تزيد من أعباء ومسئوليات الأزهر وأن الأزهر، يتمتع بالفعل بالاستقلالية فيما يصدر عنه. يطالب فضيلة الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الأسبق، باستقلال الأزهر عن الحكومة ماليا وإداريا، ليكون مؤسسة دولة لا مؤسسة حكومة.. ويقول : كما يجب أن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب، وأن تعود هيئة كبار العلماء للاجتهاد والإفتاء مع الإبقاء علي مجمع البحوث الإسلامية للجهد الفكري، كذلك لابد من باعادة النظر للمناهج والمقررات وسنوات الدراسة والتدريب اللازم لكل مستوي من علماء الدعوة.. ويقول: يجب صدور مرسوم بإلغاء حقيبة وزارة الأوقاف من التشكيل الوزاري، ونقل جميع أملاكها وهيئاتها واختصاصاتها وموازنتها وجميع العاملين فيها من أزهر كأحد قطاعات الدعوة بالأزهر، و كذلك صدور مرسوم بنقل دار الإفتاء ومخصصاتها وأملاكها واختصاصاتها وموازنتها وجميع العاملين فيها من وزارة العدل إلي الأزهر كأحد قطاعات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أيضا لابد من صدور مرسوم بتكليف الأزهر الجديد بإعداد مشروع قانونه، تمهيدا لعرضه علي الهيئة التشريعية الجديدة بعد إنجاز الدستور الجديد، علي أن يتضمن مشروع القانون الجديد تحديد التوقيت المناسب لانتخاب شيخ الأزهر، فضلا عن نوابه ووكلائه، وذلك بعد التطور الجديد بالمؤسسة في إطار القانون الجديد. سبل تقوية الأزهر و يري فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لابد أولا قبل أن نطالب باستقلال الأزهر أن نبحث عن مصدر إنفاق لكي يستقل. ويقول: ميزانية الأزهر مليارات تخصص للجامعة وللمعاهد الأزهرية ولمدينة البعوث الإسلامية، و الدخل الذي تدره الأوقاف والتي يطالب البعض بضمها هي ودار الإفتاء للأزهر الشريف لا يمثل شيئا يذكر علي الإطلاق مقارنة بما يحتاج إليه الأزهر الشريف من دعم مادي. وما يحتاج إليه الأزهر هو أن نصلح من شئونه ونرعاه ونفعل دوره، ونعيد له مكانته العظيمة، نرجع له دوره القديم فيكون المرجعية الدينية للعالم الإسلامي أجمع، فلابد أن نفكر في سبل تقوية الأزهر الشريف، وأن نحسن اختيار علمائه. ويضيف عاشور: والعاملون بكل من الأوقاف والإفتاء هم بالأساس أبناء الأزهر، يطبقون ما تعلموه فيه ويسيرون وفق نهجه، وضمهم بمؤسساتهم للأزهر الشريف من شأنه زيادة الأعباء والمسئوليات، وكلما زادت تلك المسئوليات كلما قلت القدرة علي التحكم فيها والسيطرة عليها، ويكفي الأزهر تحمل مسئولية الجامعة والمعاهد الأزهرية التابعة و عددها ضخم جدا، ومسئولية مدينة البعوث الإسلامية، في الماضي كان هذا الضم الذي ينادي به البعض موجودا لكن كم كان عدد المعاهد الدينية علي سبيل المثال.. كان عددها 7 معاهد فقط، والقضية ليست توسيع سلطة الأزهر وضم المؤسسات الدينية له بقدر ما هي إحكام السيطرة والقيادة والقدرة علي الإصلاح، وإدارة الشئون بشكل صحيح و وفقا لمعايير صحيحة وثابتة و واضحة. إصلاح المؤسسات الدينية يقول د.أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: كان لي شرف عرض رؤية إصلاحية للمؤسسات الدينية في مصر علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، تتضمن إصلاح الأزهر بهيئاته، فبالنسبة للأزهر الشريف أوضحت أنه لابد من إعادة الدور الدعوي له، لان العمل الدعوي في الأزهر خاصة في الداخل قد تم تحجيمه، وصار الأزهر مؤسسة تعليمية لا أكثر من هذا، وبالتالي ترك المجال للدخلاء وأدعياء الدعوة ممن ينتمون لجماعات ولطرق ولفرق تجهل الأسس السليمة للدعوة الإسلامية، وظهرت قنوات فضائية منسوبة إلي الدين تنشر التعصب والتمذهب والتحزب وتخدم تيارات منسوبة كذبا لدين، يحدث هذا في الوقت الذي يزخر الأزهر بأهل الدعوة أصحاب الخبرة، والذين لا يستفاد منهم، بل انهم يتعرضون للتهميش. ويضيف د.كريمه: ومن الأمور التي قمت بعرضها كذلك قصر عضوية مجمع البحوث الإسلامية علي دعاة مصريين، وهذا تحجيم للدور العالمي للأزهر، بالإضافة إلي أن المجمع يضم في أعضائه أصحاب تخصصات لا يجوز أن يطلق عليها علماء الإسلام كالقانونية والعلوم الطبيعية، فهؤلاء مع تقديرنا لهم خبراء لكن من العيب أن يقال عليهم علماء الإسلام، ويجب إعادة هيئة كبار العلماء الذين يتخصصون في أصول الدين والشريعة الإسلامية، وقصر العضوية عليهم، وفتح المجال للعلماء المشهورين في العالم الإسلامي . ويؤكد د.كريمه، أنه لإحداث تطوير حقيقي للمؤسسات الدينية في مصر يجب كذلك أن يتم اختيار كل من شيخ الأزهر ومفتي الديار بالانتخاب ووفق ضوابط معينة ولو كانا غير مصريين، و يقول: فلا ننسي أن الشيخ الراحل الخضر حسين - رحمه الله- كان من تونس، و أحد وكلاء الأزهر فيما مضي كان من السودان، وإذا تحقق ذلك سوف تختفي المرجعيات الدخيلة المعروفة الآن .كذلك أوضحت أن وزارة الأوقاف يجب أن تضم للأزهر الشريف، ويعود الوعاظ وكل الأمور المتعلقة بشئون الدعوة إلي الأزهر، وأن تقتصر مهمة الأوقاف علي استثمار وتنمية الأموال الموقوفة لصالح الدعوة الإسلامية، والعاملين عليها وتحسين أوضاعهم. ويوضح د.حامد أبو طالب العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية: أن الأزهر الشريف منوط بأداء وظيفتين، الأولي تعليمية حيث يقع عليه عبء النهوض بالتعليم الديني في مصر، والثانية دعوية علي مستوي العالم أجمع، ويقول: وإن كانت الوظيفة الثانية تحتمل أن يكون الأزهر مستقلا عن الدولة، فهو في الأولي لا يمكنه ذلك، فهو يضع خطة تعتمد ميزانيتها وأهدافها الدولة، ومن ثم فلا يعقل أن يكون الأزهر مستقلاً تمام الاستقلال عن الدولة، بمعني أنه يعيش في واد والحكومة في واد آخر . لكن يمكننا أن نفهم الفكرة أو المطالب التي تنادي بالاستقلال، علي أن الأزهر يجب أن يكون مستقل فليس لأحد عليه سلطان، وبمعني ألا يتدخل إلا رجاله في شئونه، و هو الآن بالفعل مستقل علي هذا النحو فلا تتدخل الحكومة و لا تفرض رأي علي الأزهر، أو توجه توجيه معين إنما كل ما يقال في هذا الصدد محض افتراءات، ولم يحدث أن شيخا من شيوخ الأزهر أشار أو اشتكي من أن الدولة تتدخل في شئون الأزهر، وقد حدث ذات مرة أن حاولت الحكومة التدخل في عهد فضيلة الإمام الأكبر د.عبد الحليم محمود- رحمه الله- فاعتزل المشيخة وبقي في بيته إلي أن ذهب إليه الرئيس الراحل محمد أنور السادات - رحمه الله- و استجاب لمطالب فضيلته، و أيا كان الحال فالأزهر الشريف علي النحو الذي يعيش فيه مستقل، ونؤيد بالطبع فكرة عدم إملاء أي أمر علي الأزهر، وبسط الميزانية له بمعني أن ترتفع ميزانيته، وأن يتم التوسيع علي العلماء والدعاة والعاملين به.وفيما يتعلق بضم وزارة الأوقاف إلي الأزهر . ويري د.أبو طالب أن إضافة عبء كبير و وظيفة ثالثة علي عاتق الأزهر وشيخه أمر غير مرهق و لا عائد منه.. ويقول : إذا ضُمت المساجد و التي يقدر عددها بمئات الآلاف بموظفيها والعاملين فيها فهذا عبء جديد شديد علي شيخ الأزهر، ومن ثم فقد تتسع الأمور أكثر ولا يحدث النهوض الذي ننشده جميعا، وأري إبقاء الأوقاف علي ما هي عليه، وتنهض بمفردها بالعبء الخاص بها، حتي يمكن تجويد الأداء، لكن أن نُحمَّل شيخ الأزهر عبء الدعوة في الخارج والداخل، وعبء التعليم الديني في مصر الجامعي وما قبل الجامعي، وإضافة إلي ذلك أعباء الأوقاف ونضخم من وظيفته ومسئولياته فهذا حمل لا يستطيع أي شخص مهما أوتي من القوة والقدرة والحكمة والعمل القيام به، أدائه بالشكل المطلوب.. لكن فيما يتعلق بضم دار الإفتاء،أري أن ذلك أمر ممكن الحدوث علي أساس أن المفتي شخص واحدا وإدارة الإفتاء صغيرة لا تمُثل أي عبء، ومن ثم يمكن أن يكون المفتي تابعا للأزهر علي أساس أن يكون الرأي دائما واحد و منسجما وهو الآن كذلك حيث إن علماء الأزهر والإفتاء والأوقاف كلهم أعضاء في مجمع البحوث الإسلامية، ينسقون الأمور فيما بينهم ومن ثم فلا يوجد اختلاف بينهم.